بدايةً، تفضّلوا بتوضيح دور الحكومة في الحفاظ على الهدوء وإدارة المجتمع أثناء الحرب المفروضة التي استمرت اثني عشر يومًا؛ من حيث أنّ الخدمات الأساسية في مجال السلع الضرورية والخدمات الإدارية المقدَّمة للشعب لم تتوقف فحسب، بل إنّ جهدًا استثنائيًا قد بُذل من قِبَل مختلف قطاعات السلطة التنفيذية لتوجيه هذا المسار وإدارته.

بسم الله الرحمن الرحيم. أولًا، أتقدّم بالتعازي بمناسبة أيام العزاء على أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، وبشهادة أعزّائنا في المجالات الدفاعية والعلمية، وكذلك باستشهاد أبناء شعبنا الأعزاء. لقد دخلت الحكومة الرابعة عشرة عمليًا في أجواء الحرب منذ اليوم الأول من مباشرتها للعمل؛ إذ جرى اغتيال ضيفٍ عزيزٍ (إسماعيل هنية) على بلادنا، وكانت رسالة هذا الاغتيال هي مواصلة هذا المسار من قِبل الكيان الصهيوني وداعميه. لذلك، توصّلنا في شهر مهر (تشرين الأول/أكتوبر) إلى خلاصة مفادها أنّه ينبغي أن نُدخل حالة الطوارئ الحربية في إدارة البلاد.

الاستراتيجية التي جرى إعدادها تمثّلت في أن يسود أقصى درجات الهدوء داخل المجتمع، حتى لا يشعر الناس بأنّ البلاد في حالة حرب؛ لكن في المقابل، ينبغي على مسؤولي الدولة لإدارة البلاد أن يتعاملوا مع الوضع باعتباره حالة حرب فعلية. ولهذا السبب، تم إعداد برنامج لإدارة شؤون البلاد، خصوصًا في المجال الاقتصادي، على أساس حالة حرب. بطبيعة الحال، كان هذا البرنامج ضمن نطاق محدود، ولم نعلن عنه في وسائل الإعلام. وقد تشاورنا بشأنه مع الجهات العليا، ورُسم فيه سيناريوان محتملان: الأول، تصدير خمسمئة ألف برميل من النفط يوميًا، والثاني، تصدير صفر برميل من النفط يوميًا.

على أيّ حال، كانت الحكومة مستعدّة. وفي الاستراتيجيات التي وُضعت هناك، كان هذا الأمر متوقّعًا: في حال وقوع حادثة محتملة، يجب تفويض الصلاحيات؛ أي تطبيق نظام القيادة والتحكم (C4I) عمليًا. ولهذا السبب، بعد ساعات قليلة من وقوع الحادثة، عقدت الحكومة أول جلسة طارئة لها، وفي تلك الجلسة تم تفويض الصلاحيات؛ فوُهِب المحافظون، على مستوى محافظاتهم، صلاحيات مطلقة، وفُوّضت إليهم الصلاحيات الواردة في المادة 127. كذلك، أُسندت إلى الوزراء، في نطاق وزاراتهم، ووفقًا للمادة 138، الصلاحيات الكامنة في طبيعة تشكيلاتهم. وعليه، فوّضنا صلاحيات الحكومة إلى أربع مجموعات عمل: مجموعة عمل اقتصادية، مجموعة عمل بنى تحتية، مجموعة عمل أمنية، ومجموعة عمل إعلامية؛ وكانت هذه المجموعات الأربع تمتلك كامل صلاحيات الحكومة استنادًا إلى المادة 138. ومن ثمّ، انطلقت الأعمال بآلية جيدة ومنظمة.

بدأت اللجنة الوطنية لتنظيم السوق أيضًا نشاطها الجادّ منذ بداية عمل الحكومة. وعلى الرغم من أنّنا كنّا نتابع في قانون الخطة سياسة تحرير الأسعار - باستثناء بعض السلع - إلّا أنّه كان لا بدّ من اتخاذ قرارات خاصة في حالة الحرب. ولحسن الحظ، وبفضل التوقّعات التي كنّا قد أعددناها مسبقًا، وصلنا باحتياطات البلاد الاستراتيجية إلى وضع ممتاز. وكان وضع هذه الاحتياطات جيدًا لدرجة أننا، أثناء العدوان الصهيوني، لم نضطر إلى استخدام السلع الاستراتيجية.

على أي حال، كان اقتصادنا في حالة استعداد تام، وكذلك الشعب، الذي وقف بقوة في الميدان، خاصةً بعد التوجيهات والرسائل المتلفزة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية. لم نشهد طوابير في أي مكان سوى في محطات الوقود، وذلك بسبب الزيادة المفاجئة في الطلب، وكان من الطبيعي أن عدد محطات البنزين التي لدينا لم يكن كافيًا لتلبية هذا الطلب. ومع ذلك، أظهر الناس في صفوف البنزين تعاونهم وانسجامهم، لذلك لم نواجه أيّ مشكلة تُذكر. إنتاج البنزين اليومي كان 110 ملايين لتر، وبفضل التنمية التي أُنجزت في الأشهر السبعة أو الثمانية الماضية، ارتفع إلى نحو 120 مليون لتر. مع ذلك، بلغ الاستهلاك في اليوم الأول من الحرب 197 مليون لتر. في ما يتعلّق بالسلع الاستهلاكية، تصرّف الناس بنحو منقطع النظير حقًّا. متوسط مبيعات المتاجر الكبرى يتراوح عادة بين 1.4 و1.45 ألف مليار تومان يوميًا، لكن في اليوم الأول من الحرب ارتفعت إلى 1.9، أي ما يقارب زيادة بنسبة 40%. وفي اليوم الثاني، انخفضت المبيعات عن المتوسط، ثم عادت إلى وضعها الطبيعي في الأيام التالية، ما يُظهر أنّ الناس اكتفوا بشراء حاجاتهم الضرورية فقط. قد تكون هناك استثناءات، وهذا أمر طبيعي، ولكنّ الناس أبدوا تعاونًا تامًّا؛ ولهذا السبب، بقيت رفوف المتاجر مملوءة كما كانت من قبل.

لاحظتم أنّ الكيان الصهيوني كان قد روّج مسبقًا لخطّة من ثلاثة أيام: في اليوم الأوّل، يحقّق انتصارًا دفاعيًا وعسكريًا عبر استهداف القادة والعناصر البارزة، وفي اليوم الثاني، بحسب أوهامه الفارغة، ينزل الناس إلى الشوارع ليؤيّدوه، واليوم الثالث، أي في المفاوضات التي كان من المفترض عقدها يوم الأحد، يتمّ الاتفاق على «الاستسلام». لكنّ الناس، بقيادة وتوجيه قائد الثورة الإسلامية، دخلوا الميدان، والتزموا حقّ الالتزام بما كانوا يعلمون أنّ عليهم الالتزام به؛ ومن ذلك الاعتدال في الاستهلاك، والتعاون فيما بينهم، وانتشار الخدمات التطوعية المجانية بين الناس؛ وقد رأيت رجلًا يوزّع العصير مع ابنته الصغيرة في طابور البنزين!

في ظلّ هذه الظروف، تمّ إنتاج كميات تفوق حاجتنا؛ أي أنّ بعض المنتجين عملوا في نوباتٍ ثانية وثالثة. كذلك، ينبغي الإشارة إلى الخطوة القيّمة التي أطلقتها النقابات، إذ نزل أصحاب المهن إلى الساحة؛ على نحو أنّ الكثير منهم باعوا المنتجات بأسعار الشراء، وبعض الشركات خفّضت أسعار منتجاتها! وهذه كانت خطوة في غاية الأهمية.

كان القلق الذي كان يساورنا متعلقًا بالسلع الموجودة في الموانئ وعلى متن السفن. وفي هذا الصدد، حصلت حركة جهادية بالمعنى الحقيقي للكلمة، وكان سائقو الشاحنات في طليعة هذه الحركة، سائقو الشاحنات الذين، كما تعلمون، كانت لديهم احتجاجات ومطالب قبل نحو شهر، وقد تمّ تلبية جزء منها، وجزء آخر كان قيد الدراسة؛ فجأة، ومع وقوع هذا الحدث، ومع اندلاع هذه الحرب المفروضة، تقدّم سائقو الشاحنات بكلّ قوّتهم إلى الميدان! وكنتيجة لذلك، أصبح حجم تفريغ البضائع من الموانئ لدينا ضعف ما هو عليه في الظروف العادية؛ أي أنّ الاستراتيجية التي كنا نُعدّ لها، تحققت بالفعل.

في سائر المجالات أيضًا، شهدنا تآزرًا شعبيًا لا نظير له، ولحسن الحظ، أُديرت البلاد من الناحية الاقتصادية بنحو جيد. وبفضل الصلاحيات المفوّضة، كان المديرون يتّخذون القرارات في اللحظة المناسبة. وبالطبع، وصلنا الآن إلى تقييم جيد، وطلبنا من جميع الأجهزة أن تقدّم سرديتها بشأن هذه الحرب المفروضة التي دامت اثني عشر يومًا. نظرًا لكوننا الآن في وضعية «وقف إطلاق النار»، فعلينا أن نكون على استعداد تامّ للمواجهة، حتى نتمكن من توجيه ضربات أشدّ وأقسى. وفي هذه السردية، من المقرّر أن تُجرى دراسة نقدية لأداء القطاعات المختلفة، من أجل الوقوف على مواضع التقصير أو النقص أو المشكلات، والعمل - إن شاء الله - على معالجتها داخل الحكومة، وفق الآليات التي يجيزها القانون، وذلك بهدف رفع مستوى الجاهزية. ولحسن الحظ، فإنّ الحيويّة التي سادت الأجهزة التنفيذية في هذه المدّة كانت حقًّا غير مسبوقة. فإلى جانب الحكومة التي عقدت اجتماعها منذ اليوم الأول، كانت الوزارات الأساسية أو الوزارات المحوريّة قد أرسلت إليّ صباح الجمعة ذاك محاضر جلساتها وقراراتها. أي إنّ الجميع، من صباح الجمعة حتى الظهر، كانوا قد حددوا مهامهم ومساراتهم. وبفضل تلك الخطوة القيّمة التي اتخذها قائد الثورة الإسلامية في تعيين القادة الجدد - بعد استشهاد عدد من أبرز وأرفع قادة القوات المسلحة، مع العلم أنّ تعيين مدير جديد عادةً ما يتطلّب وقتًا - فقد استقرّ الوضع في غضون بضع ساعات فقط، بحيث تمكّنا من تنفيذ أوّل عمليّة لنا بعد ساعات قليلة من ذلك.

 

كما أشرتم، نحن الآن في وضع «وقف إطلاق النار»، والطرف المقابل لنا هما «نتنياهو» و«ترامب» اللذان قد ينكثان عهودهما. في الأيام الأخيرة، شنّ رئيس الولايات المتحدة الأمريكية حربًا نفسية شديدة ومكثّفة، بشكل مباشر وغير مباشر، ضد الرأي العام، وما زال يصرّ على تلك التصريحات التي كان يطلقها سابقًا بشأن «استسلام إيران غير المشروط»، ويؤكّد على أنّ «الإيرانيين يجب أن يأتوا الآن إلى طاولة المفاوضات ويقبلوا بما نُمليه عليهم». ما هو رأيكم، بصفتكم النائب الأول لرئيس الجمهورية، بشأن تصريحات رئيس الولايات المتحدة الأمريكية؟

لاحظوا معي، إنّ مفردة «الاستسلام» لا مكان لها في الثقافة السياسية والدفاعية لبلدنا. نحن شعب صاحب حضارة وتاريخ ثقافي عريق يمتدّ لآلاف السنين؛ لسنا طلاب حرب ولم نبدأ حربًا، نحن نؤمن بالسلام والاستقرار، ونحن أهل حوار، لكننا لا نستسلم بأيّ شكل من الأشكال. نعم، لقد طُرح هذا مرارًا، وقد ورد في كلمات الإمام الخامنئي أيضًا، بأنّنا لا نبدأ الحرب، ولكن إذا بدأت حرب، نحن من يتّخذ قرار إنهائها. واليوم الأمر كذلك أيضًا. هذا العدوّ، أي الكيان الصهيوني، ليس موضع ثقة. نحن لم نمنحهم وقف إطلاق النار. في لبنان تمّ وقف إطلاق النار، ولكن كما ترَون، بعد الهدنة سقط أكثر عدد من الشهداء. أسلوب تعاملهم مع إيران هو نفسه؛ أي إذا شعر هذا الكيان بأنّه يملك اليد العليا في مجالٍ ما، فسيبادر حتمًا إلى القيام بعملية. لذلك، ولكي لا يحدث هذا أو لكي يتلقّى صفعة أقوى، علينا أن نحافظ على تفوّقنا.

لهذا السبب، وفي هذه المدّة القصيرة، جرى تشكيل فرق عمل، وبدأنا باتخاذ خطوات في القضايا الاستراتيجية. من الواضح أنّنا قصّرنا في بعض المجالات، أو أنّ علينا أن نبذل جهدًا أكبر؛ ولذلك نأمل أن تُعالج، في تلك المجالات، وفي مدة قصيرة، بعض النواقص والاختلالات التي واجهناها في مختلف الجبهات والساحات، لكي نحافظ إن شاء الله على تفوّقنا، لا في مجال الهجوم الصاروخي فحسب، بل في سائر المجالات أيضًا.

في الحروب، تُقال عادةً أقوال لا مضمون لها؛ وقد رأيتم كيف تتبدّل مواقفهم، وخاصة ترامب، مرّات عدّة في اليوم الواحد، في بعض الأحيان. أمّا نحن، فلسنا كذلك؛ نحن نمتلك استراتيجية واضحة وثابتة، ويقوم إطار تحرّكنا على «المصالح الوطنية»، وتستند سياستنا الخارجية إلى ثلاثة مبادئ دائمة هي: «العزّة»، «الحكمة»، و«المصلحة». لذلك، إذا قطعنا وعدًا لا نتهرّب منه، وإذا صدرت عنّا كلمة، نثبت عليها؛ والكلمة التي نقولها تكون دائمًا نابعة من الاستراتيجيات والترتيبات العليا في نظام الحكم.

لهذا السبب، نثق بأنفسنا، وأظنّ أنّ العالم أيضًا، بحسب تقييمه، يدرك أنّ مواقف إيران مواقف واضحة وثابتة وغير قابلة للتغيير. وبناءً عليه، نعتزم، إن شاء الله، أن نواصل طريقنا في هذا المسار بسلوكنا وأفعالنا وأعمالنا.

 

أشرتم في كلامكم إلى مرحلة ما بعد الحرب ومرحلة الإعمار؛ ما هو تقييمكم بشأن هذا الموضوع؟

يُعدّ هذا الموضوع بالغ الأهمية. بدأنا العمل حتى قبل أن يتوقّف إطلاق النار. كنّا نتوقّع أن تُختَتم هذه المرحلة بشكل ما، لكن علينا أن نتوقّع مرحلة أكبر قادمة. بدأنا بتنفيذ خطوات جيّدة، وأرجو أن تسمحوا لي بتجنّب الخوض فيها الآن، لكن أؤكّد للشعب أننا أكثر استعدادًا مما كنّا عليه في الحرب التي استمرّت اثني عشر يومًا.

تعتمد استراتيجيتنا على ضرورة تحقيق التفوّق في مدة زمنية قصيرة، ويجب حتمًا الحفاظ على هذا الانسجام وهذه الثروة الاجتماعية التي تكوّنت. لذلك، جرى تشكيل فريق عمل يتولّى متابعة هذا الموضوع. كما شُكّلت فرق عمل أخرى تعالج نقاط الضعف في السلع أو في الموانئ أو في القضايا المختلفة التي نواجهها. ونأمل، إن شاء الله، أن نتمكّن في أقرب فرصة، وهي ليست بعيدة، من تقديم تقرير شامل إلى شعبنا العزيز.

 

كيف تقيّمون دور قائد الثورة الإسلامية في إدارة البلاد، ولا سيّما قيادته في الحرب التي استمرّت اثني عشر يومًا، كيف ترون ذلك؟

إذا أجرينا مراجعة سريعة، نلاحظ أنّ السياسات العامة في مختلف المجالات واضحة تمامًا، ومن جملتها الرؤية العميقة والدقيقة والاستشرافية التي يتمتّع بها سماحته، والمواقف التي يعلنها بكل وضوح وشفافية في جميع الميادين. في الواقع، إنّ هذه الرؤية، وهذه القيادة، وهذه الاستراتيجيات هي التي، رغم كلّ العداءات والمشكلات التي واجهناها بعد انتصار الثورة، ورغم العقوبات التي يصفها الغرب بأنها ساحقة، مكّنتنا من تجاوزها والمضيّ قُدمًا.

إذا أردت أن أذكر رأي سماحته الخاص، فهو يركّز على تطوير العلم والتكنولوجيا. لو تتبعتم هذا المصطلح في خطابات سماحته في مختلف المناسبات، لوجدتم أنّه يولي هذا الجانب أكبر قدر من التأكيد. لقد وجّه سماحته سلوك الدولة وخطّها العام نحو «العلم» و«التكنولوجيا» و«التنمية القائمة عليهما». ولحسن الحظ، هذا التوجّه قد ترسّخ بجدّية في المجال الدفاعي عبر استراتيجياته.

الإنجازات التي حققناها في القطاع الدفاعي جميعها تعتمد على الكفاءات الشابة والعلمية داخل البلاد. هذه النظرة هي التي جعلت من قدراتنا الدفاعية في المنطقة في أفضل حالاتها اليوم. قارنوا بين بدايات الحرب المفروضة عام 1980 ميلادي والوضع الحالي؛ لن تجدوا مجالًا للمقارنة أصلًا. هذا هو ثمرة تلك الرؤية التي تبنّاها سماحته.

يُطبّق سماحته هذه الرؤية في الإدارة الميدانية أيضًا؛ أي إنّنا نرى هذه النظرة نفسها تنبع من موقعه كـالقائد العام للقوات المسلّحة. وفي إدارة هذه الحرب، إذا أمعنتم النظر في كلمات سماحته في كلماته المتلفزة الأخيرة، تجدون أنّ أهمّ توجّه له كان تحقيق انسجام الشعب ونزول الناس إلى الميدان، ثمّ تشجيع المجاهدين على السلوك الشجاع ضمن إطار القوانين والأنظمة. وقد لمسنا نتائج ذلك بوضوح؛ إذ إنّ تعيين أعلى وأهمّ القيادات العسكرية في أقل من عشر ساعات يُعدّ عملًا فريدًا من نوعه. أضرب مثلًا لأصدقائي فأقول: عندما تريدون تعيين رئيس لدائرة تضمّ خمسة عشر موظفًا، قد يستغرق الأمر شهرًا من التشاور، ثمّ يطلب ذلك المدير أسبوعًا لبدء العمل، بينما في هذه الحالة، في أقل من عشر ساعات، جرى تعيين قادة رفيعي المستوى على قدم المساواة مع القادة الشهداء، ونُفِّذت عملية ناجحة في ساعات قليلة فقط! هذه ميزة من مزايا القيادة والإدارة التي يتمتّع بها القائد العام للقوات المسلّحة. والحقيقة، ليس فقط نحن الذين نعمل معه منذ أربعين أو خمسين عامًا، بل حتى أعداؤنا يشهدون على شجاعته وإحاطته الكاملة بالأمور.

 

حينما حضر قائد الثورة الإسلامية في ليلة عاشوراء إلى حسينية الإمام الخميني، كنتم حاضرين؛ تفضّلوا بروايتكم عن تلك اللحظة.

كانت مشاركة سماحته في تلك المراسم استثنائية بحقّ. أعتقد أنّ أحدًا في الحسينية لم يكن يتصوّر أن سماحته سيأتي. حتى نحن كنّا نعتقد أن غيابه سيكون بسبب كثرة الانشغالات والمسؤوليات. أود أن أذكر واقعة في هذا السياق: عقب زلزال مدينة بم، كنّا برفقة سماحته على متن الطائرة المعروفة من طراز 707، وتوجّهنا إلى بم. وعندما كان من المقرر أن نعود، هبّت عاصفة شديدة، فأبلغنا الإخوة في المكتب أنّ الرحلة ستتأخّر، ولم يُسمح لنا بالطيران في تلك الليلة. وبعد ساعة، تبيّن لنا أنّ سماحة قائد الثورة الإسلامية قد أقلع بالفعل رغم العاصفة، ولكن لم يسمح لنا بمرافقته، ونحن عدنا في صباح اليوم التالي برحلة أخرى. هذه الواقعة تُظهر شجاعته في مثل تلك الظروف.

لذلك، فإنّ الأعداء بهذه الترهات والأكاذيب التي كرّروها مرارًا وتكرارًا - وسيردّدونها مجددًا - لم يجنوا سوى الفضيحة لأنفسهم في كل مرة. كانوا يروّجون تفاهات عن سبب غياب سماحته! ولكن، ها هو قد حضر بنفسه. الجمهور الحاضر في الحسينيّة، بما أنّه لم يكن يتوقّع قدومه، عبّر تلقائيًا من أعماق قلبه بالشعارات. وبرأيي - إذ كنت حاضرًا وشاهدًا - فإنّ الشعارات وردود فعل الناس لم تكن إرادية؛ لبضع دقائق، بدا عليهم الذهول، وعمّت أجواءٌ روحانية ومؤثّرة جدًا، تأثّرنا بها جميعًا بطبيعة الحال. لكن بعد دقيقتين أو ثلاث، عندما فكّرت مع نفسي، قلت: هذا طبيعي تمامًا؛ لعل سماحة قائد الثورة الإسلامية حضر الليلة، كي لا يقال مثلًا إنه لم يأتِ خوفًا من هجوم. هناك ثلاث نقاط شعرتُ بها بوضوح شديد في تلك اللحظة: أولًا، الصفات الشخصية لسماحته؛ إذ تجلّى الاقتدار والشجاعة المقرونة بالحكمة والتدبير. ثانيًا، مكانة المرجعية والقيادة الروحية عند المسلمين، وخصوصًا عندنا نحن الإيرانيين؛ إذ إنّ رؤية المرجع، من وجهة نظرنا، هي عملٌ مثاب عليه. ثالثًا، جانب الإدارة العليا الحكيمة لسماحة قائد الثورة الإسلامية في الحرب. حضور قائد الثورة الإسلامية غيّر أجواء البلاد؛ فقد ضاعف من النشاط والحيوية، وما زلنا نرى آثار ذلك إلى الآن. الرسالة كانت واضحة: «هكذا نحن؛ لا نخشى شيئًا سوى الله، لا نهاب أحدًا، ونتقدّم إلى الميدان بكل شجاعة»، وقد تجلّى ذلك في سلوك قائد الثورة الإسلامية، وردّ الفعل القيّم والرائع لشعبنا.