نظرًا إلى أن الحج أحد أعظم الأرضيّات لتضافر الأمّة الإسلاميّة وتآزرها وتعاطفها، كيف يمكن الاستفادة من هذه الإمكانيّة العظيمة [للحج] من أجل حلّ مشكلات العالم الإسلاميّ بأفضل نحو ممكن؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلّى الله على سيّدنا ونبيّنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطَّاهرين.

من المؤسف مشاهدة ما يعيشه عالمنا الإسلامي من مشكلات وويلات ما هي إلا نتيجة الابتعاد المُفرط عن تعاليم الإسلام وقوانينه وأحكامه، فمن المفروض أن تكون الأمة الإسلامية ذات صورة ناصعة تُشرِقُ على العالم بأبهى حلّة، ويتعلم فيها الجميع التآزر والتعاطف ووحدة الكلمة، وعندما تحاول مقاربة مشكلات العالم الإسلامي، لا بُدّ أولًا من محاولة رصد أمرين أساسيين لهما الدور الفاعل فيما يعيشه هذا العالم.

الأول: التزام المسلمين بتعاليم الدين.

الثاني: محاولات الأعداء في تمزيق جسد الأمة الإسلامية.

وهناك مداخل كثيرة ومتعددة لمعالجة كِلا الأمرين، وفريضة الحج المباركة هي واحدةٌ من أهمّ هذه المداخل نحو العودة إلى الالتزام بالدين ومواجهة الأعداء. فالمسلمون في تلاقيهم والتقائهم من مختلف بلدان العالم، وعلى اختلاف جنسياتهم وهوياتهم، وتنوع ألوانهم وانتماءاتهم، تظلّلهم هذه الفريضة، لتعيدهم إلى دينهم وتوحيد صفوفهم.

وموسم الحج هو المكان الذي تنعكس من خلاله صورة الأمّة الحقيقية، ونتعرّف فيه على العلل والأمراض التي تعانيها هذه الأمة، وفيه نرصد نقاط القوّة والضعف، وإذا ما استطعنا تشخيص تلك العلل، كُنّا قادرين على المعالجة، فالحجّ إذن فرصة كبيرة لمعرفة واجباتنا في مجال معرفة مشاكل الأمة، وبالتالي معالجتها.

 ولذا ينبغي عدم الاكتفاء بتلك الصورة الظاهرية لمناسك الحج، بقدر اكتشاف الأسرار العظيمة التي أرادها الله تعالى من خلال اجتماع المسلمين من كل حدب وصوب، وتعارفهم مع بعضهم، وبحث مشاكل الأمة، والتعرّف على الأعداء الحقيقيين للأمّة، وإزالة كل أنواع التفرقة، وجمع الكلمة، ولعلّ هذا هو المقصود في قوله تعالى: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ} (الحج، 28).

إنّها الأرضية المناسبة لكي يلتقي حجاج بيت الله الحرام، ولهدم كلّ الحواجز التي وضعها الاستكبار العالمي بين أفراد الأمّة الإسلامية، والخروج من هذه الفريضة وقد حققوا أسمى المعاني وأعظم الأهداف التي أرادها الله تعالى في هذا الموسم العبادي الكبير.
يُعدّ الحجّ فرصة مميّزة من أجل التعبير عن دعم الأمّة الإسلاميّة عامةً، والحجّاج خاصّةً، لأهالي غزّة. ما هي برأيكم الخطوات التي يمكن القيام بها في هذا الصّدد ضمن إطار الحج؟
الأمة الإسلامية مدعوّة بالنصّين القرآني والنبوي إلى أن تعبّر عن رفضها للظلم والعدوان في كل زمان ومكان، حتى ولو كان هذا الظلم موجّه إلى غير المسلمين، فكيف بنا اليوم ونحن نقف أمام أكبر وأعظم جريمة ترتكب بحقّ البشرية جمعاء في غزة.

وفي موسم الحج الذي يجتمع فيه ممثلو العالم الإسلامي من جميع بلدان العالم، تكون الفرصة مواتية للتعبير عن صوت الأمّة الموحّد الرافض لهذا العدوان الغاشم على أهل غزّة.

ومن هنا، نرى أن أهمّ ما يمكن أن تعبّر فيه الأمة عن وحدتها وصوتها الموحّد في مواجهة العدوان الصهيوني؛ هو أن تنطلق الحناجر، وتعلو الأصوات في كل منسك من مناسك الحج، ملبيّةً استغاثة غزة وأطفالها. ولا شكّ في أن ارتفاع هذه الأصوات في تلك الأماكن المُقدسة، سوف يزلزل الأرض تحت أقدام العدو.
لو كنتم مشاركين بشكل شخصي في حجّ هذا العام، هل كنتم - بصفتكم أحد الحجاج - ستُقدمون على خطوة ضمن إطار دعم قطاع غزة، واستنكار الإبادة الجماعية التي تمارسها أمريكا والكيان الصهيوني؟
بكلّ تأكيد، ومن دون تردّد، ولا يجوز لأي مسلم التخاذل أمام القضية الأساسية والمركزية للأمّة الإسلامية، والدين الإسلامي حثّنا على اتخاذ الموقف ضمن شروط معيّنة، والأساليب التي تتناسب مع الواقع، وذلك من أجل أن يكون هناك نتيجة يتم الحصول عليها من خلال إطلاق تلك المواقف.

 

ما هي مكانة «البراءة من أعداء العالم الإسلامي» في الحج؟ بعبارة أفضل: إلى أيّ مدى تنطوي البراءة من أعداء الأمّة الإسلامية - وعلى رأسهم أمريكا والكيان الصهيوني - على الأهميّة، خاصّة في حجّ هذا العام الذي يتزامن مع إبادة المسلمين في قطاع غزّة؟
عندما يطلق سماحة ولي أمور المسلمين على الموسم العبادي هذا العام بأنه موسم البراءة من أعداء الدين، فذلك لأن إعلان البراءة في الحج ما هو إلا تجديد الميثاق مع الله تعالى، وتشكيل جبهة كُبرى لمواجهة أعداء الدين، ومنهم الصهاينة، والإعلان عن التطبيق الحقيقي لمناسك الحج التي من أهمها البراءة من أعداء الله تعالى. فالبراءة في أحد معانيها تعني العزم والإرادة والاستمرار في محاربة الشرك والكفر.

وفي أيامنا هذه، فإنّ أهم معاني البراءة هو الوقوف والمساندة لشعب غزّة الأبيّ والمقاوم، وعدم التخلّي عن هذا الشعب الذين يواجه آلة التدمير والقتل الصهيوني.