«نقل الوقائع وإيصال الأخبار الدقيقة في الوقت المناسب» هو الواجب الجوهري والرسالة الأساسية لكل وسيلة إعلامية تجاه الرأي العام، وأكثر ما يمكن أن يضر باستقلالية الوسيلة الإعلامية هو انحرافها نحو الأهداف السياسية والتوجهات قصيرة الأمد. في هذا السياق، يمكن أن يؤدي تحريف الأخبار وعرضها بنحو غير دقيق إلى فقدان وسائل الإعلام المزيد من مصداقيتها أمام الرأي العام.
شائعة استسلام المقاومة العراقية
ورد من بین الأخبار التي روجتها وسائل الإعلام الأمريكية، خبر موافقة المقاومة العراقية المشروطة على تسليم سلاحها. في هذا السياق، ادعت وكالة الأنباء الأمريكية «رويترز» في خبر مفبرك نقلاً عن 10 من كبار المسؤولين العراقيين، أن الفصاظل المسلحة [المقاومة] العراقية قد أعلنت لأول مرة أنها وافقت على ترك سلاحها لتجنب الدخول في صراع مع القوات الأمريكية فی فترة رئاسة ترامب. وتجاوزت «رويترز» في خبرها ذلك إذْ أعلنت: «اتخذت فصائل المقاومة العراقية قرارها بعد تحذيرات متعددة من واشنطن للحكومة العراقية عقب تولي ترامب منصب الرئاسة». إلى ذلك، لم يدم طويلاً حتى أعلنت «كتائب حزب الله العراق»: «هذه التصريحات لا تعبّر عن موقفنا، وهي مفبركة ومجرد بروباغندا إعلامية».
نزع سلاح المقاومة في لبنان؛ حلم لم يتحقق في الميدان بل سوّقته وسائل الإعلام كواقع
اتبعت وسائل الإعلام الأمريكية الأسلوب نفسه من التعبئة الإعلامية في ما يخص المقاومة الإسلامية في لبنان. حاولت وكالة «رويترز» هذه المرة فبركة خبر ضد «حزب الله» بأسلوب يبدو مقنعاً للرأي العام، فنشرت الخبر تحت عنوان «خبر حصري لرويترز نقلاً عن مسؤول في حزب الله». ادعت «رويترز» أن أحد كبار مسؤولي «حزب الله» أبلغها بأن الحزب، في حال انسحاب "إسرائيل" من جنوبي لبنان ووقف اعتداءاتها على هذه المنطقة، مستعد للدخول في مفاوضات مع رئيس الجمهورية اللبنانية بشأن التخلي عن سلاحه! في غضون ذلك، سارعت العلاقات العامة في «حزب الله» إلى إصدار بيان فنّدت فيه هذا الادعاء الإعلامي الأمريكي. إلى ذلك، أعلن النائب حسن فضل الله، من نواب كتلة الوفاء للمقاومة في البرلمان اللبناني، أن موقف «حزب الله بشأن سلاحه واضح تماماً، مؤكداً أن الأولوية اليوم هي وقف الاعتداءات على أرضنا وتحرير الأراضي المحتلة».
لا شك أنّ نزع سلاح «حزب الله» كان من الأهداف القديمة للولايات المتحدة والكيان الصهيوني، لكن بما أن هذا الهدف لم يتحقق حتى بعد الحرب الضروس التي شنّها الصهاينة ضد المقاومة بدعم تام من واشنطن، قررت الولايات المتحدة تعويض فشلها في ساحة المعركة عبر الميدان الإعلامي. قال محمد لساني، الناشط والباحث في مجال الإعلام، في مقابلة خاصة مع الصفحة العربية لموقع «KHAMENEI.IR» الإعلامي: «ضخّ فكرة إضعاف المقاومة شكّل إحدى المهام الدائمة التي دأبت وسائل الإعلام الأمريكية، وكذلك الوسائل الإعلامية الإقليمية التابعة لها، على تنفيذها باستمرار».
منح الشرعية للإبادة الجماعية في غزة عبر التعبئة الإعلامية
مرّ نحو عامٍ ونصف على الإبادة الجماعية الواسعة التي ينفّذها الكيان الصهيوني ضد الشعب الأعزل في غزة، بدعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية؛ حربٌ أشعلت موجة من الغضب والسخط في أوساط الرأي العام العالمي، ومع ذلك، اصطفّت وسائل الإعلام الأمريكية الواحدة تلو الأخرى، لتوجيه الرأي العام المعارض للحرب، ومنح الشرعية للإبادة التي تُرتكب بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وتبرئة الكيان الصهيوني من الجرائم البشعة التي يقترفها. في هذا السياق، روّجت هذه الوسائل الإعلامية أكاذيب كثيرة عن قطاع غزة وسكانه، ومن أبرزها ما ادعته صحيفة «نيويورك تايمز»، عندما زعمت أن «العديد من الفلسطينيين في غزة مجرمون وقتلة، ولذلك فهم يستحقون العقاب». تجاهلت هذه الصحيفة الأمريكية عشرات الآلاف من المَشاهد التي توثّق المجازر الوحشية التي ارتكبها الصهاينة بحق أهالي غزة، وسعت عبر التعبئة الإعلامية إلى قلب المعادلة في حرب غزة، فبدّلت موقع «الجلاد» و«الضحية». علاوة على ذلك، تجاهلت صحيفة «وول ستريت جورنال» هي الأخرى حقائق حرب غزة، وكررت الادعاءات الكاذبة المذكورة، زاعمة أن «إسرائيل تمتلك جاراً متمرّداً ومارقاً».
الحرب النفسية ضد إيران باستخدام أدوات الإعلام
بدأت وسائل الإعلام الأمريكية حملتها النفسية ضد إيران قبل بدء المحادثات النووية غير المباشرة مع الولايات المتحدة في العاصمة العمانية مسقط. في هذا السياق، زعمت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير لها أنه في جلسة اتخاذ القرار بشأن الرد على رسالة رئيس الولايات المتحدة، دونالد ترامب، طلب كبار المسؤولين في الجمهورية الإسلامية تغيير موقف قيادة الثورة الإسلامية تجاه التفاوض المباشر مع أمريكا. كما زعمت الصحيفة أيضاً أن المسؤولين الإيرانيين حذروا قائد الثورة الإسلامية من تبعات تصاعد التوتر مع الولايات المتحدة. مع ذلك، بعد نشر هذا الخبر، فنّد السيد مهدي فضائلي، عضو مكتب حفظ ونشر آثار قائد الثورة الإسلامية، هذا الادعاء بشأن أسلوب رد إيران على رسالة رئيس الولايات المتحدة، وأعلن قائلاً: «إنّ ادعاء صحيفة نيويورك تايمز ليس سوى عملية نفسية وكذب محض».
أكّد محمد لساني، الناشط والباحث في مجال الإعلام، في مقابلته مع موقع «KHAMENEI.IR» الإعلامي: «تسعى وسائل الإعلام الإقليمية [التابعة لأمريكا] إلى خلق شعور لدى الرأي العام بأن قوة إيران الإقليمية قد تراجعت، وأن الجمهورية الإسلامية في واقع الأمر تشهد تراجعاً. ما تحاول هذه الوسائل الإعلامية نقله هو أن مكانة إيران مقارنةً مع منافسيها في المنطقة آخذة في التراجع، وأن الكيان الصهيوني هو الآن مَن يمتلك اليد العليا في المستجدات».
نشر شائعة: «سعي إيران لإنتاج السلاح النووي»
لفّقت وسائل الإعلام الأمريكية، بهدف تحفيز الرأي العام وإقناعه بتصديق الاتهامات التي وجهتها واشنطن ضد طهران، الأخبار من دون تقديم أي دليل أو مستند. من بين هذه الأخبار المزيّفة، كان خبر صحيفة «نيويورك تايمز» حول «سعي إيران لإنتاج السلاح النووي». ادعت الصحيفة: «بناءً على تقييمات استخبارية، سعى العلماء والمهندسون العسكريون الإيرانيون إلى إيجاد طريقة تمكّنهم من تحويل مخزون الوقود النووي في البلاد إلى سلاح عملي في غضون بضعة أشهر». واجهت هذه الأكاذيب ردّ فعل من أحد المسؤولين الأمنيين الإيرانيين الذي قال: «ادعاء صحيفة نيويورك تايمز بأن فريقاً سرياً من العلماء الإيرانيين يعمل على دراسة طرق أسرع لصناعة سلاح نووي ليس سوى هراء وتهريج، ولا يمتّ إلى الحقيقة بصلة. هذه الأوهام هي أكثر ارتباطاً بتقديم بعض وسائل الإعلام الأمريكية خدمة لنتنياهو منها بالواقع». هذا في حين أن وكالة الاستخبارات الأمريكية أعلنت في تقريرها السنوي في أوائل شهر نيسان/أبريل بشأن التهديدات العالمية، أنها لم تلاحظ أي مؤشر على سعي إيران لصناعة سلاح نووي أو الوصول إليه».
علاوة على ذلك، أكد قائد الثورة الإسلامية مراراً على رفض جمهورية إيران الإسلامية صناعة الأسلحة النووية واستخدامها، وأشار سماحته إلى الحملات الإعلامية ضد طهران في الملف النووي، قائلاً: «الجمهورية الإسلامية لا تعتدي ولن تعتدي على أي بلد، أما أسطورة الملف النووي والسلاح النووي الزائفة فقد اختلقها الأمريكيون ومن خلفهم الأوروبيون وبعض المتملقين لهم ليزعموا أن الجمهورية الإسلامية تشكل تهديداً. لا، مصدر التهديد هو أمريكا نفسها».
التعبئة الإعلامية مع إضافة عنصر التهويل قُبَيل المحادثات النووية غير المباشرة
قُبَيل الجولة الأولى من المحادثات غير المباشرة بين إيران والولايات المتحدة، ازدادت التعبئة الإعلامية ضد الجمهورية الإسلامية، وأُضيف إليها عنصر التهديد والتهويل. في هذا السياق، زعمت صحيفة «واشنطن بوست» في خبر لها أنه إذا لم تُجرَ المحادثات النووية بين إيران وأمريكا بنحو مباشر، فقد تُلغى زيارة الممثل الخاص للرئيس الأمريكي في المنطقة، ستيف ويتكوف، إلى مسقط. هذا في حين أعلنت طهران أنها لم تتلقَّ أي خبر رسمي بشأن احتمال إلغاء زيارة ويتكوف إلى مكان المحادثات، مؤكدة أن هذه الأخبار ما هي إلّا أكاذيب تُروَّج في سياق الحرب النفسية. نُشرت هذه الأكاذيب قُبَيل بدء المحادثات التي تم عقدها بالفعل في نفس المكان الذي تم تحديده مسبقاً، أي مسقط، وبخلاف ادعاءات «واشنطن بوست»، لم يمتنع ويتكوف عن الحضور، ولم تُجرَ المحادثات بشكل مباشر.
كذبة كبيرة أثناء محادثات 12 نيسان/أبريل
ظهرت إحدى أكبر أكاذيب وسائل الإعلام الأمريكية أثناء إجراء المحادثات النووية غير المباشرة في 12 نيسان/أبريل 2025، وكان ذلك عبر وكالة «رويترز» التي نقلت عن مصدر وهمي ادعت أنه عماني، قائلاً: «إن تبادل الأسرى» هو أحد المحاور المهمة في محادثات مسقط. لكن هذا الموضوع تم تكذيبه بسرعة من قبل وزارة الخارجية الإيرانية. في هذا السياق، أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، إلى الخبر المنشور نقلاً عن مصادر عمانية في وكالة «رويترز»، وقال: «لدى هذه الوكالة تاريخ طويل في نشر الأخبار المضللة».
مَهمة وسائل الإعلام الأمريكية؛ خلق النظام الذي تسعى واشنطن لتحقيقه في المنطقة
وضّح محمد لساني، الناشط والباحث في مجال الإعلام، في مقابلة خاصة مع الصفحة العربية لموقع «KHAMENEI.IR» الإعلامي، سبب أكاذيب وسائل الإعلام الأمريكية ووسائل الإعلام الإقليمية التابعة لها بشأن جمهورية إيران الإسلامية وجبهة المقاومة، قائلاً: «هذه الوسائل الإعلامية لديها مَهمة محددة، وهي خلق النظام الذي تريده الولايات المتحدة في المنطقة. في الواقع، يسعى هؤلاء إلى تصوير الأجواء على نحو يجعل الرأي العام، وكذلك النخب السياسية وصناع القرار في الدول، يقتنعون بأن هذه المنطقة خالية من المقاومة، وأنها في الوقت الحالي جاهزة للسير نحو تطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني». كما أكد هذا الناشط والباحث في مجال الإعلام في حديثه عن سبب نشر الأخبار المزيفة من قبل وسائل الإعلام الأمريكية والمؤسسات الإعلامية الإقليمية التابعة لها قائلاً: «كانت وسائل الإعلام الأمريكية ووسائل الإعلام الإقليمية التابعة لها تروج للرأي العام بأن حركة حماس قد تم القضاء عليها، وأن الجميع يكرهون حماس. كانت هذه التعبئة الإعلامية واضحة في جميع أنحاء المنطقة ضد فصائل المقاومة الأخرى أيضًا، إذْ كانت تروّج إلى أن «حزب الله» قد وصل إلى نهاية مشواره، وأنّ جناحه العسكري أصبح عاجزاً عن ممارسة أيّ فعل، ليُختزل دوره في كونه كياناً اجتماعياً أو سياسياً محدود التأثير، بعد تجريده من سلاحه. في سوريا، كان من الواضح أن هذه الوسائل الإعلامية تجاهلت فعلاً الشعب السوري وأبرزت قوة فريق الجولاني، وسعت من خلال دعاية إعلامية إلى إبراز قوة جماعات مثل هيئة تحرير الشام في سوريا. في اليمن أيضًا، كان النهج الإعلامي المتبع يهدف إلى إبراز الهجمات على هذا البلد والترويج لفكرة اختفاء المقاومة اليمنية. كما تم الإشارة إلى ذلك سابقاً، كان الهدف الرئيسي والأساسي لهذه الوسائل الإعلامية، والمَهمة التي تم تحديدها لها، خلق النظام الذي تريده واشنطن في المنطقة، وتصوير أجواء أمام أعين المنطقة تُظهر أن المقاومة قد اختفت وأن المنطقة جاهزة للتحرك نحو تطبيع العلاقات. في الواقع، كانت هذه الوسائل الإعلامية تضحي باستقلالها الإعلامي مقابل المصالح المالية والسياسية».