دائمًا ما كانت علاقات جمهورية إيران الإسلامية والعراق بعد سقوط حكومة البعث على أفضل حال وأكمله. لقد دعمت إيران تشكيل حكومة العراق في السنوات التي تلت السقوط بناءً على إرادة غالبية الشعب العراقي، في حين رأت بعض دول المنطقة أن صعود الغالبية في العراق يتعارض مع مصالحها. لم تُنسَ بعد ذكريات التفجيرات الدموية في عدد من المدن العراقية التي كانت تُنفذ بدعم من تلك الدول. لا شك أن أحد الأسباب الرئيسية لهذه الأحداث كان رفض آلية تشكيل الحكومة القانونية المبنية على إرادة غالبية الشعب العراقي.
بعض الدول الأخرى، بما في ذلك أمريكا، لا تقبل بالديمقراطية إلا عندما تأتي النتائج بما يتوافق مع مصالحها من صناديق الاقتراع. لذلك، ليس من المبالغة القول إن أمريكا كانت دائمًا قلقة من صعود التيارات السياسية المستقلة في العراق التي تنبع من إرادة الشعب، وسعت تحت ذرائع مختلفة إلى عرقلة عملية بناء حكومة مستقلة وقوية في العراق. هذا ما أشار إليه قائد الثورة الإسلامية: «الأمريكيون لا يكترثون للشخص الذي يستلم رئاسة وزراء العراق؛ إنهم يسعون إلى تشكيل حكومة شبيهة بحكومة الحاكم الأمريكي في العراق "بول بريمر" في بدايات المرحلة التي أعقبت سقوط صدّام» (في لقائه مع رئيس الوزراء العراقي، السيد مصطفى الكاظمي، في 21/7/2020).
بعد استقرار الحكومة الجديدة وهيكلها في العراق ودعم الجمهورية الإسلامية لها بالمطلق، كانت إيران هي التي أظهرت في مراحل أخرى أيضًا أن العراق الآمن والمقتدر والقوي هو من بين أولويات أهدافها في المنطقة. عندما حدثت أزمة «داعش»، وكما أكّد المسؤولون العراقيون في تلك المرحلة، كانت أول دولة تُسرع لمساعدة العراق وتقديم الدعم والتجهيزات وتعبئة قدرات الشعب العراقي هي جمهورية إيران الإسلامية.
هذا السلوك العملي يُترجم تمامًا إلى ما أكّده المسؤولون الرفيعو المستوى في الجمهورية الإسلامية، وعلى رأسهم قائد الثورة الإسلامية الذي أكّد دائمًا: «كلّما العراق كان أكثر ازدهارًا وأمنًا، فإنّ ذلك سيكون أيضًا في مصلحة جمهورية إيران الإسلامية» (أثناء لقائه مع رئيس الوزراء العراقي، السيد محمد شياع السوداني، في 8/1/2025).
طبعًا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ هذه النقطة هي من باب «تعريف الأشياء بأضدادها»، وهو أمر لا يخلو من الفائدة، إذْ تتمثل إستراتيجية أعداء المنطقة، وعلى رأسهم أمريكا ووكيلها في المنطقة، أي الكيان الصهيوني، في إبقاء الدول التي تمتلك مقومات الاستقلال والتقدم ضعيفة. العراق، بوصفه دولة تمتلك أولًا ثروات طبيعية وموارد جوفية غنية، وثانيًا شعبًا شابًا وكبيرًا، وثالثًا تاريخًا وحضارة عريقَين وامتدادًا جغرافيًا واسعًا؛ هو قادر على أن يتحوّل إلى قوة ذات إرادة مستقلة وفاعلة في المنطقة. هذا أمر لا يعدّ سابقة في تاريخه المعاصر. لولا حماقة قادة البعث الذين حكموا هذا البلد، لكان العراق اليوم في وضع أفضل بمراتب من وضعه الحالي. تشكّل هذه القابليات بحد ذاتها تهديدًا للكيان الصهيوني، ومن هنا جاء تصريح رئيس وزراء هذا الكيان المجرم في خطابه بالأمم المتحدة، عندما وضع العراق وبعض الدول الأخرى في المنطقة ضمن «المحور الأسوَد» أو «محور الشر». هذا بحد ذاته دليل على ما يراه الكيان الصهيوني، بوصفه رمزًا للاستعمار في المنطقة، مناسبًا له في العراق.

لذلك، يحتاج العراق إلى الاستفادة من إمكاناته الداخلية كافة من أجل مواجهة مخططات أعدائه المشؤومة. المرجعية والناس الشرفاء والصامدون و... جميعهم يشكّلون مكوّنات هذه القوة، وأحد أبرز تجلياتها هو «الحشد الشعبي» المقدس. أساسًا، إنّ مواجهة «الحشد الشعبي» والتصريحات التي أُثيرت في الآونة الأخيرة ضده ليست إلّا محاولة لإزالة هذا المكوّن الفريد من نوعه للقوة في العراق. إنه قوة شعبية ومؤمنة وشابة، وهي الضامن لاستمرار الأمن والاستقرار في العراق. كما إن سقوط الحكومة السورية في الأسابيع الأخيرة قد أظهر بصورة جليّة أهمية هذا الدعم المنقطع النظير. رغم أن الحكومة السورية كانت تمتلك جيشًا يتكوّن من مئات الآلاف من الجنود، ولكنها لم تستطع الوقوف أمام معارضيها. في حين أُسست قوات شعبية في بعض المراحل، ولكنّ هذه القوات هُمّشت بسبب ضيق الأفق وإغفال الأولويات، ما جعلها تُستبعد في لحظة حرجة عجزَ فيها الجيش التقليدي لهذا البلد عن فعل أيّ شيء. التحشيد الإعلامي ضد «الحشد الشعبي» ليس سوى امتداد لهذا المسار نفسه، الذي يهدف إلى سلب العراق ذاك الذراع القوي. طبعًا، مع غياب «الحشد الشعبي»، سيتاح المجال لتنفيذ كثير من المخططات الأخرى.
من هذا المنطلق، كان قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي، يشيد دائمًا بدور «الحشد الشعبي» وشبابه، وفي لقائه الأخير مع رئيس وزراء العراق، شدّد سماحته مرة أخرى على أهمية هذا الدور، وقال: «"الحشد الشعبي" يشكّل أحد عناصر القوة المهمة في العراق، ويجب السعي إلى الحفاظ عليه وتعزيزه على نحو أكبر».