بسم الله الرحمن الرحيم
أبارك عيد المبعث الشريف و هو في الحقيقة عيد تاريخ الإنسانية لكل الشعوب المسلمة، لا سيما لشعبنا الإيراني العزيز، و لكم أيها الحضور المحترمون في هذا المجلس. بالطبع عيدنا لهذا العام ليس عيداً كاملاً بسبب فجائع أفغانستان. عدد كبير من هذه الأمة الإسلامية الكبرى، و من أتباع هذا النبي المكرم يتعرضون اليوم لتعامل متعصب حقود و ناقم من قبل القوى الظالمة الجائرة. نتمنى أن يفرّج الله تعالى لكل الأمة الإسلامية - خصوصاً للشعب الأفغاني و الشعب الفلسطيني المظلوم - ببركات النبي الأكرم و بركات هذا اليوم.
المبعث في حقيقته هو ارتفاع راية الرسالة ذات الخصوصيات الفذة و الممتازة للبشرية. الواقع أن المبعث رفع راية العلم و المعرفة. ابتدأت البعثة بـ » إقرأ «: » إقرأ باسم ربك الذي خلق « (1)، و استمرت بـ » ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة « (2).. أي الدعوة المصحوبة بالحكمة. الدعوة الإسلامية في الحقيقة هي نشر الحكمة في كل العالم و على امتداد التاريخ، كما أن البعثة هي رفع راية العدل. أي تكريس العدالة بين المؤمنين و عباد الله و كل أبناء الإنسانية. و الرسالة هي رفع راية الأخلاق الإنسانية السامية. » بعثت لأتمم مكارم الأخلاق « (3). يخاطب الله تعالى رسوله الكريم قائلاً: » و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين « (4)، أي إن جميع الأمور التي تحتاجها الإنسانية في كل العصور و الظروف و في جميع أنحاء العالم مدرجة في هذه البعثة.. أي العلم و المعرفة، و الحكمة و الرحمة، و العدل و الأخوة و المساواة، و الأمور الأساسية التي يستلزمها سياق الحياة السليمة للبشر. مع أن الجهاد مقرر و مشرّع في الإسلام، و الجهاد معناه مكافحة العسف و العدوان - البعض طبعاً يشيعون عن سوء نية أن الإسلام دين السيف بسبب حكمه في الجهاد - لكن هذا الإسلام نفسه يقول: » و إن جنحوا للسلم فاجنح لها و توكل على الله « (5). بمعنى أنه يرجّح السلم على الحرب حينما تقتضي الظروف ذلك.
الإنسانية اليوم بحاجة لهذه المعارف. نحن المسلمون مقصّرون و علينا الاعتراف بتقصيرنا. نحن المسلمون مقصّرون. أولاً نحن مقصرون في عرض معارف الإسلام الحقيقية على مستوى العالم. ثانياً: في عرض النموذج الإسلامي الصحيح على مستوى العالم. إذا نظّم المسلمون أعمالهم و سلوكهم الاجتماعي و الفردي و نماذجهم الحكومية و السياسية طبقاً لهذه المعارف لكان هذا خير دعاية للإسلام. طبعاً، لا شك أن الأمواج الإعلامية العالمية المعقدة و المتشابكة منصبة اليوم ضد الإسلام. لاحظتم في إطار الأحداث التي وقعت في المدن الأمريكية أن مدراء الشبكات الإعلامية انتهزوا هذه الفرصة لتوجيه التهمة للإسلام؛ بمعنى أنهم لا يفرطون بأية فرصة. طبعاً هذه خطيئة بقيت تبعتها و آثارها و وصمة عارها في جبين الساسة المقتدرين في الكثير من البلدان الغربية. صرحوا و تصرفوا بطريقة جعلت المسلمين الأبرياء و هم مواطنو بلدانهم يتعرضون للتهم، و فوق ذلك اتهموا الإسلام و شمس المعرفة، و النور، و النقاء، و الرحمة. على كل حال البشرية اليوم بحاجة للإسلام.
بخصوص الأمور التي تجري في منطقتنا هناك نقاط مهمة من المناسب أن يتنبه لها العالم الإسلامي. هناك حدثان يقعان حالياً: أحدهما حدث جد مرير و خطير هو تعرض السلام في هذه المنطقة و في العالم كله على أغلب الظن للخطر بسبب أداء و سياسات المسؤولين و الساسة و المقتدرين الأمريكيين خصوصاً. إنهم يرفعون دوماً شعار السلام و نصرة السلام، لكنهم عملياً يهددون السلام و يجرون العالم إلى الحرب. هل مصالح شركات إنتاج السلاح تقتضي هذا؟ هل المصالح السياسية الاستعمارية و الاستكبارية تستدعي ذلك؟ هل الجهل و الغرور و عدم الاكتراث لحقائق العالم هو الذي أوجد هذا الواقع؟ هذه كلها احتمالات ممكنة. ما هو واقع فعلاً و يسمعه الإنسان في كلام مسؤولي البلدان المقتدرة - و المسؤولين الأمريكيين غالباً - هو إطلاق كلام التهديد. إنهم يهددون السلام.. يهددون العالم بالحرب. الحرب بين مَن و مَن؟ الحرب بين الفرق؟ الحرب بين البلدان؟ الحرب بين الظالم و المظلوم؟ هذه كلها أمور محتملة.
كلمة السلام تتكرر. يرفعون في كل مكان شعار إننا نريد السلام. في المفاوضات السياسية يطرحون قضية السلام دوماً، لكنهم يؤجّجون نيران الحرب عملياً! هذا سياق جد مهم و مرّ. التهديد بالحرب مرّ أينما كان. و لكن حين تكون هناك ذريعة غير منطقية وراء الحرب فستكون القضية أشد مرارة و سوءاً. المنطق الأمريكي للهجوم على أفغانستان منطق ضعيف جداً. لم يقنع أحداً في العالم. حتى الساسة المتحيزون لأمريكا صرحوا أنهم لم يقتنعوا.
أي منطق هذا الذي يقول: طالما كان هناك متهمون في بلد ما إذن يجب الهحوم على ذلك البلد! اولئك المتهمون يعيشون في الجبال و الكهوف و مناطق غير معروفة، لكن هذه النيران تنهال على أناس لا توجه لهم أية تهمة في هذه القضية. هذا واقع. و أي ظلم فوق هذا؟
لقد جرحوا جسد الأمة الإسلامية. الحق أن العالم الإسلامي اليوم مصاب و مفجوع. هذا عن قضية أفغانستان، و ذاك عن قضية فلسطين. للأسف ينتهز الصهاينة اليوم هذا الحدث فيضاعفوا ضغوطهم على شعب فلسطين المظلوم.
الحدث الآخر الذي يقع حالياً - يقع غالباً على يد الأمريكيين و بعض من يتعاون معهم - هو أن الحضارة الغربية راحت تفصح عن حقيقتها و هويتها و تمنح الإنسانية تجربة معينة. الحروب تنتهي لكن التجارب تبقى. في الأحداث الكبرى دروس للشعوب. هذا الدرس سيبقى في صدور الإنسانية و في ذاكرتها التي لا تزول كيف أن حضارة بكل هذه البهارج و الإدعاءات أخفقت بهذه الدرجة في الاختبار. ثمة في العمل الذي يقومون به تأجيج للحروب و ظلم و إجحاف و غرور و سكرة، و تصرفات غير عاقلة. إشعال الحروب، تهديد السلام، قتل الناس العزّل، استهلاك ثروات طائلة لإشعال الحروب و بذريعة لا يمكن الوثوق بها.. هذه تجارب حضارة. قارنوا هذا بالحضارة الإسلامية حينما فتح المسلمون في زمن الخلفاء الراشدين مناطق غرب العالم الإسلامي - أي مناطق الروم و سورية الحالية - تعاملوا مع اليهود و النصارى تعاملاً جعل الكثيرين منهم يعتنقون الإسلام. في بلادنا هذه إيران استسلم الكثير من الناس بدون مقاومة لأنهم شاهدوا مروءة المسلمين و رحمتهم و مداراتهم لأعدائهم. و هكذا دخلوا دين الإسلام بأنفسهم. في بلاد الروم - كما كتب في التاريخ - قال اليهود للمسلمين حين جاءوا: قسماً بالتوارة لم نر طوال حياتنا يوماً طيباً كهذا اليوم. كانت هناك حكومة مسيحية تظلمهم، و حين جاء الإسلام شعروا بعطف الإسلام. هذا هو ما يبقى في التاريخ، و هذا هو ما يحدد اتجاه التاريخ، و هذا هو ما يضمن بقاء الفكر و الحضارة و الثقافة.
هؤلاء يؤجّجون الحروب هكذا، و لا أدري هل غايتهم محاربة الإسلام و المسلمين؟! ذات مرة، قبل سنتين أو ثلاثة قال لي في طهران رجل سياسة غربي معروف عبارة مضمونها إننا لا نروم إشعال حرب بين الإسلام و المسيحية! فقلت له و هل مثل هذه الفكرة مطروحة أساساً؟! لماذا يجب أن تقوم حرب بين الإسلام و المسيحية؟ ليس المقرر أن تتحارب الديانات و المذاهب في العالم، إنما يجب أن تتعايش. ثم قلت له إنكم الأوربيين تنادون بالسلام لكنكم أشعلتم أكبر الحروب في العالم. طوال عقود أشعلتم حربين عالميتين و ضخمتموهما. طبعاً طالتنا نحن المسلمين نيران هذه الحروب لكنكم أنتم الذين أنشبتموها. إذن، نحن المسلمين لا ننوي الحرب. إنني أسأل نفسي: هل ما يطرح من قضية الحرب بين الإسلام و المسيحية سياسة خطّط لها المخططون خلف الكواليس كما خططوا لكثير من القضايا في العالم؟ إذا كان هذا فهو تهديد كبير أمام العالم. إنها وصمة عار لن تمحى من جبين الغرب أبداً.
العالم اليوم و كما كان دوماً بحاجة للهدوء و السلام و الأمن. السلام من الحاجات الأساسية للبشرية. طبعاً نحن قلنا دائماً إن السلام ينبغي أن يكون مصحوباً بالعدالة. السلام المفروض و غير العادل أسوء على الشعب حتى من الحرب. الإنسانية بحاجة للأمن و السلام. و كل من يهدد هذين إنما يهدد الإنسانية.
على المجتمع الإسلامي أن يفكر في نفسه. على العالم الإسلامي اليوم أن يفكر في مصيره تفكيراً جاداً. عليه نبذ الخلافات جانباً، و التخطيط و التفاهم و العمل على نقاط الوحدة و هي عظمة الأمة الإسلامية و هو ما يريده الجميع. ثمة في العالم راهناً قرابة مليار و نصف المليار مسلم.. كل هذه البلدان الإسلامية، و كل هذه الرساميل و الأرصدة الهائلة.. أفلا يجب أن يستخدم كل هذا لخدمة مصير الأمة الإسلامية؟ هذه حاجة اليوم. لاحظوا التهديدات و الجفاء و الظلم الذي يمارس هنا و هناك ضد العالم الإسلامي بكل الذرائع. هذا واقع يحمّل كافة المسلمين واجباً كبيراً. إننا لا ندعو أحداً لتأجيج النيران و الحرب، إنما ندعو الجميع للسلام و الهدوء و السلوك العاقل. إننا لا نعد المساعدة في تأجيج النيران القائم في أفغانستان اليوم مساعدة للإنسانية.. تأجيج النيران منافٍ لمصالح الإنسانية. أية مساعدة لهذا التأجيج هي على الضد من مصالح الإنسانية، و هي خصوصاً على الضد من مصالح الأمة الإسلامية اليوم.
نتمنى أن يمنَّ الله تعالى علينا جميعاً بهديه و تثبيت أقدامنا على الصراط المستقيم، و سوف يعزّ الأمة الإسلامية و يرفع رأسها أكثر يوماً بعد يوم. و يقرّب و يؤلِّف بين البلدان الإسلامية أكثر، و يكفي الأمة الإسلامية لا سيما شعب أفغانستان المظلوم و شعب فلسطين المظلوم شرور الأشرار و الظالمين.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته

الهوامش:
1 - سورة العلق، الآية 1.
2 - سورة النحل، الآية 125.
3 - بحار الأنوار، ج 70، ص 372.
4 - سورة الأنبياء، الآية 107.
5 - سورة الأنفال، الآية 61.