لقد شكّلت عمليّة «طوفان الأقصى» مباغتة كُبرى للكيان الصهيوني، وقد وصف المراقبون السياسيّون هذه العمليّة بالمباغتة الاستراتيجيّة لتل أبيب. نظراً إلى أنّ الصهاينة كانوا يشهدون أوضاعاً سياسيّة متزعزعة بسبب الاعتراضات في الداخل قبل هذه العمليّة أيضاً، ما هو تقييمكم لوضعهم بعد عمليّة طوفان الأقصى؟

لاحظوا، هناك مبدأ عام وهو أنّ العنصر الخارجي أو العدوّ الخارجيّ يوجب دائماً اللحمة والوحدة والانسجام في الداخل. هذا مبدأ عام لطالما حضر في كلّ المجتمعات ولا يزال. حتى أنّنا شاهدنا في بعض الحروب التي شنّتها بعض الدول على مرّ التاريخ بأنّهم أطلقوا حرباً من أجل إيجاد الوحدة والانسجام في الداخل وهاجموا بلداً أجنبيّاً من أجل تحقيق هذا الهدف. من الطبيعي أنّه يمكن إلى حدٍّ ما ملاحظة هذه القضيّة أيضاً في خضمّ النقاش الدائر حاليّاً حول قضيّة فلسطين والكيان الصهيوني. أي إنّ مختلف الأحزاب في الكيان الصهيوني التي كانت حتى الأمس تخوض حرباً وشجاراً في ما بينها، اتحدت بسبب عمليّة طوفان الأٌقصى إلى حدٍّ معيّن. على سبيل المثال اقترح يائير لابيد الذي يُعدّ رئيساً أو قائداً لحزب «هناك مستقبل»، وهو حزبٌ معارض، على نتانياهو أن لنشكّل معاً حكومة وحدة وطنيّة. حتّى أنّه تدور نقاشات حول دخول بني غانتس إلى حكومة نتانياهو. لكن رغم ذلك، لا يمكن وضع قضيّة الخلافات داخل الكيان على الهامش. إنّ العنوان الأساس لهذه القضيّة هو أنّ نتانياهو هو السّبب الرئيسي وراء وقوع هذه الهزيمة. لأنّ نتانياهو مع طرح مشاريع من قبيل مشروع التعديلات القضائيّة أو إدخال أفراد متشدّدين إلى حكومته من قبيل بن غفير وسموتريتش شنّج في الواقع الأجواء المحليّة لهذا الكيان ومهّد الأرضيّة لوقوع الانقسام وبروز الاعتراضات والمشكلات الناجمة عن هذا الانقسام وهذه الاعتراضات. إذاً إنّ المقصّر الرئيسي في هذا الحدث، أي عمليّة طوفان الأقصى، هو نتانياهو الذي كان السبب بناء على ما ذكرته وأشرت إليه بأن يصبّ جزءٌ كبير وأساسي من الهيكليّة السياسيّة والعسكريّة والأمنيّة للكيان اهتمامه وطاقته على الأمن في الداخل، ويغفل أيضاً عن قضيّة جبهة المقاومة وإيران وحزب الله وحماس والجهاد وأمثالهم. وهذا الوقوع في الغفلة أدّى إلى حدوث هذه المباغتة ووقوع هذه الهزيمة التي نراها الآن.

من الطبيعي أنّ هذه النظرة ستتواصل في المستقبل أيضاً وتتعمّق وتصبح أكثر بروزاً. كما إنّ بعض وسائل الإعلام الإسرائيليّ ومحلّليهم يقولون الآن بأنّ نتانياهو هو المقصّر الرئيسي ويجب ألّا نسمح بانتهاء هذه المعركة لنراقب ما سيكون عليه حال نتانياهو بعدها. بل يجب أن يتنحّى نتانياهو الآن فوراً ويترك الحكم ولا يجعل إسرائيل والإسرائيليّين يواجهون المزيد من المشكلات والمآزق الأخرى والجديدة.

صرّح الإمام الخامنئي في مراسم تخريج طلّاب جامعات الضبّاط بما يلي: «استطاعت عمليّة طوفان الأقصى تدمير بعض الأسس الرئيسيّة لحكم الكيان الغاصب وإنّ إعادة بناء تلك الأسس ليس ميسّراً بهذه السهولة.» نظراً إلى الضربات التي تلقّاها الصهاينة خلال هذه العمليّة في شتّى الأبعاد، ما هو تحليلكم حول هذا المقطع من كلام الإمام الخامنئي؟

برأيي هذه واحدة من تلك الجمل الدقيقة التي لا بدّ من شرحها وتبيينها. فإنّ انقضاء المزيد من الوقت سيكشف أكثر فأكثر عن انهيار هذه الأسس والبنى العسكريّة، الأمنيّة والاستخباراتيّة للكيان الصهيوني. برأيي، كانت أهمّ مباغتة المباغتة الاستخباراتيّة، فالكيان الصهيوني الذي يتباهى ويعتبر نفسه متقدّماً على كلّ المؤسسات الاستخباراتيّة، عجزت مؤسسة الجيش الاستخباراتيّة لديه أي أمان ومنظّمة الموساد المرعبة كما ينشرون عن امتلاك المعلومات اللازمة لما يحدث في قطاع غزّة الذي تبلغ مساحته 365 كيلومتراً مربّعاً، ولم يستطيعوا تقديمه إلى قادة الكيان، ولم يطّلعوا عليه أبداً في الواقع. الإسرائيليّون رغم امتلاكهم معدّات التجسّس ومنها المسيّرات ومعدّات التجسّس السيبراني المتقدّمة واختراقهم الهواتف النقالة على نحو خاصّ ونشرهم العديد من العملاء في قطاع غزّة وحيازتهم إمكانيّات استخباراتيّة أخرى، لم يتمكّنوا من معرفة هذه الواقعة وكانت المباغتة من نصيبهم. يعتقد بعض المحلّلين الإسرائيليّين أنّ هذه المباغتة غير مسبوقة طوال الأعوام الخمسين الماضية، أي منذ نشوب الحرب الرابعة بين العرب وإسرائيل عام 1973، ولعلّها أضخم أيضاً، لأنّه في تلك الحرب كان هناك بلدان مثل مصر وسوريا، لكن تحضر هنا حركات المقاومة الفلسطينيّة المناضلة مثل حماس والجهاد الإسلامي وقد تمكّنوا من تسطير حدثٍ غير مسبوق. حسناً، كانت الأسس الاستخباراتيّة إحدى الأسس المنهارة.

الأساس الثاني هو الأساس العسكري. على أيّة حال، يعتبر الكيان الصهيوني نفسه أكثر جيوش غرب آسيا سيطرة وأهميّة وقوّة، وهو دائماً ما يسعى للحصول على أكثر المعدّات العسكريّة تقدّماً حول العالم ومن أمريكا على وجه الخصوص. على سبيل المثال، الجيل الخامس من المقاتلات الحربيّة الأمريكيّة أي إف 35 والتي لا يملكها في المنطقة غير الإسرائيليّين. هم يملكون حتى الآن 50 مقاتلة، أي سربين، وقد طلبوا تزويدهم بسرب ثالث ليبلغ عدد مقاتلاتهم خلال الأعوام القليلة القادمة حوالي الـ75 مقاتلة. لديهم أيضاً غوّاصة «دلفين» النووية، إضافة إلى المئات من المقاتلات الأخرى من قبيل: إف 16، إف 18، إف 15 ومثيلاتها. حسناً، لا يقدر أيّ بلد على الوصول إلى إمكانياتهم من الناحية العسكريّة ومن حيث التجهيزات العسكريّة، ومع ذلك لم يستطع مثل هذا الجيش مع كلّ هذا الادعاء التعامل بالقوّة والعدّة اللازمة وفي الوقت المناسب مع قرابة الألف شخص من القوى الفلسطينيّة المناضلة والمجاهدة من قطاع غزّة. وما أعلنوه أنفسهم هو أنّهم قالوا بأن قرابة الألفي شخص من القوى الفلسطينيّة المناضلة عبروا حدود قطاع غزّة ليدخلوا أراضي الـ48.

حسناً، حتى المجاهدون الفلسطينيّون كانوا يملكون معلومات مسبقة عند توجههم إلى بعض المقرات والبيوت التي يقطنها الصهاينة واعتقالهم بعض القادة العسكريّين. أي لم يقتصر الأمر على عدم امتلاك الإسرائيليّين المعلومات اللازمة، بل إنّ الفلسطينيّين أنفسهم امتلكوا المعلومات اللازمة من أجل التقدّم نحو هدفهم وتحقيقه. حسناً، لقد لحقت بهم هزيمة نكراء من الناحية العسكريّة أيضاً. وإنّ مساعيهم لإعادة ترميم أنفسهم وإعادة بناء هذه الأسس العسكريّة، الأمنية والاستخباراتيّة سيستغرق أعواماً طويلة. فكما فقدت دبابة الميركافا هيبتها وحضورها بعد حرب الثلاث وثلاثين يوماً في العام 2006، يبدو أنّ تلك الهيبة والهيمنة للقوى الاستخباراتيّة والمنظمات الأمنيّة والجيش الإسرائيلي زالت بعد عمليّة طوفان الأقصى وسيجري التشكيك بها على نحو كامل وستستغرق استعادتها بشكل كامل أمداً طويلاً.

لم تکن تل أبيب تتوقّع وقوع هذا الحجم الكبير من الخسائر في صفوف الصهاينة، إذ بلغ عدد قتلاهم المئات ولديهم الآلاف من الجرحى أيضاً. من ناحية أخرى واجه الصهاينة خلال عمليّة طوفان الأقصى عمليّة واسعة وشاملة من البرّ والسماء وفشلوا في منع استمرار هذه الهجمات والحدّ من نطاقها، الأمر الذي يكشف عن هزيمة استخباراتيّة لا ترمّم لحق بالصهاينة الذين لطالما تفاخروا بقوّتهم الاستخباراتيّة. ما هو رأيكم في هذا الصّدد؟

من الخصائص والمؤشرات الرئيسيّة للمعركة الدائرة حاليّاً العدد الكبير للقتلى والأسرى الذي تكبّده الصهاينة. ولو أنّنا استذكرنا الحروب السابقة التي دارت بين الكيان الصهيوني والفلسطينيّين في قطاع غزّة، أي حروب الـ22 يوماً، الأيام الثمانية، الـ51 يوماً والـ11 يوماً، سنجد أنّ خسائر الإسرائيليّين كانت تقتصر على عشرة أو عشرين أو ثلاثين قتيلاً أو عشرات القتلى كأقصى تقدير، لكن كان الفلسطينيّون يقدّمون مئات الشهداء في المقابل أو حتى الآلاف.

حسناً، إنّها أوّل حرب ومعركة نلاحظ فيها كون القتلى الإسرائيليّين في أيامها الأولى وحتى الآن على الأقل أكثر من الشهداء الفلسطينيّين. إنّها أوّل معركة لا ينجح فيها الفلسطينيّون بالقيام بعمليّة أسر مباشرة فحسب، بل أسروا أكثر من 100 صهيوني وغالبيتهم من العسكريّين. إنّها أوّل معركة يدخل فيها الفلسطينيّون عمق أراضي الـ1948، وقد نفّذ الفلسطينيّون في قطاع غزّة المشروع والمخطط الذي كان من المقرّر أن ينفّذه حزب الله في الحرب المقبلة مع الإسرائيليّين. حسناً، هذه خصائص تفرّدت بها هذه المعركة وهي في الواقع هزيمة لا يمكن للكيان الصهيوني ترميمها. لا شكّ في أنّ الكيان الصهيوني لن يتمكّن بعد الآن من التباهي كما كان يفعل في السابق بالمكانة الخاصّة لجيشه ومهارة طيّاريه وقادته الأمنيّين والعسكريّين وإمكاناته الراداريّة والاستخباراتيّة وأنظمته الدفاعيّة من قبيل القبّة الحديديّة ومقلاع داوود وأمثالهما. هذا ليس بالشيء الذي يمكنه أن ينساه، وفي الواقع، كما تمّت الإشارة، هي ليست مجرّد هزيمة، بل هزيمة لا يمكن ترميمها وستترسّخ في أذهان الإسرائيليّين لأعوام وأعوام. فكما أنّ حرب يوم الغفران عام 1973 مختلفة تماماً عن الحروب الثلاث الأخرى بين العرب وإسرائيل، أي في الأعوام 1948، 1956 و1967 وقد رسخت في عقولهم، فإنّ عمليّة طوفان الأقصى سترسخ بنفس الطريقة بل سيكون رسوخها أعمق وستحتلّ مكانة مميّزة في أذهانهم مقارنة مع سائر المواجهات التي خاضوها في غزّة.

وصفت وسائل إعلاميّة كثيرة وخاصّة العربيّة منها عمليّة طوفان الأقصى بالصفعة القويّة للمطبّعين مع الكيان الصهيوني. ما هو برأيكم التأثير الذي ستتركه هذه العمليّة على مسار عمليّة تطبيع العلاقات بين الحكومات العربيّة والكيان الصهيوني؟

لاحظوا، لو أننا أجبنا أوّلاً على هذا السؤال بأن لماذا اتجهت بعض الحكومات نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني وهل إنّ تلك العوامل والقضايا تأثّرت الآن أو لا، سيتسنّى لنا الردّ على السؤال حول مستقبل الكيان. برأيي إنّ ما دفع الإمارات، البحرين وآخرين إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني كان أنّهم شعروا بكون إسرائيل حكومة كسائر الحكومات لها سلوكياتها الاعتياديّة. هي دولة وحكومة وأرض وسكان معترف بها من كل دول العالم ولا بدّ من القبول بها كأمر واقع. إضافة إلى هذا الأمر كانوا يشعرون بكونها حكومة مقتدرة وقائمة على الديمقراطيّة في المنطقة.

کما إنّهم شعروا بأنّ الكيان الصهيوني حكومة تؤدّي إقامة العلاقات معها إلى تحصيل فوائد ونتائج اقتصاديّة إيجابية. هو حكومة تحظى بدعم أكبر القوى العالمية. حسناً، بطبيعة الحال يؤدّي مثل هذا التعريف لهذه الحكومة إلى أن يغضّوا الطرف عن قضيّة فلسطين ويتّجهوا نحو التطبيع. بينما أثبتت عمليّة طوفان الأقصى هذه عدم كون هذا الكيان حكومة عاديّة، لماذا؟ لأنّ شعبها ليس متجذّراً في هذه الأرض، ففور أن يقع حدثٌ ما يفكّرون بالهجرة المعاكسة والعودة إلى أوروبا وأمريكا. لو أنّهم كانوا دولة عاديّة لما هرب سكانهم ولتمسّكوا بأرضهم كما هو الحال في فلسطين وإيران وسائر الدول حول العالم. لحاربوا حتى الرمق الأخير ودافعوا عن أرضهم. إذاً ليس هذا الكيان دولة طبيعيّة وعاديّة وواقعاً في المنطقة. كما إنّ العلاقات الاقتصاديّة وإن كانت توسّعت في الظاهر مع الإمارات خصوصاً لكن فلتعلموا أنّ الكيان الصهيوني ليس مستعدّاً لأن ينمو ويتقدّم ويتطوّر أيّ بلد إٍسلامي. لماذا؟ لأنّه يرى أن قرابة الـ50 بلد إسلامي في العالم أعداء له بالقوّة. وإنّ أي كيان لا يتعامل مع عدوّه يوماً بشكل عادي. عليه يمكن القول أنّ هذه الحرب تركت تأثيرها.

إضافة إلى أنّ الكيان الصهيوني أثبت عدم كون سكّانه طبيعيّين ومحليّين، فإنّه أثبت وحشيّة قادة هذا الكيان خلال هجومه على غزّة. لقد أثبت معارضة العديد من المجتمعات في المنطقة والعالم له، كما أثبت أنّه يدهس متى ما اضطرّ كلّ المعايير الإنسانيّة وحقوق الإنسان. حسناً، إضافة إلى أنّه يمكن القول بأنّ كل العالم الإسلاميّ يعارض هذا الوجود وهذا السلوك. بطبيعة الحال، جعلت مثل هذه الأجواء الناجمة عن عمليّة طوفان الأقصى من طبّعوا العلاقات يواجهون مشكلة وسوف تشكّل عائقاً أمام من يسعون للتطبيع. على سبيل المثال، لو أرادت السعوديّة الآن الاتجاه نحو التطبيع فإنّها ستواجه بطبيعة الحال معارضة المجتمعات الإسلاميّة والرأي العام في الدول الإسلاميّة وداخل السعوديّة أيضاً. وهذا الأمر جاء نتيجة لعمليّة طوفان الأقصى وهذه العمليّة شكّلت في الواقع عائقاً أمام موضوع التطبيع.

نظراً إلى كون معركة طوفان الأقصى نقطة عطف في فعاليّات المقاومة وتاريخ الصراع في فلسطين ضدّ الصهيونيّة أيضاً، ومع الالتفات إلى إشارة الإمام الخامنئي لكون عمليّة السابع من أكتوبر التي نفّذتها المقاومة زلزالاً مدمّراً لن ينحصر في المجال العسكري بل سيسري إلى سائر الساحات أيضاً، ما هي برأيكم التداعيات التي ستتجلّى في الساحات الاجتماعيّة، السياسيّة والاقتصاديّة في المجتمع الصهيوني؟

حقّاً لو أنّ أحداً امتلك المعلومات اللازمة حول مجتمع هذا الكيان وبنيته وشؤونه الاقتصاديّة، فإنّه سوف يدرك أكثر وعلى نحو أفضل كون ما حدث زلزالاً مدمّراً. لماذا؟ لأنّ تداعيات هذا الحدث ستكون برأيي أكبر في الساحة السياسيّة، وستكون على الأقل مشابهة للتداعيات السياسيّة التي تركتها حرب الـ33 يوماً. إذا كنتم تذكرون، بدأت حرب الأيام الـ33 بين حزب الله في لبنان والكيان الصهيوني بسبب أسر اثنين أو ثلاثة من الجنود الصهاينة وتبيّن لاحقاً أنّهما كانا جثّتين، ثمّ انتهت بتبادل للأسرى وتحرير أكثر من 400 أسير لحزب الله والعرب وفلسطين. ما الذي حدث في المقلب الإسرائيلي أيضاً؟ كانت النتيجة تشكيل لجنة فينوغراد من قبل الإسرائيليّين وإلقاء اللوم على القادة السياسيّين والعسكريّين من قبيل إيهود أولمرت الذي كان رئيساً للوزراء حينها، ودان حالوت الذي كان رئيس هيئة الأركان وعامير بيريتس الذي كان وزيراً للدفاع، ممّا أدى إلى تقديمهم استقالاتهم. يبدو أنّه مع انتهاء هذه العمليّة ستتشكل لجنة مثل فينوغراد لتعلن في النهاية عن الهزيمة وكون نتانياهو، غالانت وآخرين ممن لهم دورٌ في اتخاذ القرارات ضمن الساحتين السياسيّة والعسكريّة في عداد المقصرين. بطبيعة الحال، هناك تأثيرٌ لهذه العمليّة على عدد الآراء ضمن هيكليّة الأحزاب وتبدّل أحجام هذه الآراء. بعبارة أخرى، سنشهد بعد إجراء الانتخابات المبكّرة تحوّلات داخل الأحزاب الإسرائيليّة. فكما لاحظنا بعد انتهاء حرب تموز عام 2006 الزوال التدريجي للحزب الأكبر والأول في الكيان أي حزب كاديما، سنشهد مثل هذا الزلزال في المشهد السياسي الحزب لإسرائيل.

ولا شكّ في وقوع بعض الأحداث في الساحة الاجتماعيّة أيضاً. على سبيل المثال، من القضايا المطروحة الآن مشاركة الأحزاب الدينيّة والمتشدّدة في حكومة نتانياهو وطرح قضايا من قبيل طرح التعديلات القضائيّة، ممّا أدى إلى تشتيت انتباه الإسرائيليّين وسوقه نحو الداخل وغفلتهم عن القضايا المحيطة بهم. حسناً، ستكون مثل هذه النتيجة مؤثّرة بطبيعة الحال على المكانة والقاعدة السياسيّة والاجتماعيّة لأصحاب القرار والأحزاب، ويبدو أنّنا سنشهد مثل هذه التغيّرات والتحوّلات في الساحة الاجتماعيّة.

ولا شكّ في وقوع خسائر حقيقيّة في الساحة الاقتصاديّة أيضاً من عدّة جوانب. إحداها الخسائر المباشرة الناجمة عن هجمات المقاومة إن كان في قطاع غزّة أو في عسقلان وتل أبيب وسائر المدن الأخرى التي تعرّضت للهجمات الصاروخيّة. لأنّ النسبة المئويّة للتصدّي الناجح للقبّة الحديديّة للصواريخ الفلسطينيّة كان أقلّ هذه المرّة خلافاً للمرّات السابقة، وكانت الخسائر أكبر. في النتيجة، ستظهر لاحقاً نتيجة مثل هذه الخسائر وإحصاءاتها. وإنّ جانباً من هذه الخسائر يعود إلى استدعاء قرابة المئة ألف من قوات الاحتياط وقد كلّفهم ذلك أثماناً ماليّة أيضاً. جانبٌ من الخسائر أيضاً يعود إلى المعدّات التي جرى استخدامها. ففي الأيام القليلة الأولى أُعلن عن استخدام خمسة أضعاف – إن لم أكن مخطئاً – ما استخدم من القذائف والقنابل في حرب تموز 2006 لقصف قطاع غزّة. يبدو أيضاً أنهم عانوا من نقص في التجهيزات والمعدات فسمحت أمريكا بأن يستخدموا جزءاً من الذخائر الأمريكيّة في النقب جنوب فلسطين المحتلة. إضافة إلى أن الصواريخ وصواريخ تمير خاصّة التي تستخدمها القبّة الحديديّة عالية التكلفة. فكلّ واحد من صواريخ تمير يكلّف قرابة الخمسين ألف دولار. وأُعلن أنّه تم في اليوم الأول فقط إطلاق 5 آلاف صاروخ من قطاع غزّة نحو المستوطنات الإسرائيليّة. حسناً هذا يعني إفراغ صواريخ تمير ومنظومتهم الدفاعيّة. وليس مثل هذا الشيء قابلاً للتعويض بسهولة. ينبغي أن نتطلّع إلى الخسائر من هذه الزاوية أيضاً.

بشكل عام يمكن القول إن هذا الزلزال المدمّر سيكشف تدريجيّاً عن تداعياته وآثاره الاقتصاديّة والسياسيّة والاجتماعيّة والعسكريّة.

أعلن وزير الدفاع الأمريكي مؤخراً أن بلاده تجري إرسال حاملات طائرات وسفناٌ حربية إلى شرق البحر الأبيض المتوسط ​​لدعم "إسرائيل". كما أصدرت أمريكا وفرنسا وبریگانیا وألمانيا وإيطاليا بياناً مشتركاً أكدت فيه دعمها للكيان الصهيوني. في مثل هذه الظروف، وباعتبار تأكيد قائد الثورة الإسلامية على الوحدة الإسلامية والتلاحم الإسلامي باعتبارهما قوة رادعة في مواجهة القوى المتجبرة، كيف يمكن أن يؤدي تبني الدول الإسلامية لسياسة واستراتيجية موحدة في دعم فلسطين إلى مساعدة المقاومة في تحقيق النصر؟

انظروا، أولاً، إن الإعلان عن دعم أوروبا وأمريكا هو أمر دائم ولم يكن شيئاً جديداً. بالإضافة إلى ذلك، فإن إرسال حاملة طائرات يتعلق أكثر بالحفاظ على ظاهر المسألة وفي الواقع هيبة المسألة. لأن حاملة الطائرات هذه لا تستطيع اتخاذ أي إجراء لدعم الصهاينة. بالإضافة إلى ذلك، في رأيي، يمكن طرح عكس هذه المسألة من زاوية وهي أن بايدن ليس منزعجاً جداً من إضعاف نتنياهو. لأنه في الأشهر العشرة الماضية عندما تولى نتنياهو الحكم، كانت هناك علاقة متوترة بين بايدن ونتنياهو. لا يمانع بايدن في الوقوف إلى جانب نتنياهو الضعيف الذي يسمع الأوامر. بايدن لا يرغب في نتنياهو المتجبّر والمستقل. حسناً، إذا نظرنا إلى نتائج هذه الحرب في إطار التوقعات تقريباً، فسنرى أن نتيجة هذه الحرب هي نتنياهو المهزوم والمضعف. وهذا ما يرغب فيه بايدن. ولذلك لا ينبغي أن نعتبر دعم النظام الأمريكي للكيان الصهيوني بمثابة دعم لنتنياهو. بل هو بالأحرى دعم دائم تم الإعلان عنه دائماً وتم الإعلان عنه الآن أيضاً.

أوروبا أيضاً على هذا النحو نفسه، ويمكن القول إن أمريكا والإسرائيليين كانوا ينتقدون الأوروبيين بشكل عام. والآن، في الظروف الراهنة، من الطبيعي أن يعلن نتنياهو أن كل ما يسمى بالعالم الغربي على الأقل، أو كما يقول، المجتمع الدولي، يسانده. لكن على الجانب الآخر، هناك مسألة تتعلق بالدول العربية والإسلامية.

إحدى النقاط التي أعتقد أنها تستحق الفرح والسعادة هي أنه على عكس مرحلة حرب الـ 33 يوماً، عندما أدانت العديد من الدول العربية حزب الله، فإن تلك الأجواء ليست حاضرة الآن والحمد لله. لماذا، لأنهم يرون حقاً أن الفلسطينيين من قطاع غزة يهبّون حقاً للدفاع عن أنفسهم. لأن أشهرا وسنوات من الجرائم الإسرائيلية، وقتل الفلسطينيين بشكل يومي، وتدمير منازلهم، وتوسّع المستوطنات، والانتهاكات المتكررة للمسجد الأقصى، كل هذه الأمور سارت جنباً إلى جنب، وخاصة الحصار المتواصل على قطاع غزة منذ 16 عاماً، وأدّت إلى حدوث هذا الغليان عند الفلسطينيين على شكل عملية طوفان الأقصى. إذن الدول العربية الإسلامية أيضاً ترى هذه النقاط وهي على علم بها أيضاً. وعلى عكس أوروبا وأميركا، لم يعد يُنظر إلى حركة حماس على أنها إرهابية ومهاجمة. بل لديهم وجهة نظر حول دعم حماس والجهاد الإسلامي وكل فلسطين. حسناً، عندما يكون لديهم مثل هذه النظرة، فمن الطبيعي أن يدعموا. رغم أن بعضها، مثل الإمارات ومصر والأردن وتركيا، مضطرة أن تنظر في الاتجاهين بسبب علاقاتها مع الكيان الصهيوني؛ فيدعون إلي ضبط النفس، ويطلبون من الطرفين أن يتنازلوا، وتلميحات كهذه. لكن مجتمع العالم الإسلامي والرأي العام في الدول الإسلامية كلها يساند فلسطين ويعارض الكيان الصهيوني. وذلك بسبب طبيعة الصهاينة الإرهابية والمجازر التي ارتكبوها بحق الفلسطينيين طيلة هذه السنوات.

إذن، إن شاء الله، من خلال تبيين ما حدث بشكل صحيح، وهو في الواقع رد فعل ودفاع جارٍ عن الحرم الأول للمسلمين، عن المسجد الأقصى والحرم الشريف، وعن بيت المقدس، وفلسطين، ومهد الأنبياء. إذا كانت هذه النظرة حاضرة، فمن الطبيعي أن تتكاتف الدول الإسلامية وليس المجتمعات فقط، بل الدول الإسلامية أيضاً. إن شاء الله، للإيرانيين ونحن، في إطار إعلامي، في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي، في إطار التأييد، وخاصة في صلاة الجمعة، وبأي طريقة أخرى ممكنة، أن نخطو في هذا الطريق وأن نجعل من هذه الشجاعة والسلوك المحمود للمناضلين الفلسطينيين واقعةً خالدة يغير في تاريخ فلسطين. وبطبيعة الحال، كلما زاد الدعم للمقاومة الفلسطينية، كلما أظهرت المقاومة الفلسطينية نفسها أكثر ثباتاً وصموداً، ومن الناحية الأخرى تسببت في تراجع اليكان الصهيوني وداعميه أيضاً.