تطرق قائد الثورة الإسلامية للحديث عن النظام العالمي الجديد في خطاباته. وهي قضية أثارها بشكل أكثر جدية في العام الماضي نظراً للمستجدات الإقليمية والدولية. اشرحوا لنا شواهد وعلامات هذه الوضعية الجديدة.

يترك أي تشكيل اقتصادي وسياسي وجيوسياسي تأثيره على النظام العالمي وسلسلة مراتب القوة في النظام الدولي. لقد شهدنا في السنوات التي أعقبت الحرب الباردة أربع ظواهر خطيرة للغاية تركت تأثيرها على ميزان القوى.

1. النقطة والعامل الأساسي هو «ظهور لاعبي إضافيين». لطالما قيل أن القوى العظمى تلعب دوراً في النظم الإقليمي باعتباره جزءاً من تشكيلات النظام العالمي. في البيئة الجديدة، تقدمت الظروف بنحو لم تعد فيه مسألة دور اللاعبين الإقليميين، مثل إيران، تابعة لسياسات القوى العظمى في العالم. لم تنجح أي من سياسات أمريكا في التعامل مع إيران أو العراق أو أفغانستان. أي أن أمريكا لم تحقق الأهداف الاستراتيجية المنشودة. فيما يتعلق بسوريا، تجادلت هيلاري كلينتون وباراك أوباما عدة مرات بأن بشار الأسد بأنّه يجب أن يرحل. لكن نظرة إيران كانت بأن لا يتدخل الغربيون في وضع سوريا. وأصبح هذا حقيقة، واتخذ تشكيل القوة في البيئة الإقليمية طابعاً جديداً وذلك بناءً على إرادة لاعب إقليمي. مثل هذا الوضع لم يكن موجوداً أبداً في السبعينيات وحتى في الثمانينيات من القرن الماضي.

2. النقطة الثانية في ميزان القوى الجديد هي مسألة ولادة تيار المقاومة. المقاومة لديها أبعاد متعدّدة. مقاومة إيران لها خصائصها. مقاومة الشعب العراقي لها خصائصها. مقاومة الشعب الأفغاني ضد التدخل العسكري الأمريكي والاحتلال العسكري لها شكل آخر. لذلك، في العصر الجديد، عندما يطرح قائد الثورة الإسلامية مسألة تغيير هندسة القوة، أدّت هندسة القوة هذه إلى حقيقة أن القوى العظمى لا تملك الإرادة لتحقيق أهدافها.

3. النقطة الثالثة الحاضرة والتي تركت أثرها في تشكيل النظام العالمي الجديد هذا هي «المجتمع الشبكي». في المجتمع الشبكي، يتم إعادة إنتاج الهويات. تتشكل قوالب إدراكية يمكنها إعادة إنتاج الهوية الكامنة. تظهر الآن ثلاثة أنواع من الهويات في النظام العالمي الجديد في البيئة المتعلقة بهندسة القوة. الأول هوية المقاومة، والثاني الهوية ذات المخطط، والثالث الهوية المفضية إلى الشرعية. تركت أشكال الهوية الثلاثة هذه تأثيرها في معادلة القوة الجديدة. النقاش المتعلق بالحج هو موضوع مرتبط بالهوية. عندما يتحدث قائد الثورة الإسلامية عن الوحدة فهذه الوحدة هي قضية هوية. العالم الغربي يريد للهوية الإسلامية أن تكون متشتتة ويروم إلى تزعزع مكانة هذه الهوية الإسلامية. الحديث الذي لدى قائد الثورة الإسلامية بشأن بالوحدة يرمي إلى أنه يجب أن يكون هناك نوع من التناغم بين فئات المسلمين الذين ذهبوا إلى الحج.

4. السمة الرابعة لهذا النظام الجديد هي أن القوى العظمى تسير نحو الأفول. رغم أن الناتج المحلي الإجمالي لأمريكا والإنفاق العسكري والهيمنة التكنولوجية لا يزال أكبر بكثير من أي دولة صناعية أخرى في العالم الغربي، لكن قوتها النسبية آخذة في التراجع. كما أن روسيا في حالة أفول وقوتها النسبية تتراجع أيضاً. كذلك الدول الأوروبية تسير نحو الأفول منذ سنوات. الدولة الوحيدة التي تعمل على تحسين موقعها بين البلدان النامية والبلدان المتقدمة وقوتها النسبية آخذة في الازدياد هي الصين. لذلك، إن تشكيلات القوة في حالة تغيّر. ثمة مقولة تسمى الحلفاء. على سبيل المثال، سابقاً حلف «الناتو» و«وارسو»، والسوق الأوروبية المشتركة ومجلس التعاون الاقتصادي، الذي كان مجمعاً اشتراكياً. واليوم، لقد تغيرت هذه التشكيلات والضوابط تماماً.

 

مع هذه الظروف، هل تعتقدون أن العالم ينتقل من نظام أحادي القطب إلى نظام متعدد الأقطاب، أم أن قضية القطب لم تعد مسألة مطروحة أساساً؟

المرحلة الحالية هي مرحلة انتقالية، وفي رأيي إن مسألة القطبية التي أثيرت تختلف إلى حد ما عن حقائق السياسة الدولية وهندسة القوة التي عبر عنها قائد الثورة الإسلامية والعناصر التي قدمتها لكم في هذا السياق. ثمة نقاشات كثيرة الآن تقول بأننا اجتزنا الفترة الانتقالية. أو أنه لا يوجد قطبية الآن. تختلف هذه النقاشات تماماً عن حقائق السياسة الدولية ونظريات العلاقات الدولية. الشكل الجديد: أولاً، نحن في مرحلة انتقالية. لقد تحدث قائد الثورة الإسلامية عن مسألة المنعطف التاريخي. هذا المنعطف التاريخي يعني هذه المرحلة الانتقالية. المسألة التي أتحدث عنها هي أن أجواء القوة العالمية في ظروف غير متكافئة. أي، في هذه المرحلة الانتقالية، يوجد نظام مضطرب، نظام قائم على هيكل غير متكافئ. معنى الهيكل غير المتكافئ هو مثلاً أن دولة مثل إيران لديها الكثير من التحديات الاقتصادية. والتحديات الإدارية والتخطيط لديها كثيرة أيضاً. لكن هذا البلد يتمتع بالقدرة اللازمة لإيجاد التحديات اللازمة مقابل نزعة التوسع والهيمنة لدى القوى العظمى. يعني أن إيران تمكنت من تعزيز قوتها مقابل نقاط ضعف الطرف الآخر الموجودة في مجموعة القوى العظمى.

 في الجو غير المتكافئ والموجود، فإن لاعبي الأدوار في الهوية واللاعبين الهامشيين واللاعبين الذين لم يكن لديهم مكان في هيكل النظام الدولي هم الآن في حالة ظهور وتولّد، وبالتالي نشأ وضع وجو بحيث يظهر نوع من النظم المقاوم القائم على أساس تشكيلات غير متكافئة، وهو آخذ في الظهور ولقد أثّر في تشكيلات القوة السابقة.

 

هل ترون أن مسألة خروج أمريكا من المنطقة مرتبطة بقضية تغيير النظام؟

واحدة من علامات أفول أمريكا هي أنها تحدد لنفسها هدفاً ولديها الوسائل لتحقيق الهدف، لكن ليس لديها شيئين: 1- الإرادة، 2- معرفة البيئة. لهذا يقول دونالد ترامب إننا أنفقنا سبعة تريليونات دولار في العراق وأفغانستان. ولكن عندما يريد الرئيس الأمريكي دخول العراق، فعليه أن يدخل مثل اللص في منتصف الليل في حين تكون جميع الأضواء مطفأة. هذا يعني أن الرئيس الأمريكي يشعر بانعدام الأمان. في الجو الحالي، يمكن لوقائع المشهد والميدان أن تشكل السياسة. ما هي وقائع المشهد؟ أنه عندما اغتال الأمريكيون اللواء قاسم سليماني، اتخذت إيران في المقابل إجراءات على المستوى الصلب. كان هذا الإجراء المضاد متناسباً مع قدرتها الأدائية لكنه غير متكافئ؛ إلا أنه كان يستلزم إرادةً. هذه الأمور تظهر أن هذا المشهد والميدان هو الذي يمكن أن يغير النظريات. النظريات موجودة في عالم الذهن، لكن التحولات التي تشكلت هي في الميدان، مثل لبنان وسوريا والعراق وأفغانستان وقضايا تتعلق بإيران. انسحب ترامب من الاتفاق النووي، وزادت إيران تخصيبها إلى نسبة أعلى من 60%. هل هذا ينسجم مع الأفكار والتفكير الأمريكي؟ هذا يعني أن الإجراء الذي اتخذه انعكس على سياساتهم وأهدافهم. بالمناسبة، سياسات إيران هي عملياتية للغاية.

 

في جزء من نداء الحج هذا العام، ذكر قائد الثورة الإسلامية التجربة المريرة للهندسة السياسية في غربي آسيا بعد الحرب العالمية الأولى. ما هي هذه التجربة السياسية المريرة التي كلفت الأمة الإسلامية وغربي آسيا والعالم الإسلامي الكثير؟

ترتبط هذه المسألة بتشكيل فلسطين وبنية النظام العالمي الجديد بمحورية النظم الأمريكي-البريطاني الذي جرى تشكيله بعد سقوط الإمبراطورية العثمانية. حتى ذلك الحين، كانت ست دول والمناطق الجغرافية الحالية جزءاً من الإمبراطورية العثمانية. أي السعودية والأردن والعراق وفلسطين وسوريا ولبنان. ضعفت الإمبراطورية العثمانية منذ حرب القرم. في الحرب الأولى، هُزمت الإمبراطورية العثمانية وفقدت جزءاً من أراضيها. بالطبع، أتاتورك، أي كمال باشا، يقوم بمقاومة جدية ضد البريطانيين. لذا لم يصبح أتاتورك أتاتوركاً بدون سبب. أراد البريطانيون فصل اسطنبول عن تركيا ايضاً. لكن استطاع أتاتورك المقاومة وحُفظت اسطنبول.

القضية التالية هي القضية المتعلقة بالسيطرة على منطقة جنوب غربي آسيا. الهندسة التي تشكلت هي أولاً إنشاء مجلس الوصاية لعصبة الأمم وتصبح بريطانيا وفرنسا وكلاء لمجلس الوصاية. تستلم بريطانيا مسؤولية السعودية والعراق وفلسطين والأردن. وتسيطر فرنسا على لبنان وسوريا. لذا فإن النقاش القائم هو أنهم يريدون إضفاء الطابع الغربي على هذه المناطق الستة وجعل أنظمة الحكم في هذه المناطق بمحورية بريطانية. في عام 1932، عندما اعتقدوا أن هذه البلدان استطاعت أن تدخل في فلك الثقافة والتعليم الغربيين، أعطوها نوعاً من الهوية الوطنية. أي أنها تخرج من ظروف مجلس الوصاية. البحث هنا يتعلق بالكيان الصهيوني، مما يعني أن فلسطين يجب أن تتحول إلى كيان صهيوني، وهذا جزء من هندسة القوة تلك. لماذا؟ لأن المسلمين كان لديهم وحدة، وحدة عضوية، ميكانيكية، هيكلية وفكرية. خذوا مثلاً المواضيع المتعلقة بأفكار السيد جمال الدين أسد آبادي؛ هذه الأفكار تقوم على الوحدة. ترتبط أفكار الإمام (قده) أيضاً بالوحدة. ترتبط أفكار د. علي شريعتي أيضاً بوحدة الفئات الإسلامية. أفكار قائد الثورة الإسلامية لها نفس موضوع الوحدة أيضاً. أحد المواضيع الرئيسية لنداء الحج هذا العام هو موضوع الوحدة. وحدة المسلمين الذين كانوا في حالة تشتت وشبه تشتت، فيطرح سماحته قضية تجنب التنازع مع إخوتكم في الدين في العالم الإسلامي. إيران وسوريا والعراق ولبنان... هذه كلها جزء من المعادلة التي يمكن أن تعزز قوة العالم الإسلامي.

 

هل تدخل اتفاقية سايس بيكو في سياق هذا المخطط الاستعماري لغربي آسيا أيضاً؟

نعم، لكن هذا الموضوع يتعلق بالسنوات التي تشكلت لأول مرة في خضم الحرب العالمية الأولى في عام 1915 ثم استمرت في أجواء ما بعد الحرب العالمية الأولى. حتى أن هناك أفكاراً أيضاً حول هندسة القوة في أواخر القرن التاسع عشر. أي أن البريطانيين كانوا يرومون إلى تشكيل الدولة اليهودية. تتعلق القضية المتعلقة بهجرة الأمريكيين أو البيوريتانيين في عام 1623 بإنشاء حكومة لأنفسهم في منطقة جغرافية، أي حكومة بيوريتانية. طبعاً، استطاعت هذه الحكومة البيوريتانية تأسيس قوة عالمية عظيمة لنفسها. المسائل حول سايس بيكو وبروتوكول اليهود لها نفس هذه الوضعية أيضاً. لذلك عندما يجري الحديث عن الوحدة، فإنها تشمل أيضاً مواجهة الصهيونية، ومواجهة نظام الهيمنة والاستكبار، وسياسات أمريكا المسببة للأزمات في البيئة الإقليمية.

 

لقد أشرتم إلى موضوع الوحدة وقضية المقاومة ضد الصهيونية. إذا أردنا أن نتعلم الدرس من تلك التجربة التاريخية المريرة، ونأخذ دوراً صحيحاً ومتناسباً مع مصالح وهوية شعوب هذه المنطقة، فماذا يتعين على الحكومات والشعوب الإسلامية فعله؟

في رأيي، يجب أن نتعلم أربعة دروس من هذه الأوضاع:

1- الموضوع الأول هو الوحدة. المسألة الأولى الموجودة هي أنه يجب أن يكون هناك قاسم مشترك للسياسات. وهذا يعني أنه لا بد للدول الإسلامية والجماعات الإسلامية أن تشعر أنها متعاونة ومتوائمة مع بعضها بعضاً. يعكس الحج هذا المنعطف التاريخي والجغرافي كل عام. لذلك فإن أول مسألة مهمة هي موضوع التضامن. الحاجة الأهم لدينا في أسرتنا ومنظمتنا وبلدنا هي التضامن. هذه نفس ذلك الانسجام أو الوحدة. القضية هي أن يكون لدينا شعور بالتقارب. لا أن يحدث وضع وظروف مثل التي أكد عليها هنتنغتون في الفصل السابع من كتاب "صراع الحضارات" لإبراز الحدود الدموية للعالم الإسلامي. أي أن العالم الغربي يسعى إلى هندسة الفرقة، وفي مقابل ذلك لدينا قضية الوحدة.

2- المسألة الثانية هي البصيرة والنظرة إلى المستقبل. النقطة الثانية تتعلق بالحكام. إن مواضيع قائد الثورة الإسلامية مرتبطة بالبصيرة. لقد قال سماحته في عام 2008/2009: البصيرة ضرورية لجميع البشر وواجبة على مسؤولي الدول. لدينا أيضاً مفهوم البصيرة في أدبيات العلاقات الدولية أو في الأدب السياسي، وهو إطار العقلانية الذي يحمل علامات البصيرة. عندما يبيّن سماحته ما يتعلق بالبصيرة بأن البصيرة واجبة على الذين يمسكون زمام الأمور، أي عندما يريد الحاكم اتخاذ قرار ما، يجب عليه الانتباه إلى الخطوات الأربع التالية لخصمه مثل لاعب الشطرنج. ينبغي عليه أن يعرف الحجر الذي يتم تحريكه، مع أي حجر يُلعب، وما التغيير الذي يحدثه في توازن القوة واصطفاف رقعة الشطرنج أو السياسة. فالمسألة الأساسية المتعلقة بالحكام هي: هل توصّلوا إلى هذا الاستنتاج بأن ينتبهوا إلى المؤشرات المتعلقة بالوحدة؟ هل يعرفون أن الوحدة والانسجام يصنعان القوة؟ البصيرة هي الموزع للقوة والمشكّلة لاصطفافها ويمكنها أن تكوّن الردع.

3- المسألة الثالثة حول الدول الإسلامية هي المرونة. إذا التفت الناس إلى الروحانية التي طرحها قائد الثورة الإسلامية، فسوف يتمتعون بالمرونة اللازمة. هذه الروحانية تعني ألّا نجعل أنفسنا محوراً، بل نجعل محورنا الله ومدرستنا والوحدة.

4- المسألة الرابعة هي ترتيب الأولويات. مثلما يجب علينا جميعاً إعطاء الأولوية لتحقيق أهدافنا، يجب على الدول الإسلامية وقادتها أيضاً ترتيب الأولويات وتجنب التطرق إلى القضايا الثانوية. النقطة التي طرحها قائد الثورة الإسلامية في لقائه مع سفراء الجمهورية الإسلامية في الخارج ومسؤولي وزارة الخارجية هي حول المصلحة. المصلحة تعني ألّا نتصارع مع صخرة تسبب لنا الضرر في بعض الحالات. مثلما يمثل الحظر مشكلة وتحدياً وعلينا الالتفاف حول الحظر، فإن الالتفاف حول التحديات الأخرى هو أيضاً على جدول الأعمال. لذلك فإن الموضوع الذي يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن المكونات الأربعة المذكورة هي من جملة المهام الرئيسية للمجتمع الإسلامي على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.

 

إلى جانب قضايا تغيير النظام العالمي، يشير قائد الثورة الإسلامية أيضاً إلى أن الكيان الصهيوني فقد قوة الردع لديه. قبل سنوات قليلة أعلن سماحته أن الضفة يجب أن تتسلح، واليوم تحصل أحداث مهمة وغريبة هناك. ما العلاقة بين التحولات الداخلية في فلسطين المحتلة والكيان الصهيوني وعلاقته بهذا النظام الجديد والتحولات في غربي آسيا؟

القضية المتعلقة بالضفة الغربية هي أنه إذا لم تكن هناك مقاومة في قطاع غزة، فإن السلطة الفلسطينية أيضاً ستواجه تحدياً في الحفاظ على هويتها. قضية فلسطين اليوم هي قضية هوية. الأمر الذي لا يمكن للناس تجاهله. الهوية تعني مَن نحن. نرى هذا الموضوع عندما ننظر إلى الكيان الصهيوني على أنه محتل. هل كانوا متواجدين في هذه المنطقة الجغرافية قبل 60 أو 70 عامًا؟ كلا، فهذا مرتبط بحرب 1967. إذن فإن المسألة الأساسية اليوم هي حاجة العالم الإسلامي للمقاومة. المقاومة تعني أننا إذا استجدينا الدبلوماسية وتماشينا وساومنا من أجل تحقيقها، فمن الطبيعي ألا نحقق النتيجة المطلوبة. لذا فإن قضية مستقبل فلسطين مرتبطة بالمقاومة. المقاومة تتوسع يوماً بعد يوم. ليست مثل الانتفاضة، أي إن الانتفاضة الأولى التي كانت احتجاجية، كانت انتفاضة حجارة. اليوم، استطاعت الفصائل الفلسطينية أن تصنع الصواريخ بنفسها. وأن تمتلك أدوات القوة وتطلق الصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة. وأن تجعل بناء المستوطنات الذي يجري في الأراضي المحتلة غير آمن. هذه المسألة تقضي تلقائيًا على جزء من مجال الردع لدى الكيان الصهيوني. بمجرد أن تشعر الدول بالقلق، فإن النقاش حول الردع لن يعود مجديًا بالنسبة لها، وينكسر. الردع يعني أن نسبة القوة مقابل الجانب الآخر عالية بما يكفي لتحقيق الأمن المطلق. الكيان الصهيوني اليوم ليس في حالة أمن مطلق. هذا الضعف الأمني ​​يعرفه المستوطنون القانطون في كيان الاحتلال ومنظرّوه ومسؤولوه السياسيون. صحيح أن الكيان الصهيوني قد وسّع قوته حتى وصل إلى أذربيجان وتمكن من خلق تحد أمني لنا هناك، لكنه يواجه نوعًا من الأزمة والقلق داخله. لذلك فقدَ الكيان الصهيوني قدرة ردعه ولا يمكنه أن يفكر في الأمن المطلق، ولهذا السبب لا يوظف الإسرائيليون آليات وردات فعل هجومية ضد حزب الله والجمهورية الإسلامية. هل تعرف لماذا؟ لا يعني ذلك أنهم لا يمتلكون مقاتلات F-18، ولا يعني أنهم لا يمتلكون أنظمة دفاعية وهجومية واسعة النطاق. الكيان الصهيوني حكومة ثكناتية (حكومة الثكنات العسكرية). واجهت الحكومة الثكناتية هذه تحديًا في البيئة الاجتماعية تحت تأثير المقاومة. لماذا لا يضرب ويهاجم؟ هل طبيعة الكيان الصهيوني اليوم أكثر إنسانية مما كانت عليه في عام 1956؟ هل هي أكثر مرونة مقارنة مع 1967؟ هل بات لديه نظرة أكثر إنصافاً مقارنة بحرب 1973؟ كلا! مُطْلَقاً. بالمناسبة، لقد أصبح أكثر تطرفاً وراديكالية وعدوانية يوما بعد يوم. فلماذا لا يستخدم أدوات القوة؟ لأنه لا يملك الردع والأمن المطلقين.

 

إذا أردتم تلخيص موضوع تغيير النظام العالمي، فكيف يمكنكم ترتيبه؟

يترتب ملخص هذا الموضوع على النحو التالي:

1- النظام العالمي في حالة تغيّر.

2- خصائص هذا النظام العالمي تتبع لمعادلة ميزان القوى.

3- استطاع لاعبو الأدوار الهامشية وغير الحكومية التأثير على ميزان القوى هذا.

4- انتهى زمن القوة المتكافئة.

هذه الأقطاب التي يتحدثون عنها تنتمي إلى الماضي. العصر الجديد هو عصر القوة والاستراتيجية غير المتكافئة. والنقطة الأخيرة التي أود قولها:

5- اليوم، العالم الإسلامي والدول الإسلامية ودول جنوب غربي آسيا على أعتاب اختبار يمثل جزءًا من نفس ذلك المنعطف التاريخي.

ينبغي أن نرى هل سيصمد هذا الجو من التفاهم الذي نشأ في الآونة الأخيرة في العالم الإسلامي والدول الإسلامية أم لا.