جاءت كلمة الإمام الخامنئي خلال هذا اللقاء كما يلي:

 

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين المعصومين، سيما بقية الله في الأرضين.

أرحب بالإخوة والأخوات الأعزاء النواب المحترمين. إنَّ ميزة لقائنا هذا العام هي أنَّ مجموعة العاملين في الأقسام المختلفة من مجلس الشورى الإسلامي قد شرّفوا بالمجيء اليوم وهم حاضرون في هذه الجلسة والحمد لله. إنها الأقسام المهمة التي تتبع لمجلس الشورى والمدراء والمسؤولون والعاملون فيها، أرحب بكم جميعاً وأتقدم بالشكر لكم على ما تتحملونه من جهود وأتعاب، وأسأل الله تعالى لنا ولكم المزيد من التوفيق [لسلوك] درب الهداية والإصلاح.

أولاً أشير ببعض الجملات إلى مناسبة هذه الأيام فقد خرجنا لتونا من شهر رمضان ولا تزالون في الأجواء الرمضانية إلى حدٍ ما ولا نزال فيها إن شاء الله. روح الخدمة [خدمة الناس] هي [نوعٌ من أنواع] التقرُّب إلى الله. كلُّ الأعمال التي تقومون بها، سواء تحت قبة المجلس، أو في اللجان والأجهزة المرتبطة بالمجلس ـ كل هذه الخدمات ـ إذا تمت وأنجزت لله وفي سبيل الله فستكون خدمة حقيقية وسبب تقرُّبٍ إلى الله. والحق أنه قلما توجد عبادة تضاهي مثل هذه الخدمات إذا ما أنجزت في سبيل الله. إذا سادت هذه الروح المعنوية والإلهية على نشاطاتنا وخطواتنا وكلامنا وسكوتنا فسيكون ذلك سبباً لرفع المجتمع والإعلاء من شأنه وتقرُّب الأفراد من جوهرهم الحقيقي الذي دعا إليه الأنبياء. إننا أسرى المادة؛ فنظراتنا وأعيننا لا ترى إلا مظاهر المادة وعلاماتها، ولهذا نعشق هذه المظاهر ونهيم فيها وتجتذبنا الجماليات المادية، وأعيننا لا ترى أكثر من هذا عندما تكون أسيرة الأجواء والمناخات المادية. إذا زدنا من المعنويات ورفعنا من مستوى النقاء القلبي وأخذنا التقرُّب إلى الله مأخذ الجد، وتدربنا على العمل لله وتقدمنا إلى الأمام، فإن تلك الروح الزُّلال التي ستحصلون عليها سوف تعمل على تفتح العيون على مناظر أجمل وأسمى وأرقى مما نشاهده من هذه الجماليات والجاذبيات الدنيوية في الدنيا.

إذا حلَّقت إلى الأعالي عن هذا التراب المنحط يوماً فسترى

أنَّ مُلك ذلك العالم أفلاك وأكوان (2)

وليس المراد من «مُلك ذلك العالم» الجنة فقط والقيامة فقط، ففي هذه الدنيا أيضاً كان ولا يزال هناك أفراد رأوا بأعين معنوية حقائق في هذه الدنيا وعاشوا حياة هنيئة طيبة بالنظر لتلك المناظر المعنوية والإلهية والنعم الإلهية الأفضل. وغالباً ما كانوا غير آبهين وغير مكترثين لهذه الأشياء التي نتشبث نحن بها. يمكن السير في هذا الدرب، كلنا نستطيع الحركة فيه، فهو ليس بالطريق الوعر الصعب. إذا راعينا هذه الأمور في أعمالنا؛ بحيث نرى في هذه الخطوة التي نريد اتخاذها وهذا الكلام الذي نروم قوله وهذا القانون الذي نعتزم المصادقة عليه، وهذا الرأي الاستشاري الذي نريد تقديمه وطرحه، وهذه الأعمال الخدمية التي نقوم بها، إذا كانت لله ومرضية له قمنا بها، وإذا شعرنا أنها ليست مما يرضى الله عنه فلا نقوم بها. بإمكان الجميع ممارسة هذه الدقة وهذا الالتفات، يمكننا جميعاً القيام بهذا الأمر. إذا عملنا بهذه الطريقة فسوف تتقدم بنا تدريجياً إلى الأمام وستجعلنا أنقياء وستزيد من صفائنا وطهارتنا.

حسنٌ، لنتطرق لقضايا مجلس الشورى. سجَّلت عدة نقاط وملاحظات لأطرحها على النواب المحترمين. وبالطبع فقد ذكرنا في جلسات الأعوام الماضية النقاط التي بدت ضرورية ومفيدة، لذلك ستكون بعض النقاط مكررة وقد يكون بعضها غير مكرر. على كل حال نذكر ما نراه لازماً.

يبدو أنه يجب على نواب مجلس الشورى والمسؤولين الكبار فيه أن يحاولوا في كل دورة [من دورات مجلس الشورى] اكتساب امتيازات ودرجات أكثر في هذه الدورة، وأن يتفوقوا ويسعوا إلى رفع مستوى جودة المجلس وأدائه. حسنٌ، إذا أردنا كسب درجات وامتيازات أكثر فالسبيل إلى ذلك أن نعمل أكثر وبشكل أفضل. هكذا هي ساحة العمل والخدمة. يجب أن نعمل ونسعى، ولا بُدَّ من عملٍ أفضل ولا بُدَّ من مبادرة وإقدام وأعمال أساسية.

طبعاً قدَّم حضرة السيد لاريجاني (حفظه الله) ـ رئيس [مجلس الشورى] المحترم ـ لائحة جيدة ـ وسبق أن قدَّم تقريراً مكتوباً طالعته ودققت فيه ـ الحمد لله أنجزت الكثير من الأعمال، ولكن ثمة نقطة مهمة هي أن المؤشرات الكمية غير كافية للتقييم. لا يكفي أن نقول هذا هو عدد القرارات التي صادقنا عليها. بل يجب أن يُشخَّص كم هو وزن [دور وأثر] هذه القرارات في إدارة البلاد، فأنتم مدراء البلاد ومشرعو [قوانين] البلاد وأنتم من تنشئون سكك الحديد لحركة قطار التنفيذ [قطار السلطة التنفيذية]، وهذا الجزء المهم من الإدارة تحت تصرفكم، فكم يؤثر هذا الشيء الذي صادقتم عليه في إزالة مشكلات البلاد وتقدمها ومراعاة أحوال عموم الناس؟ إذن، الكمّية وحدها لا تكفي، ولا بُدَّ من ملاحظة الكيفية والجودة. وبالطبع ثمة شروط أخرى سأذكرها. هناك أشياء أخرى ضرورية غير هذا المعنى.

مجلس الشورى يجب أن يكون مظهراً للعزة الوطنية ومظهراً لاقتدار النظام واستحكامه.

أقول هذا على نحو عام: مجلس الشورى يجب أن يكون مظهراً للعزة الوطنية ومظهراً لاقتدار النظام واستحكامه. هذا هو مجلس الشورى، لماذا؟ لأنَّ مجلس الشورى منتخبٌ من قبل عموم الشعب في أنحاء وأرجاء البلاد المختلفة. جاء الناس وانتخبوا هذا الشخص بدوافع واحدة، انتخبوا هذا الأخ أو هذه الأخت. وقد قال الإمام الخميني إنَّ مجلس الشورى عصارة فضائل الشعب (3). وهذه النقطة نقطة مهمة. لاحظوا: عصارة الفضائل، لا عصارة كل الخصال! فبعض الخصال ليست من الفضائل. يجب أن يكون مجلس الشورى عصارة فضائل الشعب. وفضائل هذا الشعب كثيرة جداً. يجب أن لا يكون مجلس الشورى رمزاً للتردد واستصغار الذات. يجب أن لا يكون رمزاً لليأس والقنوط أو رمزاً لعدم الاكتراث وعدم المبالاة لقضايا البلاد. يجب أن لا يُظهر مجلس الشورى أن نظرته للإمكانيات والقدرات الوطنية نظرة يائسة. هذه هي فضائل الشعب التي ينبغي أن تتجمع عصارتها هنا.

يجب أن أعرب هنا عن أسفي لأن مطالعة التاريخ ضعيفة وباهتة بين شبابنا وعند شعبنا إلى حدٍّ ما، وإلا إذا قرأ الإنسان التاريخ لوجد أن هذا الشعب شعب بارز في التاريخ وفي الزمن الحاضر أيضاً. شعبنا في التاريخ رمز للإيمان والعلم والثقة بالذات والفخر بالإمكانيات والطاقات الذاتية ورمز للصمود والمقاومة. هكذا هو في التاريخ. وأشير هنا إلى نموذج أو نموذجين. لاحظوا أن السلاجقة جاؤوا إلى إيران في القرنين الخامس والسادس للهجرة. قسمٌ جاء إلى إيران من الجنوب، وقسمٌ توجَّه من الشمال إلى آسيا الصغرى. القسم الذي توجَّه نحو آسيا الصغرى غيَّر لغة تلك البلاد وغيَّر حضارتها وثقافتها وكلَّ شيء فيها. بدَّلوا [ثقافة] بلاد الأناضول القديمة التي كانت تابعةً للدولة البيزنطية إلى ثقافتهم التي كانوا يمتلكونها. أما الذين جاؤوا من الجنوب ـ وهم سلاجقة إيران ـ فذابوا في الحضارة والثقافة الإيرانيتين. كانوا نفس أولئك [الذين ذهبوا إلى آسيا الصغرى] لكنهم ذابوا هنا، ولم يذوبوا في الحضارة والثقافة الإيرانية وحسب بل اضطروا لأن يكونوا دعاة ومبلغين ومروجين للثقافة الإيرانية. لاحظوا أنَّ فنوننا وعمارتنا وشعرنا ونثرنا في العهد السلجوقي في أية ذروة كان؟ لم يكن هؤلاء إيرانيين ـ كانوا سلاجقة أجانب ـ لكن إيران أذابتهم وغيَّرتهم في داخلها. هذا هو معنى اقتدار الشعب ورصانته ومتانته.

ومثل هذه القضية حدثت مع المغول أيضاً. جاء المغول كمهاجمين إلى هنا وفعلوا تلك الأعمال المعروفة، ولكن ماذا كانت النتيجة؟ لم يستطع المغول فرض حضارتهم وثقافتهم وياساهم (4) على هذا البلد، إنما أذابتهم هذه الحضارة وهذه الثقافة في داخلها وهضمتهم فصاروا مروجين للإيمان والدين والثقافة والفنون، ومن العهود الممتازة في تاريخ فنوننا هو عهد الحكم المغولي في إيران. هذه هي إيران، وهذه هي سوابقنا [التاريخية].

ولأقل أكثر من هذا، الأبطال المسلمون الذين منحونا الدين الإسلامي العزيز ـ أعطانا أحدهم هذا الدين العزيز (5) ـ عندما ذهبوا إلى بلدان شمال أفريقيا مثلاً ـ وأنا أذكر تلك البلدان من باب المثال ـ تغيَّرت لغة تلك البلدان وثقافتها، أما عندما جاؤوا إلى إيران فلم تتغير لغتنا، إنما شهدت اللغة الفارسية خلال الحقبة الإسلامية رشداً ونمواً ورقياً أكثر من حقبة ما قبل الإسلام. ماذا تمتلكون من مؤشرات وعلامات اللغة الفارسية قبل الإسلام؟ ولكن لاحظوا الرفعة التي شهدتها اللغة الفارسية خلال الحقبة الإسلامية، فكم هناك من الشعر وكم هناك من النثر وكم هناك من الثقافة! هذه أمور مهمة جداً ويجب التدقيق فيها. هذا ما يتعلق بالماضي.

لقد تشكَّلت ضدَّ الجمهورية الإسلامية جبهة أحزاب عجيبة غريبة تشبه حرب الأحزاب في صدر الإسلام [لكن] بأبعاد أكبر ملايين المرات.

وفي زماننا هذا منذ أربعين عاماً تمارَس ضدَّ هذا الشعب أشدَّ أنواع العداء، فهل ثمة أشد من هذا؟! الواقع أنه لم يُعامَل شعبٌ بكل هذا الخصام وبكل هذه الأبعاد والجهات. لقد تشكَّلت ضدَّ الجمهورية الإسلامية جبهة أحزاب عجيبة غريبة تشبه حرب الأحزاب في صدر الإسلام [لكن] بأبعاد أكبر ملايين المرات، وقد فعلوا كل ما يستطيعون فعله وبمختلف الصنوف. فرضوا الحظر وأطلقوا الدعاية والإعلام وفرضوا الحرب وتآمروا أمنياً، وقاموا بشتى أنواع الأعمال التي يستطيعون القيام بها. قارنوا هذا الشعب اليوم بما كان عليه قبل أربعين عاماً وببدايات الثورة. اقتدار هذا الشعب وعظمته وتقدُّمه وعلمه وتواجده الدولي القوي لا يقبل المقارنة بالوضع السابق. لقد تقدَّم [هذا الشعب] يوماً بعد يوم. هذا هو الشعب. وأنتم عصارة فضائل هذا الشعب، وإذن فانظروا واعلموا كيف يجب أن تتصرفوا. هذا شعبٌ له إيمانه وعلمه وثقته بنفسه وهو شعب مستقل ويدرك امتيازاته وقدراته ويُصرُّ عليها. مضت أربعون سنة على الثورة.

ولا يمكن أن نخوض في تفاصيل التاريخ هنا. هناك ثورتان أو ثلاث ثورات من الثورات الكبرى في العالم خلال القرنين الأخيرين، إحداها الثورة الفرنسية الكبرى، والثانية الثورة السوفيتية الكبرى، ومنها أيضاً حركة الاستقلال الأمريكية، وقد حدثت كلها تقريباً خلال حقبة المائتي عام الأخيرة. حركة الاستقلال الأمريكية وقعت مثلاً قبل نحو مائتين وثلاثين أو أربعين سنة ـ في حدود سنة 1783 للميلاد ـ (6) ووقعت الثورة الفرنسية الكبرى بعد عدة سنوات، وبعد قرابة مائة عام حدثت الثورة السوفيتية. هذه أحداث وقعت في الفترة القريبة منا. إذا لاحظتم تاريخ هذه الثورات فلكم أن تقارنوا الأربعين سنة الأولى من تاريخها بالأربعين سنة الأولى من بعد انتصار الثورة الإسلامية، وهنا سيحتار المرء من عظمة هذه الثورة وتقدمها وسرعة عملها وإنجازها. لم يستطيعوا أبداً التقدم بهذه السرعة وبهذه الشدة وهذه القوة. ولا علاقة لهذا بتطورات الزمن وما شاكل؛ أي إن الأمر لا يخضع لتأثيرات هذه الأشياء بل له عوامل أخرى. الشعب الإيراني شعبٌ [بهذه الصفات وهذه العظمة] وأنتم عصارة فضائل هذا الشعب. يجب أن تنظروا لأنفسكم بهذه النظرة، ويجب أن تنظروا لمجلس الشورى بهذه النظرة، وينبغي أن تنظموا وتديروا توقعاتكم من مجلس الشورى وفقاً لهذه النظرة، وأن تحققوا هذه التوقعات إن شاء الله. حسنٌ، كانت هذه النقطة الأولى.

النقطة التالية هي أن عملية التشريع والتخطيط ووضع الخطط والسِكك [لمسيرة البلاد] والتي هي المهمة الرئيسية في مجلس الشورى ـ وطبعاً ثمة هناك مهمة الإشراف لكن المهمة الأساسية هي تشريع القوانين ـ يجب أن ترفعوا جودتها ومستواها يوماً بعد يوم؛ أي إنَّ كيفية التشريع ينبغي أن ترتفع مع كل دورة بل في كل سنة بالمقارنة مع الدورة السابقة أو السنة السابقة. وسوف أذكر نقاطاً حول عملية التشريع وسَنِّ القوانين.

أولاً هناك قضية الأولويات. وقد أشار حضرة السيد لاريجاني أنَّ أولويات البلاد روعيت في هذه القوانين. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. لاحظوا وانظروا ما هي الأولويات. قد تطرح بعض القوانين وتأخذ وقت المجلس وتخلق قضية في المناخ الاجتماعي للبلاد والحال أنها لا تتمتع بالأولوية إطلاقاً. يجب ترك هذه الأمور جانباً؛ أي إنها مثل المال الذي لا يحتاجه الإنسان وينفقه هكذا من دون كوابح. ينبغي عدم إنفاق وقت المجلس بهذه الطريقة. وقت المجلس محدود. إنكم لا تمتلكون من الوقت أكثر من أربعة أعوام، وينبغي الاستفادة من هذا الوقت ذرة ذرة ولحظة لحظة. إذن، لتطرح المواضيع ذات الأولوية فقط.

وهناك قضية العملانية. أحياناً يُصادق على قانون واضحٌ أنه غير عملي؛ أي إنَّ العمل التخصصي لا يدلُّ على أن هذا القانون إذا تمت المصادقة عليه فسوف يمكن تطبيقه وتحقيقه عملياً. فليترك هذا الشيء.

أو إنه في بعض الأحيان بخلاف مصالح البلاد ومن المفترض أن لا يحصل هذا الشيء في مجلس الشورى عن عمد. وأشير هنا إلى قضايا المعاهدات والاتفاقيات الدولية. لاحظوا أنَّ هذه المعاهدات الدولية والتي تسمى بالمفردة الأجنبية كنوانسيون (7)، تطبخ [تعدُّ] في الأساس في مكان لا تأثير إطلاقاً لأطراف القضية فيها، من باب المثال 100 بلد أو 150 بلداً ينضمون لها لاحقاً، هؤلاء لا تأثير لهم إطلاقاً في هذه الطبخة. ثمة مكان تجتمع فيه عدة قوى كبرى على شكل هيئات فكرية ـ وعلى حد تعبيرهم غرف عمليات ـ فيطبخون شيئاً لأجل مصالحهم، ثم يصادقون عليها من قبل حكومات مواكبة لهم أو خائفة منهم أو تابعة لهم وليست لها مصالح كبيرة في هذه العملية. وإذا كانت هناك حكومة مستقلة ـ مثل الجمهورية الإسلامية الآن ـ تقول مثلاً «لا أوافق على هذا الشيء، لا أوافق على هذه الاتفاقية، لا أوافق على هذه المعاهدة الدولية»، فيتكالبون عليها ويصرخون «يا أخي، 120 بلداً أو 150 بلداً أو 200 بلد يوافقون على هذا الشيء فكيف لا توافقون عليه؟» هكذا هي المعاهدات غالباً.

يقال وما نفعل الآن؟ في بعض هذه المعاهدات الدولية والكنوانسيونات مواد مفيدة. لا بأس، ليس هناك مشكلة. وقد قلت فيما يتعلق بهذه الأمور التي طرحت مؤخراً في مجلس الشورى في الأشهر الأخيرة قلت ليضع المجلس قانوناً بشكل مستقل. لنفترض مثلاً موضوع الحرب ضد الإرهاب أو مكافحة غسيل الأموال. لا بأس، مجلس الشورى الإسلامي مجلسٌ رشيد وعاقل وناضج وله رصيده المهني الجيد جداً، فليجتمعوا وليسنوا قانوناً، وليكن هذا القانون قانون مكافحة غسيل الأموال، لا إشكال في الأمر إطلاقاً، ولا شروط كثيرة له، وتدرج في هذا القانون الأشياء التي تريدون أنتم القيام بها. هذا هو المهم. لا ضرورة أبداً لأن نقبل أشياء لا نعلم عواقبها بل حتى أننا نعلم ما هي مشكلاتها، لا ضرورة لأن نقبلها بسبب جوانبها الإيجابية.

فيما يتعلق بالمعاهدات الدولية لا ضرورة أبداً لأن نقبل أشياء لا نعلم عواقبها بل حتى أننا ندرك ونعلم ما هي مشكلاتها.

حسنٌ، القانون يجب أن يكون لأجل حلِّ مشكلات الناس، ويجب أن تكون فيه مراعاة للأولويات الداخلية. يجب أن يكون بالدرجة الأولى من أجل رفع مشكلات الناس المحرومين والطبقات الضعيفة. ثمة في البلاد طبقات ضعيفة إما أنَّ حالها متوسط أو تحت المتوسط. والقانون ينبغي أن يركِّز أكثر على رفع مشكلات هؤلاء. وبالطبع فإن القانون للجميع ويريد خير كل طبقات البلاد ـ ولا فرق في ذلك ـ لكن هذه هي الأولوية، لأن مشكلة الطبقات الضعيفة هي المشكلات الحالية في البلاد، والقانون يرمي إلى معالجة هذه المشكلات. المهم يجب أن لا يكون القانون وسيلة بيد أصحاب القوة والثراء، هذا هو المهم، يجب أن لا يكون أداة في أيديهم. أحياناً تضعون قانوناً يقول إنَّه لو وضع شخص سُلَّماً على جدار بيت شخص آخر وصعد وسطا عليه فالقانون يقول إنَّ جزاءه سيكون كذا وكذا، ولا يختلف الأمر على بيت من وضع هذا السُلَّم [وعلى من سُطي]، هل كان المسروق فقيراً أو غنياً؟ في شمال المدينة أم جنوبها؟ لا فرق في الأمر، الكل ينتفعون من هذا القانون. القانون للجميع ولكن ثمة بعض الأولويات في بعض المواطن. ينبغي أن لا يُسمح أن يكون القانون تحت تصرف أفراد يمتلكون الثراء والقوة.

يجب مراعاة الجوانب التخصصية في إعداد القانون وتصويبه بشدة. ولحسن الحظ فإنَّ مركز بحوث مجلس الشورى مركز جيد. التقارير التي لدي من مركز البحوث هذا تشير إلى أخبار جيدة. ثمة هناك إمكانية أعمال تخصصية جيدة متراكمة ومتمركزة، وينبغي الانتفاع من هذه الإمكانية إلى أقصى حد. بالإضافة إلى ذلك ـ وهذه ذراع تخصصية قوية لمجلس الشورى ينبغي الاستفادة منها ـ ينبغي الانتفاع من الخبراء الموجودين خارج مجلس الشورى. تلاحظون أحياناً في قضية معينة وفي مجال تخصصي معين، أنَّ شخصاً عمل وبحث لسنين وفكَّر في الموضوع، فإذا طلبتم منه الاستشارة في هذا المجال التخصصي، فسيحصل فتحٌ كبير بكلمة واحدة أو بسطر واحد. هكذا هو الأمر. هكذا هي مساعدات النخبة في بعض الأحيان بحيث تكون مساعدة صغيرة منهم سبباً في فتح ونجاح كبير.

قلنا يجب أن يصب القانون باتجاه حلِّ المشكلات الحقيقية. لاحظت أنَّ بعض القوانين المتعلقة بالأسرة في مجلس الشورى والتي تناقش هناك أو يصادق عليها، يشعر المرء أنها متأثرة بالأعراف الغربية. هذا ما ينبغي اجتنابه. الغربيون لا يهتمون للأسرة إطلاقاً، لا [أقول] أنهم لا يريدون، إنما الظروف وأسلوب الحياة الغربي يتعارض مع الأسرة بالمعنى الحقيقي للكلمة. وهذا ما يقولونه هم أنفسهم وهم يعانون منه منذ سنين. ويريدون الآن علاج هذه المشكلة فلا يستطيعون؛ أي إن أساس الأسرة ومؤسسة الأسرة في الغرب تزعزع بشدة. فنأتي الآن فنأخذ بالأشياء الموجودة في أعرافهم حول المرأة والشباب والأبناء والآباء والأمهات وما شاكل ونشركها في قضايا الأسرة! لا، هذه حالة غير محبذة. يجب أن نسنَّ للأسرة قانوناً يحلُّ مشكلات الأسر بالمعنى الحقيقي للكلمة ـ إذا كانت هناك مشكلات فهو يحلُّ هذه المشكلات ـ ولا يكون متأثراً بتلك المنطقة.

ونقطة مهمة أخرى هي أنَّ القانون من أجل حلِّ المعضلات الاقتصادية. كما أشاروا فقد انعقدت جلسة شارك فيها رؤساء السلطات وعناصر من السلطات الثلاث من أجل معالجة المشكلات الاقتصادية بشكل جدي واتخاذ قرارات وفتح الطريق. من المهم [والضروري] جداً أن تنعقد هذه الجلسة الآن. وعلى مجلس الشورى أن يقوم بحركة جدية في هذا الاتجاه. المعضلات الاقتصادية في البلاد هي اليوم في الأولوية، وينبغي حلُّ هذه المعضلات بالمعنى الحقيقي للكلمة. والعدو يريد استغلال نقطة الضعف هذه، فينبغي عدم السماح له القيام بذلك.

المعضلات الاقتصادية في البلاد هي اليوم في الأولوية، وينبغي حلُّ هذه المعضلات بالمعنى الحقيقي للكلمة.

ونقطة أخرى هي قضية تحديث القوانين. بعض القوانين انتهى منطقها [وصلاحيتها]، وهذه هي قضية تنقيح القوانين التي سبق أن كررتها. نعم، تمت المصادقة على قانون ما قبل سنين في الجمهورية الإسلامية أو قبل الجمهورية الإسلامية. إنه قانون لكن هذا القانون لا منطق له الآن، فألغوا هذا القانون؛ بمعنى أنَّ مجلس الشورى الإسلامي يستطيع القيام بهذا العمل ولا يمكن لأي جهاز آخر القيام به. القانون الذي لا منطق له وقد انتهت فلسفته ومبرراته يجب تركه. وبعض القوانين تؤدي إلى تعارضات وإشكالات وعُقد في أداء الأعمال وما إلى ذلك. تابعوا قضية تنقيح القوانين هذه بالمعنى الواقعي للكلمة. بعض القوانين تثير مشاكل فيجب معالجتها وإزالتها. سمعت وقلت في ذلك اليوم خلال كلام معين إنَّ وزارة الاقتصاد راحت تحذف بعض المقررات التي تحول دون تحسُّن أوضاع العمل والتجارة والكسب في البلاد (8). هذا عملٌ حسنٌ جداً. بعض الأعمال يستطيع المسؤول الحكومي القيام بها، ولكن بعض الأعمال لا يمكنه النهوض بها، ولا يمكن إلا لمجلس الشورى القيام بها. هذه أيضاً ملاحظة.

وقضية أخرى هي قضية تطبيق القوانين. قال رئيس مجلس الشورى المحترم قبل مدة إن القانون الفلاني لم يطبق في الجهاز الفلاني منذ سنتين. سؤالي هو: حسنٌ، وماذا فعلتم أنتم في مجلس الشورى طوال هذه السنتين؟ إذا لم يكن قد طبقه فيجب عليكم أنتم المتابعة. لماذا لم يطبق؟ إنكم تنفقون كل هذا الوقت والعمر والمال والإمكانيات وما إلى ذلك من أجل المصادقة على هذا القانون، ويصادق على هذا القانون بعد كل هذه المقدمات فلا يطبقه ذلك المسؤول! حسنٌ، ينبغي معالجة القضية بشكل من الأشكال. وقالوا إنهم أحالوا بعض حالات عدم التطبيق هذه إلى السلطة القضائية، وهم قالوا إنَّ هذه ليست من ضمن عناوين الإجرام، حسنٌ، إذا أردتم أن تكون من ضمن عناوين الإجرام فمن يجب أن يقوم بذلك؟ مجلس الشورى نفسه يجب أن يقوم بذلك (9). لا، ليس من مهمة السلطة القضائية. السلطة القضائية يجب أن تتابع عناوين الإجرام، ولكن من بوسعه أن يقول إنَّ هذا من ضمن عناوين الإجرام؟ هو مجلس الشورى الإسلامي. على مجلس الشورى أن يقوم بهذه العملية. أنتم قولوا إنَّ هذه المخالفة إذا حصلت بهذا الشكل فهذه جريمة وهذا هو عقابها، ثم ابعثوا هذا ليستطيعوا العمل به؛ أي إنَّ هذه العمل عمل المجلس نفسه. وعليه فقضية متابعة القوانين أيضاً نعتقد أنها قضية على جانب كبير من الأهمية ويجب أن تتم وتنجز.

ونقطة أخرى يمكن ذكرها للإخوة والأخوات النواب الأعزاء هو قضية سلوك النواب. أرى أنَّ الكلمة العامة والشاملة والجامعة التي يمكن طرحها في هذا المجال هي كلمة «النزعة الثورية». سلوك نواب مجلس الشورى يجب أن يكون سلوكاً ثورياً. التعامل يجب أن يكون تعاملاً ثورياً. إنكم في القَسَم الذي أقسمتموه أقسمتم أن تحافظوا على الثورة ونتائجها وإنجازاتها وإنجازات نظام الجمهورية الإسلامية. فكيف يمكن ذلك؟ لا يمكن الحفاظ عليها من دون أن تكونوا ثوريين. السلوك يجب أن يكون سلوكاً ثورياً، وليس السلوك الثوري بمعنى السلوك غير المُدبَّر، بل هو بمعنى السلوك العقلاني والمُدبَّر والجهادي، الحركة الجهادية. لهذا نوصي المدراء دوماً بالإدارة الجهادية، وهذه الحالة في خصوص مجلس الشورى تعني السلوك الجهادي والكلام الجهادي والخطوات الجهادية والنزعة الثورية. يجب أن تكون الروح الإيمانية والدوافع الثورية سائدة على كل أعمال النائب المحترم في مجلس الشورى. حراسة مكتسبات الثورة وركائز النظام الإسلامي من جملة بنود قسم نيابتكم وإذا لم يحصل هذا الشيء سيكون في تواجد النائب إشكال من الناحية القانونية وأيضاً من الناحية الشرعية. إذا لم تراع مكتسبات الثورة ولم يجرِ الاهتمام لمنجزات النظام الإسلامي، فسيكون في ذلك إشكال سواء من حيث دستور البلاد ومن الناحية الشرعية.

وقضية أخرى قلتها مراراً للنواب المحترمين في اللقاءات وأقولها لكم هي قضية التواجد في اللجان وتحت قبة المجلس في الوقت المعين. التقارير التي تصل في هذا الخصوص ليست مريحة جداً. أحياناً يُقال إن إمكانية التصويت في اللجان غير متاحة أحياناً بسبب عدم وصول عدد النواب الحاضرين إلى النصاب اللازم. يجب على كل نائب أن يرى من واجبه الحضور في كل الساعات والدقائق اللازمة في المجلس وفي اللجنة.

ونقطة مهمة أخرى لا تتعلق بكم فقط بل هي قضية البلاد كلها قضية النزعة الارستقراطية. بلاء النزعة الأرستقراطية بلاء كبير. جاؤوني بصورة بناية شُيدت بمال بيت المال في منطقة ما فتعجبت كيف تجرؤوا حقاً وكيف طاوعت يد وقلب شخص أن ينفق بيت المال على مثل هذا الشيء. قضية النزعة الارستقراطية إذا شاعت وصارت جزءاً من أسلوب حياتنا فلن تكون هناك نهاية لآثارها وتبعاتها وحالات التساقط التي تؤدي لها. إنها مشكلة كبيرة وتعقد الأمور والأعمال بشكل كبير. يجب أن تأخذوا هذه القضية بعين الاعتبار.

ومسألة أخرى هي مسألة الأسفار الخارجية. ليراع الإخوة والأخوات الأصدقاء الأعزاء قضية الأسفار الخارجية قدر الإمكان، بأن تكون الأسفار الخارجية في حدود الضرورة والحاجة. يجب عدم التصرف في هذا الخصوص بطريقة تبذيرية.

تحدثنا قبل سنوات عن موضوع الإشراف على النواب (10) وأبدى نواب المجلس همَّة وتكونت مجموعة إشراف على سلوك النواب، فيجب تعزيزها وتقويتها، أي يجب أن تفعلوا ما من شأنه أن يكون هناك إشراف بالمعنى الحقيقي للكلمة. وأعتقد أن هذا أهم من إشرافكم على الحكومة وعلى سلوك الآخرين الذين تتحملون مسؤوليته. هذا إشراف على النفس وإشراف على الذات، وإشراف على سلامة مجلس الشورى.

إنهم يعارضون الجمهورية الإسلامية بشدة لأنها تنادي بالعدالة وتنادي بالإسلام وتنادي بالدفاع عن المظلوم.

الذي أشعر به هو أنَّ مجلس الشورى الإسلامي وهو ركن أساسي من أركان النظام الإسلامي، قد سار لحد الآن بشكل جيد وتقدم إلى الأمام والحمد لله، فعززوا هذه المسيرة نحو أهداف الثورة ما استطعتم. البلد اليوم بحاجة لهذه المتانة في البنية الداخلية للشعب ولأركان النظام الإسلامي. لاحظوا من هم أعداؤكم وبأية روح يتحركون ويعملون وبأي خُبثٍ يقفون بوجه الشعب الإيراني، وليس فقط بوجه الشعب الإيراني، بل هذه هي ذاتهم وطبيعتهم. إنَّ قضية فصل عدة آلاف من الأطفال عن أمهاتهم في أمريكا اليوم ليست بالقضية الصغيرة. إنها قضية كبيرة جداً. لا يُطيق الإنسان أن يسمع بكاء هؤلاء الأطفال في التلفاز، فكيف هم مستعدون من أجل سياسة معينة ولأجل تنفيذ شيء ما أن يقوموا بمثل هذا العمل الخاطئ والإجرامي بأن يفصلوا عدة آلاف من الأطفال عن أمهاتهم. هكذا هم. هؤلاء هم الذين يأتون مع عدة حكومات كبيرة وذات تسليح متطور عبر البحر ليقفوا بوجه الشعب اليمني من أجل أن ينتزعوا منهم هذا الميناء الذي هو قناة تنفس الشعب اليمني المظلوم. يقتلون الناس بلا أي تردد. ليسوا سيئين مع الجمهورية الإسلامية فقط، بل هم بذاتهم أناسٌ ظالمون وهم أجهزة سلطة ظالمة. نعم، إنهم يعارضون الجمهورية الإسلامية بشدة لأنها تنادي بالعدالة وتنادي بالإسلام وتنادي بالدفاع عن المظلوم، ويمارسون هذه العراقيل. يجب الوقوف بوجههم، ويجب الحفاظ على المتانة والرصانة، وينبغي الاطمئنان إلى أنَّ الشعب الإيراني سينتصر على أمريكا وأعدائه بتوفيق من الله وبحرمة الله وجلاله وعزته.

إنهم شَمِر العصر بالمعنى الحقيقي للكلمة، إنهم بالمعنى الحقيقي للكلمة أناسٌ يقول القرآن عنهم «إنَّهُم لا إيمـانَ لَهُم‌‌» (11)، لا يمكن الوثوق بأي عهد وميثاق لهم ـ ونحن نشاهد ذلك وهو أمام أعيننا ـ إنهم ابتزازيون ومتعسفون ويعملون بمنطق القوة بالمعنى الواقعي للكلمة، ومن البديهي أن لا يخضع الشعب الإيراني ونظام الجمهورية الإسلامية ومسؤولو النظام المحترمون لأي ابتزاز ولأي منطق قوة.

حفظكم الله ووفقكم لأداء الواجب إن شاء الله. اذهبوا وافعلوا ما من شأنه أن يبقيكم في صدر الجدول إن شاء الله.

والسّلام عليكم و رحمة الله وبركاته.

 

 

الهوامش:

  1. بدأ هذا اللقاء بكلمة ألقاها الدكتور علي لاريجاني رئيس مجلس الشورى الإسلامي.
  2. بيت شعري للشاعرة الإيرانية المعاصرة برفين اعتصامي.
  3. صحيفة الإمام الخميني، ج 12، ص 343، كلمة للإمام الخميني في نواب مجلس الشورى الإسلامي بتاريخ 25/05/1980 م.
  4. كتاب قانون المغول.
  5. مصرع شعري للشاعر الإيراني المعاصر محمد تقي بهار من «منظومه تشهار خطابه».
  6. الإعلان الرسمي لاستقلال الولايات المتحدة الأمريكية عن بريطانيا.
  7. کنوانسیون أو كنفانسيون كلمة ذات أصل فرنسي بمعنى معاهدة واتفاقية دولية.
  8. خطبتا صلاة عيد الفطر السعيد بتاريخ 15/06/2018 م.
  9. قال أحد الحضور هنا: السلطة القضائية يجب أن تتابع.
  10. كلمة الإمام الخامنئي في لقائه رئيس ونواب مجلس الشورى الإسلامي بتاريخ 13/06/2012 م.
  11. سورة التوبة، شطر من الآية 12.