بسم الله الرحمن الرحيم[1]
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا وحبيب قلوبنا، أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين، أرواحنا له الفداء.
بداية نشكر الله العظيم أن تلطّف بنا فوفّقنا مجدّداً بعد حرمانٍ بضعَ سنوات كي نكون في خدمة الأهالي الأعزّاء لهذه المدينة والزوّار المحترمين الذين قدِموا إلى هنا من مختلف أنحاء البلاد. لا شكّ ولا ريب في أنّ هذا المكان أرقى نقطة وأفضلها في بلدنا العزيز والواسع. ونشكر الله أنّنا نلتقيكم، يا أهلنا الأعزّاء: الناس المؤمنين والمفعمين بالدوافع، والمجاورين والزوّار، في هذا المركز المهمّ ومقرّ الروحانيّة وموضع تنزّل الملائكة الإلهيّين.
كان هناك في هاتين السنتين أو الثلاث ابتلاء عام، وبحمد الله، جرى احتواؤه إلى حد ملحوظ وكبير. أشعر هنا أن من واجبي أن أشكر بصدق كل أولئك الذين بذلوا الجهود في كبح هذه البلية والمرض العام، من الباحثين الذين حددوا هذا الفيروس المنحوس في مختلف المختبرات في البلاد وأعدّوا لقاحاً له، إلى أولئك الذين أنتجوا وصنّعوا هذا اللقاح في مراكز صناعة الدواء والمراكز الصحية في البلاد، وإلى الأطباء والممرضين الذين ساعدوا في إيصال هذا اللقاح إلى شعبنا، وكذلك الذين أقبلوا على تلقّي اللقاحات وساعدوا وبذلوا الجهود أو استضافوا مرضاهم، وإلى أولئك الذين تطوعوا لمساعدة المرضى جنباً إلى جنب مع الأطباء والممرضين، وإلى أولئك الذين ساعدوا في توفير مستلزمات الوقاية من المرض مثل اللقاحات والإمكانات التي استلزم الأمر إنتاجها، وتعاونوا وساعدوا. أرى أنه يجدر بي أن أتقدّم بالشكر إلى هؤلاء جميعهم. ندعو الله المتعالي أن يزيل هذه البلية عن شعبنا العزيز والشعوب الإسلامية وشعوب العالم كافة، إن شاء الله. إذا قلّل الإخوة والأخوات الأعزاء من هذه الهمهمة قليلاً - إن شاء الله - فسأحدّثكم بما أعددته للحديث معكم. والآن، من أجل المساعدة في تهدئة هذه الهمهمة في الأجواء، ارفعوا صوتكم بالصلوات.
الموضوع الذي اخترته لحديثي اليوم مستلهم من دعاء بداية العام. نقرأ في دعاء تحويل العام: «يَا مُحَوِّلَ الحَوْلِ والأَحْوَالِ حَوِّلْ حَالَنَا إِلَى أَحْسَنِ الحَالِ»[2]. إن موضوع حديثي اليوم هو التحوّل، أي تغيير الحال، تغيير الوضع. بالطبع، ينبغي أن نطلبه من الله، ولكن يجب أن نسعى. غالباً ما يستجاب الدعاء والتضرع والطلب من الله المتعالي عندما يخطو المرء في طريق ما طلبه من الله. إنكم تدعون من أجل شفاء مريضكم، ولكنكم تراجعون الطبيب أيضاً، والله المتعالي يستجيب دعاءكم. نحن نطلب التحول من الله ولكن علينا أن نسعى بأنفسنا أيضاً؛ سعينا هو الذي يؤدي إلى أن يشمل الله المتعالي حالنا بتفضلاته ويحقق لنا ذاك المطلوب.
تحدثت في الماضي بضع مرات وفي خطابات عامة عن التحول في المجتمع والنظام والبلاد. اليوم سأتحدث بخصوصيات أكثر في هذا المجال، وهذه لازمة لأهمية القضية. انظروا؛ يجب أن تُطرح القضايا الرئيسية على الرأي العام، ويجب أن يتعرف الرأي العام إلى الاحتياجات الأساسية؛ [حينها] سيجري تفعيل مثلُ هذه التفكّرات، [وإنتاج] الأفكار الجديدة، والمفكرون الشباب ينشطون بشأن القضايا المهمة التي تطرح على الرأي العام، ويوصلونها إلى الإجماع. لذا، نطرح القضايا المهمة ومن جملتها قضية التحول هذه. إذا لم يرحب الرأي العام بفكرة، فلن تصل هذه الفكرة إلى التطبيق والتحقق. ستكون مجرد ذبذبات في الأجواء، فيقول الإنسان شيئاً ثم يُنسى أو [ستكون] بضعة أسطر على الورق. من أجل أن تتحقق الرغبات والمطالب الكبيرة، يجب أن تُطرح على الناس وأصحاب الفكر والرأي العام الشعبي. حسناً، سأطرح اليوم هذا الموضوع وسأناقش بعض جوانب هذه القضية [لكنّ] مواصلة المناقشة ومتابعتها تقعان على عاتقكم: أيها الشباب، وأيها المفكرون، وأيها الطلاب والجامعيون. فيجب أن تجلسوا وتتناقشوا.
أول موضوع لا بد من قوله في هذا الصدد هو تبيين مرادنا بالتحول. ماذا يعني التحول؟ التحول يعني التبدّل. ما الشيء الذي نريده أن يتبدّل ويتغيّر؟ هذه المسألة الأهم. أعداء النظام الإسلامي يقولون «تبدّل» أيضاً وهم يسعون وراء التبدّل أيضاً [لكن] التبدّل الذي يرومون هو النقطة المقابلة تماماً لما نقصده. إنهم يتحدثون عن هذا التبدّل، وللأسف، بعض الأشخاص في الداخل يتّبعونهم أو يقلّدونهم ويقولون تلك الأقوال نفسها بعبارات أخرى. مثلاً، «تغيير الدستور» أو هيكل النظام الإسلامي. هذا كلام الأجانب نفسه، كلام الأعداء عينه، لكن العنصر الداخلي يكرر ذلك تارة عن غفلة أو إهمال، وتارةً بدوافع أخرى. ما يسعى إليه العدو ويسميه تبدّلاً هو تغيير هوية الجمهورية الإسلامية. أعداء إيران الإسلامية هم الاستكبار والصهيونية. هؤلاء يعارضون هوية الجمهورية الإسلامية. إذا قالوا التغيير والتحول وتغيير الهيكل والثورة وما شابه، فمقصودهم تغيير هوية الجمهورية الإسلامية. هدفهم إزالة كل ما يذكّر الناس بالثورة والإسلام: الإسلام الأصيل والإسلام الثوري. إنهم ضد ترديد اسم الإمام [الخميني]، وضد طرح تعاليمه، وضد قضية ولاية الفقيه، وضد «22 بهمن»، وضد «يوم القدس»، وضد الانتخابات في الجمهورية الإسلامية والمشاركة الحماسية للشعب. إنهم ضد أيّ شيء تكون فيه دلالة بارزة على الإسلام الثوري والجمهورية الإسلامية. وجهة نظرهم هي تغيير هذه الأشياء. إذا نطقوا باسم التغيير الهيكلي والتحول، فمقصودهم أنهم يريدون القضاء على هذه الأمور التي هي للمصادفة نقاط القوة لبلدنا كافة، ونقاط القوة للجمهورية الإسلامية.
باختصار، إن هدف العدو هو تغيير نظام السيادة الشعبية الإسلامية إلى حكومة وفق مَيْل الاستكبار. إنهم يسعون في إيران من أجل وصول حكومة تطابق ذوق الاستكبار: إما حكومة فردية ليتسلّم السلطة فرد مطيع لهم، وإما حكومة في الظاهر هي ديموقراطية غربية لكنها [حقيقة] ديموقراطية كاذبة وخادعة، وإنما خاتم في يدهم وتتحرك وفق رغبتهم وتحت إمرتهم. إنهم يرومون إلى هذا. يسعى الاستكبار في إيران إلى حكومة يمكنه أن يهددها أو يطمّعها، ويمكنه بالتهديد والتطميع أن يحقق رغباته وينهب البلاد ويكتسب هيمنة سياسية أو اقتصادية. إنهم يرومون إلى هذا. التغيير الذي ينطق باسمه العدو، والتحول الذي يطرحه أعداء الجمهورية الإسلامية، تغيير من هذا النوع.
ما أتحدث عنه بعنوان التحول مختلف تماماً عن هذا الذي يتردد أحياناً على ألسن الأعداء. ما أعنيه بكلمة «التحول» هو تغيير الأجزاء والنقاط المعيوبة، سواء في النظام الإسلامي أو المجتمع الإيراني. لدينا نقاط معيوبة وأجزاء ضعيفة ونقاط ضعف. يجب أن نتعرف إلى نقاط الضعف هذه ونحددها، وبإرادة حازمة - سأتحدث الآن عن أنها ليست مَهمة سهلة أيضاً - نعالج نقاط الضعف ونحوّلها إلى [نقاط] قوة، وسوف أتطرق إلى بعض الأمثلة عليها لاحقاً.
بالطبع هذا عمل صعب وشاق ويتطلب ثقة وطنية بالنفس. إذا كان شعب يثق بمواهبه وبقدراته، فإنه قادر على الإجراءات التحوّلية. يمكن للشعب الواثق بنفسه أن ينفذ إجراءات تحوّلية جيداً، ومسؤولو الشعب هذا سيتجرؤون على الحديث عن التحوّل واتخاذ إجراءات. طبعاً، وبحمد الله، شعبنا يمتلك ثقة بالنفس. شعبنا شعبٌ يمتلك عزة وثقة بالنفس، وهو طامح للاستقلال وشجاع، وجميعكم شاهدتم نماذج ذلك، وسوف أتحدث عن بعض النماذج لاحقاً. أظهر شعبنا في مختلف المجالات أنه يثق بنفسه وبقدراته.
هذه هي النقطة: إذا أردنا أن يحدث التحول، فنحن بحاجة إلى الثقة بالنفس الوطنية. هذا أولاً. ثانياً، نحن بحاجة إلى اليقظة. إذا لم نكن متيقظين، وإذا كنا غافلين، فمن الممكن أن نسبب ضرراً لنقاط قوتنا تحت عنوان التحوّل وباسمه، والمرء يشاهد ذلك أحياناً. هناك بعض الأشخاص حريصون على النظام ومحبّون للنظام الإسلامي والثورة، لكن تأخذهم الغفلة في بعض الأحيان، فمن أجل اتخاذ خطوة جيدة، خطوة إصلاحية، يصدر منهم تهوّر ويضرّون بنقاط القوة. ينبغي التنبّه إلى ألّا نضرب نقاط القوة. إذاً، ضعوا هذه النقطة في الحسبان.
إذا أردنا ألا تتضرر نقاط قوتنا، يجب أن نعرفها. ما هي نقاط القوة في مجتمعنا؟ يجب أن نحددها بأسلوب صحيح، وننتبه، ونتعرف إليها. سأذكر نقطة أو اثنتين. بالطبع هذه نقاشات طويلة ومفصلة، وعلى أصحاب الفكر، خاصة [أنتم] الشبابَ، أن تجلسوا وتفكروا وتعملوا عليها. أيها الشباب الأعزاء، أتوقع منكم الكثير.[3] شكراً جزيلاً، التفتوا! إنني اليوم أتحدث بإيجاز عن جانب واحد فقط من نقاط القوة هذه والباقي على عاتقكم.
من أهم نقاط القوة لدى الشعب الإيراني ومجتمعنا الإسلامي أن البنية الداخلية لمجتمعنا الإسلامي قوية وصلبة. صبّوا تفكيركم على هذه [النقطة]، فإنها مهمة للغاية. صلابة البنية الداخلية للنظام الإسلامي والشعب الإيراني. لقد أشرت إلى هذه القضية في خطاب منذ وقت قريب.[4] الآن سوف أشرح بمقدار أكثر ذلك. إن هذه الصلابة لبنية النظام الإسلامي، وهذه القوة لبنية النظام، وهذه الصلابة الداخلية للنظام الإسلامي والشعب الإيراني ناجمة عن الإيمان. شعب إيران أناس مؤمنون، وحتى أولئك الذين قد يبدو أنهم دون التزام صحيح ببعض الأحكام الإسلامية، [فإن] إيمانهم القلبي جيدٌ. لديهم إيمان بالله وبالدين وبـالقرآن وبأئمة الهدى (ع). إنهم أناس مؤمنون. الشعب الإيراني لديه إيمان وعزة وثقة بالنفس. هذه أدت إلى صلابة البنية الداخلية للشعب الإيراني والنظام الإسلامي. من أين يمكننا أن نتعرف إلى هذه الصلابة ونراها ونلمسها جيداً؟ ما علامة هذه الصلابة؟ سأذكر اثنتين أو ثلاثاً من هذه العلامات.
العلامة الأولى هي تغلّب الشعب الإيراني على سلسلة الأعمال العدائية المتتالية على مدى العقود الأخيرة. أيّ بلدٍ وأيّ ثورة تعرفونها استطاعت أن تقف وتقاوم لسنوات طويلة الضربات من أقوى دول العالم وألا تركع؟ استطاع الشعب الإيراني أن يقف بصلابة أمام سلسلة طويلة من مؤامرات العدو، بما في ذلك الانقلاب والحظر والضغوطات السياسية والهجوم الإعلامي. هذا الهجوم الإعلامي الذي أطلقوه في العالم بعنوان «رُهاب إيران والثورة» غير مسبوق ولم يُشهد له مثيل إطلاقاً. أيّ شعب عدا الشعب الإيراني يستطيع أو استطاع أن يصمد مقابل المؤامرات الأمنية؟ هذه هي الصلابة الداخلية. هذا يدل على أن بنية الشعب الإيراني بُنية قوية. هناك مثال واضح أمام أعين الجميع: في أعمال الشغب الأخيرة، وعندما أطلقوا أعمال شغب قبل بضعة أشهر وجميعهم دخلوا فيها. التفتوا! فهذه نقاط مهمة. قدّم رئيس دولة مثل أمريكا الدعم الصريح إلى أعمال الشغب الداخلية الأخيرة. دعم رؤساء جمهوريات ورؤساء حكومات في بعض الدول الأوروبية مثيري الشغب صراحةً. كانوا يشكلّون نسبة صغيرة جداً من الشعب الإيراني، صغيرة جداً جداً جداً جداً. ليس الدعم اللساني فقط [بل] قدموا الدعم التسليحي والمالي والأمني. قدّموا أشكال المساعدة وأنواعها إلى أعمال الشغب هذه، أي في الحقيقة جهّزوا أنفسهم - وفق أوهامهم - كي يُضعفوا الجمهورية الإسلامية على أقل تقدير. كان الهدف إضعاف الجمهورية لكن ما جرى على الساحة كان العكس تماماً لما أرادوه. أثبتت الجمهورية الإسلامية أنها قوية وليست ضعيفة. لقد تغلبت على مثل أعمال الشغب هذه، ومثل هذه المؤامرة العالمية، وأثبتت للعالم أنها قوية. كانت [مسيرات] «22 بهمن» 1401 أكثر حماسة ومشاركة من [مسيرات] «22 بهمن» في بضع السنوات الماضية كافة. هذا يدل على الصلابة الداخلية للشعب الإيراني. قلنا إن الشعب الإيراني يمتلك صلابة وبنية قوية. [إذاً]، إحدى العلامات التي قلتها: الصمود والمقاومة أمام المؤامرات الكبيرة.
علامة أخرى هي التقدم الكبير لدى الشعب الإيراني. إنهم لا يريدون ترديد هذه الكلمات. إن العدو مستاء جداً من تكرار هذه الكلمات، وغير راضٍ عنها، لكنها الحقيقة. لقد أحرزنا تقدّماً وسأذكر الآن بإيجاز بعضه، وأنواع التقدم هذه كلها كانت خلال الحظر وأثناء الحصار الاقتصادي وخلال أشد الضغوط الاقتصادية التي حدثت حتى هذا الحين. إنه ما قاله الأمريكيون أنفسهم. قال الأمريكيون إن الضغط الاقتصادي الذي فرضناه على إيران غير مسبوق في التاريخ. إنهم يقولون الحقيقة. رغم كل أكاذيبهم، فإنهم صدقوا في هذا القول. كان أكبر ضغط اقتصادي غير مسبوق. في مثل هذه الظروف، تقدم الشعب الإيراني. أحرز تقدماً في مجال العلم وفي مجال التكنولوجيا، واستقر ضمن المراتب الأولى على مستوى العالم في بعض المجالات العلمية: في أحدها ضمن البلدان الخمسة الأولى في العالم، وآخر بين البلدان العشرة الأولى في العالم، وآخر كذلك بين البلدان الثلاثة الأولى في العالم، من بين مئتي دولة. إن تقدمنا العلمي والتكنولوجي على هذا النحو. كان تقدّم إيران في النانو، والتكنولوجيا الحيوية، وفي مختلف القطاعات، والصحة، أفضل من كثير من الدول المتقدمة في العالم. تجلّت هذه المسألة في قضية كورونا. في المجال النووي والجو-فضاء والمجال الدفاعي؛ كلهم يتحدثون عن هذا [التقدم] في المجال الدفاعي ويعترفون به. يعترفون بأن إيران تقدمت من الناحية الدفاعية والتسليحية من أجل إيجاد ممسك ضد الجمهورية الإسلامية. لقد حققنا تقدماً كبيراً في مجال التكنولوجيا الحيوية. أشادَ العالم بنا. أشادَ بنا علماء العالم وبعلمائنا. أشادوا بعلمائنا الشباب.
[تحقّق] التقدّم في مجالات البنى التحتيّة للبلاد: الطرقات والسكك الحديديّة وإمدادات المياه وبناء السدود. [مثل مشروع] «الغدير»[5] لإمدادات المياه الذي [افتتح] في المدة الأخيرة. [أيضاً] في بناء مصافي النفط والمستشفيات إذ أُنجز كثير منها عام 1401 الهجري الشمسي، ففي [حقل] «بارس» الجنوبي هناك قسمٌ وجزء أنجزت الأعمال فيه على يد الإيرانيّين من الصفر إلى المئة. لقد تحقق [هذا التقدم]، متى؟ حينما كان هذا الحظر والضغوط الاقتصاديّة كافة. [كذلك التقدم] في إنتاج الغاز المُسال الذي كان من الأعمال المهمّة جدّاً في سبيل تحقيق انفراج للبلاد، إن شاء الله. تحقّق هذا الأمر خلال هذه المدة الأخيرة، وخلال الأوقات السابقة أيضاً أُنجزت أعمالٌ كثيرة.
[كذلك] التقدّم في ساحة العلاقات الخارجيّة حيث مارس الغربيّون الضغوط لعزل إيران. أمريكا والأوروبيّون مارسوا الضغوط لعزل إيران، والعزلة تعني في مصطلحات السياسة الخارجيّة قطع العلاقات مع الدول. عندما تنقطع علاقات الدول بدولة ما، يقولون إنّها عُزلت. ما حدث أعطى نتيجة معاكسة. نعم، تراجعت علاقاتنا مع الغربيّين - لم تكن تربطنا علاقات بأمريكا وتراجعت مع أوروبا - لكنّنا جعلنا علاقاتنا مع آسيا وطيدة مئة بالمئة. وهذا ما سنواصله بعد الآن أيضاً. سوف نواصل علاقاتنا السياسيّة والاقتصاديّة والتقنيّة والعلميّة مع هذا القسم المهمّ الذي يضمّ دول آسيا، وقد انضممنا إلى قسم من المعاهدات المهمّة. أراد العدوّ عزلنا لكنّ مساعي الشعب الإيراني وجهوده أدّت إلى أن نتمكّن من الانضمام إلى قسم من المعاهدات الإقليميّة المهمّة والمؤثّرة. لم ننعزل بل ضاعفنا حضورنا وتوطّدت علاقاتنا مع حكومات المنطقة وشعوبها. كما أنّ إقامة العلاقات القويّة مع أفريقيا وأمريكا اللاتينيّة ضمن برامجنا الأكيدة، وسوف نتابعها، إن شاء الله. طبعاً لسنا على قطيعة مع أوروبا؛ نحن على استعداد للعمل مع أي دولة وحكومة أوروبية لا تتبع السياسات الأمريكية بشكل أعمى.
أنواع التقدّم هذه تحقّقت، وهي تشير إلى صلابة واستحكام في بنية الشعب الإيراني والنظام الإسلامي. هذا التقدّم تحقّق في ظلّ الإيمان والشعور بالعزّة الوطنيّة والإحساس بالحاجة إلى القدرة المحليّة. فشعبنا ومسؤولونا شعروا بحاجتهم إلى القدرة المحليّة، وقد كانوا سابقاً يعتمدون على الآخرين والأجانب، فأدركوا أن لا قيمة لهذا الاعتماد على الآخرين، لوجوده يوماً واختفائه آخر؛ لا بدّ من الاعتماد على القدرة المحليّة. نحن حين أعلنّا «الاقتصاد المقاوم»، قلنا إنّ الاقتصاد المقاوم «داخلي المنشأ» و«منفتح».[6] «داخليّ المنشأ» يعني أنّ القدرة والموهبة والإمكانات الداخليّة لا بدّ أن تسخّر لخدمة الاقتصاد، وهو منفتحٌ طبعاً، أي نحن مستعدّون لإقامة العلاقات الاقتصاديّة مع الدول كلّها. لقد شعرنا بهذا الأمر ولمس الشعب الإيرانيّ وشبابنا ومسؤولونا أيضاً الحاجة إلى أن يعتمدوا على قدراتهم المحليّة.
إذاً، نقاط قوّتنا كثيرة، وقد ذكرت الصلابة المحليّة وأنواع التقدّم أيضاً. إنها أمورٌ موجودة وهناك نماذج عديدة أيضاً لا يتّسع الوقت لذكرها وبحثها هنا. هذه نقاط قوّتنا، وينبغي ألا تتلقّى أيّ ضربة. النظام الإسلاميّ هو «جمهوريّة إسلاميّة»، فلا «الجمهوريّة» ينبغي أن يلحق بها ضرر، ولا «الإسلاميّة». هذه نقاط قوّتنا. لا بدّ من التركيز على نقاط القوّة هذه عند كلّ تحوّل، ولا بدّ من مضاعفتها وإبرازها وتوسيعها، لكن هناك نقاط ضعف إلى جانبها أيضاً. هذا التحوّل ناظر إلى تغيير نقاط الضّعف. سوف أتحدّث باختصار حول نقاط الضعف أيضاً، وسأذكر نقطتين أو ثلاثاً.
إذا كنا في بلدنا نعاني من أربع نقاط ضعف أو خمس، فإنّ قضيّة الاقتصاد في البلاد على رأسها كلّها. اقتصاد البلاد هو حقّاً من نقاط ضعفنا. [طبعاً] كثير من السياسات الاقتصاديّة هي إرث السابقين و[أعني] بـ«السابقين» أولئك الذين سبقوا انتصار الثورة الإسلاميّة، وبعضها نشأت بعد انتصار الثورة أيضاً. بعض هذه المشكلات الاقتصاديّة والبنى التحتيّة الاقتصاديّة الأساسيّة مرتبطة بالمرحلة التي سبقت انتصار الثورة الإسلاميّة، وبعضها الآخر له صلة بما بعد انتصارها.
قد يُمكن القول إنّ أهمّ مشكلة يعاني منها اقتصادنا هي التصدّي الحكومي. لقد تركّز غالب اهتمامنا في العقد التاسع من القرن الماضي[7] على قضيّة أن نسلّم مفتاح اقتصاد البلاد للحكومة، وهذا ما وجّه ضربة إلى اقتصادنا وهو مرتبطٌ بنا ونحن من فعلنا ذلك. لعلّ أبرز نقاط الضعف لاقتصادنا هي التصدّي الإفراطي للحكومة. عندما يبقى الناس بعيدين عن الإدارة والأنشطة الاقتصاديّة، وتُسلّم الأعمال الكُبرى والشركات المهمّة والإنتاجات التي تعود بالثروات على البلاد للحكومة ولا تكون في متناول الناشطين الاقتصاديّين من الناس، تحدث هذه المشكلات التي نلاحظها اليوم في اقتصادنا. أهمّ مشكلاتنا «كون الاقتصاد حكوميّاً».
لقد عملنا بمنتهى الدقّة على السياسات الاقتصادية في المادة 44 من الدستور[8] مع الاستعانة بمختلف الخبراء – إنّ الخبراء هم الذين عملوا – ثم جرى إبلاغ السياسات. تقرّر وفق هذه السياسات أن نسلّم الإدارة والأنشطة الاقتصاديّة التي توجد حاجة إليها للناس. طبعاً هناك بعض القطاعات التي قد لا يرغب فيها الناس أو قد يكون من المحتّم أن تكون بيد الأجهزة الحكوميّة، هذه مسألة أخرى. لكن يجب أن تكون القطاعات المهمّة للاقتصاد بأيدي الناس. كرّرنا القول كثيراً: ينبغي على المؤسسات الحكوميّة والشركات شبه الحكوميّة – يُعبّرون عنها بالتعبير القبيح «خصو-لتي (الخصوصي–الحكومي)»، وهو ليس تعبيراً جيّداً، [بل] هي شبه حكوميّة – ألّا تتنافس مع المؤسسات الخاصّة وأن تسمح للناس بالإنتاج. حين سلّمنا مقاليد الأمور كلّها للحكومة، أقدمنا على هذه الخطوة بنيّة إرساء العدالة الاقتصاديّة، ولم تُرسَ هذه العدالة. أخطؤوا الظنّ في أنّ العدالة الاقتصاديّة ستتحقّق لو كان مفتاح الاقتصاد بيد الحكومة، وكان هذا خطأ ولم يتحقّق مثل هذا الأمر. لا بدّ للحكومة أن تقلّص مقدار تصدّيها وترفع مستوى الرّقابة: أن تقلّص التدخّل وتزيد الرقابة، فلا بدّ أن يراقبوا. هذا من العيوب الاقتصاديّة الكبيرة لاقتصادنا، ولعلّه أكبر عيب. جرت توصية كلّ واحدة من الحكومات المتعاقبة التي تولّت الحكم بأن سلّموا، فلم يجرِ التسليم أحياناً، وفي أحيان أخرى، حدث بأسلوب خطأ، فبدلاً من التسليم للناس بما يحقّق مصلحتهم سُلّمت بما يضرّ مصالحهم في بعض الحالات. أدّى هذا إلى ألّا يُنجز العمل. من الأعمال الأساسيّة التي لا بدّ أن تنجزها اليوم الحكومة الموقّرة تسليم أنواع الإدارة الاقتصاديّة للناس أنفسهم بدقّة وحرص وإشراف ومراقبة.
نقطة الضعف المهمّة الأخرى لاقتصادنا أنّه قائمٌ على صادرات النفط الخام. نحن نصدّر النفط الخام والحال أنّنا لا نمسك بمقاليد هذا النفط. ذاك الذي يستورد نفطنا – عندما كان الأوروبيّون يشترون ويستوردون نفطنا – يحقّق أرباحاً أكبر من استيرادات النفط هذه مقارنة معنا، نحن الذين كان النفط ملكاً لنا واستخرجناه من آباره وبعناه له. الضرائب التي يحصل عليها والفائدة التي يجنيها كانت أكبر مما يجنيه أصحاب النفط، وهكذا الحال الآن أيضاً. لا بدّ أن نقطع الحبل السرّي لتصدير النفط الخام و[نتفرّغ] أكثر للأنشطة غير النفطيّة. لحُسن الحظ، هذا ما هو واردٌ في التقارير أيضاً، فالتحرّك نحو زيادة الصادرات غير النفطيّة والأنشطة الاقتصاديّة غير النفطيّة قد انطلق، وهناك أعمالٌ حسنة قيد الإنجاز.
إنّ إحدى مشكلات اقتصادنا تتمثّل في الاعتماد على الدولار. قطعت بعض الدول التي تعرّضت للحظر اعتمادها على الدولار، وتحسّنَ وضعها. لكننا الآن نعرف دولاً – لا أريد ذكر الأسماء - فُرضَ عليها حظر شديد من الغرب، وتوقّف ارتباطها بـ «سويفت» - وهو آلية دولية غربية - ونحّت الدولار جانباً، وأبرمت تجارتها بالعملات المحلية، وعملت على التصدير والاستيراد، فتحسّنَ وضعها. نحن أيضاً ينبغي أن نفعل هذا.
من الأمور التي لا بدّ أن أتحدّث عنها في مجال الاقتصاد – هذه قضايانا الأساسيّة وأنا أرغب في أن يولي الرأي العام الاهتمام بهذه القضايا وأن تُصوّب وتُنشر لديه – النموّ المتواصل والسريع. إنه من أهمّ القضايا التي نحتاج إليها لتتحسّن أوضاع اقتصاد البلاد. لقد كان نموّنا الاقتصادي ضعيفاً، ونحن أعلنّا للحكومات ضمن السياسات الاقتصاديّة التي أعلمناها بها [أنّنا نطالب] بالنموّ بنسبة 8%، في حين أن هذا النموّ في عدد من أعوام العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين[9] كان تحت الصفر! عامة، حينما تمّ تسليم الحكومة وتسلّمها، كان النموّ متدنّياً جدّاً، ولا أرغب في ذكر أرقامه الدقيقة. كان قرابة واحد بالمئة أو أقل. نحتاج النموّ الاقتصادي السريع والمستمرّ، لا أن نشهد النموّ في سنة معيّنة ثمّ نتوقّف مجدّداً. متى سيكون في مقدورنا تحقيق هذا النموّ السريع والمستمرّ؟ عندما نتمكّن من زيادة الإنتاج بدعم وتوجيه من الناس. على المسؤولين الحكوميّين الأفاضل، وكذلك نوّاب الناس في «مجلس الشورى الإسلامي»، أن يشجّعوا الناس على لعب دور مُنتج في الاقتصاد وأن يوجّهوهم ويخلقوا حالة من الثقة لدى القطاع الخاصّ كي يبادروا إلى الاستثمار وريادة الأعمال. القطاع الخاصّ قادر. عام 1401 الهجري الشمسي، [أي] في شهر بهمن الفائت (كانون الثاني/يناير المنصرم)، التقاني عددٌ من التقنيّين المهمّين في البلاد في الحسينيّة.[10] تحدّث بعضهم وكانت مذهلةً تلك الأمور والحقائق التي ذكروها والنماذج التي عرضوها هناك، أي تعرض قدرات الشعب الإيراني. نحن نملك قدرات كثيرة وفي مقدورنا إنجاز أعمال عظيمة. إذا جرت الاستفادة من قدرات الشعب في قضيّة الاقتصاد، فإنّ أوضاع الناس المعيشيّة ستتحسّن حتماً وسيتحسّن وضع التضخّم حتماً. لقد جعلنا قضيّة كبح التضخّم في شعار العام وكذلك نموّ الإنتاج:[11] «كبح التضخّم، ونموّ الإنتاج». كبح التضخّم مشروطٌ بزيادة الإنتاج، وزيادة الإنتاج في أيدي الناس. فلو بادر الناس وشحذوا الهمم، فسيتحقّق هذا العمل وسيكون متاحاً.
من الإشكالات المهمّة لدينا أنّنا لم نفكّر في سُبل مشاركة الناس. أنا من هنا أوصي المسؤولين المحترمين وأصحاب الرأي على المستوى الاقتصادي والمهتمّين بمصير البلاد أن يتفرّغوا للعثور على سُبل مشاركة عامّة الناس في القضايا الاقتصاديّة. فأينما دخل الناس، حقّقنا التقدّم. في «الدفاع المقدّس»، دخل الناس فانتصرنا، وفي القضايا السياسيّة للبلاد، أين ما دخل الناس حقّقنا الانتصار. الأمر كذلك أيضاً في القضايا الاقتصادية. عندما يدخل آحاد الناس، سنحقّق الانتصار والنجاح. لكن كيف ينبغي للناس أن يدخلوا؟ لا بد من عرض خطّة دخول الناس في مجال الاقتصاد أمامهم. طبعاً ركّزت خلال الأعوام السابقة على [إنشاء] الشركات الصغيرة ومساعدتها وأوصيت بهذا الأمر،[12] وكانت هناك تجارب غير ناجحة في هذا المجال، وأُنجزت أعمالٌ غير كاملة ولا مدروسة. [إذاً]، لا بدّ من إنجاز مثل هذه الأعمال.
من المشكلات التي يعاني منها اقتصادنا تحرّكاته القليلة في التجارة الخارجيّة. إمكانات الإنتاج لدينا في الداخل كثيرة، سواء في قطاع الزراعة أو الصناعة، والأسواق العالميّة واسعة جدّاً كذلك. في مقدورنا زيادة تجارتنا الخارجيّة ودفعها إلى الأمام، وأن ننظم – إن شاء الله - الأمور بما يرتبط حقّاً ومباشرة بمعيشة الناس وموائدهم، وهذه من الأعمال المهمّة. تحرّكنا اليوم في التجارة الخارجيّة قليل، وأساليبنا أحياناً غير صائبة، وهذه الأمور تحتاج إلى التحوّل. من مواضع التحوّل قضيّة التجارة الخارجيّة هذه. [أيضاً] مساعدة الشركات القائمة على المعرفة التي أوصيت بها العام الفائت، وتحقّقت لحُسن الحظ، مع أنّها لم تكن بالقدر الذي طلبناه لكنّها ازدادت توسّعاً. الشركات القائمة على المعرفة أنجزت أعمالاً كثيرة، فمساعيهم تضاعفت وكذلك منتجاتهم ومداخيلهم. وإنشاء المؤسسات الصغيرة وجعل المصانع الضخمة قائمة على المعرفة هذه خطوات مفيدة تساهم في هذا التحوّل.
القطاع الآخر الذي يحتاج إلى التحوّل ولا بدّ أن يحظى باهتمام الإخوة والأخوات الأعزّاء من النوّاب في «مجلس الشورى الإسلامي» هو التحوّل في التشريع، أي وضع القوانين. لقد أُبلغت السياسات العامّة للتشريع.[13] يجب أن تحظى هذه السياسات بالاهتمام وأن يكون التشريع مدروساً وأكمل ممّا الحال عليه اليوم. من الأمور التي غالباً ما كانت موضع خلاف بين السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة في مختلف الحكومات والفترات – الشكر لله أنّ السلطتين تعملان معاً اليوم وهما قريبتان من بعضهما بعضاً – ومنها المرحلة الحاليّة أن هناك شكوى من أنّه يوافق أحياناً على مصاريف قطعية في قانون الموازنة السنويّة داخل المجلس وتوضع مقابلها مداخيل غير قطعية (احتمالية)، وهو ما يؤدّي إلى عجز في الموازنة، والعجز في الموازنة هو أيضاً كما قلنا من البلاءات الاقتصاديّة الكُبرى، ولا ينبغي أن تحدث هذه الأمور. نحن نعاني من نقاط ضعف أخرى في المجالات شتّى وسنترك التطرّق إليها لأوقات أخرى.
النقطة المقابلة لحركة التحوّل في البلاد – إذ إن هدف حركة التحوّل هذه هو تقوية نقاط القوّة وإزالة الضعف – هي سياسة أعداء الإسلام والجمهوريّة الإسلاميّة. هؤلاء يبذلون الجهود في النقطة المقابلة تماماً لهذه الحركة التحوليّة ويعملون ويقدمون وهدفهم كما ذكرت سابقاً هو توجيه الضربات إلى نقاط القوة. نحن مُرغمون على مشاركة الناس هذه الأمور ولا بدّ لهم أن يعلموا بها. في ذاك اليوم الذي هاجمنا فيه صدّام خلال «الدفاع المقدّس»، أُعلن في اليوم نفسه وقلنا للناس إن الحرب اندلعت في البلاد، أي اطّلع الرأي العام على حادثة الحرب الكبيرة.
طبعاً، اليوم ليس في هذه الحرب المركّبة القائمة هجومٌ عسكري، فالعدوّ لا يشنّ هجوماً عسكريّاً بل يمارس أعمالاً أخرى. الإعلان هنا ضروريٌّ أيضاً لكي يعرف الناس المسارات والسياسات التي يدخل منها العدوّ ويتطلّعوا إلى الأحداث ببصيرة مستنيرة. عندما يحيط أهالينا الأعزّاء علماً بالأوضاع، سينظرون ببصائر مستنيرة إلى أيّ حادثة تقع.
نعم، ليس هناك هجوم عسكري في الحرب المركّبة بل هجوم على المعتقدات الدينية والسياسية؛ هجوم العدو على المعتقدات الدينية والسياسية. إن [الله المتعالي] يقول في سورة {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ}: {مَلِكِ النَّاسِ (2) إِلَهِ النَّاسِ (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (6)} (الناس). الخنّاس هم الدعاة الإعلاميون الأجانب وأتباعهم في الداخل. إنهم يوسوسون ويظهرون الحقائق مختلفة. هدفهم إضعاف إرادة الشعب، وإطفاء شعلة الأمل. إنهم يريدون إطفاء شعلة الأمل في نفوس الشباب وتيئيسهم. اليأس يعني الطريق المسدود. عندما يصاب الشاب باليأس وييأس من المستقبل، يشعر بانسداد الأفق، ولا يُتوقع من الذي يشعر بالوصول إلى طريق مسدود أن يعمل بأسلوب صحيح. يريدون بث الخلافات، وإيجاد القطبية الثنائية في البلاد، وإخراج البرمجيات الحقيقية للقوة الوطنيّة للبلاد من أيدي الشعب، وجعلها دون تأثير. هذه البرمجيات هي إيمان الناس وقيمهم الدينية والوطنية واعتقاداتهم. عندما يفعلون هذه الأشياء، يسعون حتى يكون هناك زعزعة للاستقرار وفقدان للأمن في البلاد، وإن استطاعوا، فحرب أهلية؛ لقد باؤوا بالإخفاق، وسيخفقون مجدّداً.
يستخدم العدو في الحرب المركبة وسائل الإعلام، والعامل الثقافي والأمني والاقتصادي والاختراق. يستخدم هذه العوامل جميعاً لتطويق الشعب وجعله يائساً وغافلاً عن قدراته. يحاولون فصل الشعب عن سُبل الإحاطة والإعلام. حسناً، لدينا الوسائل لإعلام الناس. [يريدون] أن يجعلونهم مرتابين تجاهها: «لا تستمعوا للراديو والتلفزيون فأخبارها خلاف للواقع»، و«لا تلتفتوا إلى تقرير المسؤولين، فتقاريرهم خلاف الواقع»، و«لا تُنصتوا إلى كلام القائد فهو مكرّر»، هل هو مكرّر؟ منذ سنوات وجبهة العدو تُعلن بصوت عالٍ: «نريد تركيع الجمهورية الإسلامية»، وفي المقابل، يقول القائد: «خسئتم»؛ هذا ليس تكراراً، إنّه ليس تكرار، بل استقامة. أمرنا الله المتعالي – أمرٌ للنبي والجميع، وأمرٌ لنا –: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ} (هود، 112). هذه استقامة. إن صون كلمة الحق في النفس وحفظها والثبات عليها ليست تكراراً. الناس متيقّظون - بحمد الله - وصامدون، وهم حاضرون في الميدان. لقد أظهر شعبنا العزيز هذا خلال سنوات طويلة. صفعَ الشعب الإيراني جميعَ مَن حرّضوا أو أيّدوا أعمال الشغب الأخيرة. وبحول الله وقوته، سيصفع الشعب الإيراني أعداءه في المستقبل أيضاً.
إنّني أعلن أنّ الشعب الإيراني قويٌّ قطعاً. الشعب الإيراني يتقدّم، وهو قادرٌ على إزالة عيوبه وإحداث التحوّل. إنه قادرٌ على إزالة العيوب. الشعب الإيراني يدعم جبهة المقاومة. نحن نعلن بصراحة دعمنا جبهة المقاومة، وننفي قطعاً المشاركة في حرب أوكرانيا. ادّعوا كذباً أنّ إيران تشارك في حرب أوكرانيا. لا وجود لمثل هذا الشيء أبداً، وليس لدينا أيّ مشاركة فيها. في الواقع أمريكا هي التي أطلقت حرب أوكرانيا، وفي الحقيقة، أوجدت أمريكا مقدمات هذه الحرب من أجل توسّع «الناتو» باتجاه شرق [أوروبا]. وهي الآن تحصد أكبر الأرباح والمصالح من حرب أوكرانيا. الشعب الأوكراني المسكين يعاني المشكلات ومصانع الأسلحة الأمريكيّة تحصد أرباح ذلك، وهذا ما يجعلهم لا يؤيّدون إنهاء حرب أوكرانيا. أمريكا تمنع الخطوات التي ينبغي فعلها من أجل إنهاء هذه الحرب، ولا تسمح بها. إنهم غير راضين عن إنهاء حرب أوكرانيا.
حسناً، في ختام حديثي، ذكرت عيوب النظام وأشرت إلى بعضها [لكن] هناك أيضاً بعض العيوب فينا نحن الناسَ وعلينا إصلاحها. يوجد بيننا نحن الناسَ بعض العيوب المرتبطة بالقضايا الاقتصادية أيضاً. واحد منها الإسراف. نحن نُسرف: نسرف المياه والخبز والكهرباء والغاز. إننا نتصرف بإسراف. بعض البلدان يبلغ عدد سكانها أضعافنا [لكن] استهلاكها الغاز أقل مننا، واستهلاكها البنزين أقل منا. استهلاكنا البنزين مرتفع، وكذلك الغاز؛ نحن نتصرف بإسراف. نهدر المياه ونرمي الخبز، وهذا عيب كبير علينا معالجته. لقد ركّزت على هذا الموضوع تحديداً قبل بضع سنوات.
واحدة من المشكلات الأخرى بيننا نحن الناسَ الترف المفرط. الترف! هذا السبب في أن الزيجات صارت صعبة. الشاب في سن الزواج – سواء الفتاة أو الفتى - غير قادر على الزواج، لماذا؟ لأن والديه في نزاع مع أقاربهم: المهر كذا، جهاز العروس كذا، التجمّلات والمراسم كذا! لقد ارتفعت تكلفة الزواج. عليكم الخروج من سباق الترف هذا. أطلق بعضهم سباقاً في الترف، فعليكم إزاحة أنفسكم عن هذا السباق. هذا أحد العيوب في عملنا.
عيب آخر مهم لدينا: ليس لدينا تعصّب تجاه المنتجات المحلية. التعصّب سيئ في حالات كثيرة لكنه جيد هنا. يجب أن نمتلك التعصّب تجاه الإنتاج المحلي. هناك سلعة يجري إنتاجها محلياً وتشبه نظيرتها الأجنبية – كان لا ينبغي بالطبع للمستورد أن يستوردها لكنه استوردها - وأحياناً لا تكون جودة هذا المنتج المحلي أقل من الأجنبي، بل أعلى في بعض الأحيان [لكننا] نذهب خلف الأجنبي. لماذا؟ لماذا لا تساعدون هذا العامل الإيراني؟ عندما لا تشترون هذا المنتج المحلّي الذي صنّعه العامل الإيراني سيغدو هذا العامل متعطلاً عن العمل. [عندما] تشتري المنتج الأجنبي وتفضله على المحلي هذه مشكلة كبيرة وتؤثر فينا. هذه عيوبنا أنفسنا. ليست العيوب كلها مرتبطة بتشكيلات النظام والهيئات الحاكمة للبلاد، فبعض الأشياء مرتبطة بنا.
في بعض الأماكن، يكون الصفح والعفو ضرورياً [لكن] لا نعفو. نمسك بطوق بعضنا بعضاً على خلاف صغير. لماذا؟ من الممكن أن يختلف شخصان حول قضية ما، حول قضية سياسية مثلاً. حسناً، فليكن ذلك، لماذا يتنازعان؟ لماذا يمسكان بطوق بعضهما بعضاً؟ لماذا القطبية الثنائية في المجتمع؟ ينبغي الصفح. يجب التغاضي والستر في بعض الأحيان. هذه واحدة من مشكلاتنا أيضاً.
توصيتي المهمّة لجميع أولئك الذين لديهم القدرة على التحدث إلى الناس ولديهم وسائل الإعلام تحت تصرفهم - في الفضاء المجازي أو الصحافة أو الإذاعة والتلفزيون - هي خلق الأمل. يسعى العدو لجعل شبابنا يائسين. نحن في المقابل علينا أن نخلق الأمل. القضايا المفعمة بالأمل في البلاد ليست قليلة: هذه الأمور التي ذكرتها وعشرات أضعافها من المواضيع التي تبعث على الأمل وتجعل الإنسان متفائلاً. على الجميع خلق الأمل. خذوا هذا بجدّية.
إن خلق الأمل ليس خداعاً للذات. يخال بعضهم أن خلق الأمل إخفاءٌ لنقاط الضعف وخداعٌ للذات. لا، ينبغي تبيان نقاط الضعف أيضاً، فلا مشكلة في ذلك، لكن بالإضافة إلى تبيان نقاط الضعف يجب أيضاً خلق الأمل ووضع المستقبل والأفق المشرق أمام العينين وإظهاره. وضعنا جيد، بحمد لله. علينا اليوم أن نضع هذه الآية الشريفة في الحسبان: {وَلَا تَهِنُوا}، {وَلَا تَحْزَنُوا}، {وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ}، {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (آل عمران، 139). إيمانكم يوجب علوّكم وتفوّقكم. إنّ وضع عدونا اللدود، أي الحكومة الأمريكية، هو على العكس تماماً من وضعنا اليوم في هذه المنطقة. نحن نعلم ما نفعله في المنطقة. سياستنا واضحة، وطريقنا واضح. الأمريكيون متحيّرون هل يبقون في المنطقة أو يغادرونها؟ إذا بقوا، ستزداد كراهية الشعوب لهم يوماً بعد يوم. دخل الأمريكيون أفغانستان بالقوّة وبقوات عسكرية فتاكة. ظلّوا عشرين عاماً في أفغانستان، وجعلوا الشعب الأفغاني غير راضين عنهم، وكارهين لهم، وأُجبروا على المغادرة. إذا بقوا، فسيواجهون النفور المتزايد، وإذا غادروا، يفقدون أطماعهم. لديهم أطماع هنا. الأميركيون لديهم أطماع في سوريا، ولديهم أطماع في العراق، ولديهم أطماع في هذه المنطقة كلها. إذا ما غادروا، فإن هذه الأطماع ستضيع. لا يعرفون ماذا يفعلون: يبقون أو يغادرون. إنّهم متحيّرون. نشكر الله أن طريقنا واضح وبصيرتنا راسخة. خطواتنا مُحكمة وثابتة - بحمد الله - وعدونا ضعيف.
اللهم بارك هذه النجاحات يوماً بعد يوم. اللهم واحشر إمامنا [الخميني] الجليل، الذي فتح لنا هذا الطريق، مع أوليائك. اللهم واحشر شهداءنا الأبرار الذين استطاعوا أداء هذه الحركة العظيمة مع النبي (ص) وشهداء صدر الإسلام. اللهم أرضِ عنّا قلب وليّك وحجّتك ولي العصر - أرواحنا فداه - واشمل حالنا بدعائه وشفاعته. اللهم واجعل شعبنا شامخاً عزيزاً وسعيداً دائماً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
[1] تحدّث بكلمة في بداية هذا اللقاء حجة الإسلام والمسلمين أحمد مروي (متولي العتبة الرضوية المقدسة).
[2] زاد المعاد، ص. 328.
[3] هتافات الحضور.
[4] كلمة الإمام الخامنئي في لقاء مع أعضاء «مجلس خبراء القيادة»، 23/2/2023.
[5] يُعدّ «الغدير» الذي افتتح في 2/9/2022 أكبر مشروع إمدادات المياه في البلاد، إذ يؤمن مياه الشرب الصحية والمستدامة لـ26 مدينة و1608 قرى في المحافظات الوسطى والجنوبية، وغربي محافظة خوزستان.
[6] إبلاغ السياسات العامّة «للاقتصاد المقاوم»، 18/2/2014.
[7] قال سماحته العقد السادس من القرن الماضي الهجري الشمسي، الموافق للعقد التاسع من القرن الماضي الميلادي.
[8] ووفقا للمادة 44 من الدستور الإيراني، يتكون اقتصاد إيران من ثلاثة قطاعات: الدولة، والتعاونية، والقطاع الخاص. جرى التركيز في السياسيات العامة للمادة 44، التي أبلغها الإمام الخامنئي لرؤساء السلطات الثلاث، على تعزيز القطاع الحاص والحؤول دون توسعة القطاع العام.
[9] قال سماحته العقد التاسع من القرن الهجري الشمسي الماضي، الموافق للعقد الثاني من القرن الواحد والعشرين.
[10] لقاء روّاد الأعمال والمنتجين والمتخصّصين في الشركات المعرفيّة، 30/1/2023.
[11] نداء بمناسبة حلول 1402 الهجري الشمسي، 21/3/2023.
[12] من خطاب في جموع الزوّار والمجاورين لحرم الإمام الرّضا (ع) في مشهد المقدّسة، 20/3/2016.
[13] إبلاغ السلطات الثلاث بالسياسات العامّة لنظام تشريع القوانين، 28/9/2019.