عاد تأكيد خيار «حلّ الدولتَين» مجددًا لتسوية النزاع بين فلسطين والكيان الصهيوني من جانب بعض الدول الغربية مثل فرنسا، وعدد من حلفائها العرب. بالنظر إلى البنية الديموغرافية الراهنة في الأراضي الفلسطينية، ومسعى الكيان إلى ضمّ مزيد من أجزاء الضفّة الغربية إلى المناطق التي يحتلّها، هل ترون إمكانية تحقّق هذا الخيار؟
في الواقع، إن صمود الشعب الفلسطيني في غزة وانتفاضة الشباب في أوروبا، وحتى داخل الولايات المتحدة، وضغط الشارع وصمود المنطقة على نحو أو آخر أمام الهجمة الإسرائيلية الأمريكية، كلها دفعت بالأوروبيين الذين يأخذون في الحسبان الرأي العام لديهم، إلى إعادة طرح فكرة «حلّ الدولتين». هي فكرة قديمة جديدة تلوذ وتذهب إليها القوى الغربية عادة عندما تريد إعطاء جرعة مسكّنة للعرب وللمسلمين. هذه الفكرة لا تبدو واقعية خصوصاً وسط الحديث عن "إسرائيل الكبرى" وضمن المزيد من أجزاء الضفة الغربية ودور الأردن والتوسع داخل سوريا حول الجولان السوري المحتل. أين ستكون هذه الدولة؟ هذا السؤال كبير جداً، لذلك أعتقد أنه جاء في إطار الضغط الذي مارسته الشعوب في الغرب، وأيضاً في إطار الصمود الفلسطيني الذي أفشل خيار التهجير وأهداف الحرب التي خاضها بنيامين نتنياهو بدعم أمريكي ضد الشعب الفلسطيني في غزة.
إنّ قيام دولة فلسطينية مستقلّة ضمن إطار «حلّ الدولتَين» يستلزم تشكيل جيش وطني فلسطيني لحماية الأرض وصون السيادة. فهل سيرضخ الداعمون الغربيون والعرب لهذا الخيار لفكرة إنشاء جيش وطني فلسطيني بوصفه إحدى الركائز الأساسية لقيام الدولة؟
واضح أن المطروح هو دولة منزوعة السلاح، وبالتالي دولة غير قادرة أن تدافع عن نفسها، وأعتقد أن الشعب الفلسطيني يدرك أن فكرة «حل الدولتين» هي فكرة وهمية يُعمل عليها منذ عام 1947، وقد تفاعلت أكثر فأكثر بعد عام 1967 على قاعدة «حل الدولتين» والحلول السياسية التي طرحت والحلول الدولية والقرارات الدولية، ثم بعد اتفاقية اوسلو عام 1993 طُرحت هذه المسألة في أكثر من مؤتمر ومن مسار تفاوضي وفي أكثر من مسار سلام برعاية أمريكية بين الفلسطينيين والعدو الإسرائيلي، وبدا واضحاً أن "إسرائيل" تقوي هذا المفهوم عبر ما تفعله على الأرض من تقويض مفهوم «حل الدولتين»، بالإضافة إلى الشروط القاسية التي تنزع السيادة عن هذه الدولة وتجعلها عملياً أشبه بحكم محلي تحت الوصاية الأمنية والعسكرية الإسرائيلية.
في إطار «حلّ الدولتَين»، يبدو المُسلَّم به هو استمرار الاحتلال الصهيوني لأراضي الفلسطينيين. وهذا يعني أنّ قيام أي دولة فلسطينية مستقلّة ضمن هذا الإطار يقتضي، قبل أي شيء، الإقرار بوجودٍ غير مشروع للصهاينة على أرض فلسطين. ما تقييمكم لهذا الأمر؟
المشروع الأساسي للاحتلال هو وضع اليد على فلسطين التاريخية كلها بما فيها غزة والضفة الغربية، ولا سيما هذه الحكومة المتطرفة اليمنية بزعامة مجرم الحرب بنيامين نتنياهو، ولكن الظروف لم تكن مؤاتية من حجم العنف الذي استعملوه ضد الفلسطينيين، والتدمير والتنكيل والتجريف في غزة كانت في إطار العمل على تهجير الناس، ولكن الآن هذا الصمود الفلسطيني أجّل هذا الخيار أو منعه على الأرجح لمدة من الزمن وصار مرتبطاً بتطورات المرحلة المقبلة.
فكرة «حل الدولتين» هي مسلّمة نظرية وليست عملية وواقعية، لأن ما يفعله الاحتلال كله مناقض لفكرة «حل الدولتين». هذا مع العلم أن فلسطين هي 1948 و1967، ففكرة «حل الدولتين» سوف تكون على حساب الشعب الفلسطيني، ولا سيما أبناء المناطق التي احتلها العدو في عام 1948، فلذلك نقول إن فكرة «حل الدولتين» يلجؤون إليها لمحاولة احتواء المقاومة في الشعب الفلسطيني وفي المنطقة، وللتحايل على الوقائع ولتمكينهم من تطبيق مشروعهم بضم المزيد من الأراضي ووضع اليد عليها في فلسطين التاريخية كلها. من هنا، إن مفهوم «حل الدولتين» وُلد ميتاً وليس له آفاق للحل. الحل الوحيد أمام الشعب الفلسطيني هو مشروع وطني فلسطيني يعمل تحت سقف المقاومة، وحتى إذا أراد أن يفاوض أو أن يذهب إلى عملية سياسية يكون الشعب الفلسطيني فيها موحّداً ويمتلك الأدوات السياسية وغير السياسية جميعها، بما فيها فكرة السلاح والمقاومة.