وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية خلال هذا اللقاء:

 

بسم الله الرحمن الرحيم

أرحّب بالإخوة الأعزّاء وبأختنا المحترمة (1)، وأبارك لجميع الأعزّاء ولكم جميعاً ولرئيس الجمهوريّة المحترم، أسبوع الحكومة) الذي تزامن مع تشكيل الحكومة الجديدة(.

إن أسبوع الحكومة هو مناسبة لكي يُقدِّم فيه الإنسان المباركة ويدعو الله ليمنح العافية والقوة لكلّ العاملين والمدراء والمسؤولين في السّلطة التنفيذيّة، وإنّني لن أضيّع هذه الفرصة، فأبارك لكم جميعاً ولكلّ المدراء وجميع المسؤولين المتصديين للعمل والخدمة في السّلطة التنفيذيّة، وعلى مختلف المستويات، وأسأل الله تعالى لهم ولكم جميعاً توفيق الخدمة. كم هو جميل في هذه الذكرى السنويّة للحكومة أنّ اسمَي الشهيدين الصّالحين والخدومين يزيّنان جميع الأقوال والكتابات. وإنه لذو معنى ومضمون عظيم، أنّ جميع الحكومات والمسؤولين في الدّولة قد جعلوا ذكرى هذين الشهيدين الخدومين عنواناً ليوم الحكومة ولأسبوع الحكومة ولم يسمحوا لمرور الزّمان ومختلف الحوادث أن تُنسي قيمة الشّهادة، وقيمة الخدمة المخلصة والمتواضعة لهذين الرّجلين العظيمين.

ينبغي هنا أن أتوجه بخالص الشكر لسرعة عمل رئيس الجمهوريّة المحترم في تقديم أسماء الوزراء إلى مجلس الشّورى الإسلاميّ. لقد كنت أعلم وأرى إصراره، وأثني في قلبي على هذا الإصرار في المسارعة في تشكيل الحكومة. ولحسن الحظّ لقد استطاع، وفي أقصر وقتٍ ممكن بعد اليمين الدستوري، وبدون تضييع للوقت، تقديم اقتراحه إلى المجلس المحترم. وكذلك أشكر المجلس المحترم لمنحه الثقة للوزراء بنسبة جيدة وفي بعض الأمور بنسبة عالية جدّاً، وبذلك يكون قد بدأ في الواقع عمل الحكومة والمجلس. وإنّ هذا لمؤشّرٌ على العزم من جهة، والانسجام بين هاتين السّلطتين من جهةٍ أخرى، وهما أمران من الأمور والموارد التي لديَّ تجاههما حساسيّةٌ خاصّة أنا الحقير (العبد الحقير الذليل لله)، سواءٌ بالنسبة للتنسيق والانسجام بين السّلطتين، حيث ولحسن الحظّ قد ظهر في الوهلة الأولى بصورة جيّدة جدّاً، وكذلك بالنّسبة للبدء في كلّ مجالات العمل دون أي توقّف.

أملُنا أن تتمكّن حكومتكم وفريق عملكم من إبراز وإظهار نقاط القوّة الموجودة فيها، وأن تحافظ على هذا الأمل، الذي أشار رئيس الجمهوريّة إلى أنّه موجودٌ في قلوب النّاس، وأنه بإنجاز الأعمال الكبرى والبارزة و عبور الحواجز، سيكون في ازدياد طالما أنتم مستمرّون في إبراز نقاط قوّتكم. بالطّبع، لا شكّ بأنّ شخصية الشيخ روحانيّ بحدِّ ذاتها هي من نقاط قوّة المجموعة العاملة، فهو صاحب سيرة عريقة في الثّورة وفي النّضال الثوريّ، وقد وضع نفسه أمام أعين وتقييم الرأي العام من خلال مواقفه الجيّدة والصّحيحة طيلة هذه السّنوات الثلاثين ونيّف، وهو اليوم بحمد الله كذلك بصفته رئيس الجمهوريّة المطلوب والموثوق، موجود على رأس الجهاز التنفيذي. ويدرك المرء، ممّا يطرحه حالياً ومّما نعرفه عن سيرته سابقاً، وجود العزم الرّاسخ فيه وإن شاء الله في معاونيه، وذلك من أجل إنجاز الأعمال والتقدّم بها على أفضل وجهٍ وفي أصحّ جهة. أنا أدعو له ولكم لتكونوا ناجحين إن شاء الله ولتقدمّوا ما يتوجّب على أيّة حكومةٍ جيّدة وناجحة أن تقدمه.

في هذا اللقاء الأوّليّ معكم أيّها الأصدقاء الأعزّاء، لنستعرض خصائص ومؤشرات الحكومة التي تُعدّ حكومة مطلوبة في هذا الزّمن. بالطّبع إننا لا ندّعي أنّ حكومتنا هي حكومةً إسلاميّة بالمعنى الحقيقيّ والكامل للكلمة. فأنا العبد عندما أنظر إلى نفسي أشاهد فيها من النّقائص ونقاط الضّعف ما لا يُعدّ ولا يُحصى، وعندما أقارن ذلك مع أصغر (أصحاب وأنصار) المقامات الشامخة والمقدّسة الذين أهدونا الإسلام في الصدر الأول (في بداية انطلاق الدين الإسلامي)، أرى أنّنا أقلّ بكثير من أن نتمكّن من تشكيل الحكومة المطلوبة أو نقدر على ذلك، ولكن يوجد خصائص و مؤشرات للحكومة التي يمكن أن تُسمَّى إسلامية في زماننا وظروفنا، وأشير هنا إلى بعض هذه المؤشرات، بالطّبع هذا ليس كلاماً جديداً، فهذه أمورٌ تعرفونها أنتم، لكن غاية الأمر أنّ التذكير بما نعرفه هو أمرٌ مفيدٌ دوماً بالنّسبة لنا، ولا ضرر في تكراره.

المؤشر الأوّل هو المؤشر الاعتقاديّ والأخلاقيّ وخصوصاً لدى مسؤولي الدّرجة الأولى، السلامة الاعتقادية والأخلاقية والعملية التي تنشأ من الاعتقاد الصّحيح والنّظر الصائب إلى حقائق المجتمع. هذا هو المؤشر الأوّل. ونحن لحسن الحظّ، ليس لدينا أيّ إبهامٍ أو ضياع فيما يتعلّق بالاعتقاد الصّحيح وفيما ينبغي عدّه حقّاً، فبالإضافة إلى المصادر الإسلاميّة (حيث من الممكن وجود قراءات مختلفة من قبل مختلف الأفراد لهذه المصادر الإسلاميّة) لدينا مجموعة إرشادات الإمام الجّليل (الإمام الخميني)، فالإمام موضع ثقة وقبول وإذعان منا جميعاً. حسنٌ، إنّ كلّ كلمات الإمام ومواقفه وإرشاداته في متناول أيدينا. هذا مؤشر واضح ينبغي أن نؤمن به ونعمل على أساسه ونرجع إليه في موارد الشّبهة كونه مؤشراً أساسيّاً، وهذا ما يُعبَّر عنه بالسلامة الاعتقاديّة. هذه هي الأصول والقيم الثوريّة. إنّ مباني القيم الثوريّة موجودةٌ في تلك البيانات. فهي أمورٌ لو تعلقنَّا بها والتزمنا بها ووضعنا البرامج على أساسها فالمأمول أنّ العمل سينجح ويكون له مستقبلٌ جيّد وسوف نحقق التقدّم.
 

كلمات الإمام الخميني (رحمه الله) ومواقفه وإرشاداته مؤشر واضح ينبغي أن نؤمن به ونعمل على أساسه ونرجع إليه في موارد الشّبهة كونه مؤشراً أساسيّاً على السلامة الاعتقادية.

إنّ من الأشياء التي يُستند إليها في هذا المجال الاعتقاديّ، والتوجّه القلبيّ هو قضيّة الثّقة بالله تعالى والثّقة بالوعود الإلهية، فهذا الأمر من الأشياء التي أُصرُّ، أنا العبد، أن لا نقصّر فيها. عندما يعدنا الله تعالى بصريح العبارة: "إن تنصروا الله ينصركم" (2)، "ولينصرنّ الله من ينصره" (3)، وعندما يؤكّد الله لنا وعده بصراحة: أنّكم لو نصرتم الدّين وسلكتم طريق الله، ونصرتموه فإنّ الله سينصركم، يجب علينا أن نثق بهذا الوعد وأن نعمل على أساسه. وقد يكون هذا الأمر بالنّسبة لمن لم يُجرّبه بعيداً عن الذّهن فيستبعده، لكن بالنسبة لي ولكم، نحن الذين جرّبناه وشاهدنا كيف يصبح الأمر المستحيل ممكناً، فلا يوجد ما هو أكثر مُحالاً من أن يتصوّر الإنسان أنّه يمكنه بيدٍ عَزلاء وبالنّزول إلى الشّوارع إسقاط نظام مستبدٍّ مستكبرٍ يعتمد على كلّ القوى العالميّة وإقامة نظامٍ إسلاميّ محلّه، وهذا ليس نظاماً يتوافق مع المعايير الغربيّة، بل هو نظامٌ إسلاميّ ونظامٌ على أساس الفقه. من كان يتصوّر أن يصبح هذا الأمر حقيقيّاً؟ ولكنّه حصل. لقد حدث ما كان مستحيلاً.

قضية الاضطرابات التي حدثت أوّل الثّورة، وقبل بداية الدّفاع المقدّس كانت قضيّة أخرى، كانت اضطرابات مدعومة من الخارج (ما زلتم تذكرون حتماً) في شرق بلدنا وغربه وفي شماله وجنوبه. أي مكان خلا من هذه الاضطرابات القوميّة والطّائفيّة وأمثالها؟ أيُّ دولةٍ وأيُّ حكومةٍ جديدة العهد، لا جيش لها، ولا قوّات مسلحّة، ولا قوى أمنيّة منظمة، تتمكّن بعد الوقوع في مثل هذا الأمر أن تتغلّب عليه؟ الجمهوريّة الإسلاميّة تغلّبت على ذلك كلّه.

إنّ الحرب المفروضة وقضيّة الدّفاع المقدّس هي أنموذجٌ آخر. حسنٌ، إنّ هذه الكلمات ذُكرت آلاف المرّات، لكن علينا أن نتذكّرها. فالحرب المفروضة لم تكن حرباً نشبت بيننا وبين دولة مجاورة، بل كانت حرباً دوليّة ضدّنا بكلّ الوسائل. لقد بذلوا أقصى جهدهم ولم يتمكّنوا بعد ثماني سنوات، من احتلال شبرٍ واحد من بلدنا، فهل هذا بالأمر البسيط؟ ومثل هذه القضايا كثير. حسنٌ، إنّ هذه وعودٌ قد تحقّقت، وإن كان غيرنا قد قرأ في القرآن "إن تنصروا الله ينصركم"، فنحن قد جرّبناها في حياتنا. لهذا يجب عليكم أن تثقوا بالله وأن تعملوا لله أيّها السّادة، وأن تجعلوا هدفكم إلهيّاً، وثقوا بأنّ الله تعالى سيفتح أمامكم الطّريق. هذه المعادلة التي فيها عدّة نقاط غامضة، التي ذكرها السيّد الدكتور روحانيّ) والتي إذا تأمّل فيها الإنسان من جميع الجوانب، وجد فيها التعارض والتناقض) تجدون أحياناً أن الله تعالى قد حلّها بحركةٍ صغيرة. لقد حدث ذلك، إذا أردتم تركيب جسم فوق جسمٍ آخر تجدون أنه ثمة عشرة موانع والمرء لا يعرفها، ثمّ يأتي شخصٌ ماهر وبحركة مختصرة يُركّبها. أي أنّه يمكن أن نفترض أن تُحلّ كلّ هذه القضايا وتتقدّم وفق نظرة صحيحة مبنيّة على العلم والحكمة (وبالتّأكيد معتمدة على التوسّل إلى الله وعنايته والاعتماد عليه سبحانه) وهذا هو اعتقادي. على كلّ حال إنّ هذا يُعدّ من المؤشرات على الاعتماد والتوكّل على الله والأنس بالمعنويات. إنّني أرجو (بالطبع لعلّه لا ضرورة لأطلب هذا منكم لأنّه تحصيلُ حاصل) أن لا تقطعوا صلتكم بالقرآن، اقرؤوا يوميّاً ما تيسّر منه، ورسّخوا علاقتكم بالدّعاء والتوسّل، فهذا ما يقلّل من ضغط العمل ويزيل مصاعبه ويمنحكم النّشاط ويُهيّئكم لمواجهة الموانع الكبرى، أي أنّه يجلب البهجة لروح الإنسان المعتقد، فهو أمرٌ فائق الأهمّيّة. أمّا النوافل وأمثالها فلها محلّها.
 

الحرب المفروضة لم تكن حرباً نشبت بيننا وبين دولة مجاورة، بل كانت حرباً دوليّة ضدّنا بكلّ الوسائل.

المؤشر الثاني قضية خدمة النّاس، روحيّة الخدمة هي المقولة الأساسيّة للحكومة الإسلاميّة، وأصل القضية بأنَّه ليس من فلسفةٍ لوجودنا سوى هذا. لقد جئنا لنخدم النّاس ولا ينبغي لأيّ شيءٍ أن يُنسينا هذا الواجب. بالطّبع، لكلّ واحدٍ منّا رغبات وميول وأذواق خاصة، وفي المجال السياسيّ والقضايا الاجتماعيّة لدينا أصدقاء وأعداء، فكلّ هذه هوامش لنص عبارة الخدمة. لا ينبغي أن ندع هذه الهوامش تؤثّر على هذا النص. ويوجد نقطة بشأن هذه الخدمة، وهي أنّ الوقت محدود، بأربع سنوات أو ثماني سنوات (مثلاً)، الوقت محدودٌ وهو يمرّ كالبرق. لقد ذكرت في مواطن عدّة، في هذه الغرفة أو تلك مثل هذا الأمر للحكومات السّابقة التي كان بعضكم فيها، كونوا منذ اليوم الأوّل للحكومة ملتفتين إلى أنّ (الوقت) يمرّ كالبرق. فعندما ينظر الإنسان إلى السنوات الأربعة التي مرّت عليه يراها كأنّها يومٌ واحد "تمرّ مرّ السّحاب" (4) غاية الأمر أنّه في هذا الوقت المحدود يوجد فُرصٌ لا محدودة. فكلّ ساعةٍ تمرّ عليكم هي فرصةٌ لكم. وكلّ حادثةٍ تقع هي فرصةٌ أيضاً. وكلّ فكرةٍ تصل إلى أذهانكم أو إبداعٌ ينشأ فيه هو فرصةٌ فلا تضيّعوا هذه الفرص.

الأمر الثاني؛ ضرورة جعل العمل جهاديّاً في مجال الخدمة، وإذا كان جهاديّاً فلا يعني أن يكون خلاف القانون. الأصدقاء الذين عملنا مع الكثيرين منهم) لقد كان لنا تعاونٌ مع أغلبكم في مجالات مختلفة) تعلمون نفسيتي، فإنّني لست بذاك الذي يدعو إلى مخالفة القانون. فأنا معارضٌ بشدّة لمخالفة القانون. لكنّني أعتقد بإمكانيّة العمل ضمن الإطار القانوني على نحوين:
النحو الأوّل؛ هو العمل الإداريّ المتعارف. والنحو الثاني؛ هو العمل الجهاديّ. والعمل الجهاديّ هو عبور العوائق وعدم تضخيم العوائق الصّغيرة، وعدم نسيان المُثل والمبادئ، وعدم نسيان الوجهة، والشوق والاندفاع نحو العمل، هذا هو العمل الجهاديّ. فينبغي أن نجعل العمل جهادياً لكي يتمّ إنجازه بصورة جيّدة إن شاء الله.
 

لقد جئنا لنخدم النّاس ولا ينبغي لأيّ شيءٍ أن يُنسينا هذا الواجب.

المؤشر الثالث؛ هو قضيّة العدالة. لقد ذكّرتُ، أنا العبد، مراراً (في اللقاءات الخاصّة مع البعض منكم طيلة هذه السّنوات) بأنّني لا أؤمن بالتقدّم دون العدالة. لقد أطلقنا على هذا العقد الزمانيّ تسمية عقد التقدّم والعدالة. والتقدّم بدون العدالة سيُفضي إلى تلك النّتيجة التي تشاهدونها اليوم في الحضارة الغربيّة المليئة بالمظاهر. فلا يُتَصوّر أن يحصلوا على أكثر ممّا حصلوا عليه من ثروةٍ وقُدرةٍ وعلم وتكنولوجيا. فقد بلغوا بها الحدّ الأعلى، لكنّكم تلاحظون في الوقت ذاته فقدان العدالة. نعم، إنّهم يُروّجون في دعاياتهم السينمائيّة والقصصيّة وأمثالها الكثير من الكلام حول العدالة القضائيّة (حيث أنّ أغلبها، أي 80% منها، كذب، فالمعلومات المتوافرة فيما يتعلّق بالمجالات القضائيّة تُبيّن أنّه لا يوجد أي حقيقة لهذه الأمور في الغرب (ولكنّها في المجال الاقتصاديّ واضحةٌ تماماً. فهناك من يموت جوعاً، وهناك من يموت من البرد، إذا نزلت الحرارة إلى 10 درجات تحت الصفر، أو من الحرّ إذا زادت عن الأربعين درجة. فلماذا يموت الإنسان إذا وصلت الحرارة إلى  40درجة؟ ذلك ليس إلا لافتقاده للمأوى والمنزل ولأنّه يعيش في الشوارع. فهل يموت إذا لم يصل إليه الماء و درجة الحرارة 40 درجة؟ إنّ مثل هذه الأمور موجودة، ومن جانبٍ آخر هناك الثّروات الطائلة الأسطوريّة المكدّسة في الغرب. هذا هو فقدان العدالة، وهو ما لا نريده، والإسلام لا يريد لنا هذا. إنّنا نرى التقدّم ضروريّاً. التقدّم بذاك المعنى الذي يُذكر في الأدبيّات الغربيّة تحت عنوان التنميّة، نحن نسمّيه تقدّم. فهذا التقدّم ينبغي أن يكون متلازماً مع العدالة بالتأكيد. حسنٌ، عندما تتأمّلون في القرآن فإنّ إرسال جميع الرّسل وإنزال الكتب وأمثالها "ليقوم الناس بالقسط" (5) لهذا، يكون هذا هو المؤشر التّالي الذي ينبغي أن يكون دائماً محلّ نظرنا واهتمامنا.

 

إنّنا نرى التقدّم ضروريّاً.. هذا التقدّم ينبغي أن يكون متلازماً مع العدالة بالتأكيد.

المؤشر اللاحق؛ أيّ الرّابع، النّزاهة الاقتصاديّة ومحاربة الفساد. انظروا إنّ المنصب الحكوميّ هو موضع القدرة والمصادر الماليّة، فالوساوس هنا لا تترك الإنسان براحته. وأنتم لا تنظروا إلى أنفسكم الآن بأنّكم متديّنون وفي المستويات العالية وتقاومون هذه الوساوس. ففي الدرجات الأدنى من الممكن أن لا يتمكّنوا من مواجهة هذه الوساوس ومقاومتها. فعليكم أن تراقبوا، وعليكم أن تُشرفوا بعينكم البصيرة على كلّ أرجاء الجهاز الذي يعمل تحت إشرافكم وإدارتكم، لكي لا تسمحوا بحصول أيّة حالةٍ مخالفةٍ للنزّاهة الاقتصاديّة في أي زاوية من الزّوايا، فتتبدّل هذه الوساوس إلى أفعال، وحتى قبل أن تتدخلّ أجهزة الرّقابة. حسنٌ، نحن لدينا أجهزة رقابة في البلد وهي موظّفة ومكلّفة سواءٌ فيما يتعلّق بمجلس الشورى، أو ما يرتبط بالسلطة القضائية، أو ما يتعلق بالسلطة التنفيذية نفسها (كالتفتيش في السلطة التنفيذية) ولكن على مدير الجّهاز أن يراقب سلامته وصحّته قبل أن يصل الدّور إليها، الأمر الذي يحتاج إلى مراقبة مستمرّة واجتنابٍ للغفلة. أنا العبد، عندما ألتقي بالأعزّاء والمدراء وأتحدّث معهم أضرب لهم مثالاً، أقول أنّ عليهم أن يحافظوا على إشرافهم ومراقبتهم على مدار السّاعة، مثل الكشافات الضوئية التي توجد في بعض القلاع وأمثالها والتي تسمح ببقاء الإنارة بشكل دائم وترصد كل حركة، إن كشافاتكم ينبغي أن تدور بشكل دائم، فلا يكون هناك أيّة غفلة، لأنّ الفساد في الواقع مثل النمل الأبيض، فلا تسمحوا للفساد والرّشوة والإسراف والواسطة والتّرف والمصاريف الزّائدة وأمثالها بالنّفوذ إلى أجهزتكم. وقد أشار الدكتور روحاني إلى قسمٍ من هذا العلاج في المجال الاقتصاديّ والذي يتحقّق في الاقتصاد ومحاربة الفساد. فقد يحدث أن يُنفق الكثير بلا طائل (لا يكون الأمر في الحرام، لكنّه زائدٌ عن الحدّ، ولعلّ الزّائد هنا حرامٌ وإن كان في النّهاية ليس حراماً بوضوح) لكنّه صرفٌ زائد، فعليكم أن تحولوا دونه، وهو ممكنٌ، يمكن القيام بأعمالٍ كبرى وكثيرة بهذه الطّريقة، ففي الأجهزة التنفيذيّة إنّ أكثر العاملين كادحون ونزيهون، لكن عندما يشارك بعض الملوّثين وغير النّزيهين في موردٍ أو موردين أو عشرة يكون الأمر كالميكروب والنمل الأبيض، فتضيع كل أتعاب هذه الفئة العاملة الخدومة والكادحة وتلوّث سمعتها، فالفساد يقضي على جو الثقة.

لا تسمحوا للفساد والرّشوة والإسراف والواسطة والتّرف والمصاريف الزّائدة وأمثالها بالنّفوذ إلى أجهزتكم.

المؤشر التالي، يرتبط بقضيّة الالتزام بالقانون والذي يُعدّ أمراً مهماً جدّاً، فالقانون سكّةٌ إذا خرجنا عنها فسوف نتلقّى ضربةً ونتعرض لخسائر. قد يكون القانون ناقصاً أو فيه عيوب، ولكن إذا لم يُعمل به فسينتهي الأمر إلى الفوضى والعمل بالأهواء فإنّ ضرر عدم العمل بهذا القانون هو أشدّ من ضرر العمل به، يجب ترسيخ هذا الأمر في مجموع الأجهزة. جزء من رعاية القانون، رعاية الوثائق العليا والتي توجد اليوم ولحسن الحظّ في هذا البلد، كالسّياسات العامّة ووثيقة الأفق المستقبلي، ومقرّرات المجالس العليا من قبيل المجلس الأعلى للثّورة الثقافيّة، والمجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني. حيث تحدّثت البارحة، قبل البارحة مع الدكتور روحاني فيما يتعلّق بها بصورة مختصرة وسوف أتحدّث بالمزيد لاحقاً. للمجلس الأعلى للفضاء الإلكتروني مقرّرات (التي كان لنا حولها في هذه الغرفة لعلّه أربعة اجتماعات، كلّ واحدٍ لمدّة أربع ساعات بمشاركة رؤساء السّلطات الثلاثة، ومجموعة من المسؤولين، حيث شُكّل هذا المجلس وهو في غاية الأهميّة) ويجب مراعاة هذه المقرّرات والعمل على أساسها. إنّ رعاية القانون ومحوريته لو ترسّخت فمن المسلّم أنّها ستكون عاملاً للقضاء على الكثير من الآفات.

ومن الأشياء التي من المناسب أن أذكرها هنا في السياسات العامّة، سياسات تطوير النّظام الإداريّ المقرّرة والمعلنة. فنحن نعاني في واقع الأمر من مشاكل وآفات قديمة ومزمنة في مجال القضايا الإداريّة والنّظام الإداري. لقد طُرحت هذه السّياسات وتمّت دراستها في مجمع تشخيص مصلحة النّظام وأُقرّت وأُعلنت، وهي سياسات ممتازة بنظري، فيجب وضع برامج إجرائيّة لها وجعلها قابلة للتطبيق، وهي من الأمور المهمّة جدّاً التي لم تحصل للأسف وقد أُجّلت ولم يُعمل بها.
 

إنّ رعاية القانون ومحوريته لو ترسّخت فمن المسلّم أنّها ستكون عاملاً للقضاء على الكثير من الآفات.

المؤشر الآخر يرتبط بالحكمة والتعقل في العمل. العمل عن خبرة وتخصص ودراسة وملاحظة لجميع الجّهات والآثار والتّبعات لعمل ما، وأحياناً ملاحظة تبعات تصريح أو كلمة ما. فقد يؤدّي تصريح من جانب مسؤولٍ ذي موقعية، وكما يُقال ذي منبر، إلى آثارٍ سيّئة لو أراد المرء أن يُزيلها فإنَّ عليه أن ينفق الكثير، مثل قضيّة رمي الحجر في البئر. فهذه في الواقع تؤدّي إلى مشاكل ويجب أن ندقّق كثيراً عندما نريد إبداء آرائنا، فلا ينبغي أن نعتمد على أنّنا مدراء ومسؤولون، فكلما خطر على بالنا قضيّة ننشرها في الأجواء العامّة دون خبرةٍ ودراسةٍ وملاحظةٍ للأبعاد. فقد يصبح لملمتها (التخلص منها) أمراٌ صعبٌ وشاق. هذه هي الحكمة في الإدارة وفي الأعمال. ومن شُعب هذه الحكمة الاستفادة من الإمكانات العالية للخبراء والمتخصصين في قضايا البلد، والتي تتوافر بكثرة في بلدنا لحسن الحظّ. فللإنصاف، عندما ينظر المرء يجد أنّ الإمكانات التخصصيّة في البلد عالية وذلك في مختلف القطاعات. إذا استفدنا منها ومن هذه الإمكانات الوافرة، التي نشأت وترعرعت بعد الثّورة، في مجال الخدمة والعمل فإنّنا سوف ننجح و نربح الكثير.

نذكر مؤشراً آخر، ولا أزيد على هذا القسم من حديثي بعدها، وهو الاعتماد على الإمكانات الذّاتيّة في البلد، وأن لا يكون نظرنا إلى الخارج. ولا يعني ذلك عدم الاستفادة من الإمكانات الخارجيّة، فلا ينبغي الخلط بين الأمرين. فلا نُعلّق آمالنا على الإمكانات الخارجيّة. هناك جبهة كبيرة خارج هذا البلد و نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، عملت طيلة هذه السّنوات الثلاثين ونيّف، بكل قدراتها لكي لا تتجذّر هذه الثّورة، ولكي لا يترسّخ نظام الجمهوريّة الإسلاميّة ويستمر، ولكي لا يحصل التقدّم ولا يتحقّق الأنموذج الواعد في المجالات المختلفة. فلا يصحّ أن نتوقّع المحبّة والودّ من هذا العدوّ ومن هذه الأساليب العدائيّة المستخدمة. لا نقول لا تستفيدوا منها، لكنّنا نقول لا تثقوا ولا تعتمدوا ولا تعلّقوا الآمال عليها، بل انظروا إلى الدّاخل. ففي داخل بلدنا هناك الكثير من الإمكانات لو نظرنا إليها (سواءٌ في المجالات الاقتصاديّة أو الثقافية أو غيرها (وإذا تمكنّا من الاستفادة منها، ففي ذلك حلٌّ للمشكلات. ففي الدّاخل، وفي الإمكانات المحليّة ما يمكن الاستفادة منه بصورةٍ حكيمة. يجب أن تُشخّص وتُعرف. وهكذا ترتقي مرتبتنا في العالم. ففي العلاقات الدّوليّة وحساباتها تكون حصّة كلّ دولةٍ بحسب قدرتها الذاتيّة. فبمقدار الاقتدار الذاتيّ الذي تملكه تزداد الحصّة بين الدّول. فعلينا أن نؤمّن هذا. ولحسن الحظّ، لقد تمّ تأمينه طيلة هذه السّنوات المتمادية وكان اقتدار وقوام نظام الجمهوريّة الإسلاميّة يزداد على مرّ هذه السّنوات. لهذا؛ ترون أنّ سمعة الجمهوريّة الإسلاميّة وموقعها قد ارتقى حيث الشواهد على ما نقول كثيرة لا حدَّ لها. هذه هي المؤشرات الستّ أو السّبع التي أردنا ذكرها. وبالطّبع، قلنا أنّها ليست بالأمور الجديدة عليكم، لكنّ ذكرها وتكرارها كمعلومات أمرٌ ضروريّ.
 

في داخل بلدنا هناك الكثير من الإمكانات لو نظرنا إليها سواءٌ في المجالات الاقتصاديّة أو الثقافية أو غيرها وإذا تمكنّا من الاستفادة منها، ففي ذلك حلٌّ للمشكلات.

يوجد نقطتان أو ثلاث نقاط أخرى سأذكرها، يجب علينا أن نراعي الأولويّات. أنتم في بداية العمل وأصحاب نَفَسٍ جديد، وفي نفس الوقت إنّ إمكاناتكم ليست مطلقة، وكذلك هممكم وأوقاتكم، يجب أن تنظروا لتروا ما هي الأولويات، ويجب متابعة جميع الأمور، ولا يصحّ أن نُعطّل بعضها لإتمام البعض الآخر. لكن يجب أن نكتشف الأشياء التي علينا أن نوجّه أنظارنا الأساسيّة نحوها. وبرأيي، هناك قضيّتان تقتضيان توجيه أنظارنا إليهما: الأولى، القضيّة الاقتصاديّة، والثانية: قضيّة العلم. فالاقتصاد والعلم هما برأيي من الأمور التي ينبغي أن تكون اليوم على رأس الأولويّات، بدءًا من السّلطة التنفيذيّة وانتهاءً بالسّلطات الأخرى.

في المجال الاقتصاديّ يوجد اليوم ولحسن الحظّ بُنى تحتيّة كثيرة. لم تكن متوفّرة قبل سنوات عدّة. فخلال هذه السنوات الاثني عشر الأخيرة، تمّ إيجاد الكثير من البُنى التحتيّة في البلد ممّا يمكن الاستفادة منه. حسنٌ، إنّ ما هو ضروريّ في المجال الاقتصاديّ بالدّرجة الأولى هو الاستقرار والهدوء وإخماد الاضطراب في السّاحة الاقتصاديّة، فهذا الاضطراب الموجود سواءٌ في أذهان النّاس أو في السّوق، يجب إيجاد الحلول له من خلال التّدبير (وهو بالطّبع أكثر ما يرتبطٌ بسياساتكم وآرائكم وبعض إجراءاتكم السّريعة). وهناك مسألةٌ مهمّة أيضاً هي مسألة السّيطرة على التضخّم، وقضية أخرى هي تأمين الحاجات الأساسيّة للنّاس، فهذه أمور لها أولوية يجب الالتفات إليها بالدرجة الأولى. وكذلك ما يتعلّق بتنشيط الإنتاج الوطني. فهذه قضايا أساسية في اقتصادنا يجب الالتفات إليها. بالطبع هناك مشاكل بعضها (أو أكثرها) عرضها الدكتور روحانيّ، ونحن على معرفةٍ بهذه المشكلات تقريباً ونعلم بوجودها، وعليكم أن تروا كيف يمكن الخلاص منها. فلو استطعتم بمشيئة الله أن تحققّوا الاستقرار والثبات في الساحة الاقتصادية، وتسيطروا على التضخّم وتفعّلوا قضية الإنتاج فسوف تكون هذه بداية الملحمة الاقتصادية التي طرحناها بداية هذا العام وطلبناها من كلّ أبناء الشّعب ومجموع المسؤولين. بالطبع، إنّ الملحمة الاقتصادية ليست عمل ستة أشهر أو سنة أو سنتين، فالحركة البعيدة المدى هي الضّروريّة. ولا يتوقعنّ أحدٌ، سواءٌ النّاس أو أنا أو أيّ إنسانٍ منصف، أن تتمكّن الحكومة الحاليّة من حلّ جميع هذه المشاكل في مدّةٍ قصيرة، بل المتوقّع بدء التحرّك نحو الحل، واستشعار وجود حركة نحو حلّ المشكلات، ووجود نظرة حكيمة ومدبّرة خلف هذه القضايا، حيث يوجد في مجال القضايا الاقتصاديّة مطالب عديدة لا مجال لعرضها الآن.
 

لا يتوقعنّ أحدٌ، سواءٌ النّاس أو أنا أو أيّ إنسانٍ منصف، أن تتمكّن الحكومة الحاليّة من حلّ جميع هذه المشاكل (الاقتصادية) في مدّةٍ قصيرة، بل المتوقّع بدء التحرّك نحو الحل.

 

سأشير إلى قضيّة الاقتصاد المقاوم. لقد دُوّنت مباني الاقتصاد المقاوم ومجموع السّياسات المتعلّقة به وأُرسلتها إلى مجمع تشخيص المصلحة للاستشارة وهم يدرسونها. إنّ الاقتصاد المقاوم لا يعني التقشف الاقتصاديّ، ولا يعني التقوقع على الذات، بل له معنىً أكثر عقلانيّةً وعمقاً يمكن فهمه والدّفاع عنه، والعلاج هو هذا، علينا أن نتمكّن من تحقيق اقتصاد في البلد يقدر على المقاومة أمام الأزمات وكل مدٍّ وجزرٍ دوليّ، فلا يتضرّر، وهذا ضروريّ. بالطبع له شروط، وإن شاء الله سيردنا الملف من مجمع التّشخيص. وكم هو جميل من الدكتور روحانيّ الذي يشارك في هذا المجمع أن يؤكّد عليهم بالإسراع لإنجاز هذا العمل إن شاء الله.

في مجال العلم، لدينا حركة متسارعة جداً منذ حوالي عشر سنوات وإلى اليوم. لقد انطلقت حركة جيّدة وكما أرى، وكما ألاحظ من التقارير فإنّ هذه الحركة تتسارع يوماً بعد يوم، أي أنّه في اليوم الأوّل الذي طرحنا فيه قضيّة الإغناء العلميّ واختراق حدود العلم، ونهضة حركة البرمجة فإنّني أنا العبد ما كنت أتصوّر وجود كل هذه الإمكانات والاستعدادات للتطوّر وسرعة التقدّم. فقد رأينا فجأةً كيف أنّ الأمور تفجّرت كالينابيع من جميع الجّهات. والآن، انظروا فإنّ مراكز الأبحاث عندنا، والحدائق العلميّة التكنولوجيّة العامّة عندنا، وجامعاتنا في مختلف المجالات، كلّها في حالة من العطاء والحيوية ولا ينبغي أن تتوقّف. وفي المجال الاقتصاديّ فإنّ هذا الشيء سيُقدّم لنا عوناً أساسيّاً، أي أنّنا لو استطعنا أن نتقدّم في العمل العلميّ وجعلنا العلم اقتصاديّاً (وسوف أشير إليه الآن) فإنّنا سنكون في المجال الاقتصاديّ أكثر إنتاجيّةً من بيع النّفط والمواد الخام الموجودة عندنا.

في لقاء شهر رمضان لهذا العام (لا أذكر إذا كان مع أساتذة الجامعات أو الجامعيين في إحدى هذه اللقاءات) تحدّث أحد الحاضرين وذكر عنصراً ومنتجاً يمكن أن تكون عوائده على البلد أكثر من نفطنا وغازنا فيما لو عملنا عليه ووجدنا له زبائن في العالم) ولأنّني لا أتذكّره، لا أذكره الآن للأسف، لكنّني دوّنته) ولا يوجد فيه مشاكل في الإنتاج ويمكننا أن نحقّق مثل هذه العوائد. ففي الواقع، إنّ من مفاتيح حلّ المشاكل والمعضلات الاقتصاديّة عندنا، هو الاعتماد على العلم.

يجب علينا أوّلاً أن نتمكّن من منع تباطؤ الحركة المتسارعة في المجال العلمي، وخصوصاً من قبل الحكومة. لقد قلت أنّ هذا أحد ثاني أولويّات برامج الحكومة. أي أنّه ينبغي العمل بصورة خاصّة على قضيّة تقدم العلم. بالطبع، إنّ المسؤول الأوّل عن تقدم العلم وزارتا العلوم والصّحّة، لكنّ وزارة الصّناعة ووزارة الزّراعة، ووزارة الخدمات، هذه الوزارات جميعاً يمكنها أن تقدّم العون في هذا المجال ويجب عليها ذلك. فالتعاون بين الجّامعات وبين المراكز العلميّة والبحثيّة وأجهزتنا الخدميّة (كوزارة الصّناعة، وزارة الطّرق، وزارة النّفط، ووزارة الزّراعة، هذه الوزارات المتعدّدة التي لها تعاملٌ مع القضايا التقنيّة) أمرٌ ضروري، وهم قادرون على أن يعملوا كمصّاصةٍ ترتشف حليب العلم من المراكز البحثيّة والعلميّة، فتفرض العمل والتحرّك على ذلك الجهاز. بالطبع، إنّ ما ذكرته عن وجود نقطتين فيما يتعلّق بالقضايا العلميّة: الأولى، إكمال سلسلة العلم والتكنولوجيا أي أن نكمل هذا المسلسل بدءاً من الرّؤية والفكر، ومن ثمّ العلم، ومن ثمّ التكنولوجيا، ومن ثمّ الإنتاج، ومن ثمّ السوق. ولكن لو أنّنا قمنا بالعلم البحثيّ والدراسات ووصلنا إلى التكنولوجيا، لكنّنا لم ننتقل إلى الإنتاج العام، أو أنّنا لم نرسم سوقاً في الأفق البعيد، فسوف نتلقّى ضربة، فينبغي أن نلتفت إلى كلّ هذه السلسلة للعمل العلمي فنتابعها حتّى تصل إلى السّوق، أي أن تكون الأنظار متوجّهة إلى مجموع حلقات هذه السلسلة، هذه نقطة. والنقطة الأخرى هي الشّركات علمية المحور وهي اليوم لحسن الحظ كثيرة وراقية، فمهما أمكنكم تابعوها واتجهوا نحوها.

حسنٌ، لقد طال حديثنا. ولدينا الكثير من الكلام في المجال الثقافيّ وفي مجال السّياسة الخارجيّة سوف نطرحه إن شاء الله تعالى مع أهله. في مجال السّياسة الخارجيّة بيّن الدكتور روحاني مطالب جيّدة. وقد سمعت حواراً مع السيّد ظريف (6) وكان مقدار ما سمعته ممتازاً. ففهم العزّة والحكمة والمصلحة ضروريّ، وعلينا أن نفهم هذه الشّعارات الثلاثة العزّة والحكمة والمصلحة جيّداً. إذا استطعنا أن نجعلها عملية فإنّ سياستنا الخارجيّة ستكون ما تحتاجه دولتنا وما يليق بمستوى ومقام نظام الجمهوريّة الإسلاميّة. في مجال الثقافة يوجد الكثير من الكلام.
 

إذا استطعنا أن نجعل شعارات العزة والحكمة والمصلحة عملية فإنّ سياستنا الخارجيّة ستكون ما تحتاجه دولتنا وما يليق بمستوى ومقام نظام الجمهوريّة الإسلاميّة.

 

أشير أيضاً إلى ما يتعلّق بقضايا المنطقة، وكما قال الدكتور روحاني، فإنّ المنطقة منطقة حسّاسة، وهذه الأيّام هي أيّام أزمة. في قضايا مصر لا نرغب أبداً بالتدخّل بشؤونها الداخلية، ولكننا لا نستطيع أن نغضّ النظر عن المجازر التي ارتُكبت بحقّ شعبها. نحن ندينها أيّاً كان فاعلها، فقتل النّاس بهذه الطّريقة) أناسٌ لا يمتلكون أيّ سلاح، لأنّه أحياناً قد يكون هناك شعب مسلّح يحارب سلطة ما وقد يكون لتلك السلطة مبرّر) حيث يطلقون النّار عليهم ويقتلون المئات، وبحسب بعض الروايات الآلاف، قتل الناس بهذه الطريقة أمرٌ مدانٌ بشدّة. إنّنا في الشأن المصري نؤمن بضرورة الاحتراز بشدّة من الحرب الأهليّة. في عيد الفطر قلتُ أنّ من هواجسنا وغُصصِنا أن تقع في مصر لا سمح الله حربٌ بين أهلها، بالمعنى الواقعيّ للكلمة، حيث سيجرُّ ذلك فاجعةً على العالم الإسلامي والمنطقة. ويجب أن يكون الهدف الرّجوع إلى الديموقراطيّة ورأي الشّعب هناك، حسنٌ، في النّهاية وبعد سنوات متمادية من سيطرة الاستكبار والاستبداد معاً على مصر، تمكّن النّاس ببركة الصّحوة الإسلاميّة من إنجاز انتخابات سليمة فلا ينبغي إيقاف هذا المسير والتّراجع إلى الوراء.

وفي القضيّة السوريّة حيث هدّدت أمريكا بالتدخّل وسوف يكون هذا الأمر بالنسبة للمنطقة فاجعةً في الواقع. ومن المؤكّد أنّ الأمريكيين سيتعرضون للخسارة وسيتضررون منها، وعليهم أن يعلموا ذلك، فإنّهم سيخسرون حتماً كما حصل لهم في العراق وفي أفغانستان وسوف يكون هذا ضرراً آخراً أيضاً. فتدخل القوى الخارجة عن المنطقة في أي دولة (سواء كانت سوريا أم غيرها) لا معنى له سوى إشعال النيران والحروب، وسوف يزيد من كراهيّة الشّعوب لهم وسوف يزيد من سوء سمعتهم عن السابق، بالإضافة إلى أنّه لا يوجد أي مستقبل واضح، أي أنّ المنطقة في الواقع مثل برميل البارود لو حدثت شرارة واحدة فيه لا يعلم المرء ماذا ستكون عواقب هذه الشرارة. نسأل الله تعالى أن يحفظ هذه المنطقة من شرّ أمريكا والصهيونيّة وغيرهم من الأشرار، وأن يحفظ بلدنا وشعبنا وأهلنا وحكومتنا ورئيس جمهوريّتنا في ظلّ حمايته ورعايته ليتمكّنوا من القيام بواجباتهم إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

 

الهوامش:

  1. المعاون القانوني لرئيس الجمهورية، السيدة إلهام أمين زاده.
  2. سورة محمد، جزء من الآية 7.
  3. سورة الحج، جزء من الآية 40.
  4. نهج البلاغة، الحكمة 21.
  5. سورة الحديد، جزء من الآية 25.
  6. وزير الخارجية.