في الأشهر الأخيرة، هاجم الكيان الصهيوني قطاع غزة على نطاق واسع، ووفقاً لخبراء الأمم المتحدة هو يرتكب إبادة جماعية.[1] لكن لهذه الحرب تكاليف سياسية وأمنية وعسكرية واجتماعية واقتصادية على هذا الكيان، وبعضها لا يمكن تعويضه.

خفض التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل" بسبب الآثار الاقتصادية للحرب

بعد بدء هجماته على غزة، تكبد الكيان الصهيوني تكاليف اقتصادية كثيرة آخرها تخفيض وكالة «موديز» التصنيف الائتماني لـ"إسرائيل" لأول مرة منذ نحو 30 عاماً. «موديز» شركة أمريكية للخدمات المالية والتجارية وتقدم خدمات تحليل سوق السندات وتبادل الأوراق المالية وإدارة الأزمات وصناديق الاستثمار. ولأول مرة منذ انضمام "إسرائيل" إلى نظام التصنيف الخاص بها، خفضت الوكالة التصنيف الائتماني للنظام إلى A2 وأعلنت أن السبب يرجع إلى ارتفاع مستوى المخاطر الجيوسياسية، ولا سيما الأمنية على المدى المتوسط ​​والطويل بالنسبة إلى "إسرائيل". وفق الوكالة، إن تزايد المخاطر الأمنية في الأراضي المحتلة مرتبط أيضاً بزيادة المخاطر الاجتماعية والاقتصادية، وهذه القضية ستضعف المؤسسات المالية الإسرائيلية.[2]

يشير انخفاض التصنيف الائتماني إلى عمق الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها الكيان الصهيوني بسبب الحرب وزيادة عجز الموازنة العامة وارتفاع الديون. من الممكن أن يؤدي هذا القرار إلى زيادة الفائدة على القروض الخارجية التي يحصل عليها الكيان لتمويل استمرار الحرب، كما قد يؤدي إلى انخفاض قيمة الأسهم الإسرائيلية في سوق الأوراق المالية على المدى القصير.

إضافة إلى الارتفاع في تكلفة حصول الكيان الصهيوني على القروض، إن انخفاض التصنيف الائتماني يعني زيادة في مخاطر الاستثمار. ونتيجة لذلك سينخفض ​​الاستثمار في المناطق المحتلة أو ستطالب الشركات بضمانات أكبر من أجل الاستثمار، الأمر الذي سيفرض عبئاً مالياً ثقيلاً على حكومة الكيان.

إن شراء سندات الديون لأيّ دولة انخفض تصنيفها الائتماني يصير أقل جاذبية للمستثمرين لأنهم يريدون سعر فائدة أعلى على أموالهم. وإذا كان الأمر كذلك، فإن تخفيض التصنيف من شأنه أن يجعل الفائدة على ديون الحكومة الصهيونية أعلى.

 

ارتفاع ديون حكومة الكيان الصهيوني نتيجة حرب غزة

ارتفعت ديون حكومة الكيان الصهيوني بسبب الحرب، ووصلت في نهاية الربع الثالث من 2023 إلى نحو 1.08 تريليون شيكل (294.2 مليار دولار). ويبدو أنه منذ ذلك الحين أيضاً ازدادت القروض وطلب المساعدات من أجل تغطية احتياجات الحرب.[3]

 

ارتفاع تكاليف الشحن إلى الكيان الصهيوني بسبب تزعزع الأمن في البحر الأحمر

إثر جرائم الكيان الصهيوني في غزة ومحاصرتها، أعلنت القوات المسلحة اليمنية أنها ستمنع مرور السفن المتجهة إلى الأراضي المحتلة وستستهدفها. ازدادت حدة هذه الهجمات في الأسابيع الأخيرة، وبسبب اعتماد أكثر من 90% من تجارة الكيان الصهيوني على البحر، فُرضت تكلفة اقتصادية باهظة على الكيان.

رغم إعلان حكومة الكيان الصهيوني دفع تعويضات للسفن المتضررة جراء الحرب مع «حماس»، فإن بعض الخطوط الملاحية رفضت شحن البضائع إلى الأراضي المحتلة عبر مضيق باب المندب وقناة السويس بسبب انعدام الأمن في البحر الأحمر، وارتفعت تكلفة الشحن والتأمين على نحو ملحوظ.

يُعدّ طريق قناة السويس الملاحي المؤدي إلى البحر الأحمر ممراً مائياً مهماً للتجارة العالمية ويُستخدم لنقل البضائع وموارد الطاقة بين أوروبا وآسيا ومناطق أخرى من العالم. يوفر هذا الطريق الوقت والمال عبر تجنب الالتفاف حول القارة الأفريقية. الآن، مع تحركات القوات المسلحة اليمنية، صارت الشركات لا تستخدم هذا الطريق، ما أدى إلى زيادة التكاليف الاقتصادية والأمنية للكيان الصهيوني.

وفقاً لدراسات شركة «فريتوس» لتتبع الشحن، إن معدل شحن البضائع من مختلف المواني الصينية عبر المحيط إلى "إسرائيل" لكل حاوية 40 قدماً ارتفع من 1975 دولاراً نهاية تشرين الثاني/نوفمبر 2023 إلى أكثر من 2300 في 12 كانون الأول/ديسمبر 2023. كما طال الوقت اللازم للوصول إلى الوجهة بما لا يقل عن 18 يوماً.[4]

من جهة أخرى، أُغلق ميناء "إيلات" الذي يقع على ساحل البحر الأحمر عملياً بسبب الهجمات اليمنية عليه وتجنّب حركة السفن إليه. ونتيجة لذلك انتقلت تجارة الكيان الصهيوني إلى مواني البحر الأبيض المتوسط. ومع إغلاق "إيلات"، على هذا الكيان استخدام محطتي عسقلان وحيفا لاستيراد النفط، الأمر الذي يشكل مخاطر أمنية على الكيان الصهيوني.

 

انخفاض واردات السياحة

يظهر مسح عدد السياح في الأراضي المحتلة أنه بين 1995 و2023 زار الأراضي المحتلة ما متوسطه 2.5 مليون سنوياً، وكانت ذروة ذلك عام 2019 بـ4.5 مليون سائح. وقد حصل الكيان على 5.5 مليار دولار من السياحة عام 2022.[5] لكن بعد عملية «طوفان الأقصى» تضرر قطاع السياحة في هذا الكيان بشدة، إذ بلغ عدد السياح في شهري أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2023 على التوالي 89 و38 ألفاً، لينعدم في ديسمبر/كانون الأول.

 

تأثير الحرب في الأعمال

منذ بداية الحرب لم تبدأ أي شركة العمل في الأراضي المحتلة، وتم إغلاق حوالى 57 ألف شركة في 2023 معظمها شركات صغيرة، ما يشير إلى ارتفاع بنسبة 35% في عدد الشركات المغلقة مقارنة بـالعام السابق.[6] كما أنه بعد استدعاء أكثر من 70% من قوات الاحتياط التابعة لجيش الكيان الصهيوني، واجه الكيان نقصاً في العمالة وبدأ توظيف عمال هنود لتعويض ذلك. يمكن للتحديات في مجال الأعمال أن تزيد حدة الاستياء الاجتماعي وتعرّض إنتاج الكيان الصهيوني إلى تحدٍّ خطير سوف يكبّده تكاليف اقتصادية وأمنية كثيرة ولن يتمكن من تعويضها على المدى المتوسط ​​بعد الحرب.

 

تكلفة إيواء النازحين

بعد بدء الحرب، حاولت عائلات كثيرة تعيش في «غلاف غزة»، وكذلك شمالي الأراضي المحتلة عند الحدود اللبنانية، النزوح إلى المناطق التي تتمتع بالأمن. ولهذا، امتلأت الفنادق والموتيلات وشقق الإيجار في الأيام الأولى للحرب. وأعلن رئيس نقابة الفنادق التابعة للكيان الصهيوني تخصيص نصف غرف الفنادق للنازحين من غلاف القطاع.[7] ونتيجة لذلك، جاءت فكرة الحكومة لإنشاء مخيمات لإيواء هؤلاء، وتخصيص 150 ألف متر مربع لبناء مخيم أنموذجاً.

إن الأثر الأوّلي لمجموع هذه الأحداث هو تكثيف الهجرة العكسية للصهاينة من فلسطين المحتلة، وكانت قد تزايدت وتيرتها خلال السنوات الماضية. كما أنها تشكل عبئاً مالياً ثقيلاً على حكومة الكيان، ومشكلة جدية لقطاع الفنادق في الأراضي المحتلة.

 

في الختام

إن النقاط المذكورة عن الأثر الاقتصادي للحرب على الكيان الصهيوني ما هي إلّا جزء من الأضرار التي لحقت به، وسيكون لها عواقب اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية ثقيلة عليه. فقد لحقت خسائر اقتصادية أخرى ببعض الشركات التابعة أو الداعمة للكيان الصهيوني بسبب المقاطعة الشعبية في أنحاء العالم كافة، لكن لا يمكن قياسها بدقة.

يبدو أن الكيان الصهيوني سيحتاج إلى سنوات لتعويض الأضرار التي سببتها هذه الحرب ولن يتمكن من معالجتها كلياً.