الجذور التاريخية لدعم الشعب اليمني للمقاومة الفلسطينية
منذ بداية الاحتلال البريطاني، شكّلت قضية فلسطين أحد الملفات الإقليمية والدولية المهمة بالنسبة إلى المجتمع اليمني. لقد كان اليمنيون، من منظورَيْهم العربي والإسلامي، دائمًا على درجة عالية من الحساسية تجاه تطورات القضية الفلسطينية، وهو ما جعل مختلف الحكومات اليمنية على مدار المئة عام الماضية تبدي اهتمامًا خاصًا وتتحرك بفعالية حيال هذه القضية.
معارضة تأسيس الكيان الصهيوني منذ اليوم الأول
كانت «المملكة المتوكلية اليمنية» بقيادة الإمام أحمد بن يحيى حميد الدين (1948–1962) من بين الدول العربية التي اتخذت موقفًا واضحًا ضد المشروع الصهيوني وتأسيس "إسرائيل". رغم البعد الجغرافي لليمن عن فلسطين، فقد رأى الإمام أحمد، من منطلق ديني وتاريخي وهويّاتي، أنه ملتزم بدعم القضية الفلسطينية، واتخذ خطوات في هذا الاتجاه.
كانت «المملكة المتوكلية اليمنية» من أوائل الدول التي أعلنت رسميًا معارضتها لاعتماد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 181 لعام 1947. لقد عدّ اليمن، إلى جانب الدول العربية الأخرى، أن خطة التقسيم تشكل انتهاكًا للحقوق التاريخية والدينية للشعب الفلسطيني. تُظهر الوثائق الرسمية للأمم المتحدة أن ممثل اليمن، محمد الأكوع العمري، أعلن في جلسات الأمم المتحدة أن اليمن لن تعترف أبدًا بكيان "إسرائيل".[1]
أدّى اليمن دورًا فاعلًا ضمن إطار «الجامعة العربية» في إدانة الأنشطة الصهيونية. لقد وجّه الإمام أحمد بن يحيى، في مراسلات رسمية عدة مع القادة العرب، دعوات إلى الوحدة الإسلامية لمواجهة خطر الصهيونية. في عام 1952، وجّه رسالة إلى ملك السعودية طالب فيها باتخاذ موقف حاسم ضد وجود "إسرائيل" في المنطقة.[2]
تشير بعض المصادر التاريخية إلى أن «المملكة المتوكلية اليمنية» قدّمت دعمًا عسكريًا محدودًا للفصائل الفلسطينية في خمسينيات القرن الماضي، ورغم أن القدرات العسكرية لليمن آنذاك كانت محدودة، ولكنّ هذا الدعم كان يحمل طابعًا رمزيًا. مع ذلك، أسهمت المواقف السياسية لليمن في تعزيز مكانة القضية الفلسطينية داخل الأوساط العربية. على وجه الخصوص، بعد العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، اتخذ اليمن مواقف أكثر حدة ضد "إسرائيل"، ودعا في الاجتماعات الطارئة للجامعة العربية إلى زيادة الضغط على الغرب.[3]
في الوقت الذي سعت فيه بعض الدول العربية إلى المصالحة أو إقامة علاقات سرية مع الغرب، تمسّك اليمن، تحت قيادة الإمام أحمد، بموقف حازم رافض لأي نحو من التواصل مع "إسرائيل". حتى بعد اندلاع حرب الأيام الستة عام 1967، أي بعد سقوط «المملكة المتوكلية»، تُظهر الوثائق المتبقية من العقود السابقة أن الإمام أحمد كان من أبرز الداعمين لسياسة «الرفض القاطع لأي تطبيع».[4]
عاصمتان يمنيتان داعمتان لفلسطين
لم يؤدِّ سقوط «المملكة المتوكلية» إلى تراجع أهمية القضية الفلسطينية في السياسة اليمنية، بل مع قيام دولتي «اليمن الشمالي» و«اليمن الجنوبي»، التزمت كلٌّ من صنعاء وعدن بدعم المقاومة الفلسطينية في مختلف المجالات السياسية وتقديم الدعم اللوجستي. لا شك أن تبني هذا النهج بوصفه سياسة ثابتة في العلاقات الخارجية كان انعكاسًا للإرادة الشعبية ونظرة الشعب اليمني إلى القضية الفلسطينية.
في نموذج على هذا الدعم، استضاف اليمن عددًا من المناضلين الفلسطينيين عقب الاجتياح الإسرائيلي لجنوب لبنان عام 1982. لقد خصّص «اليمن الشمالي» لهم قاعدة باسم «صبرا» في ضواحي صنعاء، فيما قدّم «اليمن الجنوبي» قاعدة أخرى باسم «شاتيلا» بالقرب من عدن.[5] في العام نفسه، شارك عدد من المناضلين اليمنيين إلى جانب الفلسطينيين في معركة «قلعة الشقيف» بجنوب لبنان، وكان من بينهم الشهيد عبد القادر الكحلاني، الذي شغل منصب نائب قائد القوات المتمركزة في القلعة.[6]
دعم القضية الفلسطينية في عهد علي عبد الله صالح
بعد توقيع «اتفاقية كامب ديفيد» عام 1978، أدانت حكومة علي عبد الله صالح بشدة هذه الاتفاقية، وعدّتها خيانة للقضية الفلسطينية، مؤكدة ضرورة إيجاد حل شامل وعادل للقضية الفلسطينية. رغم الضغوط الدولية التي مورست لدفع اليمن نحو قبول مسارات التسوية مع "إسرائيل"، ظلّت صنعاء داعمةً لنضال الفلسطينيين، واتخذت مواقف حازمة تجاه الجرائم التي ارتكبها الكيان الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني.
بعد الوحدة اليمنية عام 1990، حافظت الجمهورية اليمنية، تحت ضغط الشعب والنخب اليمنية، على مواقفها المناهضة للصهيونية، وأعلنت بوضوح دعمها لانتفاضة الأقصى عام 2000. مع ذلك، أدّت حرب الخليج الأولى وتحسّن علاقات اليمن مع دول مجلس التعاون الخليجي إلى تراجع حكومة علي عبد الله صالح عن بعض مواقفها بشأن القضية الفلسطينية، إذْ أبدت مرونة تجاه حلّ الدولتين، خلافًا لرغبة الشارع اليمني. لقد شكّل هذا التراجع أحد العوامل التي زادت الفجوة بين المجتمع اليمني ونظام صالح.
حركة «أنصار الله» والتمسك بالقضية الفلسطينية
منذ تأسيسها، التزمت الحركة القرآنية التي أسسها الشهيد السيد حسين الحوثي بمواجهة مخططات الصهيونية في العالم الإسلامي والدفاع عن المقاومة الفلسطينية، وجعلت من شعار «الموت لإسرائيل» أحد شعاراتها الرئيسية. كان السيد حسين الحوثي في خطاباته في مناسبات مختلفة يوجّه تحذيرات من خطر الصهيونية على العالم الإسلامي وجرائم "إسرائيل" بحق الفلسطينيين. كما كان يؤكد رؤية الإمام الخميني التي عدّت الكيان الصهيوني «غدة سرطانية»، وانتقدت تقصير الحكومات والمجتمعات العربية والإسلامية في مواجهة هذا الكيان.[7] استلهمت حركة «أنصار الله» من الثورة الإسلامية في إيران وتعاليم الإمام الخميني (قده) في ضرورة المواجهة الشاملة مع الصهيونية ورفض أي تهاون مع المشاريع الأمريكية والصهيونية التي تهدف إلى تضييع حقوق الشعب الفلسطيني. لذلك جعلت «يوم القدس العالمي» أحد أهم الرموز الشعبية لدعم القضية الفلسطينية، ومن أبرز فعالياتها السياسية والدينية. في خطابه في «يوم القدس العالمي» عام 2001، أشار السيد حسين الحوثي إلى أن الإمام الخميني بدأ نضاله ضد "إسرائيل" قبل انتصار الثورة الإسلامية في إيران، ورأى أن هذا الموقف كان نابعًا من تأثر الإمام بتعاليم القرآن الكريم.[8]
استمرّت مسيرة السيد حسين الحوثي في مواجهة الكيان الصهيوني ودعم المقاومة الفلسطينية بعد استشهاده، لدى حركة «أنصار الله». لقد ترسّخ هذا الدعم في صلب العلاقة العميقة التي تربط المجتمع اليمني بالقضية الفلسطينية. أصبح اليمن، في سياق عملية «طوفان الأقصى» وجرائم الكيان الصهيوني في غزة ولبنان، من أكثر جبهات العالم الإسلامي نشاطًا في الدفاع عن فلسطين. كانت خطابات السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي الحماسية، والتظاهرات الأسبوعية التي كانت تُنظم بناءً على دعوته في مختلف مدن اليمن لدعم المقاومة الفلسطينية، الدافع الرئيسي لقادة اليمن السياسيين والعسكريين لفرض الحصار البحري على الكيان الصهيوني في البحر الأحمر، وكذلك تنفيذ الهجمات بالصواريخ والطائرات المسيّرة تجاه الأراضي المحتلة.
إرادة شعب اليمن وقيادته في مواجهة الكيان الصهيوني، التي تنبع من تعاليم القرآن الكريم التي نهجها السيد حسين الحوثي والسيد عبد الملك الحوثي، لم تتزعزع حتى بعد الهجمات الوحشية التي شنّتها الولايات المتحدة و"إسرائيل" ضد اليمن، ولا يزال الشعب اليمني وحركة «أنصار الله» من أكبر داعمي الشعب الفلسطيني ومقاومته.
[1] United Nations Official Records, General Assembly, 1947.
[2] الوثائق اليمنية الرسمية، أرشيف وزارة الخارجية اليمنية، 1952.
[3] Samir al-Youssef, Arab Responses to Zionism, 1997.
[4] Ahmad al-Zubairi, Yemen and the Palestinian Question, 2003.
[5] https://www.alquds.co.uk/فلسطين-وحّدت-اليمنيين-قراءة-في-الحراك/
[6] https://www.alaraby.co.uk/opinion/أربعون-عامًا-على-معركة-الشقيف
[7] السيد حسين الحوثي، الملازم، سورة آل عمران، الدرس الـ3.
[8] السيد حسين الحوثي، الملازم، «يوم القدس العالمي».