يخاطب النداء الداعي جميع أفراد البشر: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ} (الحج، 27) والكعبة هي المضيف المبارك والدليل للبشرية جمعاء: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} (آل عمران، 96).
استعينوا بالله العليم القدير، وعزّزوا روحيّة البراءة من المشركين في أنفسكم، وعُدّوا أنفسكم مكلّفين بنشرها وتعميقها في بيئتكم.
إنّ الشرط اللازم لتأثير [الحج] على المستوى العالمي أن يسمع المسلمون أنفسهم – كخطوة أولى – الخطاب الباعث على الحياة للحجّ على نحو صحيح، ويسخّروا كلّ ما لديهم من همم من أجل تحقّقه عملياً.
أيّها الإخوة والأخوات الحجّاج، اغتنموا فرصة الحجّ للتدبّر والتعمّق في أسرار هذه الفريضة الاستثنائيّة ودلالاتها واجعلوها زاداً لعمركم بأكمله.
إنّ الركيزتين الأساسيّتين لهذا الخطاب هما الوحدة والروحانيّة. الوحدة والروحانيّة هما الضامن للارتقاء المادي والمعنوي للعالم الإسلامي وتَشعشع أنواره في أرجاء المعمورة.
يمكن للكعبة بصفتها النقطة المركزيّة والمحور الرئيس لتوجّهات آحاد المسلمين، وكذلك لشعيرة الحج بصفتها نموذجاً مصغّراً لنطاق العالم الإسلامي المتنوّع، أن تكونا في خدمة ارتقاء المجتمع البشري وسلامة الناس جميعاً وأمنهم. يمكن للحجّ أن يرفد البشريّة كلّها بالاعتلاء المعنوي والارتقاء الروحيّ والأخلاقي، وهذه هي الحاجة المصيريّة للبشر اليوم.
لا بدّ من تعلّم الروحانيّة والأخلاق من مناسك الحجّ، ومن البساطة في الإحرام، ومن نبذ الامتيازات الواهية، ومن: {وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِير} (الحج، 28)، ومن: {لَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ} (البقرة، 197)، ومن طواف الأمّة كافّة حول محور التوحيد، ومن رمي الشيطان والبراءة من المشركين.
في استطاعة الحجّ أن يدحض جميع مشاريع الاستكبار والصهيونيّة الرامية إلى السقوط الأخلاقي للبشريّة في اليوم والغد، ويبطل مفاعيلها.
الروحانيّة تعني ارتقاء الأخلاق الدينيّة. إنّ أكذوبة الأخلاق دون الدين، التي طالما روّجت المصادر الفكريّة الغربيّة لها مآلها هذا الانهيار الأخلاقي الجامح في الغرب، والذي يتراءى أمام العالم بأسره.
إنّ الوحدة والروحانيّة في هذه المرحلة من الزمان تتعرّضان لعداء الاستكبار والصهيونيّة وعرقلتهما أكثر من السابق. فأمريكا وسائر أقطاب الهيمنة الاستكباريّة يعارضون بشدّة وحدة المسلمين وتفاهم الشعوب والدول والحكومات المسلمة، وتديّن الجيل الشاب لهذه الشعوب والتزامه بالشريعة، وهم يواجهونها بأيّ وسيلة ممكنة. إنّ مسؤوليّتنا جميعاً والشعوب كافّة وحكوماتنا هي الوقوف في وجه هذا المخطط الأمريكي والصهيوني الخبيث.