الخطابات

كلمة الإمام الخامنئي في أعضاء مجلس خبراء القيادة

بسم الله الرحمن الرحيم استفدنا من كلمات السادة. أولاً أبارك لجميع الإخوة والأخوات الأعزاء والسادة المحترمين الحاضرين هذا العيد السعيد لولادة أمير المؤمنين وسيد المتقين (عليه سلام الله) وكذلك ميلاد سيدنا جواد الأئمة، والإمام الهادي، والإمام الباقر عليهم السلام والذين تبركت هذه الأيام منذ الأول من رجب وإلى اليوم بمواليدهم السعيدة. طبعاً من السهل تكريم أمير المؤمنين وذكر تلك السمات الفذة في تاريخ الإسلام بل في تاريخ البشرية، بيد أن مقتضى هذا التكريم والانتساب لذلك الرجل العظيم أمورٌ بعيدة جداً عن العمل والوضع والإمكانات والمقتضيات الخاصة بعصرنا. مع أننا نفخر باتباعنا لأمير المؤمنين لكننا خجولون من أننا لا نستطيع عبر هذا الانتساب تكوين سمعة طيبة وعزة لذلك الإمام الجليل. ثمة بون شاسع بيننا وأعمالنا وسلوكنا وبين الدرس الذي أعطانا أياه أمير المؤمنين، سواء خلال فترة حكومته القصيرة، أو خلال كافة فترات عمره المبارك. أن نكون معروفين في الدنيا باتباعنا لهؤلاء الأجلاء »والمعروفين بتصديقنا إياكم« فهذا تكليف كبير في أعناقنا. نسأل الله أن يعيننا. ونستمد العون كذلك من الأرواح الطيبة لهؤلاء العظماء كي نستطيع السير في هذا الطريق، ونتقدم نحو قم الكمال هذه إن شاء الله.ما يبدو من الضروري ذكره في ضوء المسائل والأحداث الجارية حالياً في العالم هو أن النظام الإسلامي واجه تحدياً عالمياً هائلاً منذ بداية ظهوره. والسبب هو أن أصحاب المال والقوة في العالم والذين كانوا ولا يزالون يفكرون في مصالحهم لم يطيقوا قوةً جديدةً تظهر وتنمو في العالم ضد مصالحهم اللامشروعة. ظهرت هذه القوة بانتصار الثورة الإسلامية وتأسيس نظام الجمهورية الإسلامية في إيران. وربما كان الأخطر على الاستكبار من هذه الدولة والنظام الإسلامي هو اتساع رقعة الصحوة الإسلامية في العالم الإسلامي.. الخطر الذي يهدد الاستكبار اليوم أيضاً ويوجه عداءه نحو العالم الإسلامي وخصوصاً محور العالم الإسلامي أي النظام الإسلامي في إيران. كان هذا مما لا مفر منه. لقد شنت هذه الخصومات والعداوات منذ اليوم الأول بأشكال مختلفة. يسمع الإنسان عبارات تقول إن عداء الاستكبار والجبهات المهيمنة والمسلحة في العالم - عالم الكفر والاستكبار - اليوم ضد إيران كذا وكذا، وكأن لهذا العداء خصوصية معينة في الوقت الحاضر.. وهذه عبارات غير صحيحة. شنت التهديدات ضد النظام الإسلامي والبلد الإسلامي في إيران منذ بداية الثورة. بل لقد كان ظهور هذا العداء وتأثيراته على بلادنا أكبر وأصعب وأوضح مما هي عليه اليوم. لا ننسى فترة الحرب المفروضة وتهديدات الاستكبار وبقاء نظام الجمهورية الإسلامية وحيداً أمام عالم الاستكبار وفرض مثل تلك الحرب علينا، وقبل ذلك وبعده إلى يومنا هذا. واليوم أيضاً تتواصل تلك التهديدات. طبعاً ثمة فارق لصالحنا اليوم هو أننا نتوفر حالياً على تجارب ووعي وقوى أكبر وذهنية أكثر استعداداً في كل أنحاء البلاد، وقد تعامل معنا الله تعالى بما يتناسب وجهاد شعبنا ونواياه الصالحة الخيرة، وسيكون الأمر كذلك بعد الآن إن شاء الله.ما أشعر به كتكليف لنفسي في الوقت الحاضر وأوصي به مسؤولي البلاد هو أن لا نترك ساحة الجهاد؛ الجهاد في السوح التي يتوجب علينا التواجد فيها طبقاً للفهم والتشخيص الصحيح للأمور. هذا الجهاد هو أهم سبل الخروج من المشكلات. ينبغي الجهاد والسعي. كما استطاع الجهاد والكفاح المسلح في عهد قمع النظام الطاغوتي إخراجنا من المشكلات العظيمة التي خيمت يومذاك على بلادنا وأحاطتنا من صوب، وكما استطاع الجهاد المستمر في فترة الحرب رفع الخطر الهائل الذي كان يحدق ببلادنا، وكما كانت مواصلة الكفاح والصمود حيال شتى المشكلات السبيل الوحيد للعلاج والخروج من هذه المشكلات طوال السنوات الخمس والعشرين من عمر الثورة الحافل بالأحداث. قال الله: » والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا« ، »ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه «. هذا الجهاد هو السبيل الوحيد أمامنا، والحمد لله على أن شعبنا ومسؤولينا وشريحتنا الشابة والعناصر المؤمنة الغفيرة في مجتمعنا مستعدة لهذا الجهاد.. المهم أن لا نسمح للفتور بأن يتطرق لعزيمتنا.إنه جهاد على سوح عديدة من أهمها الجهاد في سبيل حفظ استقلال البلاد والعزة الوطنية حيال سياسة التوسع والاحتكار التي تتبناها أمريكا في نظرتها للعالم خلال الأعوام الأخيرة. هذا الاحتكار والتعدي لا يقتصر على بلدان العالم الإسلامي أو بلدان الشرق أو الشرق الأوسط ، إنما يوجه للعالم بأسره. حتى الأوربيون اليوم يشعرون بأن أمريكا تعتدي عليهم اقتصادياً، وثقافياً، وسياسياً، وهذه حقيقة. جزء من سياسة التوسع والاعتداء هذه يختص بمنطقتنا وبلادنا. ينبغي الجهاد والمقاومة في هذه الساحة بكل يقظة ووعي وعدم السماح بالنيل من استقلال البلد وسحق عزته الوطنية. العزة المتوفرة اليوم للبلاد بفضل الإسلام وجهاد الشعب ينبغي صيانتها بكل الوجود. هذه إحدى سوح الجهاد.الساحة الثانية ساحة نشر الثقافة الإسلامية الأصيلة والفكر الديني وإشاعة الأفكار المفضية إلى صحوة العالم الإسلامي. كان إسم الإسلام وحقيقته موجودة في كل أرجاء العالم الإسلامي على نحو فردي - بدرجة شديدة لدى البعض، وبدرجات أقل لدى البعض الآخر - لكن نظرة الإسلام للعالم وللأمة الإسلامية ككيان عظيم ذي مواهب كثيرة وقادر على التحرك واليقظة نظرة تجذرت وظهرت في إيران الإسلامية وشعت على العالم برمته. النظرة للإسلام من هذه الزاوية وإشاعة هذه الأفكار في العالم الإسلامي - الأفكار التي أسست دولة استطاعت استقاء الحرية، والديمقراطية، والحكومة المعتمدة على أصوات الشعب من صميم المفاهيم والتعاليم الإسلامية - شيء لا نظير له في أية رقعة من العالم الإسلامي في زماننا أو حتى القرون التي سبقتنا. ما تبقى في أذهان الناس عن الحكومة الإسلامية خلال فترة الخلفاء العثمانيين والخلفاء الذين سبقوهم - العباسيين والأمويين - كان مفهوماً آخر يختلف تماماً عن المفهوم الذي يحمله العالم الإسلامي اليوم للحكومة حسب نظرة إيران الإسلامية. هذه الثقافة الدينية وليدة النظام الإسلامي وهي بدورها منتجة للنظام الإسلامي وللتحرك صوب الوحدة الإسلامية - فمن المحطات المهمة في هذه الأفكار وحدة الأمة الإسلامية أي نظرة الإسلام للأمة كمنظومة واحدة - وكذلك اجتناب الخلافات القومية والمذهبية في العالم الإسلامي وفي المجتمعات الإسلامية، ثقافة حملت الثورة الإسلامية رسالتها. ينبغي عدم الغفلة عن هذا أو نسيانه.علينا الاهتمام بالحرية، والديمقراطية والعدالة التي رفعت الثورة الإسلامية شعاراتها وعرضت الإسلام على العالم بهذه النظرة والشعارات والأفكار. اليوم أيضاً تشن الهجمات في العالم وعلى مختلف المستويات ضد كافة المفاهيم الإسلامية ومنظومة الأفكار المعتمدة في النظام الإسلامي. يحاربون سيادة الدين، وضمانة الدين لشؤون حياة الناس، وانسجام الديمقراطية مع الدين، يحاربون كل هذا نظرياً وعملياً. كما يحاربون وحدة الأمة الإسلامية بشدة، وهذه من تجارب الاستعمار القديمة.يلاحظ اليوم أن الأعداء يتابعون بجد قضية الصراع الطائفي والعقيدي بين المسلمين في مختلف انحاء العالم. في الوقت الحاضر يوحون لقسم من العالم الإسلامي بأن الحكومة المستقبلية في العراق ستقع بيد الشيعة وهذا خطر عليكم. ويفهمون الشيعة بأن أعداءكم هم السنة. هكذا كانوا يمرّرون سياساتهم كي يزرعوا الخلافات بين الشيعة والسنة وبين الطوائف الإسلامية المختلفة. هذه من السياسات الاستعمارية القديمة والانجليز ضالعون متمرسون فيها ويجيدونها ولهم محاولات من هذا القبيل حتى في داخل بلادنا.شعار الإسلام الأصيل الذي قام النظام الإسلامي على أساسه معناه أن المسلمين يجب أن يتسلحوا باتحاد الكلمة رغم اختلافاتهم العقيدية والمذهبية. وعليهم التشديد على نقاط الاشتراك وتحاشي جرح مشاعر بعضهم. الثقافة الدينية بهذا المعنى وبهذه النظرة التي تتوفر فيها الحرية، والعدالة، والديمقراطية، وإفشاء الوحدة في العالم الإسلامي وبين الأمة الإسلامية من سوح جهادنا التي يجب أن نبذل فيها مساعينا.الساحة الأخرى هي ساحة الجهاد من أجل التنمية والبناء والعمران وتطوير حياة الجماهير داخل البلد وهذا من أوجب صنوف الجهاد. حين نقول تنمية الحياة نعني شيئاً يشمل المعيشة، والأمن، والصحة، والثقافة، والأخلاق، والجانب المعنوي لدى الجماهير. طبعاً يقع العبء الأكبر من هذا الجهاد على عاتق المؤسسات التنفيذية في البلاد. ولكن علی الجميع أن يجاهدوا في هذه الساحة ونحن بدورنا نعد هذه الساحة من سوح الجهاد المهمة جداً ونبذل فيها جهودنا بقدر استطاعتنا وقدراتنا.الساحة الأهم والأصعب من كل تلك السوح هي ساحة إفشاء العدالة والقضاء على التمييز، والحيلولة دون التطاول على بيت المال. طبقاً للتجربة التاريخية، والتجارب التي اكتسبناها داخل البلاد طوال هذه الفترة، فإن من أصعب سوح الجهاد ساحة الجهاد لنشر العدالة. كل شخص يرتكب نمطاً من أنماط المخالفة .. المخالفات المحسوسة والمخالفات غير المحسوسة، وتكون له يد خارج الحدود القانونية المسموح بها سوف يعارض هذا الجهاد ويخالفه. ولهذا قلنا يجب الكفاح من أجل طلب العدالة وتحقيقها، ويجب من أجل مكافحة الفساد أن تتعاضد جميع الأيدي، ويجب أخذ الفساد الاقتصادي - خصوصاً بين المسؤولين ومن لهم يد في شؤون بيت المال - مأخذ الجد. لذلك كانت هذه المهمة من أصعب المهمات، وإذا آتت ثمارها كانت من أنفع المهمات وأغزرها بركة. إذا توفرت العدالة في المجتمع، ولم يكن هناك تمييز أو نظرة متباينة للأفراد والشرائح، ولم تكن هناك استثمارات كبيرة وغير مشروعة في المجتمع، فإن الجماهير ستصبر على كثير من النواقص.هذه السوح الأربع يجب أن تكون أهم سوح الجهاد والكفاح لدينا. ينبغي أن نركز جهودنا على هذه المهمات بقدر استطاعتنا وعزيمتنا. ونوصي مسؤولي البلاد الأعزاء ونساعدهم كي يستطيعوا العمل والجد في هذه الميادين. إذا تمت مراعاة وحدة الشعارات ووحدة التوجهات بين نخبة المجتمع ومسؤولي شؤون البلاد المختلفة، نستطيع الانتصار في جميع هذه الأنماط والسوح الجهادية.التوصية المهمة التي يذكرنا بها القرآن مضافاً إلى التاريخ والعبر التي مررنا بها، وقد نبّهنا لها إمامنا الكبير مراراً وتكراراً هي أن لا تتناقض أصواتنا ودعواتنا وشعاراتنا. علينا حفظ التوجه المتحد حيال الأعداء المتطاولين وفي شتى الميادين الأخرى. هذا هو واجبنا اليوم. توجد تباينات في الأذواق والمعتقدات الخاصة بكثير من القضايا التفصيلية، وربما كان هناك اختلاف في المباني والأسس ذات الصلة ببعض القضايا غير الدخيلة في أساس النظام، وهذه ظاهرة متوقعة وليست مفاجئة.. لا إشكال في وجود مثل هذا التفاوت في الأذواق والآراء؛ لكن الإشكال في أن تؤدي الاختلافات حتى على المستويات الأدنى والأصغر إلى اصطفاف البعض بوجه البعض أمام أنظار العدو وبسبب أمور صغيرة أو كبيرة فينسون بذلك أعداءهم، وقد يعطي البعض أثناء الشجارات والخلافات الدائرة داخل البيت الواحد إشارات للعدو ويبدون خفية أو جهراً مودتهم وموالاتهم للعدو. هذا شيء سيئ. هذا هو الشيء الذي نحذر منه كافة التيارات في البلاد بشدة؛ وإلا فالتباين موجود والحوارات موجودة وقد كانت موجودة دوماً، وهي مما لا مندوحة منه، ولا تشكل خطراً يذكر على النظام. حينما يكون مسؤولو القطاعات المختلفة منهمكين في العمل والسعي فلا ضير في أن تكون هذه الخلافات موجودة شريطة أن لا تعرقل الأعمال. المهم وما ينبغي اجتنابه هو الاختلاف في الموقف وعرض وجوه متناقضة ومتضادة لبعضنا أمام أنظار العدو.ستقام بعد شهور انتخابات مجلس الشورى الإسلامي وستكون إن شاء الله ساحة لاستعراض قدرات النظام الإسلامي وتعبئة شرائح الشعب للمشاركة في هذه الساحة كي يتجلى رغم دعايات الأعداء أن هذا النظام غير منوط بشخص أو شخصين أو زيد وعمرو. هذا النظام منوط بأصوات الشعب المؤمن، ومشاعره، وعواطفه، وإرادته، وعزيمته، وتواجده في الساحة. ولا شك أن العدو لن يستطيع بالنظر لهذه التوجهات أن يلحق أي أذى بهذا البلد. »ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله «. علينا معرفة ساحتنا وموقعنا ومسؤولتنا وأن نعمل بها بدقة. ويجب أن لا يصدر عنّا في سلوكنا أو سلوك الآخرين أي تساهل في هذا المجال. لنعرف واجباتنا وتكاليفنا الثقيلة ونعمل بها. إذا عملنا بهذه الطريقة كنّا موفقين وهذا ما سيكون بفضل الله. وكما أشار سماحة الشيخ مشكيني يجب أن لا نغفل عن المكر الإلهي »فلا يأمن من مكر الله إلا القوم الخاسرون« .. يجب أن نعلم أن الله تعالى ليس له صلة رحم بنا كما لم يكن له صلة رحم باليهود والنصاري. ما يبقينا واقفين ويمطر علينا ألطاف الرب ورحمته هو أعمالنا وجهادنا ومساعينا وإخلاصنا. وهذا ما نتمنى على الله تعالى أن يضاعفه يوماً بعد آخر بين جماهيرنا ومسؤولينا.نسأل الله تعالى التوفيق للسادة المحترمين ولكافة المسؤولين، ونتمنى أن تشمل نظرات سيدنا بقية الله أرواحنا فداه هذا النظام وهذا البلد وهذا الشعب وهؤلاء المسؤولين إن شاء الله.والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

100 يوم من الطوفان