أكّد قائد الثورة الإسلاميّة في ندائه إلى حجّاج بيت الله الحرام، أنّ الشرط اللازم لتأثير الحجّ على المستوى العالمي هو إدراك الأمّة الإسلاميّة ومعرفتها الصحيحة لخطاب هذه الفريضة الباعث على الحياة والمليء بالأسرار بناء على ركيزتي «الوحدة» و«الروحانيّة». ما هو تحليلكم بشأن تأكيد قائد الثورة الإسلاميّة على رُكني الوحدة والروحانيّة في نداء الحج؟

من المؤكّد أنّ عنصرين أساسيين في هذا البيان الصادر، وهما الاهتمام بالجانب الروحي وكذلك الوحدة بين الأمة الإسلامية، يعودان إلى المعرفة الدقيقة للآفات التي أصابت وتصيب هذا المجتمع وهذه الأمة. فلا شك أن من يدرس الوضع الراهن للأمة الإسلامية بمختلف المجتمعات التي تجسد هذه الأمة في مختلف الأقطار العربية والإسلامية، يلاحظ أن الأمة الإسلامية خلال تاريخها العريق تحمل بعض الميزات وبعض المواصفات، حيث كانت أمة ناجحة مكللة بالفوز والنجاح ومرفوعة الرأس ومتقدمة كما كنا نشاهد في مختلف العصور في الحضارة الإسلامية على سبيل المثال في عصر الرسول (ص) وفي فترة ذهبية من التاريخ الإسلامي في الحضارة الإسلامية في القرنين الثالث والرابع. وكلما ابتعدت الأمة من هذين العنصرين الأساسيين وهما الجانب الروحي والوحدة بين الأمة الإسلامية خسرت خسائر فادحة، فنلاحظ أنه في كل حقبة زمنية، إذا كانت الأمة الإسلامية تهتم بالقضايا المادية وتبتعد عن الأهداف السامية والراقية لهذه الأمة، وهي تكوين الشخصية الإنسانية من خلال العلاقة بالله تبارك وتعالى تأخرت و تخلفت بحيث لم تتمكن من إعادة سيادتها احيانا. فعندما نتحدث عن الجانب الروحي للأمة الإسلامية نعني بها العلاقة الإلهية والربوبية بين الإنسان وبين الله تبارك وتعالى، بما أنها تجسد الفضائل الأخلاقية والسلوكية وجميع ما يحتاج إليه الإنسان لسعادته،  و هي الحياة التي  يعبر عنها القرآن الكريم بالحياة الطيبة. لذلك نجد أن نجاح الأمة في علاقتها بالله تبارك وتعالى في التركيز على الجانب الروحي وتأخرها وتخلفها عبر التاريخ والحضارة الإسلامية نتيجة ابتعادها عن هذا الأمر.

فأحيانا نجد أن بعض المجتمعات الإسلامية يبقى على الجانب الشكلي لهذا الموضوع بمعنى أنهم فقط يحملون العنوان الإسلامي لكن هذا العنوان يخلو من كل مضمون حقيقي وموضوعي وملموس، كما نجد الآن ذلك الجانب الشكلي الفارغ من كل مضمون حي وفاعل في بعض المجتمعات من الأمة الإسلامية، لذلك نجد أن عدم تطبيق الأحكام الإسلامية وعدم [وجود] الروح المعنوية والجانب الخلقي والسلوكي في هذه المجتمعات يسبب هذا الأمر، وهذه الأمور كلّها يمكن أن نعبّر عنها بالابتعاد عن الجانب الروحي. وهذا ما تحتاج إليه المجتمعات الإسلامية وتحتاج إليه الأمّة لتصبح أمّةً إلهية ربوبية متقدمة.

أما الجانب الآخر فإن النعرات المذهبية والخلافات الموجودة على مستوى المذاهب وعلى مستوى الجنسيات والأعراق والتسميات المختلفة: السنة، الشيعة، العرب والعجم وغير ذلك... نجد أن هذه الخلافات تسبب إنهاك القوة لدى الأمة الإسلامية، ولذلك فإن العدو ومن يريد أن يمس مكانة هذه الأمة يستغل هذا الخلل ويتسرب في صفوف الأمة الإسلامية، كما نشاهد في الكثير من البلدان في شمال إفريقيا وفي غرب آسيا أنها متورطة بكثير من هذه الخلافات و إنّ طاقة هذه المجتمعات بدل أن تُصرف لأجل تقدّمها  تُصرف لأجل الخلافات المختلقة و المنحوتة بيد الأعداء و المتآمرين على الأمة، کما نشاهد في السودان وفي ليبيا وفي واليمن وفي مختلف الأقطار العربية والإسلامية. ولذلك  من الواجب و الضروري أن نركّز على موضوع الوحدة والجانب الروحي وملاحظة الآفات التي تلمّ بالأمّة الإسلاميّة ولأجل الصلاح والسداد لا بدّ من إزالتها ومواجهتها . 

تحدّث الإمام الخامنئي في نداء الحج عن التعاون والتكامل بين علماء العالم الإسلامي وجامعاته لكونه واحدا من معاني الوحدة الإسلاميّة. كيف يمكن أن يتمّ التعاون والتكامل بين جامعات مختلف الدول الإسلاميّة؟ وما هي المكتسبات لهذا الأمر؟

كما أشرنا أن لأصحاب الرأي والأكادميين والجامعيين والعلماء في الجامعات وفي المعاهد العلمية دورٌ كبيرٌ في مختلف المجالات. أولا، إن تقدم كل مجتمع رهين بهذه الجهود والنشاطات التي تتحقق في المراكز العلمية فلا يمكن أن نقيم تقدم أي مجتمع من المجتمعات إلا من خلال تقدمه العلمي وبما أننا نلاحظ أن سماحة قائد الثورة الإسلامية آية الله العظمى "السيد علي الخامنئي" يؤكد دوما على أهمية و مكانة الحديث الشريف "العلم سلطان"، فلا يمكن أن يتحقق ويتطور هذا العلم و المنجزات له إلا بجهود أهل العلم. فإذا تمكّنّا من تبادل المنجزات العلمية والمكتسبات العلميّة الحاصلة في هذه المعاهد والجامعات كأننا نعيش داخل أسرة، وكأننا عضو من هذه الأسرة يساعد العضو والأعضاء الآخرين، فبذلك إذا سأل أحد كيف يمكننا وما هي الطرق والمقاربات التي نستغلّها لأجل هذه الطاقة الفكرية والعلمية في مختلف الأقطار العربية والإسلامية؟ نقول: أولا إذا تمكننا من أن نقيم علاقة منسقة ومنظمة ومنتظمة داخل الاتفاقيات وضمن الندوات  واللقاءات  والمؤتمرات العلمية إضافة إلى العلاقات الثنائية بين  الأساتذة والطلاب من مختلف الجامعات وإقامة المراكز العلمية المتساهمة، بمشاركة  مختلف الشخصيات من العالم العربي،  الإسلامي،  الإيراني والإفريقي  ومن مختلف الجنسيات والأقطار... فكأنهم يصبحون أعضاء مجموعة واحدة.

إن المؤسسات العلمية الدولية في العالم عموما تحاول أن تجلب هذه المساهمات على هيئة تطبيق المشاريع والأطروحات والرسائل الجامعية والبحوث وأوراق البحث والمجلات والجرائد والمطبوعات الفصلية والسنوية وأكثر من ذلك، فنلاحظ أننا وبهذه النشاطات والخطوات  يمكننا أن نتعرف على الآراء الجديدة في مختلف المجالات العلمية، فالعالم الإسلامي إذاً لا يعرف أي مشروع علمي جديد قيد التطبيق و التنفيذ و ما هي الحصائل الجديدة له في أية جامعة من جامعات شمال إفريقيا أو غرب آسيا أو أي مكان في العالم الإسلامي، فكأنه في سبات عن مواكبة الركب العلمي و التقني. إضافة إلى أن للجامعات دوراً آخر، فيمكن لأهل الفكر وأصحاب الرأي أن يساهموا في هذا المشروع وهو تكوين الرؤية الثقافية الإسلامية. لا شك إن ثقافة الجامعيين أرقى بالنسبة إلى سائر الشرائح الاجتماعية. فإذا تمكن هؤلاء من تأطير ورسم الخطوط العريضة للتصور الإسلامي وللثقافة الإسلامية، إضافة إلى جهودهم العلمية، وإذا تمكنوا من مشاركتهم ومساهمتهم في رسم هذا الإطار وخريطة الفكر الإسلامي والثقافة الإسلامية، لا شك أن المجتمع سيستفيد من هذا التصور وسينتفع بهذه الفكرة وسيحاول أن يتابعها ويطبقها.

نحن وعبر خلفية الثورة الإسلامية وجدنا أن أصحاب الرأي إضافة إلى مسؤولياتهم العلمية ومكانتهم في الجامعات تمكنوا من أن ينشروا هذه الثقافة وييثوا هذه الفكرة، وهي فكرة الثقافة الإسلامية الخالصة. وهذا دور اجتماعي للجامعيين إضافة إلى أدوارهم المهنيّة. ومن هذا المنطلق يمكننا أن نحصل على تجسيد دور للجامعيين في تطوير العلاقات في العالم العربي والإسلامي.   

شكّل الارتباط الفكري والعملي بدوره أيضاً بُعداً آخر من أبعاد الوحدة الإسلاميّة التي جرت الإشارة إليها في نداء الحجّ للإمام الخامنئي. ما هي الأساليب التي يمكن للعلماء والجامعات وخاصّة أساتذة الجامعات اتباعها من أجل تحقيق هذا الارتباط الفكري والعملي بين مختلف دول العالم الإسلامي؟

بالنسبة للتعاضد والتضامن والتآزر فالمطلوب والمنشود بين مختلف البلدان الإسلامية أن يبذلوا قصارى جهودهم لتحقق هذا الهدف المنشود، لكن كيف يمكن أن نحصل على النتاج والحصيلة التي نبتغيها ونتوخاها من هذا التعاضد والتآزر المشترك بين المجتمعات العربية والإسلامية؟ طبعا إن لكل مجتمع شرائح منوعة ومختلفة منها شريحة الشارع أو الجمهور أو عامة الناس. نلاحظ أن القاعدة الأساسية لكل مجتمع تتكون من الجمهور وتتكون من الشارع وما نسميه بشريحة عامة الناس مع أن الكم الهائل من سكان كل مجتمع يتكون من عامة الناس ومن الجمهور لكن هناك شريحة نخبوية لها تأثيركبير على تكوين الرأي العام و الإتجاهات الثقافية في كل مجتمع. لهذه الشريحة النخبوية أو النخب والرواد والعباقرة بحسب المصطلحات الموجودة دور كبير ودور مهم في توجيه الشارع والجمهور، إضافة إلى أن بعض المراكز الاجتماعية والمراكز العلمية ذات تأثير مباشر  وفاعل ومؤثر في تكوين الرأي العام لذلك المجتمع.

على سبيل المثال نلاحظ أن وسائل الإعلام لها تأثير مباشر ودور هام في تكوين الرأي العام والأفكار والتصورات الموجودة على مختلف الأصعدة وتوجيه الجمهور وعامة الناس إلى جهات مختلفة ومتنوعة مهما كانت جهات سلبية أو جهات إيجابية. مثلا يمكن أن يوجه التلفزيون والإذاعة ووسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي عبر الشبكة المعلوماتية والانترنت والمواقع وغير ذلك سكان أي مجتمع إلى الجهات التي تتابعها. فهذه الوسائل تستغلّ لخدمة ما يصب في مصالح ذلك المجتمع أو يضرّ بمصالحه. كذلك إن الجامعات تحمل مهمتين أساسيتين على كواهلها،  الأولى اشتمال الجامعات العلمية على مجموعة من الموارد البشرية في أعلى مستوياتها، من الأساتذة والأكادميين وأصحاب الرأي والعلماء والمبدعين... فإن هذا الكنز الثمين وهذا الرأسمال الكبير يتكون في الجامعات و لا يوجد في غيرها. إضافة إلى أن من مسؤولية ومهمة الجامعات تربية الكوادر وتربية الجيل القادم، فلذا إن الاعتماد على تطوير العلاقات بين المجتمعات هدفه الاستغلال لهذا الكنز الثمين وهذا الرأسمال الكبير وهي الجامعات، فيمكن أن يتحقق ذلك الدور الريادي والرسالي للجامعات بتوجيه شريحة الجمهور أو عامة الناس في المجتمعات. بإمكاننا أن نقول بأن التعاضد والتآزر بين المجتمعات الإسلامية يتحقق عبر استغلال مكانة الجامعات والمعاهد العلمية، بما أنها تحمل رواد أصحاب الفكر والباحثين والعلماء والمبدعين من جانب ومن جانب آخر توجد علاقة وثيقة بين هؤلاء وبين الجيل القادم وتربيتهم وتكوين شخصياتهم، وهذا مما يؤدّي إلى مساعدة مشروع التآزر العلمي والمعرفي لبناء المجتمعات الإسلامية بالاعتماد على الرصيد الجامعي وهو لا يتحقق إلا بالاستفادة من هذا الكنز الثمين و تفعيل قابلياته.

إنّ التوعية وعرض الحقائق أمام الرأي العام من مسؤوليّات الأساتذة والمفكّرين والجامعيّين. ما هو تقييمكم لمدى تأثير الشريحة الجامعيّة والمثقّفة في العالم الإسلامي ضمن إطار تبيين مشروع ومشاريع الاستكبار والاستعمار في الرأي العام ومدى استطاعتهم منع التفرقة بين شتّى المذاهب الإسلاميّة؟

طبعاً هناك سؤال يطرح نفسه ما هو الدور الفاعل والمؤثر لشريحة الجامعيين والعباقرة وأصحاب الفكر في مواجهة المؤامرات والخطط الاستعمارية والاستكبارية وما دورهم تجاه الرأي العام للمواجهة والحيلولة دون بث الفرقة؟ هناك مسؤوليات ومهمات مختلفة للجامعيين والآكادميين. أولها مسؤولية بلورة الأفكار. المقصود ببلورة الأفكار أنهم يقومون ببث التوعية وما نحتاج إليه من الفكر الصحيح بالنسبة إلى مشكلاتنا وبالنسبة للحلول التي لابد وأن نتابعها لأجل إزالة المشاكل من خلالها.

لا شك أن كل المجتمعات الإسلامية بما فيها من فوارق، تعاني من مختلف المشكلات الاقتصادية والثقافية والاجتماعية. العالم والآكاديمي والجامعي لابد وأن يقوم ببلورة وإيضاح هذه المشكلة ويجعلها أمام أعين ونصب أعين هؤلاء، حتى يفكروا من أين جاءت هذه المشكلة،  و ماهي صنفها. هل هي مشكلة اقتصادية، أم مشكلة ثقافية أو غيرهما؟ وكأن الطبيب عندما يراجعه المريض، يحدد مرضه أوّلاً عندما يفحصه ويُخبره باسم المرض، ومنشئه وتداعياته ومدى خطورته و.... نعم، أحيانا ينزعج المريض من هذه المعلومات وأحيانا يشعر بالخوف والقلق من هذا المرض، لكن لابد أولاً أن يستوعب ويعرف بشكل دقيق هذا المرض. وهذه هي أول مسؤولية للعالم في المجتمع، وثانياً يبحث عن الحلول ويقدّمها ويقول إن هذا المرض يمكن أن يعالج بهذه الطريقة.

العالم والأستاذ الجامعي وصاحب الفكر والرأي يحاول أن يقدم الحلول. لذلك فإن ما نجده من مؤامرات مختلفة هي الأمراض التي ألمّت بأمتنا الإسلامية، لا شك أن الكثير من أعدائنا لا يحبون وحدة الأمة الإسلامية والمجتمع الإسلامي لذلك نجد أنهم يدسّون كل يوم هذه المؤامرات بتسميات منوعة، باسم العولمة، العالمية والممانعة من الإرهاب وغير ذلك... فالعالم لابد وأن يقوم بمسؤوليته  عن بلورة وإيضاح هذه المؤامرات ويقدم الحلول. أما الجانب الآخر، هو أن للعالم دورا كبيرا في الوئام الإجتماعي. المقصود من الوئام الاجتماعي هو الحفاظ على النسيج الاجتماعي المتوحد بين مختلف الشرائح و الطبقات الاجتماعية إضافة إلى نبذ وتسوية الخلافات التي تقع في طريق عرقلة التقدّم لكل المجتمعات. إن المتغافلين عن مصالح الأمة يلعبون في ملعب المتآمرين عليها فهم يبذلون جهودهم وقابلياتهم وطاقاتهم الكامنة بدلا من تقدمهم في مجال رقيّ الأمة في  تفكّكها و تفرّقها، فهم يبذلون ويصرفون هذه الطاقات والقابليات لأجل  قضايا بسيطة وهامشية، مثلاً إن هذا المذهب يهتم بهذا الشكل وذاك بالآخر، وبذلك ينسون المشكلات الأساسية والمؤامرات التي تحاك ضد الأمة الإسلامية، لذلك فإنه يمكن للأساتذة حتى في المحاضرات أو اللقاءات العلمية أو الندوات التي تقام في الجامعات أن يقدموا بلورة لهذه الخطوات و المبادرات المهددة إضافة الى المكتسبات التي تمكنّا من تحقيقها،  فلا بد أولا من بلورة الإمكانيات والقابليات التي نحظى بها ونتمتع بها  نحن في الأمة الإسلامية كأمة عريقة لها خلفية مشرقة، و من ثمّ تبيين كيفيّة قيام الأمة بواجبها تجاه التقدم والتطوّر وارتقائها في قائمة التقدم والتنمية على المستوى العالمي، وإن هذا بحاجة إلى التشجيع و التحفيز و إثارة الدوافع بشكل معتمد على الأسس و المبادئ المعقولة والمنطقية الممنهجة. .

والنقطة الثانية تقديم المشاريع وتقديم الحلول، وتقديم الطرق الناجحة للتقدم والعودة إلى ما كانت عليه الأمة الإسلامية سابقاً، وهذا هو الواجب الذي يمكن أن يكون على عاتق الأساتذة والجامعيين لأجل بلورة وبث ما نعبّر عنه بالتوعية ونحن بأشد وأمس الحاجة في هذه الفترة إلى توعية، والتوعية تشتمل على جميع ما نعبّر عنه بالبحث عن المشكلات وعن الحلول وتقديم الطرق الناجحة للتطور والتقدم في الأمة الإسلامية.