بسم الله الرحمن الرحيم

نرحب بكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء من مدينة قم، و بكم أيها الشباب المؤمن و الجماهير المقاومة و الطلبة و الفضلاء المعزّزين من حوزة قم العلمية. يوم التاسع عشر من دي هو بلا شك من أيام الله. كان لهذا اليوم تأثير أساسي في التاريخ من بعده و في مسار الحركة على امتداد الثورة و النهضة. لو لم تُسجل انتفاضة أهالي قم في مطلع هذه النهضة و على ناصية الثورة، لكان من المحتمل جداً أن ينكر ذوو النوايا السيئة تجاه الشعب الإيراني و أعداء الثورة حتى الهوية الإسلامية للنهضة. بهذه الخطوة أضحت قم مظهر الانتفاضة الشعبية الإيمانية، و مظهر الاعتصام بحبل الله، و مظهر » تقوموا لله مثنى وفرادى «(1). إذن، يوم التاسع عشر من دي نقطة انطلاق النهضة و الثورة الإسلامية في إيران.
في هذا التحرك التاريخي كان لأهالي قم و للحوزة العلمية المعظمة الجليلة في قم دورها على السواء. لقد أثبت شباب قم و رجالها و نساؤها قبل هذه الحركة و أثناءها أن التزامهم بالإسلام ليس لقلقة لسان، و أثبتت الحوزة العلمية في قم و مراجعها الأجلاء في ذلك اليوم أن بوسعهم توجيه و قيادة الأمواج الجماهيرية الهائلة في هذا المحيط اللامتناهي. هذه ليست بالأمور الزائلة. و اليوم أيضاً لا يزال ذلك الإيمان، و أولئكم الناس، و تلك الحوزة العلمية صامدة راسخة في قم. من هنا، كانت قم و ستبقى المحور الأساسي للثورة. لا ينسى شباب قم دورهم و نصيبهم الكبير جداً. كان ذلك اليوم يوم البدء، و اليوم يوم الاستمرار في الصراط المستقيم. إذا كانت تلك الحركة مهمةً يومذاك، فمن المهم اليوم أيضاً التحلي بالدقة و الاحتياط من أجل عدم الانحراف عن الصراط المستقيم. يقول الله تعالى لرسوله و أصحاب رسوله: » إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا «(2).. أي عليكم أن تصبروا و تستقيموا على هذا السبيل، و لا تضلوا الدرب، و لا تخطئوا الخط الذي يجب أن تنتهجوه، و لا تنسوا الأهداف. هذا خطاب لنا و لكل شعب إيران. حينما يستمر الشعب في طريقه بنفس النية و بنفس العزيمة، و لا يبدي نصباً أو مللاً - و لن يبدي - فسوف تتفتّح أمامه بوابات المدينة الإلهية الموعودة.. مدينة السعادة. بعد انتصار الثورة تركزت كل همم أعدائها و المستكبرين على أنه طالما قد أفلت الأمر من أيديهم الآن، ربما استطاعوا حرف طريق هؤلاء السائرين كما استطاعوا ذلك في نهضة الدستور. انصبت كل الجهود أو معظمها طوال هذه السنوات الخمس و العشرين على هذا الجانب أي على عدم تضييع هذا الخط الإلهي و هذا الدرب الصواب و الصراط المستقيم. طبعاً يتحمل الفضلاء، و الشباب، و الكبراء، و المراجع العظام في الحوزة مسؤولية كبيرة على هذا الصعيد. الجميع يجب أن يساهموا. وعي الشعب، و شجاعته، و روح النقاء و التحرر لديه - و المتجلية و الحمد لله في كل مكان من البلد، و في قم بصورة واضحة - تضمن دوام هذا الطريق.
أرى لزاماً أن أذكر بعض النقاط حول كارثة زلزال بم المروعة، ذلك أن مثل هذه الأحداث مذهلة و ثقيلة بالنسبة لكل بلادنا و شعبنا، و ليس فقط للأهالي المصابين المفجوعين هناك. في هذا الحدث لا يمكن نسيان المصيبة و تركها دون استلهام الدروس منها. قضية الكوارث الطبيعية قضية مأخذوة بنظر الاعتبار في الرؤية الإسلامية. إنها مصائب موجودة دوماً و في كل مكان. لا مفر من موت البشر و مصائب الحياة. و لكن ثمة في كل مصيبة دروس ينبغي إتقانها و تعلمها و الحؤول دون تكرار المصائب.
ثمة نقطة أقولها للمصابين في مدينة بم ممن فقدوا شبابهم، و آباءهم، و أمهاتهم، و أبناءهم، و أحبتهم، و هذا مصاب جلل عليهم. و النقطة الأخرى أخاطب بها جماهير الشعب. و النقطة الثالثة موجّهة للمسؤولين.
ليعلم المصابون في بم أن مثل هذه المصائب الجلل لن تبقى بلا أجر في المعيار و الديوان الإلهي. أجر أية مصيبة يتناسب مع جلل تلك المصيبة و فداحتها، و على أصحابها أن يعتبروا الله جابر قلوبهم المكتوية و ملبّي حاجات أرواحهم المتحطمة. ليتوكلوا على الله. قولة » إنا لله و إنا إليه راجعون «(3) صحيحة .. إنها مرهم و علاج و عزاء لقلوب المصابين. الذي يعلم أن الله تعالى يمنحه مقابل أية مصيبة تحلّ به - سواء المصيبة الطبيعية أو المصيبة المفروضة - أجراً و ثواباً تقر به عينه و قلبه، فسوف يتعزّى بالتأكيد. هذه حقيقة. يقول الله تعالى: » أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة «(4). الصلوات و الرحمة الإلهية على الإنسان صاحب المصاب هي أعظم ثواب له. هذه ليست مجاملات لسانية إنما هي الفيض و الفضل الإلهي على صاحب المصيبة. لذا يقول عز و جل في موضع آخر من القرآن: » هو الذي يصلي عليكم و ملائكته ليخرجكم من الظلمات إلى النور «(5). الصلوات الإلهية تخرج الإنسان من الظلمات و تهديه إلى النور.. إنها تنتزع الظلمات من الإنسان. هذا هو أعظم مكسب للإنسان المصاب. ليتذكر أعزاؤنا الله في هذا الحدث الجلل و المصيبة العظمى، و ليناجوه و يحتسبوه و يطلبوا منه العون و العزاء، و سوف يمنّ الله تعالى بأجره.
و النقطة التي أردت مخاطبة جماهير الشعب بها هي: أولاً قام أبناء الشعب من كل أنحاء البلاد بعمل عظيم في هذا الحدث، مع أنه عمل إنساني، و إسلامي، و تطبيق لنداء الضمير و دعوة الله تعالى للبر و التقوى، لكنه كان في الوقت ذاته خطوة سياسية حيث عرضوا أمام أنظار العالم تضامنهم الوطني و مشاركتهم و تضحياتهم، و أثبتوا أنهم على ثقة بالنظام الإسلامي الذي يتولى مهمة إيصال المساعدات. في الأنظمة الحكومية المنفصلة عن الجماهير، ينـزل الناس بأنفسهم إلى ساحة الإمداد و المساعدة و لا يثقون بالأجهزة الحكومية. و مثال ذلك النظام السابق حيث كنّا نتواجد في المناطق المتضررة و يقدم الناس مساعداتهم لنا دون أن يأبهوا أو يثقوا بالحكومة و الدولة، و كانوا على حق. أما هنا فقد أثبت الشعب ثقته بالأجهزة الحكومية، و التعبئة، و لجنة الإغاثة، و الهلال الأحمر، و مختلف الأجهزة الأخرى، و راحوا يمارسون ألطف و أجمل أعمالهم من خلالها. هذه حركة سياسية كبيرة من قبل الشعب الإيراني. لا تخالوا أن المحللين الدوليين لا يرون هذه الأمور و لا يفهمونها. بلى، كل مظهر من مظاهر التضامن و المشاركة الشعبية من قبلكم تمثل درعاً دفاعياً يحميكم من هجمات الأعداء. حينما يرون الجماهير متواجدين في الساحة هكذا و مستعدين للمساعدة و مدّ يد العون و التضامن سواء بينهم أو بين مؤسسات النظام، سيعلمون أن التمكّن من هذا البلد، و هذا الشعب، و هذا النظام ليس أمراً سهلاً. لذلك أشكر من الصميم مرة أخرى جماهير الشعب على مساعداتهم، و مشاركتهم، و همومهم، و ما أبدوه من عواطف. طبعاً، هذه المساعدات يجب أن تستمر؛ صحيح أن المساعدات العينية لم تعد ضرورية حسب الظاهر و كما قال المسؤولون، لكن المعونة و المساعدة ضرورية على كل حال، و مساعدات الجماهير من شأنها استمرار هذه العملية إن شاء الله.
المسألة الأخرى التي أود أن أذكرها للجماهير هي أن هذه المصائب الطبيعية حصيلة و ثمرة أعمال البشر أنفسهم. إنها بلاء نجبله على أنفسنا بتقصيرنا و تساهلنا. لو شعر الشخص الذي يتولى بناء منازل الناس بالمسؤولية و عمل بصورة جيدة، و علمية، و مخلصة، فإن الزلزال إما لن يكون له ضحايا و خسائر أو أن الخسائر لن تكون بهذا المقدار. نتيجة التقصير هي هذه الخسائر الفادحة، و وفاة عدة آلاف من الأشخاص و بقاء لوعتهم في قلوب شعبنا. ينبغي الشعور بالمسؤولية جداً. الذين يبنون الأبنية، و الذين يبيعون البيوت للناس، و المسؤولون عن الإشراف على هذه الأمور في مؤسسات الدولة، و الذين يستثمرون أموالهم في هذا المجال كلهم مسؤولون و يجب أن يفكروا في هذه القضية. حينما يتوفر الشعور بالمسؤولية و الواجب تنخفض الخسائر، و حين لا يكون هناك شعور بالمسؤولية تقع المصيبة » فبما كسبت أيديكم «(6).. » ما أصابك من سيئة فمن نفسك «(7). و يذهب ضحية ذلك عدد من الناس الأبرياء المظلومين. إذن، كل الذين يعملون في هذه المجالات يتحملون المسؤولية و عليهم الالتفات لهذه النقاط و تقليل الخسائر.
و على المسؤولين كذلك أن يديروا الأمور و لا يسمحوا للبعض بتهديد حياة الناس بسبب تساهلهم و إهمالهم. بم ليست المدينة الإيرانية الوحيدة المعرضة لمثل هذه الأحداث و الأخطار. إنها حالة قد تقع في أية نقطة. المسؤولون و المؤسسات المعنية بهذه الأمور من واجبها التدقيق و مراعاة الضوابط. النقطة الأخرى هي أن الأجهزة المسؤولة ينبغي عليها النهوض بواجباتها في الإمداد و المساعدة على نحو جيد. إننا نشكر الأجهزة المتعددة التي نشطت في هذه الحادثة؛ نشكر الهلال الأحمر، و حرس الثورة، و الجيش، و خصوصاً التعبئة، و لجنة الإغاثة، و الآخرين الذين شاركوا في هذه الساحة و عملوا خلال الأيام المنصرمة في مجالات الصحة، و النقل، و الكهرباء، و الهاتف، و كلهم قام بأعمال جيدة مميزة. بيد أن العمل هناك لا يزال واسعاً جداً. إنني على علم بأن هناك نواقص، و على المسؤولين التنبّه لهذه النواقص، و أن لا يعرضوا الجماهير المصابة مرة أخرى لمصيبة انعدام العدالة و عدم الاهتمام بهم. نحن طبعاً ذكّرنا المسؤولين بهذه الأمور و سنقولها لهم أيضاً. قلنا هذا ليتضح أننا نطالب المسؤولين بهذه الأمور و نرى من الضروري أن ينهضوا بهذه الواجبات الثقيلة.. لا يمكن التغاضي و الإهمال.
طبعاً في حادثة الزلزال هذه - و قد كانت مصيبة كبيرة لشعبنا - توفرت فرصة لبعض العابثين السياسيين و المستكبرين، و كانت بالنسبة لهم حدثاً مفرحاً في الواقع كي يستطيعوا المضي في مهماتهم و أغراضهم السياسية، و من هذا القبيل الضجة التي أوجدها الأمريكان. مقابل سيول المساعدات التي انهمرت من أنحاء البلاد بهذا الحجم الهائل الكبير على الأهالي المنكوبين، و كذلك إلى جانب المساعدات الدولية، وصلت مساعدة من جانب حكومة أمريكا المستكبرة للناس طبعاً، و من واجب المسؤولين طبعاً قبول كافة المساعدات و إيصالها إلى مواطنها، و لكن ما علاقة هذا بنسيان العداوات المستمرة المتتالية الدائمية العميقة الأساسية للنظام الأمريكي المستكبر ضد شعبنا و بلادنا و مصالحنا و النظام الذي يحبه الشعب الإيراني؟! لم يثبت ساسة نظام الولايات المتحدة الأمريكية لحد الآن إطلاقاً أنهم قللوا عداءهم للنظام الإسلامي و لشعب إيران حتى بمقدار ذرة، إنما اتهموا و لا زالوا في هذه الحال أيضاً الشعب، و الحكومة، و النظام في إيران بكل وقاحة. يهددون دوماً ويتخذون مواقف حربية عدائية غاضبة، ثم يطلقون من الجانب الآخر بضع كلمات. يخفون قبضتهم الحديدية في قفّاز حريري! لا يمكن غض الطرف عن تلك العداوات و تلك النوايا السيئة. نحن طبعاً لسنا من أهل اللجاجة، بل أصحاب منطق و استدلال. نظام الولايات المتحدة الأمريكية مارس الظلم ضد شعب إيران سنين طويلة، و عارض النظام الإسلامي سنين طويلة، و دبّر شتى صنوف المؤامرات ضد هذا الشعب و النظام الإسلامي. دافع عن الكيان الصهيوني الغاضب رغم كل الجرائم التي يرتكبها ذلك الكيان و يستمر فيها و يضاعفها. مارس و لا زال كل ذلك الجفاء و الظلم ضد شعبي العراق و أفغانستان. يحمل نوايا سيئة ضد النظام الإسلامي و معتقدات الشعب و مصالحه، و تطاول على مصالح بلادنا حيثما استطاع كي يهددها و يعرقلها. يحمل نية العودة المقتدرة إلى إيران و ابتلاع مصادرها المالية و الحيوية. هذا ما يجعل الشعب الإيراني واعياً و غاضباً حيال مثل هذه الحركات الكاذبة. لينبذوا هذه الممارسات جانباً فنحن لسنا لجوجين مع أحد. تهديد الشعب على هذا النحو و إهانته، و الهجوم عليه سياسياً، و السعي لتجزئته، و الضغط عليه اقتصادياً بمختلف الأساليب، و تهديد النظام الذي يحكم ذلكم الشعب و البلد بهذه الصورة، و التحدث بلغة الاستكبار و منطق القوة و الغطرسة، ثم إبداء بسمة كاذبة، هذا يجعل الشعب يمقت هذه الأعمال و يغضب.
الشعب الإيراني شعب مستقل، و حر، و ذكي، و يحب هويته الوطنية و الإسلامية حباً جماً، و يمقت كل أنواع التهديد بشدة، و لا يقبل تدخل الأجانب و هيمنتهم. شعب له سيادته و عزته، و كل من أراد التعامل معه بسلام و صداقة و أساليب طبيعية سيلقى شعباً طيباً مرحباً ودوداً. لكن إذا أراد شخص التعامل مع هذا الشعب بمنطق القوة و التهديد و تغيّا الهيمنة عليه و عرض له أنيابه و أظفاره دوماً، فمن المعروف أنه ليس بالشعب الذي يخضع لأحد.
اعلموا أيها الشعب الإيراني العزيز - و أنتم تعلمون - أنكم أقوياء مقتدرون. أن يحاول العدو طوال خمسة و عشرين عاماً سلخكم عن هويتكم الدينية و الوطنية و لا يستطيع فهذا دليل قوتكم. مجرد أن يلوذ العدو بالتهديد فهذا مؤشر على قوة الشعب الإيراني. ضاعفوا من هذا الاقتدار يوماً بعد يوم و أثبتوا أنكم متواجدون في الساحة. كل شعب يترك الساحة و يُخلي الأجواء السياسية، و الاقتصادية، و الثقافية لبلاده، فإن الانتهازيين و الأجانب سيهبّون فوراً نحو تلك الأجواء و يستولون عليها و يشغلونها. أمسكوا على بلادكم فهي لكم. إيران لكم و ليست لأيٍّ غيركم. حافظوا أنتم على هذا البلد و هذا النظام بإيمانكم، و عزيمتكم، و وحدتكم، و القدرة التي منحها الله لكم.
الانتخابات على الأبواب. المساهمة في الانتخابات من أقوى الأدوات التي يمكن لهذا الشعب أن يستخدمها كدرع فولاذي أمام هجمات الأعداء و النوايا السيئة و القلوب المريضة للمستكبرين و الفضوليين. الانتخابات مهمة جداً. ما طلبته من الله تعالى في الانتخابات و أدري أن شعبنا العزيز يريده أيضاً هو أن تقام الانتخابات بحماس، و نزاهة، و قوة، و بمشاركة الشعب، و سيوفق الله تعالى شعبنا إن شاء الله لينتخبوا نوّاباً صالحين مقتدرين كفوئين و يبتعثهم للمجلس. مجلس الشورى الإسلامي من أهم أركان النظام. إذا كان في المجلس نواب مؤمنون، مخلصون، مقتدرون ، فسيكون بوسعه حلّ الكثير من العقد. القضية الأبرز التي أتوقع الاهتمام بها هي الانتخابات، و هي طبعاً ساحة تنافس و على الأشخاص أن يتنافسوا تنافساً نزيهاً سليماً. كل من يؤمن و يلتزم بهذا النظام يمكنه المشاركة في ساحة الانتخابات. الذين يرفضون هذا النظام و الدستور من الخطأ صعودهم للمجلس، و عليهم هم أنفسهم أن يعلموا أن صعودهم للمجلس خطأ في نظر هذا الشعب. واضح أن الذين يرفضون هذا الدستور و هذا الشعب و أعماله و شعاراته و طريقه و أهدافه يجب أن لا يصعدوا للمجلس. أما الذين يؤمنون بالنظام و الإسلام و الدستور و الإمام فعليهم المشاركة في ساحة التنافس؛ التنافس السليم طبعاً و ليس التنافس اللجوج العنيد. و هذه التيارات و الخطوط و الأحزاب لا اعتبار لها في رأيي. البعض لا يكابد لوحده و حسب، بل يحاول أيضاً الإيحاء بأن القيادة و أجهزة النظام داخلة في شجاراتهم الفئوية! هذا غير صحيح. أنا لا أعرف حزباً أو شخصية؛ أعرف أن من يصعد لنيابة المجلس يجب أن يكون إنساناً متقياً. التقوى هي الشرط الأول: » إن أكرمكم عند الله أتقاكم «.. و يجب كذلك أن يكون نصيراً للضعفاء و الفقراء، و يعلم أن هناك في البلد فقر و أن تنصب همته و مساعيه علی معالجة الفقر. و يجب أن يكون خصماً للفساد، أي معارضاً بشدة و بجد و بنحو أساسي و ليس على سبيل الكلام للفساد المالي و الاقتصادي كي يكافح الفساد. طبعاً ينبغي أن يكون أيضاً قديراً، و مخلصاً، و عالماً. تقوم الصلاحية على هذا الأساس و على مسؤولي الأجهزة المختلفة - وزارة الداخلية، و مجلس صيانة الدستور، و المؤسسات و الأجهزة العاملة تحت إدارة هذه المراكز - أن يجعلوا القانون معيارهم، فقد تم تخمين هذه الأمور في القانون.
إذا تمت مراعاة القانون بنحو دقيق و دون تحيّز لتيار، أو جماعة، أو حزب معين، فسوف يتحقق ما نصبو إليه. يجب على أجهزة الحكومة التدقيق لممارسة دور الحكم. للحكم في المباريات الرياضة دور محدّد. أيّ من الفريقين المتسابقين فاز يكون الحكم الذي مارس دور التحكيم بشكل جيد هو الفائز، أما إذا مال الحكم نحو أحد الفريقين - مال نحو هذا التيار أو تلك الفئة - فسواء فاز ذلك الفريق أو خسر، يكون الحكم قد خسر. لتحافظ أجهزة الحكومة على دورها التحكيمي و لتحذر من الميل نحو هذا الحزب، أو ذاك، أو هذا التيار، أو ذاك الخط. يجب أن يراعوا القانون بمنتهى الإخلاص و سوف يكون كل شيء صحيحاً، و سيمتلك الشعب القدرة على الانتخاب. طبعاً حين يعرَّف البعض للشعب كمرشحين للانتخابات فمعنى ذلك أنهم يحظون بالصلاحية، فهذا التعريف هو إمضاء صلاحيتهم. يجب أن تدقّق الاجهزة المعنية لئلا يكون هذا الإمضاء اعتباطياً أو كاذباً. فهذا كذب على الجماهير. إنه رفض للإنسان الصالح و قبول للإنسان غير الصالح. كلا الحالتين سيئ و خلاف الواقع. لتحذر المؤسسات و الأجهزة المعنية من وقوع هذه المخالفات إلى أن يحين يوم الانتخاب إن شاء الله و ينظر أبناء الشعب و ينتخبوا بفكر حر و تصويت صائب فيختاروا عن معرفة الشخص الذي يعتبرونه أصلح و يبتعثونه للمجلس. المجلس المعتبر و القويم السمعة يمكن أن يكون مفيداً جداً للبلاد.
نتمنى أن لا يقطع الله تعالى فضله، و نعمه، و رحمته عن هذا الشعب، و كما أعان الحولُ و القوة والإرادة الإلهية هذا الشعب دوماً طوال هذه الأعوام المتمادية، فسيكون الوضع كذلك في المستقبل أيضاً إن شاء الله، و يكون الجميع مشمولين بالأدعية الزاكية لسيدنا بقية الله أرواحنا فداه.
و السلام علكيم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - سورة سبأ، الآية 46.
2 - سورة فصلت، الآية 30.
3 - سورة البقرة، الآية 156.
4 - سورة البقرة، الآية 157.
5 - سورة الأحزاب، الآية 43.
6 - سورة الشورى، الآية 30.
7 - سورة النساء، الآية 79.
8 - سورة الحجرات، الآية 13.