في صباح السابع من أكتوبر 2025، أشرقت حسينية الإمام الخميني (رض) في طهران نقطةَ التقاء للقلوب، مركزاً ينبض بروح الوحدة الوطنية والتضامن الإنساني. هذا الصرح الرمزي، الذي يحمل في طياته تاريخ الثورة الإسلامية ونضال المستضعفين، فتح أبوابه ليستضيف فعالية «إيران المتضامنة» (إيران همدل)، وهي مبادرة شعبية عظيمة تهدف إلى تعزيز روح التكافل والإيثار بين أبناء الشعب الإيراني.

لقد تجسّدت هذه الفعالية كلوحة فنية حيّة، إذ التقت أطياف المجتمع الإيراني في لحظة تاريخية تعكس قوة الوحدة أمام التحديات، من جائحة كورونا إلى دعم أهل غزة ولبنان، ومن كارثة انفجار ميناء بندرعباس إلى مواجهة العدوان الصهيوني على إيران لمدة 12 يوماً، كانت هذه المبادرة صورة مشرقة ليد العون التي مدّها الشعب الإيراني استجابة لنداء قائده.
 

رمزية المكان واللحظة: حسينية الإمام الخميني (رض)

حسينية الإمام الخميني(رض)، القلعة الروحية التي ترمز إلى الثورة الإسلامية وخدمة قضايا المستضعفين، استعدت منذ الساعات الأولى لصباح الثلاثاء لاستقبال أبناء الشعب من مختلف الأطياف: عائلات الشهداء والمواطنون والمتطوعون وممثلو حملات «إيران المتضامنة».

دخل الحاضرون المكان بوقار، وسط أجواء يغمرها الضوء الخافت، يلقي ظلالاً هادئة تضفي طابعاً روحياً عميقاً. كانت أنفاس الجموع، القادمين من مدن إيران المختلفة، تحمل رسالة واحدة: «إيران المتضامنة» ليست مجرد شعار عابر، بل نهج حياة يعيشه الشعب يومياً، يتجسد في أفعال الخير والتضحية.
 

جهاد الخدمة: مسيرة عبر عقود من الإيثار

تعود جذور هذا التضامن إلى عام 1968، عندما هزّ زلزال مدمر مدينة فردوس شرق إيران. في تلك اللحظة، وقف السيد علي الخامنئي، الطالب الحوزوي الشاب البالغ من العمر 29 عاماً، ليقود أولى مجموعات الجهاد الخدمي لمساعدة المنكوبين، في وقت تقاعس فيه نظام الشاه عن تقديم العون. منذ ذلك الحين، استمر الشباب الإيرانيون الثوريون في هذا النهج، عبر مراحل الثورة الإسلامية: «الدفاع المقدس» وكوارث مثل زلزالي رودبار وبم و..، وصولاً إلى دعم شعوب البوسنة والهرسك والمتضررين من السيول في باكستان والشعب الفلسطيني و...

في سنوات جائحة كورونا، وفي العدوان على غزة ولبنان، وحادث بندرعباس، والعدوان الصهيوني الأخير على إيران، خلق الشعب الإيراني ملاحم إنسانية لا تُنسى.

من الأطفال إلى الشباب والرجال والنساء، قدّموا ما يملكونه كله: من مبلغ مادي بسيط إلى قطعة ذهب صغيرة، ومن تبرعات كبيرة إلى استعداد للتضحية بأرواحهم فداءً لأطفال غزة. كانوا يقولون بتواضع: «نشعر بالخجل لأننا لا نستطيع تقديم المزيد، ولكننا مستعدون لتقديم أرواحنا!»، معلنين بذلك: «نحن معكم، معكم، معكم»!

هذا التضامن لم يكن مجرد فعل خيري عابر، بل ثورة إيثار وفداء، تجسّدت في حملة «إيران المتضامنة»، لتؤكد أن الشعب الإيراني متفانٍ في خدمة إخوانه في الإنسانية، ساعياً إلى تخفيف معاناتهم وتسهيل حياتهم.

في كل مرحلة من هذه الحملة، جمع أبناء الشعب تبرعات سخية، ووزّعوا المساعدات الطبية والغذائية. مع اندلاع «طوفان الأقصى»، اتسعت المبادرة لتشمل دعم الشعبين الفلسطيني واللبناني، إذ جمع الإيرانيون تبرعات ضخمة، مجسدين تعاليم الإسلام في التكافل والتضامن، لتظل هذه الروح جزءاً لا يتجزأ من هوية الشعب الإيراني المتحد.
 

قصة «إيران المتضامنة»: من العمل الخيري إلى المقاومة

بدأت الفعالية بتلاوة آيات من القرآن الكريم، تلتها كلمة افتتاحية مؤثرة، وعرض فيديو يروي قصة «إيران المتضامنة»، تلك المبادرة التي تجمع بين العمل الخيري والتضامن مع الشعوب المظلومة، خاصة في فلسطين ولبنان.

لم تخلُ المراسم من استذكار الشهداء، بحضور عائلاتهم، إذ كُرِّم سيد شهداء المقاومة السيد حسن نصرالله والشهيد السيد هاشم صفي الدين، عبر فيديوهات وكلمات أبرزت دورهما العظيم في خدمة الأمة وتضحيتهما بنفسهما في هذا السبيل.
 

تكريم الشهداء: ذكرى خالدة للأبطال

من أبرز لحظات الفعالية، إحياء ذكرى الشهيدين حميد حيدري وشاهد شجاعي‌پور، اللذين استشهدا العام الماضي في لبنان أثناء تقديم الخدمات الإنسانية ضمن إطار حملة «إيران المتضامنة».

كما كُرّمت السيدة سعيدة سالاري، عقيلة الشهيد الحاج رمضان، الذي كرس أربعة عقود من حياته لدعم الشعبين الفلسطيني واللبناني، حاملاً الفرحة إلى قلوب أطفال فلسطين. هذا التكريم، الذي جرى بحضور السيدة زينب نصرالله، كريمة الشهيد السيد حسن نصرالله، كان تقديراً لعمر من الجهاد والتفاني في سبيل القضية الفلسطينية.
 

كلمات الحاضرين: أصوات الوحدة والمقاومة

شهدت الفعالية حضوراً مميزاً لأبناء سيد شهداء المقاومة السيد حسن نصرالله، وهم السيدة زينب نصرالله، السيد جواد نصرالله، والسيد محمد مهدي نصرالله، إلى جانب السيد عبدالله صفي الدين، ممثل «حزب الله» في إيران، وخالد قدومي، ممثل حركة «حماس».

في الساعة الأولى من المراسم، استمع الحاضرون باهتمام بالغ إلى كلمة مصورة لسماحة الشيخ نعيم قاسم، الأمين العام لـ«حزب الله»، التي أكدت ثبات مواقف المقاومة وشكر الشعب الإيراني على دوره في دعم المستضعفين.

السيدة زينب نصرالله، بحضورها الذي يحمل وقار والدها، وجهت كلمتها إلى الإمام القائد السيد علي الخامنئي والشعب الإيراني، مشيدة بدور إيران بوصفها سنداً قوياً للمقاومة.

أما خالد قدومي، فأكد أن الشعب الإيراني شريك في النصر القريب، مشيداً بتفانيه في دعم القضية الفلسطينية.

الشيخ محمدي الكلبايكاني، مدير مكتب قائد الثورة الإسلامية، أشار إلى دور الإمام السيد علي الخامنئي في تعزيز روح التآلف بين أبناء الشعب.

قدّم إيمان عطار زادة، أمين الحملة، تقريراً شاملاً عن إنجازاتها، بينما رسم السيد حسين يكتا، الناشط في جهاد الخدمة، صورة ملهمة للملحمة الإنسانية التي صنعها الشعب الإيراني في دعم إخوانه عبر الأزمات المختلفة.
 

ختام الفعالية: شعلة التضامن المستمرة

مع اقتراب الختام، استمع الحاضرون إلى مراثٍ مؤثرة قدّمها الحاج محمود كريمي، تعبّر عن التضحية والفداء. غادر الجمع وهم يحملون في قلوبهم شعلة الوحدة وروح التضامن، مؤكدين أن «إيران المتضامنة» ليست مجرد فعالية عابرة، بل حركة مستمرة لبناء عالم أكثر عدالة.

هذه الفعالية، التي أقيمت في حسينية الإمام الخميني (رض)، ستبقى رمزاً للتآلف الإيراني، وجسراً يربط قلوب الشعب الإيراني بقلوب إخوانهم في فلسطين ولبنان.

«إيران المتضامنة» ليست مجرد مبادرة، بل لوحة فنية ترسمها أيادي الشعب الإيراني، تجمع بين التنوع والوحدة، المعنويات والأمل، في طريق النصر.