بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا، أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، [ولا] سيما بقية الله في الأرضين.
أشكر الله المتعالي على انعقاد هذه الجلسة من جديد، وعلى اللقاء والاستماع العذبين والجميلين اللذين حملتهما لي هذه الجلسة. كما أحمد الله المتعالي وأشكره على الزيادة المستمرة في عدد قراء القرآن. لقد قرّت اليوم أعيننا وآذاننا، وحقًا استمتعنا بالتلاوات التي أُدّيت؛[1] من مدن مختلفة وفي أعمار متفاوتة وبأساليب متنوعة، وجميعهم قرآنيّون، وكلّهم قرّاء. كذلك سُررت كثيرًا لرؤية السيد روحاني نجاد[2]؛ فقد سمعنا صوته مجددًا بعد أكثر من أربعين سنة. كان لديه صوت رائع في شبابه، أي في تلك السنين التي كان فيها تلميذًا عند السيد مختاري[3]، رحم الله السيد مختاري، كان صوته جميلًا، الحمد لله. أبارك لكم حلول شهر رمضان المبارك الذي يعد بحق عيدًا عظيمًا للمؤمنين ولمن يعرفون قدره. نسأل الله المتعالي أن يجعل هذا الشهر المبارك رمضان عيدًا مباركًا - بالمعنى الحقيقي للكلمة - للشعب الإيراني كله، ولكم جميعًا.
ما هو مهم من وجهة نظري، هو أن نتمكّن من أن نروي مجتمعنا - مجتمعنا في الدرجة الأولى - من نبع القرآن الذي لا ينضب. نحن بحاجة إلى هذا الأمر، بل ونحتاج إليه بشدّة أيضًا. هناك مشكلات في حياتنا الفردية والشخصية، وفي أخلاقنا وسلوكياتنا وتصرفاتنا، وهذه المشكلات تُحلّ بـالقرآن الكريم. كذلك في حياتنا الجماعية، إذ تشكل العلاقات داخل المجتمع جزءًا مهمًا منها، بما في ذلك علاقاتنا مع بعضنا بعضًا وتعاوننا وتعاملنا والمحبّة بين مختلف أطرافنا. هناك جانبٌ أيضًا يرتبط بالتعامل مع خارج المجتمع. هذه هي قضايانا [المهمة]. نحن نعاني بعض الابتلاءات في هذه الأمور كلّها، في القضايا الشخصيّة وكذلك في القضايا الاجتماعيّة داخل المجتمع وفي القضايا الاجتماعيّة ذات الصّلة بخارج المجتمع، وهذه الابتلاءات تُحلّ بـالقرآن الكريم. يمكن لـلقرآن الكريم أن يرشدنا في هذا المجال ويمسك بأيدينا.
طبعًا، اليوم في مجال التعامل مع خارج المجتمع، يواجه الشعب الإيراني جبهة واسعة من المتجبّرين الكفرة أو المنافقين. نعم، هكذا هو الحال. ليست لدينا أيّ مشكلة مع الشعوب، فالشعوب إما أن تكون متآخية أو إذا كانت غريبة تجاه بعضها بعضًا، فلا تتدخل في شؤون بعضها بعضًا. المتجبّرون هم الذين يتدخّلون في شؤون الدول والشعوب. نحن اليوم ضمن تلك الدول التي تواجه جبهة واسعة من هؤلاء المتجبّرين. كيف نتعامل مع هؤلاء؟ القرآن الكريم يوضح كيفية التعامل مع هؤلاء. في أيّ مرحلة نتحدّث إلى هؤلاء، وفي أيّ مرحلة نمدّ إليهم يد التعاون، وفي أيّ مرحلة نلقمهم صفعة على أفواههم، وفي أيّ مرحلة نشهر السيوف؟ هذه كلّها محددة في القرآن.
في مجال القضايا الاجتماعيّة داخل المجتمع، أي العلاقات، تعلمون بطبيعة الحال أنّ رأي الإسلام في تأسيس المجتمع الإسلامي هو أنّ قضيّة العدالة الاجتماعية هي أهمّ القضايا بعد التوحيد والمعارف والعلاقة مع الله. لم يدعُ الأنبياء إلى شيء بعد التوحيد بقدر دعوتهم إلى العدالة. نحن نعاني بعض المشكلات في مجال العدالة الاجتماعيّة، وسبيل حلّها موجودٌ في القرآن. أما في ما يتعلق بالأمور الشخصية وأحوالنا الفردية، فإننا نعاني من الأمراض الأخلاقيّة والروحيّة. الجميع يعانون وليس نحن فقط. البشرية كلها مصابة اليوم بهذه الأمراض الروحيّة والأخلاقيّة والمعنويّة. إنهم مصابون بالحسد والبخل وسوء الظن والكسل وعبادة الهوى والأنانيّة وتقديم المصالح الشخصية على مصالح الجمع. نعم، هذه الأمور موجودة بيننا نحن أيضًا المجتمع الإسلامي. حققنا تقدمًا في بعض الجوانب، ولكن مع ذلك لا نزال نعاني من بعض هذه الأمراض، وعلاجها في القرآن. إذا تُليَ القرآن على نحو صحيح - سأشير أيضًا إلى ذلك باختصار - وإذا أديّت التلاوة واستُمع، فإنّ هذه الأمراض ستزول.
القرآن يبيّن لنا العلاج، انتبهوا جيدًا، إنه يبيّن لنا العلاج وكذلك يرشدنا إلى الطريق، كما إنه يبث فينا الدافع؛ وهذا هو الأهم. كثيرون ممن يعرفون الطريق لكن ليس لديهم الدافع، والأجهزة الفكرية والأخلاقية غير قادرة على تحفيزهم؛ ولكن القرآن يبث الدافع. عندما يتلون القرآن على نحو سليم، ونستمع إليه على نحو جيد، ونُحسن التدقيق فيه، حينها ستتحقق لنا تلك النتائج الكبيرة وستزول هذه الأمراض. لقد نوّه القرآن نفسه إلى ذلك: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ}. التلاوة؛ يتلو الآيات. ما هي نتيجة تلاوة الآيات؟ {وَيُزَكِّيهِمْ}؛ هذه الآيات التي تُتلى تؤدي إلى التزكية. ما معنى التزكية؟ تعني شفاء الروح والقلب؛ هذا هو معنى التزكية. قلب الإنسان وروحه ونفسه تُشفى من الأمراض التي ذكرتُ بعضها؛ هذا هي التزكية. القرآن يفعل ذلك، تلاوة القرآن توجب التزكية. {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ}؛ ما هو الكتاب؟ الكتاب هو إطار الحياة الفردية والاجتماعية؛ إنه ما أطلق عليه الله المتعالي في التعبيرات القرآنية والدينية: «الحق». الكتاب يعني الإطار العام للحياة الفردية والاجتماعية. شكل الحياة الاجتماعية والفردية، مجموعة يحتويها «الكتاب» ويبيّنها، وهو عبارةٌ أخرى لها. {وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (الجمعة، 2)؛ ما هي الحكمة؟ إنها المعارف ومعرفة حقائق عالم الوجود؛ لكي يعرف الإنسان حقائق عالم الوجود. تلاوة الكتاب تعلّمنا هذه الحقائق.
{يَتْلُو عَلَيْهِمْ}؛ النبي (ص) يتلو القرآن على الناس، من أجل أن تتحقق هذه الأعمال: «التزكية، تعليم الكتاب، تعليم الحكمة». ماذا تفعلون أنتم؟ أنتم تؤدّون عمل النبيّ (ص) أيضًا عندما تتلون. التلاوة عملٌ نبويّ. تلاوة القرآن مهمّة إلى هذا الحدّ؛ بأنْ تتمكّنوا من تحويل المفاهيم القرآنيّة إلى مسلمات فكريّة لدى النّاس كلهم. المفاهيم القرآنيّة. هناك آلاف العناوين الرئيسية المهمّة في القرآن، على سبيل المثال: {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحديد، 25)، أو: {خُذِ الْعَفْوَ} (الأعراف، 199)، أو {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} (الأحزاب، 41)؛ هذه كلّها عناوين ومواضيع رئيسية. أحد واجبات تلاوتكم وإحدى وظائفها - إذا حدثت على نحو سليم - هي أنها تحوّل هذه المفاهيم إلى مسلّمات فكرية في المجتمع؛ يصبح من البديهي للمجتمع أنه يجب «القيام بالقسط»، ويجب ذكر الله: {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا}، ويجب الأخذ بالعفو بين الإخوة، ويجب {فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} (النساء، 74)، وسائر المفاهيم الموجودة في القرآن. هذه ليست مبالغة؛ هناك آلاف العناوين الرئيسية والمواضيع في القرآن التي يمكن أن تتحوّل إلى معارف فكريّة لدى عامّة الناس. ما الذي ينجز ذلك؟ التلاوة الجيدة. حينئذ ترتقي المعارف القرآنيّة لدى الناس، ويفكّرون على النحو الذي أمر به القرآن. عادةً يتحرّك الإنسان ويسير على النحو الذي يُفكّر. لذلك، تلاوة القرآن وقراءته، والعمل الذي تؤدونه، له هذا القدر من الأهمية ويحقق هذه المعجزة وينجز هذا العمل العظيم، ولكن بشرط مراعاة آداب التلاوة؛ هذا شرط ذلك، وهذا ما يجعل تكليفكم ثقيلًا. عليكم أن تراعوا آداب التلاوة.
الأدب الأول هو أنه عندما تتلون القرآن - سواء في البيت أو بين الجمع هنا أو في أي مكان آخر - يجب أن تعلموا أنكم في حضرة الله، وأنكم تقرؤون لنا كلامه. يجب أن تكونوا ملتفتين إلى أنكم في حضرة الله، وأنكم تنقلون إلينا كلامه وقوله. هذا يمنحكم شعورًا خاصًا؛ وهذا أمر في غاية الأهمية. حسنًا، هذا [الأدب] الأول.
اتلوا القرآن مع الالتفات إلى المعنى. لاحظتُ اليوم أن بعض الإخوة قد التزموا بهذا الأمر جيدًا، والتلاوات التي جرت هنا كانت مع الالتفات إلى المعنى. أحيانًا لا يكون هناك التفات إلى المعنى، فلا تؤثّر التلاوة. عندما تكونون ملتفتين إلى المعنى، يجب أن تدركوا أيّ حقيقة تخرج من حناجركم؛ هذا هو معنى الالتفات إلى المعنى، وهذا يترك تأثيره. قد يكون أحد الأشخاص ناطقًا بالعربية، وتكون اللغة العربية لغته الأمّ أيضًا، ولكنه غير ملتفت إلى ما يقول. لذا من المهم أن نعلم ما نقول، هذا هو معنى الالتفات إلى المعنى.
لتقرؤوا القرآن بترتيل. طبعًا، الترتيل في الاصطلاح الرائج بيننا اليوم هو هذه التلاوات التي تُقرأ في الجلسات القرآنيّة التي يجلس فيها عدد من الأشخاص ويرتّلون، ويقولون: «إننا نرتّل»، ولكن هذا ليس هو الترتيل. {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} (المزمل، 4)، الترتيل يأتي بهذا المعنى بأن نقرأ القرآن بفهم وتدبّر وعلى مُكْثٍ. {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا} (الإسراء، 106)؛ هذا هو الترتيل. الترتيل أمرٌ معنوي. لتعلموا ما الذي تفعلونه وما الذي تقرؤونه وما الذي تقدّمونه إلى الطرف المقابل، وفي أيّ إطار تقدّمونه إليه؛ هذه نقطة مهمة، وربما سوف أشير إليها أيضًا لاحقًا. هذا هو الترتيل. طبعًا، بالأسلوب المتعارف بين القراء المشهورين والأشخاص الذين ألّفوا الكتب في [فن] التلاوة، فإنّ تلاوة القرآن تكون إما بأسلوب «التحقيق» أو «التدوير» أو «الحدر» أو «تحدير». التدوير هو الحدّ الوسط، وهو ما نسميه اليوم بالترتيل؛ الاسم العلمي والفني له هو التدوير، وفوقه يأتي التحقيق، وهو هذه التلاوات نفسها التي تؤدونها، ودونه يأتي الحدر أو التحدير، وهو القراءة السريعة أو قراءة القرآن بسرعة. إذا قُرئ القرآن بالترتيل - بهذا المعنى الذي ذكرناه، وليس بالمعنى الرائج - فإنها ستُحدث أثرها. الآن، دعوني أضيف هنا بين قوسين أن قراءة القرآن على هذا النحو من التدوير، الذي نطلق عليه الترتيل، يُعدّ عملًا بالغ الأهمية، وهو أمرٌ يستحق الالتفات والانتباه.
ما نلاحظه اليوم هو أن هذا الأمر قد أصبح رائجًا في جميع أنحاء البلاد، سواء في مشهد أو قم أو جمكران أو خوزستان أو الأهواز أو طبس أو أي مكان آخر، حيث يتم تلاوة القرآن وبثّه عبر شاشات التلفاز. هذا العمل يُعدّ ذا قيمة عالية، وهو عمل جيدٌ جدًّا.
ربما لا أستطيع أن أصف لكم تلك الفرحة والسرور الكبير الذي أشعر به عندما أرى قرّاء مختلفين ومتنوعين يأتون ويجلسون ويتلون القرآن بتجويد صحيح وبتوقف وابتداء صحيح ومع مخارج حروف جميلة وصحيحة؛ هذا أمر مذهل ورائع جدًا. كلّما راج هذا الأمر أكثر، كان أفضل. على أي حال، إذًا، إنّ الترتيل بالمعنى الذي ذكرناه هو الشرط لتأثير تلاوتنا.
النقطة الثالثة، يجب أن يكون هدف القارئ في التلاوة أوّلًا انتفاعه هو نفسه. عندما تتلون القرآن الكريم، يجب أن تأخذوا في الاعتبار أولًا أن تنفعوا أنفسكم، وثانيًا أن تنفعوا من يستمعون إليكم، وثالثًا أن تقدّموا ما يلزم لتحسين الأداء اللفظي والشكلي بما يتوافق مع القرآن. هذه التحسينات، مثل امتلاك أصوات جميلة وأساليب راقية في التلاوة، هي أمورٌ لا غبار عليها ولا حرج فيها.
لحُسن الحظ، ألاحظ بين قرّائنا الذين يُعرضون على التلفاز وتُبثّ تلاواتهم - والتي نشاهدها أحيانًا - أن تلاوة العديد منهم وألحانهم ليست تقليديه، بل يبتكرون ألحانًا جديدة من إبداعهم الخاص، حيث يكونون هم أنفسهم نقطة الانطلاق لهذه الألحان. قديمًا - في بدايات الثورة الإسلاميّة - كان ينبغي لقُرّائنا أن يُقلّدوا أحد هؤلاء القُرّاء المصريّين المعروفين؛ إما عبد الباسط أو مصطفى إسماعيل والمنشاوي وأمثال هؤلاء. اليوم نرى أنّ الأمر ليس على هذا النحو. طبعًا، لا إشكال في التقليد أيضًا، أي لا توجد أيّ مشكلة في مبادرة بعض الأشخاص إلى تقليد صوت ولحنٍ حسن لأحد القرّاء، وفي تكرارهم إياه وتعلّمه وتقليده، وهذا لا ضير فيه أبدًا. لكن القُرّاء في بلدنا اليوم يُبدعون - بحمد الله - الألحان بأنفسهم، وهذا ما يلاحظه المرء لدى بعض هؤلاء القُرّاء. حسنًا، إذا كان هدفكم في الدرجة الأولى أن تُؤَثّروا في أنفسكم، وكان الهدف في الدرجة التالية أن يتأثّر المخاطب - إذا تحقّق هذا الأمر -، فسوف يشعر حينها ذاك المستمع بالخشوع أيضًا. خشوع المستمع في حضرة القرآن الكريم نابعٌ من أسلوبكم في التلاوة. عندما تتلون على نحو حسن - «حسن» بالمعنى نفسه الذي ذكرته - ستجعلون قلوب مستمعيكم خاشعة. هذا الخشوع أمرٌ قيّم ومهمٌّ جدًا، إذ تنشأ حالة الذكر؛ {اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (41) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا (42)} (الأحزاب). هذا التسبيح والذكر والخشوع الذي ينشأ في قلوبكم نتيجة التلاوة، هذه أمور ذات قيمة عالية، ونحن نحتاج إليها.
طبعًا، هناك قضيّة قائمة في بلدنا والدول غير العربيّة، وهي قضيّة فهم المعاني، وينبغي أن نحلّ هذه المشكلة على نحوٍ من الأنحاء. هذا من المشكلات التي نُبتلى بها نحن. حسنًا، لقد اختلف الحال اليوم كثيرًا، لحُسن الحظ، وعندما يتلو قُرّاؤنا [القرآن]، يدرك المرء أنّهم محيطون بالمعاني ويفهمونها ويتحدّثون إلى الإنسان.
هذه من المشكلات التي نعاني منها نحن. حسنًا، لقد تغير الوضع اليوم كثيرًا، ولحسن الحظ، عندما يتلو قراؤنا [القرآن]، يدرك المرء أنهم يحيطون بالمعاني ويفهمونها ويتفاعلون معها أثناء التلاوة. لم يكن الحال على هذا النحو في بدايات الثورة الإسلاميّة. كانوا يتلون، ولم يكونوا يدركون معنى ما يتلونه أيضًا، فكانت النتيجة بروز إشكالات كثيرة في أسلوب القراءة وهيئة القراءة وفي الوقف والابتداء وأمثال هذه الأمور. هي اليوم جيّدة بحمد الله، ولكن يجب أن تصبح أمرًا عامًّا، أي يجب أن يفهم المستمع إليكم ما تقولونه عندما يسمع القرآن الكريم، وإن كان ذلك إجماليًا. هذا يحتاج إلى العمل، وهذا العمل بعُهدة وزارة التربية والتعليم ومنظّمة التبليغ والأجهزة القرآنيّة العاملة في الشأن القرآني. ليجلس هؤلاء وليفكّروا وليعثروا على الأساليب بصورة حقيقية. طبعًا، أحد الأساليب هو تدوين الترجمة، وهم يُدوّنونها وهي حسنة. هناك أساليب أخرى أيضًا يجب أن يبحثوا عنها ويكتشفوها. كان هذا بشأن سيرة القارئ وقلبه، وقد قلنا إنّه ينبغي للقارئ أن يتلو القرآن وفقًا للشروط الضروريّة للتلاوة.
هيئة القارئ مهمّة أيضًا؛ يجب أوّلًا أن تحضر حالة أهالي الصلاح لدى القارئ. في بداية الثورة الإسلاميّة، كنا نضع شرطًا لكلّ قارئ يرغب في القدوم إلى هنا من البلد الفلاني، هو أن يحافظ على لحيته، لأنّهم لا يعدّون حلق اللحية أمرًا محرّمًا ويحلقونها. هو عالم دين، ولكنّ لحيته محلوقة. كنا نشترط عليهم ونقول لهم إنه عندما تأتون إلى طهران، يُمنع عليكم ذلك، وقد وافقوا جميعًا على الأمر، أي إنني لا أذكر شخصًا رفض ذلك. جاء مختلف القُرّاء؛ القُرّاء المعروفون، كما هو مصطلح، القُرّاء ذائعو الصيت في العصر الراهن وغالبيتهم رحلوا عن الدنيا أيضًا، وحافظ جميعهم على لحاهم. لم يكن أيّ منهم يحافظ على لحيته حيث كان يتلو القرآن الكريم وفي سائر الأماكن والدول الأخرى، في حين أبقوا لحاهم هنا. من المهمّ جدًّا أن يكون القارئ من أهل الصلاح. على القارئ لدينا أيضًا أن يلتزم بهذا الأمر. لأنّ المحاسن هيئة أهل الصلاح، وهي هيئة الصالحين، وعلى القارئ أن يلتزم بهذا الأمر حتمًا، خاصّة ذاك القارئ الذي يقرّر أن يتلو القرآن في التلفاز أو المحافل العامّة أو المسجد وسائر الأماكن.
هذا هو الحال نفسه مع مسألة الزيّ أيضًا. قلتُ لأحد الإخوة الذين كانوا يسافرون في رحلات: بطبيعة الحال، يُستقبل قرّاؤنا في مختلف الدول بحفاوة، ويُشاد بهم كثيرًا. لكني لاحظت أن بعض قرّائنا يرتدون أزياء تلك البلدان، فسألته: لماذا؟ لماذا ترتدون زيّهم؟ أنتم إيرانيون، فارتدوا بدلتكم هذه، وفي أقصى الحالات، يمكنكم إلقاء عباءة على أكتافكم، على سبيل المثال. لكن لماذا تعتمرون قبعاتهم أو ترتدون أزياءهم؟ أو لماذا يقلّد أحدكم زيّ قارئ مصري معين، والذي تُرسم حوله علامات استفهام أيضًا؟ ما الحاجة إلى ذلك؟ حافظوا على هذه التفاصيل التي تميزكم كإيرانيين.
هناك قضيّة أخرى أيضًا في هيئة التلاوة هذه، وهي عدم اللجوء إلى الألحان المحرّمة. التفتوا، لقد ذكرت في الجلسة السابقة، أعتقد أنّها كانت في العام الفائت[4] إذ ذكرت أسماء بعض القُرّاء، وقالوا إنّ هذا [الشخص الذي] ذكرتم اسمه له أنصار كُثر. حسنًا، نحن نعلم أن لديه أنصار كُثر، ونحن أيضًا نحبّ أسلوب قراءته، ولكن في بعض الأحيان يكون أسلوبه في القراءة على نحو يشعر المرء أنّه لا يختلف أبدًا عن أسلوب المطرب المصري الفلاني في الغناء على سبيل المثال، هو يقرأ مثله ويتّبع الأسلوب نفسه في القراءة. هذه ليست ألحانًا قرآنيّة، ولحن القرآن لحنٌ مختلف، وهو لا يتعارض مع التلاوة الحَسَنة. أنتم الآن الذين تلوتم هنا، قُرّاؤنا الجيّدون نفسهم هؤلاء والذين يتلون أفضل منهم، لديهم ألحان مميّزة جدًّا، ويتلون على نحو جيّد أيضًا، وتلاوتهم عذبة وجميلة تدفع الإنسان إلى أن يُنصت إليها، وهي غير محرّمة. لذلك، في الإمكان اجتناب الألحان المُحرّمة.
قلنا لا ضير في التقليد في أسلوب التلاوة، ولكنّني لم أفهم حقًّا إقامتنا المهرجانات وسعينا إلى تربية المقلّدين. لا أعرف أين يكمن الابتكار في أن نعمل على التعليم والقول إنه أن تقرأ مثل الشيخ مصطفى إسماعيل، فعليك أن تقرأ هذا المقطع على هذا النحو! لا أعرف ما هي ضرورة هذا التعليم، حسنًا، لو تعلّم ذلك هو بنفسه، فهذا حسنٌ جدًّا ولا مشكلة فيه. في المناسبة، كنت - أنا العبد - أول من جلب أشرطة مصطفى إسماعيل إلى مشهد، أي أوصيتهم وجلبوها لي من الدول العربيّة، ثمّ نشرناها. لم يكونوا يعرفون مصطفى إسماعيل في مشهد. [أي] إنّني أحبّ قراءته وتلاوته، ولكن أن نعلّم طفلنا ونقول له تعالَ وقلّده، أو قلّد المنشاوي أو أحمد شبيب أو ذاك الآخر، هذا في رأيي ليس أمرًا منطقيًّا جدًّا.
نقطةٌ أخرى هي أن فلتبادر مختلف الأجهزة التي تتولّى الاهتمام بقضيّة القرآن ولها تعاملها معه؛ لوزارة الثقافة تعامل مع القرآن، وكذلك منظّمة التبليغ ومؤسسة الأوقاف ومؤسسة الإذاعة والتلفزيون، وهناك مختلف الأجهزة الأخرى وأفراد الناس كلهم، والفئات الشعبيّة لها تعاملها معه، فليبادر هؤلاء إلى التآزر معًا. سبيل التآزر هو هذا المجلس الأعلى لـلقرآن الذي أُسس، والذي يضع السياسات. يجب أن يولوا الاهتمام إلى هذه السياسات الموضوعة، وهذا عملٌ مهمّ ومفيد. أي يجب أن يكون الأمر على هذا النحو بأن يكون العمل القرآني الذي يتقدّم آخذًا في الحسبان مختلف القضايا وشتّى الجوانب. لقد اطلعت على بعض المحادثات التي أجراها بعض أساتذة القرآن - لقد سلّمني السادة بعضها - وقد وجدت أنّهم طرحوا مواضيع مهمّة وملفتة مرتبطة بالقضايا القرآنيّة وشؤون التلاوة، وأولوها الاهتمام وركّزوا عليها والتفتوا إليها. حسنًا، فلتجرِ الاستفادة من هذه الأمور. خاصّة ينبغي لمؤسسة الإذاعة والتلفزيون أن ترحّب بالإنتاجات القرآنيّة الفاخرة، أي يجب أن تقدّم الدعم لها بصورة حقيقية. لدينا حقًّا في مجال تلاوة القرآن إنتاجات مميّزة جدًّا، ولدينا إنتاجات بارزة؛ فلتجرِ الاستفادة من هذه [الإنتاجات] وليستفد الناس منها.
لحُسن الحظّ، تقدُّمُ بلادنا في جانب القرآن تقدّمٌ سريعٌ، وقد كان أسرع بأضعاف مقارنة مع الدول الأخرى التي نشاهدها. أي في البلد الذي كان القرآن مهجورًا فيه وكانت تلاوته محدودة وكانت تُقام في المدن الكُبرى، لقاءان أو ثلاثة أو خمسة لقاءات قرآنيّة، وكان يحضرها كأقصى حدّ ستّة أو سبعة قرّاء لـلقرآن ممّن يتلونه على نحو حسن ويجوّدونه، واليوم هناك - لحُسن الحظ - في أرجاء البلاد، وحتى في المدن الصغيرة وربّما في بعض القرى، قرّاء جيّدون وبارزون يتلون القرآن. حسنًا، هذه أمور بارزة لدينا، وليس في مقدورهم أن يدّعوا أنّ الجمهوريّة الإسلاميّة لم تستطع فعل شيء في الجانب القرآني. لا، لقد أُنجز كثير من الأعمال - بحمد الله - وينبغي العمل أكثر من هذا الحدّ أيضًا. لكن هذه النقاط التي ذكرتها ينبغي أن تحظى بالاهتمام، أي إنّ الأمر الأهم هو أن يتدفّق النبع المعنوي لـلقرآن نحو أفكار الناس وقلوبهم، ونحو أعمالنا نحن الناس في نهاية المطاف. هذا هو الأمر الأساسي. أسأل الله أن يمنّ عليكم وعلينا جميعًا بهذا التوفيق.
أجدّد شكري لكم جميعًا، وأشكر المنظّمين لهذه الجلسة، والمقدّم الموقّر[5] الذي أدار الجلسة على نحو مميّز جدًّا. أشكر أيضًا كلّ شخص من الذين تلوا أو نفّذوا برنامجًا معيّنًا. أسأل الله لكم التوفيق جميعًا.
وَالسّلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته.