ما هي أساليب الحلّ التي يمكن أن تؤدّي إلى وقف شلّال الدّم واستمرار إبادة الفلسطينيّين، وأن تفرض الضغوط الشاملة على الكيان الصهيوني في مختلف المجالات؟ ما هي في رأيكم الإمكانات والقدرات المهمّة التي تملكها الدول الإسلاميّة من أجل ممارسة الضغط على الكيان الصهيوني، بخاصّة في المجال الاقتصادي؟

ما لا شك فيه أنّ 75 عاماً من عمر الاحتلال الصهيوني لفلسطين تُعدّ درساً كافياً لمعرفة الأساليب التي عومِل بها، سواء أكانت سياسية أم ديبلوماسية أم عسكرية أم اقتصادية، ومعرفة أنجح الأساليب لردعه ومواجهته. لعلّ القوة العسكرية والمقاومة الجهادية هما ما يؤرّق العدو ويفتّت كيانه، يليهما الضغط الاقتصادي وتفعيل سلاح المقاطعة للشركات والمنتجات التي تمثّل العصب الاقتصادي للعدو، وخصوصاً أنّ الأمل قد أصبح ضعيفاً في استخدام الأنظمة العربية والإسلامية، المتماهية مع الأعداء والضعيفة أمام مواجهتهم، للضغوط السياسية.

طبعاً هناك إمكانات وقدرات في يد الدول العربية والإسلامية تستطيع عبرها الضغط على العدو الصهيوني، كالمقاطعة الاقتصادية والديبلوماسية ومنع النفط عن أميركا والدول الأوروبية والغربية المعادية، بل ومن المعيب أن تكون أوراق القوة والضغط في يد المسلمين، وهم في واقعهم مستسلمون.

إنّ إلقاء نظرة على علاقات الدول الإسلاميّة بعضها ببعض يثبت أنّ هذه الدول شكّلت تحالفاً مشتركاً في بعض المراحل بما يتناسب مع أهدافها. على سبيل المثال، يمكن الإشارة إلى تحالف الدول العربيّة عام 1967 من أجل حظر النفط عن أميركا وعدد من الدول الأوروبيّة. في الوقت الحالي، إذ توجد حاجة ملحّة إلى تشكيل تحالف إسلامي لمنع ارتكاب جرائم الحرب ضدّ الفلسطينيّين في غزّة، ما هي الأسباب والعوامل التي أدّت إلى تجنّب اتخاذ قرار تاريخيّ في هذا الصّدد؟

في اعتقادي أنّ العدو نجح في تفكيك وحدة الأمّة العربية والإسلامية وزرع الصراعات البينيّة عبر الأنظمة العميلة، التي تحكّمت في مصير الشعوب المسلمة وخلقت عبر البروباغندا الإعلامية هالةً من الرّعب اتجاه الكيان الغاصب في أوساط الأمّة وقمعت أيّ تحرك واعٍ يحفّز الشعوب المسلمة على اتّخاذ القرارات المناسبة. ما أشرتم إليه في 1967م، كان نتيجةَ الضغوط الشعبيّة والمصالح القومية لتلك الدول التي عقدت ذلك التحالف، الذي أجهضه العدو من البداية وخلق النزاعات بين تلك الجيوش والأنظمة ليتحّول إلى انتكاسة جديدة، لأنّ المنطلقات لم تكن مرتبطةً بالمبادئ والقيم ومركزية القضية الفلسطينية بوصفها قضيةً مصيريّة والتعامل مع العدو بوصفه غدّةً سرطانية يجب استئصالها، كما وصفه الإمام الخميني (رحمه الله).

كان الاحتلال دوماً جزءاً لا يتجزّأ من سياسات الكيان الصهيوني منذ تأسيسه، ولهذا تماماً لم تنحصر ممارسات الصهاينة الاحتلاليّة في أرض الفلسطينيّين، وإنّ امتداد الكيان من النيل إلى الفرات جزء لا يتجزّأ من فكر الصهاينة. عليه، في حال استمرّ «تكتيف الأيدي» مقابل الصهاينة في قضيّة الحرب ضدّ غزّة، هل سيكون من المحتمل أن تطال عدوانيّة تل أبيب ورغبتها في الاحتلال سائر الدول التي اكتفت بالإدانة الديبلوماسيّة لممارسات الكيان الصهيوني؟

الأطماع الصهيونية لا تنحصر على حدود معيّنة، فالكيان الصهيونيّ سرطان منتشر يبدأ بعلّة المرض، ثم ينتشر ليفتك بالجسد، والعلاج الناجع هو الاستئصال. هذه الفكرة الصهيونية عزلت أعضاء جسد الأمة عن بعضها بعضاً وأصابتها بالداء، بل وحكمت على بعضها بالموت الكامل، وبالتأكيد إذا لم تسارع الدول والشعوب التي تفشّى في أنظمتها داء الصهيونية والخيانة والتطبيع والخنوع، فبلا شكّ أنها ستكون فريسةً سهلة للعدو الصهيوني، إذ المواقف الضعيفة لا تنتج إلّا ضعفاً.

نشهد في اليمن الحضور الاستثنائي للشعب المقاوم في مظاهرات دعم الشعب الفلسطيني. يحدث هذا بينما يواجه اليمن حكومةً وشعباً مشكلات اقتصاديّة كبيرة. خلافاً لما هو سائد في عدد من الدول الإسلاميّة التي لم تقْدِم على أيّ خطوة خاصّة دعماً لفلسطين. ما هو السرّ الذي يكمن في هذا النوع من الدعم الذي يقدّمه شعب اليمن؟

الموقف اليمني من القضية الفلسطينية موقف دينيّ ومبدئي ندين الله به، ومنهجيّتنا القرآنية كشفت لنا حقيقة اليهود وعداوتهم وخبثهم ومكرهم، فعرفناهم عبر القرآن وعرفنا ضعفهم وواقعهم، فتحرّكنا لعداوتهم من هذا المنطلق. منذ انطلاقة المشروع القرآني ورفع شعار البراءة، ووتيرةُ الوعي تزداد في الوسط الشعبي اليمني، وما مثّله العدوان على اليمن من كشفِ التدخّلات الأميركية والإسرائيلية ومشاركتهم في العدوان عليه، جعل الشعب يدرك أهميّة الوقوف خلف القيادة الحكيمة ومساندتها في اتخاذ أي مواقف في هذا الإطار.  عندما انطلقت عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر، كان الشعب اليمني أوّل الشعوب حضوراً ومباركة ودعماً وإسناداً، فخرج إلى الشوارع مباركاً، وبعد أربع ساعات فقط، امتلأت الشوارع بالمسيرات الجماهيرية الحاشدة والمؤيّدة والداعمة، فإيمانه بالقضية واستعداده للتضحية من أجلها وثقته بالقيادة ممثلةً بالسيد القائد عبدالملك بدر الدين الحوثي (حفظه الله)، جعلته كلُّها بهذا المستوى، وجعلت القيادة تتخذ الخطوات القوية والمساندة والمتميزة على مستوى العالم العربي والإسلامي.

مع تعاظم جرائم الصهاينة في قطاع غزّة وغياب تحريك غالبيّة الحكومات الإسلاميّة لأيّ ساكن، بادرت مختلف الجهات في محور المقاومة إلى دعم الشعب الفلسطينيّ والتحرّك ضدّ إسرائيل وداعمها الرئيسي، أي أميركا. كما فعل الجيش ومعه اللجان الشعبيّة في اليمن خطوات خاصّة جدّاً في هذا الصدد، وعرض السيد عبد الملك الحوثي يوم أمس الخطوات القادمة في حال استمرار الجرائم. ما هو تقييمكم لهذا القرار؟ كيف تعاطى الشعب اليمني مع هذا القرار؟

كما أسلفنا عن الشعب اليمني وقيادته وتنامي الوعي والبصيرة لديه، فبالتأكيد ستتنامى معها المواقف والخطوات، فما أعلن عنه السيد القائد في خطابه في تدشين الذكرى السنوية للشهيد يدلّل على تطور المواقف العملية وتعدّد الخيارات التي ستؤلم العدو، ولذلك تجد التفاعل الكبير من أبناء الشعب اليمني، حتى ممن كان لهم مواقف سابقة ضد المشروع القرآني وكانوا يُخدعون بأنّ شعار «الموت لأميركا الموت لإسرائيل» هو مجرّد شعار لا طائل منه، وجَدوه واقعاً يُترجَم صواريخَ ومسيراتٍ ومواقفَ رسمية وشعبية تجعل كلّ يمني، سواء أفي الداخل أم في المهجر، يعتزّ ويفخر ويفاخر بهذه المواقف.

لذا، اليمن قيادةً وحكومةً وشعباً في كامل الجهوزية والاستعداد لخوض المعركة الفاصلة مع العدو وتحت إشارة القائد، فالمتطوّعون بمئات الآلاف يتدرّبون لخوض المعركة، بالإضافة إلى الجيش، ومستعدّون للاحتمالات كلها. السرّ الذي نمتلكه هو الغائب عند غالبيّة الشعوب والأنظمة الإسلامية، فهم يحسبون النتائج مسبقاً ويدرسون عواقب الأمور، فتثبطهم عن النهوض الكامل والقويّ، ولكن منهجيتنا علّمتنا أن نتحرّك، وقاعدتنا هي «ولله عاقبة الأمور»، فهو مدبّر الأمر في السماوات والأرض ومن له خزائن السماوات والأرض وله جنود السماوات والأرض.