في الساعة 8:30 من صباح يوم الإثنين، الثالث من شباط/ فبراير 2025، الموافق للرابع من شعبان المعظم عام 1446 هجري قمري، وهو يوم مولد باب الحوائج قمر بني هاشم المنير، أبي الفضل العباس (عليه السلام)، وهو يوم الجريح أيضًا، سنتوجه من شارع «دانشگاه»، نحو منطقة «نارمك»، برفقة مجموعة من الأفراد، من بينهم حجة الإسلام أختري ، الأمين العام السابق لمجمع أهل البيت (ع) العالمي، والذي ترأس وفد قائد الثورة الإسلامية. سنسلك شارع «الشهيد گلستاني»، ثم ننعطف إلى زقاق الشهيد «محمود رضا عندالله»، وهو الشهيد نفسه الذي يُقال عنه: كان أكثر الشخصيات الثقافية تأثيرًا في منطقة نظام آباد.
من المقرر أن نذهب إلى منزل أحد الجرحى لنبلّغه تحيات قائد الثورة الإسلاميّة وسلامه.
يستقبل الجميع بابتسامة هادئة ونظرة مطمئنة، مُرَحّبًا بهم!
«الحاج حسن» شخصية ودودة ومتواضعة، ملتزم بالانضباط في حديثه وواثق في كلماته، ورغم جلوسه على الكرسي المتحرك منذ سنوات، ولكن لا تظهر عليه أي علامات للتعب!
منزله يشبه المنازل العادية، فيه الأشياء نفسها التي تُوجد عادة في منازل الجميع! لا شيء زائدًا أو مبالغًا فيه يدل على البذخ أو الترف! أستمتع بالجلوس في ذلك المنزل، وبلهفة كبيرة أجلس إلى جانب «الحاج حسن» الأيسر، الذي يجلس الآن على كرسيه المتحرك أمام الحضور، وأتخذ مكاني على الأريكة!
عيناه النافذتان تخترقان أعماق روحي. كم يليق به لقب الجريح!
الكثيرون ينفقون أموالًا طائلة حتّى يُغيّرهم ما يرتدونه أو ما يزيّنهم، ولكن دون أن يحدث ذلك أي تغيير أو تأثير يُذكر!
لكن السيّد «حسن مخملي» الذي حاز للتو شهادة الدكتوراه في اختصاص «اقتصاد تخطيط الصحّة الإلكترونية» من جامعة «شفيلد هالام البريطانيّة»، تتفجّر من جوارحه روحيّة الجرحى بكلّ روعة.
لدرجة أنّه قال: نحن لا نملك لأنفسنا أيّ شيء، ولا نريد أيضًا أيّ شيء من النظام. لقد عقدنا العزم على إنفاق هذا البيت والسيارة في سبيل جبهة المقاومة، وإنّنا نفخر بهذه التقدمة الصغيرة أيضًا.
غرق الحضور في كلمات الحاج حسن، ورحت أنا أحاور نفسي وأتساءل:
كم يمكن لروح أيّ إنسان أن تكون قويّة لدرجة أن يتمكن من وهب ما يملكه كلّه ونسمّيه الحياة، بهذه البساطة، وبسهولة وبسلامة تامّة ووعي كامل، في سبيل الحقيقة، دون أن يكون لديه أيّ توقّع في مقابل ذلك؟
أين تستيطعون العثور على مثل هذا الإنسان، إذ بذل صحّته وجلس على كرسيّ متحرّك لسنوات طويلة، ولا يزال يسعى ويحاول الإنفاق؟
أخجل من نفسي، وأقف في وجه المرآة دون إرادة، أغلق عينَيّ حتى لا تلتقي عيناي بعينيّ.
حياء الإنسان لا يسمح له برؤية مثل هذه الحقائق، ثمّ يكذب على نفسه ويقول: ماذا فعلت لنا الثورة الإسلاميّة؟
يعيدني صوت الدكتور مخملي إلى نفسي.
يقول:
«لقد أطلقنا ثورة من اللاشيء»
لم تكن الأحقاد تغمر قلوبنا!
لم نكن مصابين بالحسد!
لم نكن ضيّقي النظر!
ولم نكن نملك عدّة وعُدّة!
لم نكن مغرورين!
لم نكن أنانيّين!
لم نفقد الأمل!
ونحن ثُرنا بأيدٍ خالية الوفاض، وقلوبٍ تغمرها المحبّة الإلهيّة، نحن حاربنا انطلاقًا من أصالتنا، وبذلنا الدماء وقدّمنا الشهداء. تسابقنا أيضًا في ميادين الألغام، وها نحن نرفع رؤوسنا اليوم شامخين في المجتمع الدولي!
أمريكا والآخرون لا يدركون ذلك، ونحن آمنّا أنّ هذا سيحدث.
كلامه عذب ويبعث المعنويّات! لكن الوقت ضيّق دائمًا، حتى لسماع تغريدات بلابل الثورة الإسلاميّة والحرب!
بلّغ الشيخ أختري سلام الإمام الخامنئي للحاج حسن!
أعلم أنّه في هذه اللحظة شعر بخنقة، واغرورقت عيناه بالدموع!
أهدى الكوفيّة التي أرسلها الإمام الخامنئي له إلى زوجته، وقال: ما لديّ كلّه هو بفضل الأذكار التي ردّدتها زوجتي!
حان موعد الوداع! أراد الحاج حسن أن يطلق الرصاصة الأخيرة في هذا اللقاء! أنشد أبياتًا من الغزل تلخّصت في نصف المصراع هذا:
ركضنا بلا أقدام وبلغنا الوجهة والغاية...
ترسّخت صورة «الحاج حسن مخملي» في إحدى زوايا عقلي.
ودّعناه وابتعدنا من هناك.
عندما وصلت إلى البيت، شعرتُ بحرارة يدي الحاج حسن تسري في شرايين أصابعي.
يجب أن أفعل شيئًا من أجل الثورة الإسلاميّة...