«ما يحدث أمام أعين العالم يشبه الأساطير، إذ تأتي آلة حربيّة ضخمة مثل أمريكا، وتسلّم الكيان الصهيوني عديم الرّحمة والسفّاح قنابل خارقة للتحصينات دون أي اكتراث للمفاهيم الإنسانيّة، فيقصف 15 ألف طفل في البيوت والمشافي دون أن يتمكّنوا من تحقيق أهدافهم». هذا مقطع من الخطاب الأخير لقائد الثورة الإسلاميّة عن انهزام الكيان الصهيوني في تحقيق أهداف الحرب ضدّ غزّة. رئيس وزراء الكيان الصهيوني كان قد حدّد سابقًا 3 أهداف رئيسيّة للحرب هي: «القضاء على حماس» و«تحریر الأسرى الصهاينة» و«تعزيز قوّة الرّدع لإسرائيل». بين هذه الأهداف، عدّ «بنيامين نتنياهو» تحرير الأسرى الإسرائيليّين من أهمّ أهداف الحرب. تحاول هذه المقالة تحليل أسباب إخفاق الكيان الصهيوني في تحرير أسراه الذين كانوا موجودين لدى المقاومة الفلسطينيّة.

 

الضغوط العسكريّة القُصوى لم تُفلح

اتّبع الكيان الصّهيوني في مساعيه إلى استعادة أسراه الموجودين لدى المقاومة الإسلاميّة في فلسطين، إستراتيجيّة «الضغوط العسكريّة القُصوى»، وشنّ هجمات جويّة وبرية وبحريّة على مختلف المناطق في قطاع غزّة. كما إنّ الصهاينة الذين لم يوفّروا أيّ إستراتيجيّة وسلاح وأسلوب قتالي من أجل استعادة أسراهم، قرّروا في الأسابيع الأخيرة للحرب أن يجرّبوا حظّهم مرّة أخرى في تحرير الأسرى، على أمل أن ينفعهم المسار العسكري هذه المرّة. ضمن هذا الإطار، قبل قرابة الثلاث أسابيع من توقيع اتفاق وقف إطلاق النار، هدّد وزير حرب الكيان الصهيوني «يسرائيل كاتس» المقاومة الفلسطينيّة وقال: «إذا لم يجرِ تحرير الأسرى الإسرائيليّين، فإنّ غزّة ستتعرّض لهجمات لم تجرّبها منذ زمن طويل». هذا ما حدث أيضًا، ففي الأسابيع الأخيرة تعرّض قطاع غزّة لهجمات شرسة من الصهاينة، ولكن هذا السلوك الجنونيّ، الذي كان طلقة الصهاينة الأخيرة، لم يحقّق لهم أيّ نتيجة أيضًا.

يشير «أنطوان شلح»، محلّل شؤون الكيان الصهيوني، إلى أنّ «تحرير الأسرى الإسرائيليّين» كان أحد الأهداف المُعلنة لـرئيس وزراء هذا الكيان «بنيامين نتنياهو»، وتابع قائلًا: «الحقيقة هي أنّ إسرائيل لم تخفق في تحقيق هدف تحرير أسراها عبر المسار العسكري فقط، بل هي أخفقت في تحقيق أهدافها المُعلنة كلها من حربها ضدّ قطاع غزّة. جعل الإسرائيليّون تحرير الأسرى على رأس أولويّاتهم، ولتحقيق هذه الغاية، شدّدوا الضغوط العسكريّة على المقاومة الفلسطينيّة. رغم ذلك، لم يقتصر الأمر على انعدام نجاحهم في تحقيق هذا الأمر، ورضخوا لتحقيقه إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار».

 

المساعدات الخارجيّة لم تُسعف الصهاينة أيضًا

تمتّع الكيان الصهيوني ضمن إطار مساعيه إلى تحرير أسراه بمساعدات خارجيّة أيضًا، ولكن رغم هذه المساعدات، عجز عن تحقيق أحد أكبر أهدافه العسكريّة في غزّة. يشير محلّل الشؤون العربيّة «حبيب أبو محفوظ» إلى عجز الصهاينة عن تحرير أسراهم رغم تمتّعهم بالمساعدات وأنواع الدعم الخارجيّة، ويضيف قائلًا: «إنّ إبقاء مصير الأسرى الصهاينة سريًّا لمدة فاقت السنة، رغم تمتّع العدوّ بأكثر المعدّات التجسسيّة والاستخباراتيّة تقدّمًا، يُعدّ من ضمن انتصارات المقاومة الفلسطينيّة».

على سبيل المثال، بعد أيّام قليلة من عمليّة «طوفان الأقصى»، كشفت قناة «السي إن إن» الأمريكيّة عن تقديم الولايات المتّحدة الأمريكيّة الدعم الاستخباراتي للكيان الصهيوني من أجل العثور على مكان الاحتفاظ بالأسرى الصهاينة. أعلنت هذه القناة أنّ تقديم الدعم لتل أبيب سيكون ضمن إطار عمليّة رصد واستطلاع وكذلك جمع معلومات عن مكان الاحتفاظ بالأسرى الإسرائيليّين. إضافة إلى ذلك، أيّدت صحيفة «نيويورك تايمز» تقديم الولايات المتحدة الأمريكيّة المساعدات للصهاينة في مجال تحرير الأسرى الإسرائيليّين. ضمن هذا الإطار، صرّح المسؤولون الأمريكيّون لهذه الصحيفة بأنّ المساعدات الأمريكيّة لتل أبيب تشمل الخطوات الاستخباراتيّة الرامية إلى العثور على مكان الاحتفاظ بالأسرى، وكذلك مكان تواجد كبار قادة «حماس». إنّ بريطانيا كانت واحدة من الجهات الخارجيّة التي سارعت إلى مساعدة الصهاينة في تحرير الأسرى الإسرائيليّين. تحدّث في هذا الخصوص أحد المسؤولين الصهاينة في أواسط عام 2024، وفي خضم مساعي تل أبيب إلى تحرير الأسرى الإسرائيليّين، إلى صحيفة «نيويورك تايمز» وقال: «رغم أنّ إسرائيل تملك معلوماتها الخاصّة، ولكنّ بريطانيا وأمريكا مع الأدوات التي تملكانها، تجمعان معلومات [في مجال العثور على مكان الاحتفاظ بالأسرى] لا تقدر "إسرائيل" لوحدها على جمعها». على هذا الأساس، بدأ تقديم المساعدات الخارجيّة للصهاينة من أجل تحرير أسراهم منذ الأيام الأولى للحرب، ولكنّها لم تُفضِ إلى أيّ نتيجة حتى آخر يوم في الحرب.

 

«هزيمةٌ نكراء»؛ رواية الصهاينة بشأن الإخفاق في تحرير الأسرى

كان إخفاق الكيان الصهيوني في تحرير أسراه الإسرائيليّين لدى المقاومة الإسلاميّة في فلسطين كارثيًّا لدرجة أنّه جعل أصوات القادة المعروفين لهذا الكيان تعلو، وهم أيّدوا علنيًّا بالكامل هذه الهزيمة والإخفاق الشنيع. ضمن هذا الإطار، أذعن الرئيس السابق لهيئة أركان الجيش الصهيوني «غادي آيزنكوت» قائلًا: «لم يتحقّق هدف الحرب بشأن استعادة الأسرى، وهذه هزيمة نكراء. هذه الهزيمة سببها أولئك الجالسون في الحكومة».

كما وجّه الوزير السابق للحرب في حكومة الكيان الصهيوني «بني غانتس» الانتقاد إلى سياسات رئيس وزراء هذا الكيان «بنيامين نتنياهو» الرامية إلى تحقيق هدف استعادة الأسرى الإسرائيليّين، وهاجمه بشدّة وخاطبه: «كن شجاعًا ولو لمرّة واحدة. أوقف الحرب واقبل بتوقيع الاتفاقية التي تكفل عودة الأسرى»[1]. أثبتت هذه التصريحات الصريحة بصورة واضحة إخفاق الخيار العسكري للكيان الصهيوني الذي يهدف إلى تحرير الأسرى.

كما إنّ رئيس حركة المعارضة في الكيان الصهيوني «يائير لابيد» كان شخصيّة أخرى في المحافل السياسيّة للصهاينة، أكّدت تحقيق هدف تحرير الأسرى الإسرائيليّين، فقال: «لقد زالت القوّة السياسيّة والعسكريّة لـ "إسرائيل"؛ نحن اليوم بحاجة إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق نار من أجل استعادة الأسرى».

 

الإنجاز الأشدّ نبوغًا الذي حقّقته المقاومة الفلسطينيّة

أثار إقدام المقاومة الإسلاميّة في فلسطين على إبقاء الأسرى الإسرائيليّين لديها لمدة قاربت العام ونصف العام إعجاب المحلّلين وأصحاب الرأي. ضمن هذا الإطار، عدّ المحلّل الصهيوني «ألون مزراحي» إقدام المقاومة الإسلاميّة في فلسطين على حفظ أسرى هذا الكيان لمدة 15 شهرًا إنجازًا عظيمًا، وصرّح قائلًا: «سيُسجّل التاريخ أنّ المقاومة الفلسطينيّة استطاعت إبقاء الأسرى جميعهم الذين أسرتهم من "إسرائيل" [لمدة طويلة] لديها ولم ترضخ ضمن هذا المسار لأيّ من الضغوط. هذا قد يعدّ واحداً من أشدّ الإنجازات نبوغًا، ربّما في التاريخ العسكري كله».

عدّ الجنرال السابق في الكيان الصهيوني وصاحب خطّة الجنرالات «غيورا آيلند» انعدام تحرير الأسرى الإسرائيليّين هزيمة قاسية لتل أبيب وانتصارًا للمقاومة، وقال ضمن هذا الإطار: «"إسرائيل" تكبّدت الهزيمة في تحقيق الأهداف كلها التي قاتلت من أجلها، ونحن لا نستطيع إنكار الواقع القائل إنّ "إسرائيل" لم تنجح في تحرير أسراها». أقرّ وزير خارجيّة الكيان الصهيوني «جدعون ساعر» إقرارًا مريرًا بشأن إخفاق هذا الكيان بتحرير الأسرى الإسرائيليّين، عندما قال: «نعم... كان تحرير الأسرى أحد أهداف الحرب، ولكنّنا عجزنا لقرابة الستّة أشهر عن إعادة أسير واحدٍ على قيد الحياة». هذه التصريحات الصريحة لوزير خارجيّة الكيان الصهيوني تؤيّد بقوّة الهزيمة النكراء للقوّة الاستخباراتيّة – العسكريّة للصهاينة في مجال التعرّف إلى مكان الاحتفاظ بالأسرى الإسرائيليّين والقدرة على تحريرهم. رغم هذا كلّه، لم يجد رئيس وزراء الكيان الصهيوني «بنيامين نتنياهو» الذي صرّح في وقت سابق بأنّ «العمليّة العسكريّة» هي السبيل الأفضل لاستعادة الأسرى الإسرائيليّين، سبيلًا سوى الرضوخ إلى التفاوض وتوقيع اتفاق وقف إطلاق النار من أجل تحقيق هذا الهدف، حتّى يَثبُتَ مرّة أخرى أنّ المقاومة حيّة، ورغم الجرائم الشنيعة كلها وغير المسبوقة لآلة القتل الصهيونيّة ضدّ الفلسطينيّين في غزّة، التي حظيت بدعم آلة حرب ضخمة مثل أمريكا، هي تقف بصلابة ولا تسمح أبدًا بتحقيق الأهداف المشؤومة للعدوّ الصهيوني.

 

إخفاقٌ أكبر؛ الأسرى الذين لم يكن مقرّرًا أن يُفرج عنهم أبدًا

لكن يُمكن العثور على الإخفاق الأكبر للكيان الصهيوني في قضيّة تحرير أسراه في تداعيات هذا الأمر على الكيان. النتيجة المريرة لهذا الإخفاق كانت أنّ الكيان الصهيوني أُجبر على تحرير الأسرى الفلسطينيّين الذين لم يكن مُقرّرًا من الأساس أن يُحرَّروا. بين الأسرى الفلسطينيّين المقرّر تحريرهم في المرحلة الثانية من التبادل، تظهر أسماء شخصيّات بارزة، ولا بدّ من الإشارة إلى أسماء بعضهم: إياد إبراهيم حسن جرادات، زكريا الزبيدي، محمد الطوس، أحمد البرغوثي، وائل قاسم ووسام عباسي.

«إياد إبراهيم حسن جرادات» هو أحد أعضاء «حركة الجهاد الإسلامي»، وهو من استطاع في عام 2021 النجاح في الهروب من سجن جلبوع التابع للكيان الصهيوني. هذا الأسير الفلسطيني لعب دورًا بارزًا في «انتفاضة الأقصى» في مواجهة المحتلين الصهاينة. ثم انضم إلى «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي». في 11 أيّار/ مايو 2003، اعتُقل في مدينة جنين بتهمة الانتماء إلى الجناح العسكري لحركة «الجهاد الإسلامي»، وحُكم عليه بالسجن المؤبد. من الجدير بالذكر أنه بعد إعادة اعتقال الكيان الصهيوني له إثر حادثة الهروب من سجن جلبوع، صرخ في المحكمة قائلًا: "«سيأتي يوم تقوم فيه قوات القسام بمبادلتنا ». من ناحية أخرى، إن زكريا الزبيدي هو أحد قادة كتائب «شهداء الأقصى» الذي نفذ عدداً من العمليات في الضفة الغربية ضد الصهاينة. استُهدف مرات عدة في عمليات اغتيال، ولكنه نجا منها. ثم اعتقله الصهاينة في عام 2019.

الأسير الآخر المقرر الإفراج عنه في عملية التبادل هو محمد الطوس الذي قضى ما يقرب من 40 عامًا من عمره في سجون الكيان الصهيوني. انضم هذا الأسير الفلسطيني إلى صفوف المقاومة منذ طفولته ويُلقب بـ«الشهيد الحي»، إذ استهدفت طائرة من دون طيار تابعة للكيان الصهيوني السيارة التي كانت تقله مع رفاقه في 6 تشرين الأوّل/ أكتوبر 1985، ما أدى إلى استشهاد الركاب جميعهم باستثناء «الطوس». في ذلك الوقت، ورغم إصابته بجروح خطيرة بعدد من الطلقات، ضربه الجنود الصهاينة واعتقلوه. الأسير الآخر هو أحمد البرغوثي، أحد قادة كتائب «شهداء الأقصى». اعتُقل في عام 2002 وحُكم عليه 13 مرة بالسجن المؤبد بتهمة المشاركة في عشرات العمليات ضد الصهاينة. كما اعتُقل وائل قاسم ووسام عباسي من حركة «حماس» في آب/ أغسطس من عام 2002 بتهمة تنفيذ عشرات العمليات المسلحة ضد الصهاينة.حُكم على «وائل قاسم» 35 مرة بالسجن المؤبد، بينما حُكم على «وسام عباسي» 26 مرة بالسجن المؤبد.