نرى أن حرب الإبادة الجماعية في غزة وصلت إلى مرحلة غير مقبولة وخطيرة جدًا. في رأيكم، ما هو المطلوب من الأمة الإسلامية للوقوف أمام هذه الإبادة الجماعية الكبيرة التي نشهدها أمام أعين العالم وهي تحدث كل ثانية وكل لحظة؟
المطلوب من الشعوب العربية والإسلامية والإنسانية كلها، لأنها وصلت إلى درجة لا تحتمل، أن تكون هناك جهود لوقف هذه الإبادة واسترجاع حقوق الشعب الفلسطيني والإقرار بحقه. هذه الجهود يجب ألا تتركز على الإدانات فقط، لأن هذا العدو لا يعترف بالحوار وبلغة القانون وبالمسائل النظرية، ولكن يجب أن تؤدي الدول الإسلامية جهودًا ملموسة طبعًا، وهذه الجهود جاءت في ظروف تعيش فيها الدول الإسلامية نوعًا من الانقسام والتفكك، وفي بعض الحالات الصراعات والنزاعات. طبعًا ربما تكون هناك فرصة لتوحيد جهود الدول الإسلامية والشعوب الإسلامية، وهذه الفرصة هي فلسطين.
في رأيكم، من هو المسؤول في العالم الإسلامي الآن الذي يجب أن يتخذ خطوة حقيقية من أجل دعم الشعب الفلسطيني ووقف هذه الإبادة؟ من المسؤول الآن في رأيكم؟
المسؤول عن هذه الإبادة هو الظروف والاستعمار. في الحقيقة، يُذكّر بها وقد أشار إليها الإمام الخميني (رحمه الله) أن المسؤول عن هذا هو الخلافات التي أودعها الاستعمار أو تركها في الأمة العربية والإسلامية، خصوصًا أننا نعرف أن غالبية الدول كانت تخضع إما للهيمنة أو للاستعمار، يعني تبعيد حكام لدول مثل إيران قبل انتصار الثورة، وبالنسبة إلى الدول الأخرى التي كانت تخضع لنظام الحماية أو الاستعمار، فقد ترك خلافات ما بين هذه الدول المستقلة، وبالتالي الهيمنة العسكرية ذهبت، ولكن بقيت الهيمنة.
لماذا نجد أن دعوة الإمام الخميني وجدت صعوبة في التنفيذ عندما دعا إلى الوحدة الإسلامية، وبوابتها وانطلاقتها تكونان عن طريق دعم فلسطين؟ طبعًا دعم فلسطين ليس شرط الدخول في حرب مباشرة مع فلسطين. المقاومة الفلسطينية هي السبيل الأساسي لاسترجاع حقوق الشعب الفلسطيني، وهذه الدعوة مطابقة في القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية وخاصة القرار 3236 الصادر في 20 ديسمبر 1994، الذي نص في الفقرة السادسة على حق الشعوب في تقرير مصيرها ودعوة الشعوب إلى الانتفاضة ضد الاحتلال، ولكن هذه الدعوة كان إجهاضها عن طريق إثارة موضوع خطير لا يزال موجودًا حتى الآن، وهذا هو الذي نتكلم عنه اليوم بعد 36 سنة من رحيل الإمام، و46 سنة من قيام الثورة الإسلامية، وهو الفتنة السنية الشيعية. هذه الآلية التي استخدمها الاستعمار، والمسؤولة عنها هي الولايات المتحدة والاستعمار الغربي، أي قسّموا العالم الإسلامي إلى سنّة وشيعة. من هو المسؤول؟ الولايات المتحدة والدول الغربية هي التي نشرت هذه الفكرة وعممتها على أساس أنها خطر كبير يهدد الأمة، وبالتالي العدو الأساسي ليس الاحتلال، ولكنه الخطر الشيعي في الدول. بدأ تضخيم هذه المسألة عند الشعوب العربية والإسلامية وأُنفقت أموال ضخمة لتفريق المسلمين وإشغالهم عن العدو الحقيقي، وهو الاحتلال الصهيوني لفلسطين. هذه الدعوة تقريبًا واجهت صعوبات كبيرة. هذا لا يعني أن جمهورية إيران الإسلامية تخلت عن واجبها في الدفاع عن فلسطين، ولكن في قضية الوحدة، وُجدت بعض العقبات.
هذه العقبات الآن أصبحت من الماضي، إذ تراجعت كثيرًا مع «طوفان الأقصى». ليس هذا ما أقوله أنا الآن، بل ما تقوله مراكز الدراسات والبحوث الغربية. الخطر الذي مثله «طوفان الأقصى» على هذه المسألة وعلى آلية تنفيذ الفتنة السنيّة الشيعية أنهم يرون أن من أكبر تداعياته ليس ما يتعرض له الاحتلال بوصفه حليفهم، بل أن الشيء الذي حققه نتنياهو حسب أحد الخبراء ووزراء الدفاع أنه حقق ما لم يحققه أي أحد في التاريخ، إذ وحّد السنّة والشيعة، وهناك مراكز كثيرة تنبهت إلى هذا. كذلك أشارت إليه الفورن بوليسي، إذ رأت أن الخطر الكبير الذي يهدد الغرب ويهدد الولايات المتحدة هو توحيد السنّة والشيعة.
بالتالي هؤلاء الذين كانوا يتهمونهم بالأعداء وأنهم خطر، كانوا يستغلون قضية فلسطين ويتاجرون بها، وأن إيران لم تقدم أي رصاصة واحدة و«حزب الله» و«الحشد الشعبي» ومحور المقاومة كله، أعطى «طوفان الأقصى» صورة أخرى ليس في الجانب العسكري، بل في الجانب الإستراتيجي، إذ وحّد الشعوب العربية والإسلامية. الدعم الذي يقدمه محور المقاومة، المقاومة اللبنانية، ودعم إيران العلني لها عبر «الوعد الصادق 1» و«الوعد الصادق 2»، والمقاومة اليمنية، طرحت تساؤلات عن مشكل خطير سيتعرض له الغرب والكيان، وهو تنفيذ الأمل الذي كان يدعو إليه الإمام الخمیني وهو وحدة المسلمين والعرب. هذا هو المشكل في «طوفان الأقصى»، ليس فقط في الأحداث، بل في المستقبل، وإن كانوا الآن يحاولون عن طريق الإعلام والخطابات التشويش على نتائج «طوفان الأقصى» بأن إيران تخلت عن فلسطين، واليمن وقّعت اتفاقًا، وفي لبنان هناك كذلك تخلٍّ عبر الانشغال بالأمور الداخلية خاصة بعد أحداث سوريا.
في أحداث سوريا، في البداية الذين كانوا يتابعون الحدث كلهم كانوا يقولون إن هذه خسارة كبيرة لمحور المقاومة، ولكن أجابهم تقرير لخبير سابق في المخابرات الأمريكية قال فيه: أنتم مخطئون لأن المشكلة ليست في إيران، بل في بنية النظام الإيراني وفي التركيبة التي وجدت في إيران، لأن سقوط سوريا ليس نهاية التاريخ، فسوريا كانت حلقة من حلقات، ولكن المشكلة في النظام الإيراني الذي بُني أساسًا على السياسة الخارجية وعلى دعم فلسطين. لاحظت نقطة فقط عبر القراءات أن إيران أدت ما عليها، والآن يأتي دور بقية العرب ليكملوا المهمة، وهذا في رأيي يتناقض مع مبادئ الثورة، لماذا؟ لأن دعم فلسطين ليس فقط خارجيًا، بل هو مهم للوحدة الإيرانية ولاستمرارية الثورة والحفاظ عليها عن طريق التمسك بقضية فلسطين. بفضل تمسك إيران بقضية فلسطين، نقارن إيران بعد انتصار الثورة، وهذه موثقة للشباب الذين لم يكونوا قد ولدوا في نهاية السبعينات، أي أجيال التسعينيات والألفين و2010، ليروا إيران في نهاية انتصار الثورة بعد الثمانينيات وإيران 2025. عندما تتكلم عن إيران، تتكلم عن دولة مقتدرة وقوية وذات دفاع صاروخي لم يشهد له العالم من قبل مثيلًا، إذ لم يسقط أي صاروخ في «الوعد الصادق» 1و2 عبر التشويش الإلكتروني في الولايات المتحدة، فقد كان خارجًا عن سيطرة المنظومة الغربية وقد أبهر الغرب. هذه هي إيران.
إيران تقيم سنويًا المنتدى التقني النووي، وهي الدولة الوحيدة في العالم العربي والإسلامي التي استطاعت أن تقول «لا» للولايات المتحدة. هذه هي ثقافة التحدي. الآن نحن على عتبة نظام دولي جديد يكون فيه لأول مرة في تاريخ الشعوب العربية منذ سقوط الأندلس مثل هذه الدولة. تاريخيًا، لم تظهر أي دولة إسلامية بالمفهوم الحديث كما ظهرت إيران. إسلاميًا، الذي يدعم قضية فلسطين هو إيران، وبالتالي ما قيل كله عن إن إيران تريد النفوذ والهيمنة، يدخل في التضليل الإعلامي، وهذا هو الشيء الذي أتى به «طوفان الأقصى». «طوفان الأقصى» ومظلومية الشعب الفلسطيني فجّرا هذه الأكذوبة وهذا التضليل، حيث عندما كنت تقول إيران، كان يتذكر كل ما هو سلبي بشأن إيران، لدرجة أنني قرأت لكاتب فرنسي كتب عن قضيّة [ادّعاء] التأخر بالنسبة لإيران في كل المجالات. هناك إنجازات في عدد المخترعين في المجالات السلمية من الناحية العسكرية، لأنه بفضل هذه القوة العسكرية، الآن الولايات المتحدة تلجأ إلى التفاوض مع إیران. شخصيًا أرى أن خيار الحرب على إيران سقط بماذا؟ بقدرة العقول والبنية التي صنعتها الثورة. الناس يحرصون على مصلحة الشعب الإيراني بدرجة أولى ومصلحة الشعوب الإسلامية، وهذه المصلحة لا تتم إلا عبر التمسك بقضية فلسطين.
في الحقيقة، في إطار توعية الشعوب من أجل دعم الشعب الفلسطيني والتنديد بالإجرام الصهيوني، ماذا يجب أن يُفعل لتوعية الشعوب؟
كيان الاحتلال الصهيوني يستهدف الجميع، لا إيران ولا نظام بشار الأسد ولا «حزب الله»، بل هو يستهدف الجميع، بدليل بسیط: ما حدث في سوريا بعد خروج إيران و«حزب الله» وانهيار النظام يدلل على أن القضية تتعدى وجود إيران. إيران لو كانت لم تتبنَّ قضية فلسطين، لكان هذا لن يحدث، بالعكس، بدليل الإغراءات والضغوط التي قُدمت الآن، وهي موثقة، وخاصة التي قدمت لجمهورية إيران الإسلامية في المفاوضات من أجل التخلي عن قضية فلسطين، كثيرة جدًا.
المشكلة الآن تكمن في حروب الوعي. هناك مبدءان يرتكز عليهما الاحتلال، وحتى الولايات المتحدة، ولكنهما غير مكتوبين، وهما مبدأ التفوق النوعي ومبدأ الاحتكار للأسلحة النووية. معناه يجب ألا تكون هناك أي قوة في الشرق الأوسط وفي العالم العربي والإسلامي تفوق كيان الاحتلال، بل يجب أن تكون له اليد العليا وأن يكون له تفوق نوعي، وهذا الشيء سقط مع «طوفان الأقصى» ومع «الوعد الصادق 1» و«الوعد الصادق 2».
الآن نحن أمام واقع جديد يقول إنه يجب الرجوع إلى الحقيقة، وهي التضامن والتعاون والتخلي عن الأفكار التي تفرّق المسلمين التي تجعل بعضهم متطورًا، وإن عملية التشويه والتضليل التي طالت إيران كلها للتمييز بين المسلمين، وإن القناعات المذهبية والطائفية لأي شخص هي مسألة خاصة بكل دولة يجب ألا يُتدخّل فيها، ولكن الشيء المشترك الذي يجب أن نجتمع عليه هو مواجهة عدو خارجي يريد إبادة الجميع.
منذ 1975، هناك مؤتمر سنوي يعقد يسمى برنامج الأمم المتحدة لمراجعة اتفاقية حظر انتشار الأسلحة النووية لعام 1968. هذه الاتفاقية كل مرة يُناقش فيها حق الدول في الاستخدام السلمي للطاقة النووية. الدول الوحيدة التي تعارض حق الاستخدام السلمي والتخصيب وتمنع التخصيب هي الولايات المتحدة والدول الغربية، وحتى الآن يُعقد لكل خمس سنوات هذا المؤتمر ويوقع خلافًا ما بين دول الجنوب وعلى رأسهم إيران في هذه المسألة.
حق الاستخدام السلمي هو للجميع، المادة الرابعة من اتفاقية حظر انتشار الأسلحة واضحة لا تحتمل أي تأويل أنه من حق الدول الاستخدام السلمي، ولكن عمليًا ممنوع التخصيب بالنسبة إلى الدول العربية، لماذا؟ ممنوع ليس على أساس استخدام الأسلحة النووية، بل على أساس الاستخدام السلمي في القطاعات المدنية كافة وهذا من أجل أن نبقى دائمًا مستهدفين من قبل النفايات والصناعات الغربيّة الأقل مستوى من الشعوب العربية والإسلاميّة، ونبقى دولًا مستهلكة بينما نستطيع أن نكون دولًا مصنّعة. وهذا هو الشيء الجديد الذي جاءت به جمهورية إيران الإسلامية، إذ أقرت بمبدأ التخصيب الذي يقره القانون الدولي والذي لا يوجد فيه أي نص صريح يحدد نسبة التخصيب في هذه المسألة الذي أتى عن طريق قرارات مجلس الأمن الدولي، والولايات المتحدة هی التي حددت هذه المسألة.
ما هي الإجراءات التي تنجزها من أجل توعية الأفكار العامة وبالنسبة إلى قضية فلسطين والإجرام الصهيوني، وما هو البرنامج؟ هل لديكم برنامج في هذا المجال أو للمستقبل يعني خاصة للشباب الطلبة بما يخص فلسطين والإجرام الصهيوني؟
في الحقيقة، عملية توعية الشعوب وعمومًا الأمة بأهمية قضية فلسطين ودورها في الاستقرار والتنمية وفي مواجهة هذه الإبادة الجماعية هي في الحقيقة مسؤولية جماعية. لكن كان هناك شيء آخر غير واضح وهو الميدان. الميدان سيقنع بما تؤديه المحاضرات والتوعية في هذه المسألة، أي نتائج المعركة وتشبّث المقاومات الفلسطينية واليمنية وإيران بمبادئها ورفض تخليها عنها، خاصة في ما يخص الآن الصناعة النووية لأنه جزء لا يتجزأ من معركة «طوفان الأقصى» ومن موقفها من قضية فلسطين، فالآن في 2025، صحيح أن الشعوب تؤمن بالمبادئ، ولكنها تؤمن أكثر بما هو ملموس وبما هو جارٍ. أي إنك تقول لها هذه هي القضية وهي جزء من العقيدة الإسلامية، فيجيبك: نعم، ولكن لا طاقة لنا بهؤلاء. لكن أظن أن الحقائق والميدان هي التي تبرز ذلك، والدليل الآن هو تراجع الولايات المتحدة في الصناعة النووية الإيرانية.
ذهب عراقجي، وزير خارجية جمهورية إيران الإسلامية، إلى الجزائر قبل بداية المفاوضات، والمبادئ نفسها التي قالها في ندوة صحافية ما تزال مستمرة حتى الآن، عندما قال إن هناك خطوطًا حمراء في ما يخص التخصيب ودعم علاقة إيران بمحور المقاومة والصناعة النووية من الجانب التقني فقط، مقابل رفع العقوبات. فعلًا رأینا إلى الآن تقريبًا أربع أو خمس جولات من المفاوضات غير المباشرة التي لا تزال في الجانب التقني فقط. هذه هي الأمور التي تقنع الشعوب.
أظن أن المسألة جماعية ومشتركة، ولكن في رأيي معطيات الميدان وتمسك الأطراف بهذه المسألة هي التي ستعيد النظر في الجهود الغربية كلها التي فعلها لتقسيم العالم الإسلامي وجعلِه متأخرًا، وهذا هو الذي ركزت عليه مراكز الدراسات الغربية والبحوث في هذا الإطار والذي حذرونا منه وقالوا إنه الخطر الكبير. لهذا عندما ينتقد الغرب وبعض الأمريكيين الآن الولايات المتحدة، فذلك ليس حبًا بالفلسطينيين ولا تعاطفًا مع إيران، لا، بل لأن مشروعهم الذي أُسس لتفتيت الشعوب العربية والإسلامية ونهب الثروات هو في طريقه إلى الزوال. لم أقل أُزيل، ولكن في طريقه إلی الزوال.