في تاريخ 13 من حزيران 2014 ميلادي، أصدر المرجع الديني آية الله العظمى السيد علي السيستاني فتوى واجب الدفاع الكفائي المعروفة التي تتضمن وجوب الدفاع عن أرض العراق وأرواح العراقيين والدفاع عن المقدسات من الهجوم الهمجي لأصحاب العقائد المنحرفة، الذين انشأهم الغرب الكافر و"إسرائيل" برعاية تركية وخليجية بالمال والسلاح والإمكانات والإيواء ومهدت لهم أمريكا من أجل غزو العراق، والذين أطلقت عليهم الدوائر الغربية اسم الدولة الإسلامية في العراق والشام (اختصارًا لتنظيم «داعش»)، فكانت مهمتها إسقاط الحكم في العراق وسوريا من أجل تقسيم هاتين الدولتين إلى مقاطعات على أساس عرقي ومذهبي، والغاية هي إضعاف الدولتين وشل أهاليها ومنعهم من مقاومة التغيير القادم الرامي إلى تقسيم المنطقة وإعلان دولة "إسرائيل" الكبرى على أنقاضهما وتهيئة باقي الدول المحيطة للتقسيم، فكان هذا المخطط الصهيوأمريكي تهديدًا عظيمًا  وخطيرًا للمنطقة بأكملها.

قبل تاريخ 13 حزيران 2014 ميلادي بأيام قليلة، دخل مقاتلو "داعش" إلى الأراضي العراقية من الجهة الغربية والشمالية الغربية للعراق، أي من الموصل وصحراء الأنبار، بدعم من تركيا وتنسيق معها من داخل الأراضي السورية المحاذية للعراق، أي الحسكة وديرالزور الساقطة بيد تنظيم "داعش"، وكذلك تسلل عدد من الخليجيين، وخصوصًا من السعودية، إلى داخل العراق وانضموا إلى هذا المشروع. في بداية الأمر، وجد هؤلاء حاضنة لهم في المناطق المذكورة من العراق، ولكن هذه الحاضنة رفضتهم لاحقًا وحاربتهم تحت راية «الحشد الشعبي» باسم الحشد العشائري.

على أثر الفتوى المباركة للمرجع السيد السيستاني دام ظله، تطوع الملايين في العراق ولبوا النداء للدفاع عن الأرض والشعب والمقدسات في هذا البلد، فقُبِل عدد محدود منهم على قدر الإمكانات المتوافرة وتشكلت النواة الأولى لما سُمي في ما بعد "الحشد الشعبي"، الذي أسماه العراقيون «الحشد الشعبي المقدس». تولى قائد مقتدر قيادة هذا «الحشد الشعبي» المسلح، هو الحاج أبو مهدي المهندس، يسانده ظهيره ورفيق درب الجهاد القائد الحاج قاسم سليماني من الجمهورية الإسلامية في إيران، التي كانت الدولة الوحيدة التي لبت نداء الاستغاثة وساندت دولة العراق وأمدّت قواته المحاربة من «الحشد الشعبي» والجيش العراقي بالسلاح والعتاد والاستشارة العسكرية بأمر من القائد النوراني، السيد علي الخامنئي أدام الله عزه، بينما تنصلت باقي الدول الأخرى من مساعدة العراق ومنها أمريكا التي تدّعي حمايتها للقانون الدولي وحقوق البشر.

 

 

دور الحشد الشعبي في العراق

 

اليوم الحشد الشعبي هو مؤسسة وطنية عراقية تسمى «هيئة الحشد الشعبي»، يحميها قانون دستوري صُوّت عليه في مجلس النواب العراقي. الحشد مؤسسة أمنية عراقية لها تنظيم إداري معرّف وقيادة معروفة ووظائف أمنية معرّفة ويبلغ عديده أكثر من 140 ألف مقاتل، ويعدّ ظهيرًا للجيش العراقي والقوات الأمنية العراقية الأخرى كالشرطة الاتحادية وجهاز الأمن الوطني وجهاز مكافحة الإرهاب.

في عام 2014 ميلادي، وبعد دخول تنظيم «داعش» الإرهابي إلى العراق، أدى «الحشد الشعبي» الدور الأساسي لطرد هذا التنظيم من الأراضي العراقية التي احتلها، وقدم من أجل ذلك تضحيات كبيرة وخاض معارك شرسة مع التنظيم المذكور وقدم أكثر من 10 آلاف شهيد وأكثر من ضعف ذلك من الجرحى، واستطاع أخيرًا تطهير مساحات شاسعة تقدّر بأكثر من ثلث مساحة العراق في زمن قياسي قصير، فانتصر العراق وطهر أرضه تمامًا من دنس هذا العدو الداعشي بعد 3 سنوات وعدد من الأشهر في عام 2017 ميلادي.

 

دور «الحشد الشعبي» في العراق بعد الانتهاء من المعارك

 

في عام 2017 ميلادي، وبعد الانتهاء من المعارك وطرد تنظيم «داعش» من العراق، أصبح لدى الحشد الشعبي قوة عددها أكثر من 140 ألف مقاتل وعدد كبير من الآليات والمعدات الهندسية الثقيلة مع خبرات ومهارات مُكتسبة في البناء والإكساء والحفر والتعامل مع التربة والتضاريس الصعبة، إضافة إلى عدد من الورش الفنية وورش الصيانة الميكانيكية، كما تعلم بناء المستشفيات المؤقتة والدائمة وإدارتها، وكذلك امتلك مهارات على مستوى فاعل في العمل الاجتماعي والسياسي والأمني والمجال الصحي والطبي والإعلامي، والأهم من هذا وذاك هو بناء أفراده بناءً عقائدياً مقاوماً، ما يعني أن هذه المؤسسة الفتية الجديدة لها القدرة على تأدية دور كبير وفعّال في الجانب المدني والخدمي في نشر الأمن والبناء والتنمية في العراق. لذا قررت قيادة «الحشد الشعبي»، وبعد أن انتهت المعارك، أن تختار المسار التنموي وأن تكرس جهود «الحشد الشعبي» في القيادة المجتمعية والسياسية وفي البناء وصيانة البنى التحتية وفي فرض الأمن وحماية السلم المجتمعي. في ما يلي أمثلة عن هذه الإنجازات.

 

 

 

إنجازات «الحشد الشعبي»

    

يمكن تلخيص هذه الإنجازات بالآتي:

  1. الإنجازات الأمنية
  2. الإنجازات الخدمية
  3. الإنجازات الاجتماعية والثقافية والسياسية   

 

الإنجازات الأمنية:  هي على نوعين: الأمن المجتمعي والأمن الغذائي. في الأمن المجتمعي وبعد إخراج «داعش»، أصبح العراق عرضة لأعمال إرهابية في بعض المناطق من شماله وغربه تنتشر فيها الصحاري والكهوف والجبال والمناطق الوعرة إضافة إلى بعض الحاضنات هنا وهناك في المناطق المخترقة أمنياً، فأصبحت هذه جميعها ملاذات لأفراد متفرقين  يؤدّون بين الحين والآخر أعمالًا إرهابية ضد المدن والناس الآمنين. لقد حدث كثير من أعمال القتل والاعتداء على الآمنين في المدن والقرى البعيدة، وكانت غالبية هذه الهجمات في محافظات شمال العاصمة بغداد، والغاية منها أحيانًا إثارة الفتن وأحيانًا أخرى إثارة الرعب بين الناس. أدت مجاميع أخرى أعمالَ تخريب الشبكة الكهربائية وتفجير أبراج الطاقة الكهربائية وتحطيمها أو حرقت حقول المحاصيل الزراعية الإستراتيجية كالحنطة والشعير، فكان الحل أن طلبت الدولة من "الحشد الشعبي" تأمين هذه المناطق من هذه الاعتداءات كلها. فعلًا، أبعد الحشد بدوره الخطر والتهديدات عن المدن والقرى وعن خطوط شبكة الكهرباء وعن المزارع الواسعة والبعيدة وحماها، فقسّم مناطق العراق إلى مقرات قيادة وسيطرة وحمى هذه المناطق ومشطها وراقبها باستمرار، وبهذا الأسلوب، نجح في حماية مناطق العراق من أنواع التهديدات الأمنية. من الأدوار المهمة في المجال الأمني التي أداها «الحشد الشعبي» ولا يزال مستمراً إلى الوقت الحاضر هو متابعة شبكات تهريب المخدرات ومكافحة انتشارها والقضاء عليها. إذ ألقى القبض على عدد من أفراد هذه الشبكات وفككها وقضى على كثير منها.

أما عن النوع الثاني من الأمن، أي الأمن الغذائي،  فنحن نعلم أن العراق بلد زراعي يجري فيه نهران كبيران هما دجلة والفرات وأرضه رسوبية خصبة،  ولكن الجفاف الذي أصاب أخيرًا كثيرًا من دول العالم أصاب العراق أيضًا بسبب قلة الأمطار والموارد المائية التي تغذي هذين النهرين، وكذلك كثرة السدود التي أنشئت في تركيا وحجبت عنها المياه وضعف شبكات الري المحلية، هذا كله أدى إلى تراجع الزراعة وتصحر الأراضي وبالتالي تهديد الأمن الغذائي العراقي، لذا قرر «الحشد الشعبي» أن يسهم في توفير الغذاء حرصًا منه على تأمين موضوع الأمن الغذائي، وفعلاً تعوقِد مع الدولة على استملاك مساحات كبيرة كما حدث في محافظة السماوة جنوب العراق والمتاخمة للحدود السعودية، حيث زرع الجهد المدني الهندسي التابع لشركة المهندس في «الحشد الشعبي» حدود 2 مليون دونم (ما يعادل 500 ألف هكتار) بمحاصيل إستراتيجية كالقمح والشعير، وأخيرًا زُرعت محاصيل وأعشاب تدخل في صناعة الأدوية، إضافة إلى زراعة النخيل والأشجار المنتجة. 

الإنجازات الخدمية:                                                                                                                                                                                                                                                                 

أسهم «الحشد الشعبي» في عدد كبير من الخدمات منذ عام 2016 ميلادي وإلى هذا اليوم، فقد كان الشهيد القائد أبو مهدي المهندس يحث كثيرًا على ضرورة أن يقدم «الحشد الشعبي» الخدمات النافعة إلى الشعب العراقي. فعلًا أنجزت فرق الجهد الهندسي أعمالًا مهمة وكثيرة. في مجال الري والزراعة، صانت بنى تحتية منها شق القنوات المائية وكري الأنهر ومجاري السقي وأنشأت المبازل وحمت كثيرًا من الأراضي الزراعية وممتلكات الأهالي في القرى والأرياف البعيدة من الغرق وشقت الطرق وصانتها وأكستها بمسافات طويلة. في المجال الصحي والطبي، أنشأ الجهد المدني لطبابة الحشد المستشفيات الميدانية المؤقتة حسب الحاجة وكذلك المستشفيات الدائمة في كثير من المحافظات وأدارها وقدم عددًا من الخدمات الطبية، كما  أنجز حملة لمكافحة مرض «كورونا» في عام 2020 ميلادي ورش الأماكن الملوثة بالمبيدات في المدارس والمناطق العامة، كما أنقذ أهالي البصرة من الأوبئة الشديدة التي اجتاحتهم بسبب المياه الملوثة في عام 2018 ميلادي بمعاونة الجهد الهندسي. في مجال الطوارئ، أنقذ الجهد الهندسي في عام 2019 ميلادي حقل مجنون وحقل الحلفاية والقرنة الثاني المهمة الموجودة في جنوب العراق، من غرق محتم نتيجة السيول الضخمة والفيضانات التي هددت هذه الحقول، وبذلك أُنقذ العراق من خسائر تقدر بمليارات الدولارات. من الخدمات المهمة للجهد الهندسي أيضًا ترميم المئات من المدارس وإحياؤها وتزويدها بالاحتياجات الضرورية لتوفير الجو المناسب للتلاميذ لإدامة الدراسة، كما صان هذا الجهد عددًا من المباني والمرافق الحيوية الحكومية المهمة، وكذلك دور الأيتام والعجزة. في الزيارات والمناسبات الدينية المليونية كافة، وخصوصًا زيارة الأربعين، يقدم «الحشد الشعبي» الحماية الكاملة للزائرين من شمال العراق إلى جنوبه وكذلك في المنافذ البرية مع تقديم الماء والطعام والعلاج والرعاية الصحية اللازمة طوال مدة الزيارة الأربعينية مثلًا التي تستغرق حدود الشهرين.     

الخدمات الاجتماعية والثقافية والسياسية:

 

الخدمات السابقة كلها كان لها الأثر المهم في كسب محبة الناس واحترامهم وثقتهم، لذلك أصبح «الحشد الشعبي» قريبًا من القلوب وصار يحتل مكانًا مهمًا في المجتمع العراقي ومقبولًا سياسيًا واجتماعيًا. لقد نشط «الحشد الشعبي» اجتماعيًا في حل النزاعات والخلافات التي تحدث أحيانًا بين جماعات من العشائر المحلية وفصلها، كما نشط في المناطق المختلفة في حملات الاعتناء بالمدن وزراعتها وتنظيفها، وفي حالات عدة كانت شوارع العاصمة بغداد أو بعض المحافظات تغرق بمياه الأمطار، فيؤدي أفراد الحشد واجبهم التطوعي بسحب المياه من الشوارع وتنظيفها وإعادة حركة المواصلات إلى طبيعتها. ثقافيًا، أسهم «الحشد الشعبي» في إحياء مناسبات عدة مهمة لإحياء ذكرى الشهداء والشهداء القادة وتجليل عائلاتهم، كما أسهم في عقد الندوات العلمية والأدبية والشعرية في الجامعات والمؤسسات لبحث عدد من الشؤون العلمية والثقافية ونشر الوعي. كما عقدت اجتماعات مهمة في الوزارات مع السادة الوزراء والمدراء العامين لبحث المشكلات المختلفة والمساهمة في حلها ولتوسيع مجالات التعاون الخدمي. في المجال السياسي، إن لفصائل المقاومة علاقة وثيقة جدًا وتعاونًا قريبًا ومستمرًا مع «الحشد الشعبي»، ويملك الحشد ممثلين في مجلس النواب العراقي يتحدثون بشؤونه ويدافعون عنه، وفي الواقع فرض «الحشد الشعبي» نفسه سياسيًا وأصبح جزءًا من معادلة الحكم في العراق ورقمًا لا يمكن تجاوزه وصار جزءًا من جبهة المقاومة يخافه كثير من الأنظمة الإقليمية بل وحتى الدولية المرتبطة بالدائرة الصهيوأمريكية وتحسب له ألف حساب، لذلك واجه «الحشد الشعبي» عداوة شديدة ضارية كان نتيجتها استشهاد القادة العظام المؤسسين لهذا الحشد هما الحاج قاسم سليماني قائد «فيلق القدس» في الجمهورية الإسلامية الإيرانية وضيف العراق، والحاج أبو مهدي المهندس قائد «الحشد الشعبي» مع عدد من الشهداء المرافقين، في اعتداء أمريكي غاشم في مطار بغداد في عام 2020 ميلادي.

لقد أسهم «الحشد الشعبي» في بناء أمة من الشباب الذين اتخذوا من قادة الحشد قدوة لهم، وأمة من الشعراء والكتّاب وجدوا في بطولات هذا الحشد ورجاله الأبطال وتضحياتهم أسطورة حماسية تلهب قرائحهم. لقد بنى «الحشد الشعبي» فعلًا المجتمع العراقي.