تحدّث الإمام الخامنئي عن تخبّط وضياع يعيشه قادة الكيان الصهيوني، ما هو واقع هذا الضياع؟ وما مدىّ شدّته؟ وما هي آُثاره ونتائجه؟

فيما يتعلق بالسؤال الأول، بدون شك حديث سماحة القائد عن هذه المسألة، لا يعني أنه يأتي - أو لا يأتي - في إطار التمنيات أو الشعارات. هو قراءة للواقع، وقراءة للمعطيات، وفهمٌ لما يحصل في داخل هذا الكيان من أزمات داخلية، ومن انقسامات، ومن تحديات على المستوى الخارجي.

من دون شك، يعيش هذا الكيان أزمة ومعضلة جوهرية، نشأت بالأساس مع وجوده، وهي أزمة الهوية، وأزمة الخيارات، وأزمة التحديات التي تحيط به من كل جانب. هذه الأزمة برزت في الآونة الأخيرة على نحوٍ حاد جدًا.

هو يواجه حقيقة خلاف داخلي حول رؤية المستقبل، وحول هوية الكيان، وحول طبيعة الأنظمة والقوانين، والعلاقة بين السلطات، ودور المؤسسات الأساسية، ودور سلطة القانون وغيرها. تلك الانقسامات تدور حول هذه القضايا، وتدور حول طبيعة الحكم: هل سيكون - كما يسمّيه العلمانيون - نظامًا ديمقراطيًا ليبراليًا؟ أم أنه نظام يأخذ بالاعتبار الشرائع اليهودية، وأنه نظام خاص باليهود، وأنه نظام يستند في الكثير من أحكامه وتطلعاته إلى الشريعة اليهودية؟

هذه القضية تنعكس انقسامًا حادًّا يصل إلى حد الصدام بين التيار العلماني والتيار الديني، هذه القضية على وشك الانفجار من الداخل، وتُمثّل أحد أخطر العوامل التي يمكن أن تكون مدخلًا إلى خراب هذا الكيان، وذهابه إلى نوع من التشرذم والتمزق والتناحر الداخلي.

وهذه القضية تُضعف هذا الكيان، تُضعف مكانته، وتعكس نفسها على نحوٍ سلبي على المستوى الخارجي.

نعم، هذه القضية، رغم الحرب، ورغم البداية التي شهدناها في هذه الحرب، وبدايةُ الوحدة حول مواجهة التحدي، وقد عادت لتبرز من جديد، خصوصا مع بروز الخلاف حول كيفية التعاطي مع الحرب: هل سيُكمل الإسرائيليون الحرب بشكل دائم؟ أم أنهم سيذهبون إلى اعتماد مخارج معينة لإنهاء هذا القتال؟

بينما يُصرّ الجانب اليميني على القتال من دون أفق، ومن دون مدى زمني معيّن، ومن دون وضع خطط، أي وضع مشاريع للمرحلة التالية للحرب، إنما العيش في حالة صراع دائم مع الشعب الفلسطيني، ومع المحيط.

هذا الصراع قد يكون مدخلًا أيضًا لاستنزاف هذا الكيان على مختلف المستويات، وإذا لم يعي حقيقة نتنياهو والمحيطين به، فهم ذاهبون في هذا الكيان إلى مستنقع كبير، وإلى محرقة كما يصفها بعض الجنرالات، وإلى حرب ستكلّف الإسرائيليين كثيرًا، وستنعكس على مكانتهم، وعلى وجودهم، وعلى تماسكهم الداخلي، وعلى مدى قدرتهم على الاستمرار بناءً على إمكانياتهم الاقتصادية والعسكرية وغيرها.

إذا ذهبنا في هذا المسار على نحوٍ تصاعدي، وهو يتجه في هذا الاتجاه، فنحن قد نكون على وشك أن نشاهد مقوّمات أساسية لبداية نهاية هذا الكيان وسقوطه، وعلى ما يبدو أن قراءة السيد القائد تتحدث وتتمحور حول هذه النقاط: أنّ هذا الكيان غير قادر على الاستمرار بمقوماته الداخلية، وهو ذاهب نحو الانفجار، وغير قادر على مواجهة تحديات الخارج، وهو يكابر ويعاند بأنه سيقاتل، وأنه سيحقق النصر المطلق.

لكن، شاهدنا في معركة طوفان الأقصى عجزه الكامل أمام قطاع غزة، إضافة إلى الجبهات المساندة، من لبنان إلى العراق إلى اليمن، إلى ما هنالك من جبهات، والتي أضعفت هذا الكيان بشكل كبير، وكشفت الكثير من نقاط ضعفه.

إضافة إلى أن العملية الكبرى التي نفّذتها الجمهورية الاسلامية في إيران في 13 نيسان، أظهرت وكشفت ضعف هذا الكيان وهشاشته، وعدم قدرته على الدفاع عن نفسه، وأنّ الجمهورية الإسلامية قادرة على توجيه ضربة قاصمة لهذا الكيان، وأنه لولا دفاع الدول العربية، وبعض الدول الإقليمية، عن هذا الكيان في تلك الفترة، لكانت أغلب الصواريخ وصلت إلى داخل الكيان، وأحدثت أضرارًا كبيرة.

يشعر الصهاينة على هذا المستوى بأن موازين القوى باتت سيئة جدًا بالنسبة لهم، فالتحديات أصبحت كبيرة، والمخاطر تزداد أكثر فأكثر، وهم لا يمتلكون الأدوات لمواجهة ذلك. إذ يكشف الاعتماد الكلّي على الولايات المتحدة عجزَ هذا الكيان عن الاستمرار بمقومات ذاتية، وهذا خطر كبير قد يتأثر في لحظة ما بتغيير موازين دولية وغيرها، ويصبح مسار الكيان على خط الانهيار والخراب المؤكد.

كل هذه القضايا تشغل فكر الإسرائيليين، وتضعهم في حيرة حيال المستقبل، وفي حال من الضياع وعدم وضوح الرؤية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

استشهد قائد الثورة الإسلامية بتحليلات غربية تؤكد أن الكيان الصهيوني على أعتاب الزوال، وأنّ المشروع الصهيوني يلفظ أنفاسه الأخيرة، أي واقع يرسمه المشهد الإسرائيلي العام اليوم؟ وها هناك مؤشرات ملموسة على ذلك؟

بالنسبة للسؤال الثاني، طبعاً، من دون شك، أنّ الواقع الذي يعيشه الصهاينة مؤشرٌ خطير على مرحلة لم يمر فيها هذا الكيان، بهذا الشكل من الانقسام الداخلي، والتناحر الداخلي، والتحديات الخارجية.

على المستوى الداخلي، نعم هناك مؤشر واضح وعميق على انقسام عمودي بين الإسرائيليين، بين تيار علماني يسمّي نفسه بالديمقراطي الليبرالي، الذي يصر على التمسك بالصيغة الحالية لهذا الكيان. تلك الصيغة التي تتيح للتيار العلماني وللطبقة الإشكانيزية التحكّم بالأمور. هذه الطبقة تنتمي لهذا التيار في غالبيتها، هذه الطبقة، أو هذا التيار يدافع عن مصالحه، وعن وجوده في الحياة العامة، وفي الانتشار السكاني، وفي المستويات السياسية والثقافية والاجتماعية وغيرها. وهو يقاتل حتى لا يسمح للتيار الآخر المتمثّل بالمتدينين الذين ينتمون أو يتقاطعون مع تيار اليمين والطبقة المسحوقة، طبقة اليهود المزراحيم، بالسيطرة.

وهذا الأمر يؤكد على أنهم أمام تحدٍّ كبير على المستوى الداخلي، شاهدنا أن هناك انقسامًا بين من يريد الحرب ومن يريد إيقاف الحرب، وهذا عاملٌ قد يزيد المعضلة داخليًا، خصوصًا أن هناك من يُحمّل بنيامين نتنياهو وفريقه السياسي الإخفاقَ والفشل في هذا الحرب، ويُحمّله نتائج هذه الحرب، وأثمانها التي لا يزال يدفعها الإسرائيليون من دون أي مخرج. بنيامين نتنياهو يذهب نحو خيار الحسم المطلق، وهو يجرّ الإسرائيليين إلى مذبحة، على كافة الجبهات، ويورّطهم في عملية وحرب استنزاف طويلة لن تعطي أي فائدة، ولا أي نتيجة.

وهذه المسألة تنعكس بشكل واضح من خلال تعدد الآراء، وعدم الإجماع على موقف واحد، ويتجلى انعكاس هذه القضية أيضًا على سياسات الحكومة الصهيونية، وإصرارها على استمرار الحرب، والمجازر التي يرتكبها الاحتلال، وفشل كل هذه السياسات على المستوى الميداني.

لقد ظهرت إسرائيل بأعلى مستويات عجزها عن حسم المعركة مع الفلسطينيين، وهي تواجه جبهات متعددة غير قادرة على الحسم فيها، إنما تتلقى الضربات، وتحاول احتواء هذه الجبهات، وذلك يؤكد أن هذا الكيان فقد مكانته الاستراتيجية، وفقد قدرته على الردع، وفقد قدرته على حسم المعركة، وبات مستنزفًا بشكل كبير، وهذا مؤشر على أن هذا الكيان يتجه إلى الاضمحلال، وإلى الضعف، وإلى فقدان الكثير من مقومات البقاء والصمود.

من دون شك، كان كلام سماحة القائد يركّز على أن هذه المسائل كلها مؤشرات على الزوال، وأن هذا الكيان الذي تمكّن خلال أكثر من خمس وسبعين سنة أن يكون قوة ذات سطوة، وذات حضور، وذات هيبة على مستوى المنطقة، وذات إمكانيات لا يستطيع أحد مجاراتها أو مواجهتها، يتجه هذا الكيان إلى وضع مزرٍ حقيقيةً، ولا يستطيع فيه تحقيق أي منجز على أي جبهة من الجبهات، هو يتعرض للضربات من كافة الاتجاهات، وهو غير قادر على حماية نفسه، بل غير قادر على طمأنة المستوطنين أن مستقبلهم الآتي سيكون مستقبلًا آمن.

كل هذه الأمور تؤكد على أن هذا الكيان في حالة ترنّح، وفي حالة احتضار، وفي حالة تراجع على كافة المستويات، وإذا ما أصرّ بنيامين نتنياهو وشركاؤه في الحكومة اليمينية على الاستمرار في القتال، قد نشهد مؤشرات واضحة على بداية التفكك والانهيار الداخلي، وذهاب الكثير من الأسس التي كان يستند إليها الاحتلال.

خصوصًا إذا رأت الولايات المتحدة أن هذا الكيان يخوض حربًا لن تعطي نتيجة، وأنه مصمم على الذهاب في هذه الحرب نتيجة اعتبارات خاصة لدى قياداته السياسية والعسكرية.

كل هذه العوامل تؤكد على أن هذا الكيان في وضع سلبي وسيئ جدًا، وأنه سيواجه مخاطر متفاقمة قد تصل مع الوقت إلى حد تهديد أصل وجوده، وهذه القضية لم تعد مستبعدة.

المشهد العام يوحي بهذا الاتجاه، المشهد العام يوحي بأن هذا الكيان يواجه تحديات داخلية وخارجية غير مسبوقة، المشهد العام يؤكد على أننا أمام مرحلة مختلفة يعجز فيها الكيان عن حماية نفسه، وعن ردع أعدائه، ويصبح حقيقةً هدفًا لكل قوى المقاومة على مستوى المنطقة. الاستمرار والعناد في هذا الاتجاه، وهو على ما يبدو أنه سيحصل، يعني - وفق قراءاتنا لمواقف نتنياهو وحلفائه في اليمين - أنّ هذا الكيان سيتجه نحو معركة كبرى، معركة ستستنزف طاقاته، وستكلّف الكثير، وستضعه بإذن الله على مسار الانهيار ومسار الزوال.