كتب رضا الغرابي القزويني*

 بعد يومين من الترقب، أصدر المرشد الأعلی للثورة الإسلامية في إيران سماحة السيد علي الخامنئي بيانه بمناسبة الحج الإبراهيمي وتقارنه مع ذکری فاجعة منی المؤلمة والدموية.

کان من المتوقع أن يحمل البيان عبارات موبخة وقاسية ضد حکام السعودية بسبب تصرفاتهم اللامسؤولة والمستمرة في مواسم الحج وخاصة الموسم الماضي بعد مقتل ما يقارب 7000 آلاف من الحجاج، والجرائم السعودية اليومية التي تقتل الأبرياء وتنتهك المقدسات في العديد من دول المنطقة وصدق التوقع أخيراً.

علی الرغم من أن قائد الثورة اتخذ مواقفاً حازمة تجاه السعودية في العام الماضي لکن البيان الذي صدر هذا العام يحمل دلالات هامة ينبغي أن يلتفت إليها العالم الاسلامي وخاصة ضحايا السياسات العدوانية لمملکة آل سعود.

علی الرغم من أن قائد الثورة اتخذ مواقفاً حازمة تجاه السعودية في العام الماضي لکن البيان الذي صدر هذا العام يحمل دلالات هامة ينبغي أن يلتفت إليها العالم الاسلامي وخاصة ضحايا السياسات العدوانية لمملکة آل سعود

يتکون النداء من أربعة محاور. في المحور الأول منه يوجه الإمام الخامنئي للسعودية وحکامها اتهامات من العيار الثقيل. تعامل وتعاون السلطات السعودية مع العدوالصهيوني والولايات المتحدة من أجل الحفاظ علی العرش والسلطة هو من أول الاتهامات التي يطرحها سماحة القائد. والملفت أن القادة السعوديين، حتی في إدارة شعيرة الحج يطلبون المساعدة من الصهاينة بذريعة تأمين الزوار والحجيج وأشار سماحة السيد القائد جيداً إلی هذه النقطة في بيانه حيث قال: "وضعوا حجاجَ باقي البلدان ضمن نطاق سيطرات ومراقبات غير معهودة بمساعدة الأجهزة التجسسية الأمريكية والصهيونية، وجعلوا بيت الله الآمن غير آمن على الجميع".

الاتهام الثاني الذي وجهه السيد الخامنئي للسلطات السعودية "صد السبيل" في إشارة إلی منع الحجيج الإيرانيين من أداء فريضة الحج هذا العام ووصَفَهم بالضالون والمخزيون.

وتوجيه الانتقادات والاتهامات الحادة والموضوعية إلی السعودية بسبب کارثة الحج في العام الماضي أخذ جانباً مهماً من هذا البيان. حيث اتهم السيد الخامنئي الحکام السعوديين بالتقصير في كلٍ من حادثتي المسجد الحرام ومنی ووقوع هذا العدد الهائل من الضحايا الذي تجاوز الـ 7000 حاجاً. ولا يُخفي البيان غضب قائد الثورة الإسلامية والشعب الإيراني من تهرب السعوديين من القيام بتشکيل لجنة للتقصي عن حقائق تلك الحادثة؛ حيث اتهم سماحته السعودية بالتملص من تشکيل هيئة تقصي حقائق إسلامية وهي اللجنة التي طالبت إيران العام الماضي بتشكيلها مراراً لکن السعودية لم تصغ إلی ذلك بسبب تفردها في إدارة الحج والغطرسة والأنانية التي تتملك الأسرة المالکة.

الاتهام الثاني الذي وجهه السيد الخامنئي للسلطات السعودية "صد السبيل" في إشارة إلی منع الحجيج الإيرانيين من أداء فريضة الحج هذا العام ووصَفَهم بالضالون والمخزيون.

ومن هنا ينتقل البيان إلی المحور الثاني وهو بيان الوقائع حيث يشن سماحة القائد هجوماً لاذعاً علی مفتيّ البلاط في المملکة السعودية ويصفهم بالـ"مفتين غير الورعين وآکلي الحرام، أصحاب الفتاوی المخالفة للکتاب والسنة" وهذه إشارةٌ واضحةٌ من سماحته إلی وقوف مفتيّ السعودية إلی جانب قادة الدولة في الجرائم التي يرتكبونها وتمهيدهم لتلك المجازر من خلال النصوص والفتاوی. ولا يمکن غض النظر عن المئات من الفتاوى التي أصدرها علماء وهابيون سعوديون أو غير سعوديين مدعومون من الرياض ضد الأبرياء في العراق وسوريا واليمن و...

وينتقد السيد الخامنئي في هذا المحور مجازر السعودية ضد المسلمين من خلال هؤلاء المفتيين ومرتزقتهم في الصحافة الذي يبررون تلك المجازر ويروجون لها. السيد الخامنئي يوضح حقيقةً دامغةً ربما يعرفها الکثير لکن لا يتجرؤون علی بيانها وهي أن حکام آل سعود هم "الحکام المثيرون للفتن الذين ورطوا العالم الاسلامي في حروب داخلية" وهذا واقعنا اليوم وخاصة في السنوات الخمس الأخيرة التي دخلت السعودية خلالها علناً ضمن کل الأحداث الإقليمية وتدخلت بها بل قامت بخلق الفتن وتأجيجها وتعقيدها.

السيد الخامنئي يوضح حقيقةً دامغةً ربما يعرفها الکثير لکن لا يتجرؤون علی بيانها وهي أن حکام آل سعود هم "الحکام المثيرون للفتن"

کما أشار البيان إلی نقطة أساسية وهو الدور الذي قام به حکام آل سعود في تأسيس وتجهيز الجماعات التکفيرية الشريرة. وبکل أسف لم تقم الدول الغربية التي مازالت تنفق الملايين من الدولارات والأموال علی ما يسمی بالحرب علی الإرهاب بصد السعودية وفکرها الوهابي عن هذا الدعم بل جعلتها تتجرأ أکثر فأکثر علی دعمها للجماعات التکفيرية الإرهابية.

المحور الثالث للبيان يقوم بتوجيه ثلاث توصيات للعالم الاسلامي. الأول والأهم هو ضرورة تعرف المسلمين علی حکام السعودية وحقيقتهم وباطنهم حيث يقول سماحته: "علی العالم الاسلامي سواء الحکومات أو الشعوب المسلمة أن يعرف حکام السعودية ويدرك بنحو صحيح حقيقتهم الهتاکة غير المؤمنة التابعة المادية".

وهذه نقطةٌ جوهريةٌ لنهوض الأمة ضد الفساد والطغيان الذي تقوم به السعودية من خلال حکامها وأمراءها ومفتيها. تقوم السعودية من خلال إعلامها المفبرك  بقلب الحقائق في العالم الاسلامي کما يفعل ذلك الصهاينة من خلال الإعلام المعادي والمتغطرس في العالم. لذلك تکمن أهمية هذه النقطة من البيان علی ضرورة التحرر من الإعلام السعودي بکافة أشکاله للتعرف علی حقيقة القائمين علی إدارة الحرمين الشريفين.

النقطة الثانية هي دعوة يتم توجيهها إلی کافة المسلمين وهي عدم ترك السعوديين يمشون ويعبثون في الأرض کما يحلو لهم إذ يقول البيان : "علی المسلمين أن لا يترکوا تلابيب الحکام السعوديين علی ما تسببوا من جرائم في کل العالم الاسلامي". وهذه دعوة صريحة وعلنية لکشف وفضح جرائم آل سعود بالإضافة إلی أهمية تکثيف المساعي لمقاضاتهم ومحاکمتهم علی مسودتهم الطويلة والدموية في جرائمهم البشعة اللاإنسانية.

هذه نقطةٌ جوهريةٌ لنهوض الأمة ضد الفساد والطغيان الذي تقوم به السعودية من خلال حکامها وأمراءها ومفتيها

والنقطة الثالثة في البيان هي دعوة الإمام الخامنئي علماء الأمة لضرورة التفکير الجاد لإدارة الحرمين الشريفين وخلع المسؤولية من آل سعود الذين صنعوا المجازر في المواسم السابقة وأثبتوا عدم کفاءتهم في إدارة ملف الحج ونقلها إلی سلطة دولية إسلامية تتألف من جميع الدول الإسلامية.

ونهاية البيان هي نقطة تحذيرية. تحذيرٌ يقوم به سماحة السيد الخامنئي. تحذيرٌ لم يُوجَّه إلی حکام السلطة في السعودية بل إلی الأمة الاسلامية حيث يُحمّلها مسؤولية المشاکل المستقبلية التي تقوم بها السعودية في حال عدم التحرك والتقصير في الواجب تجاه ما تقوم به السعودية.

بيانٌ هامٌ أصدره قائدٌ حکيمٌ حمل همَّ ثورة شعبية إسلامية علی عاتقه ومر بها بسلام من منعطفات خطرة وکبيرة ومعقدة. البيان يُحطِّم جدار المجاملات الدبلوماسية ويطالب الأمة وقادتها بفتح صفحة جديدة للتعامل مع مملکة الإرهاب المدعومة من الصهاينة. يحمل البيان رؤية جديدة في التعامل مع ملف الإرهاب التکفيري تقول: افضحوا واقلعوا مصدر الإرهاب وبعدها ستموت الفروع.

 

*كاتب صحفي عراقي

  • إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي موقع arabic.khamenei.ir