حسن صدرايي عارف

أمام البيوت المدمّرة، وعلى مقربة من رائحة النار المشتعلة  بين ذكريات جدرانه، وفي ثياب رثّة حاكتها أصابع الظلم والاستبداد، يقف فتًى ينطق بما يُبكي وبما تحمله روحُه من قوّة وإصرار وعزيمة لا تستطيع أن ترى فيها إلا صور العزّة والاقتدار.

طفل تعرّض للظلم، لكنه يصرخ بأعلى صوته بأنه يقاوم، وببلاغة اليقين يقول: «النصر قريب بإذن الله».

تختلط مشاعرك، وتتوه دمعتك بين حرقة الألم لما تراه من ظلم ومعاناة لحقت ببراءته، وبين دمعة فرح يرسمها صموده الأخّاذ في عمق وجدانك.

كان يقرأ علينا من الكتاب المقدّس؛ من القرآن الكريم، فيتلو بعض آياته غيباً وبأسلوب جاذب، ثمّ يذكّر بوعد الله للصابرين؛ ما يؤكد أنسه بمعجزة خاتم الأنبياء، وانتماءه لمدرسة القرآن الكريم.

هو فتى فلسطيني، من قطاع غزة يقرأ القرآن بعذوبة، ويليه فتيان آخرون من مناطق مختلفة من القطاع يقرؤون القرآن أيضاً.

وفي محفل الأنس بالقرآن المُقام في حسينية الإمام الخميني (قده) في طهران، يُبث الفيديو بحضور المئات من قراء القرآن الكريم، وحفظته والناشطين القرآنيين في إيران.

يُعقد هذا اللقاء كلَّ عام في أول يوم من شهر رمضان المبارك، بحضور قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي، ويعدُّ من المحافل الاستثنائية لأهل القرآن، حيث يجتمع نخبة من قراء البلاد، من الأطفال والفتية إلى الأساتذة والمخضرمين، ويتلون القرآن، ومن غرّة ربيع القرآن؛ مشاركون يجعلون القلوب أكثر سماويةً وروحانيةً ممّا هي عليه، فكم هو لقاء ومبهج وإيمانيٌّ وممتع!

عادة في هذا اللقاء تقدّم فرق التلاوة الجماعية والتواشيح فقرات أيضاً، ويسود هذا المحفل المعنوي أجواء قرآنية خاصة، لن تذوق حلاوتها الحقيقية حتى تحضر وتشاهد من كثب.

في محفل الأنس هذا العام، بالإضافة إلى كل البرامج المذكورة، هناك مقطعان مصوّران يجذبان انتباه الكثيرين؛ أحدهما يعرض تلاواتٍ لقرّاء شاركوا قبل سنين في هذا المحفل أو غيره واستُشهدوا، والآخر يعرض تلاواتٍ لعدد من الأطفال والفتية الفلسطينيين الذين رغم حضورهم بين الرّكام، إلّا أنهم قاوموا وشاركوا بعذوبة وصمود، وبشّروا بالنصر القريب.

يشير سيدنا القائد الذي يلقي كلمة بعد فقرات هذا المحفل وقبل الإفطار إلى هذه الفقرة، فيقول: «عرضوا هنا مشاهد من غزّة متناسبة مع جلستنا، حيث كانت تلاوة للقرآن. لقد رأيتم الأطفال الذين كانوا يتلون القرآن كيف يتلونه غيباً. لقد كانوا جميعهم حافظين لتلك المقاطع. هذا هو أيضاً السبيل للحفظ. لقد قلت سابقاً إنّ الحفظ ينبغي أن يبدأ من مرحلة الفتوّة. هؤلاء حفظة للقرآن. إنّهم حفظة للقرآن، ويدركون مفاهيمه أيضاً ببركة كونهم ناطقين بالعربيّة. [القرآن] هو الذي استطاع أن يعرض للعالم هذه الذروة والقمّة من الاستقامة في غزّة وفلسطين، وبشكل خاصّ في غزّة. هذا هو [تأثير] القرآن. هذا هو الصّبر الذي يصبو إليه القرآن، وهذه هي الاستقامة التي يوصي العالمَ بها. هذا هو الثواب الذي يعد به القرآن الصابرين، ويجعل هؤلاء يصمدون».

تلك الصور والعبارات تذكّر جيداً بهذه المقولة المهمة، وهي أنّ هذه «الأمة المقاومة» التي تحفظ القرآن الكريم بهذا النحو وتصر على معانيه وتحافظ عليها وتقاوم، انتصارها قريب جداً. وكما وعد الله المتعالي في القرآن الكريم فإن الأرض يرثها عباد الله الصالحون ولا شك في ذلك، إن شاء الله.