بسم الله الرحمن الرحيم
أرحب بجميع الإخوة و الأخوات الأعزاء، و الجماهير المؤمنة المتدينة، و الشباب المتحمّس، و العلماء الأعلام و خصوصاً عوائل الشهداء المكرَمة، الذين تفضلتم بالمجئ من أماكن بعيدة و نشرتم اليوم النور و النقاء في هذه الحسينية و بين أوساطنا. نسأل الله سبحانه و تعالى الذي يشمل بفضله و رحمته و لطفه و عنايته الخاصة في هذا الشهر الشريف عباده و المؤمنين المخلصين، أن يشملكم بها كلكم أيها الإخوة و الأخوات الأعزاء، و كل الأهالي في تلك المحافظات التي تجشمتم عناء السفر و جئتم منها، و كل الشعب الإيراني.
أولاً أرى لزاماً عليّ أن ألفت أنظار الإخوة و الأخوات الأعزاء و خصوصاً الشباب إلى أهمية شهر رجب. لا يمكن غضّ الطرف بسهولة عن هذه المناسبات و هذه السمات المتعلقة بالأيام و الشهور. الشخصيات العظيمة و أهل المعنى و السلوك اعتبروا شهر رجب مقدمة لشهر رمضان. شهر رجب و شهر شعبان مقدمة و استعداداً من أجل أن يستطيع الإنسان الدخول بشكل مناسب في شهر رمضان المبارك، و هو شهر الضيافة الإلهية. فبماذا يحصل الاستعداد؟ إنه في الدرجة الأولى بتوجّه القلب و حضوره، و أن يعلم الإنسان نفسه في محضر علم الله، و في محضر الله - «سبحان من أحصى كل شيء علماً» (1) - أن يعلم الإنسان كل أحواله و حركاته و سكناته و نيّاته و خطرات قلبه في محضر العلم الإلهي.. هذا هو المهم بالدرجة الأولى. و إذا كان هذا فسوف يتضاعف اهتمامنا بأعمالنا و كلامنا و ذهابنا و إيابنا و سكوتنا و أقوالنا، و سوف نلاحظ و ندقق في ما نقول، و أين نذهب، و ماذا نفعل، و ضد من نتحدث و نتكلم، و لصالح من نتحدث. حين يعلم المرء نفسه في محضر الله، سيدقق في أعماله و حركاته و سلوكه أكثر. معظم مشكلاتنا بسبب الغفلة التي تصدر عنا في سلوكنا و أعمالنا. حين يخرج الإنسان عن حال الغفلة و يتفطّن إلى أنه يُرى و يُحاسب - «إنّا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون» (2) - و أن كل حركاته و سكناته و أعماله في محضر الله، فسوف يدقق فيها طبعاً. و عندئذ سيدخل الإنسان شهر رمضان بطهارة و نزاهة و تهذيب. و على حد تعبير الشاعر «اغتسل ثم امش متبختراً إلى الخرابات».. حينئذ سيدخل الإنسان شهر رمضان مغتسلاً، و بذلك سينتفع أكبر الانتفاع من هذه الضيافة الإلهية. انظروا لشهر رجب من هذه الزاوية و بهذا المنظار.
حين ينظر المرء في أدعية شهر رجب المأثورة عن الإئمة الأطهار (عليهم السلام) يجد أن معظم مضامين هذه الأدعية تختص بالمعاني التوحيدية، من قبيل التحدث عن عظمة الله، و صفاته، و أن يرى الإنسان نفسه أمام هذه العظمة، و معرفة السبيل اللاحب نحو الخالق، و الرغبة في هذا السبيل و في السير عليه. من خصائص الأدعية في شهر رجب توجيه القلوب نحو التوحيد، و نحو الله و نحو أسماء الله و صفاته. يجب معرفة قدر هذا الشهر. بداية هذا الشهر مباركة بولادة الإمام محمد الباقر (عليه السلام)، و أواخر هذا الشهر مباركة بأكبر حدث في التاريخ ألا و هو بعثة الرسول الأكرم (ص). و في أواسط هذا الشهر أشاع شباب بلادنا منذ سنوات سُنّة حسنة هي سُنّة الاعتكاف و الذهاب للمساجد و الصيام. يا له من مشهد جميل عطر حقاً أن يكون شبابنا، و خلافاً للسيرة الشائعة عن الشباب في العالم الغارقين في الشهوات و الأهواء النفسية، أن يكون شبابنا ممن يصومون الأيام و يقومون الليالي و يقصدون المساجد و يعتكفون، و يقضون أوقاتهم في الليالي و الأيام بذكر الله و التفكّر في عظمته و استماع المعارف الإلهية و الأحكام الشرعية و التذاكر في العلوم الحقيقية ألا و هي علوم التوحيد.. هذه أحوال على جانب كبير من الأهمية، و هي من بركات الثورة. قبل الثورة لم نكن نشاهد في الأيام الوسطى من شهر رجب، أو كنا نشاهد في حالات نادرة جداً أن الناس تذهب للاعتكاف في المساجد. كنا جميعاً و كان الناس كلهم غافلين في الغالب عن هذه الكوّة من الرحمة الإلهية. أنا في مشهد لم أشاهد مثل ذلك أبداً، و في قم كان هناك عدد قليل جداً من طلبة العلوم الدينية يقصدون مسجد الإمام ليعتكفوا فيه الأيام الوسطى من شهر رجب. و انظروا اليوم لتلاحظوا أنه لا في المساجد الجامعة فقط، و لا في المساجد الكبرى و حسب، و ليس في مدينة واحدة أو مدينتين، بل في كل أنحاء البلاد، و في كل المدن، و في جميع المساجد، يتجمّع الشباب و الرجال و النساء و الفتيات و الشباب و يصطفوا في طوابير ليسجلوا أسماءهم من أجل أن يُمنحوا الفرصة للاعتكاف في هذا المسجد أو ذاك لمدة ثلاثة أيام و يصوموا، و هذا شيء مهم و قيم جداً بالنسبة لشعب من الشعوب. هذا واقع قائم و مشهود في الوقت الحاضر. و هذا شهر رجب فانتفعوا من هذه الفرص، و عليكم أيها الشباب أن تنتهلوا من هذه الفرص أكثر من غيركم، فقلوبكم الطاهرة و أرواحكم النقيّة المنوّرة مستعدة لتلقّي الأنوار و الإشعاعات و الرحمة و التوجّهات الإلهية، فاعرفوا قدر ذلك.
ما يحرزه الشعب عن هذا الطريق و عن الطرق المعنوية سيغدو رصيداً و ذخراً يعينه على التقدم إلى الأمام في كل ميادين الحياة و بكل إرادة و عزيمة راسخة و مقاومة لا تلين أمام المشكلات. فيفتح بذلك الطرق المسدودة و ينجز الأعمال الكبرى. و رصيد كل ذلك هو المعنوية. شخص مثل إمامنا الخميني الجليل الذي نزل إلى الساحة وحيداً و استطاع بفضل العزيمة و الإرادة الراسخة و الإيمان و التوكل تعبئة كل الشعب و إطلاق هذه الحركة العظيمة، كان يعتمد أكثر من أي شيء آخر على هذا التدفق القلبي و المعنوي و الروحي و التوكل على الله و المعرفة و العبادة. و إلى آخر عمره، بقي هذا الإنسان الجليل رغم شيخوخته و عجزه يقوم في منتصف الليل فيذرف الدموع. لدينا معلومات عن أقاربه و المقربين إليه ممن يعرفون كل خصوصيات حياته، و قد سمعنا منهم و اطلعنا أنه كان ينهض منتصف الليل و يستمدّ العون من الله تعالى - «رهبان الليل» (3) - كان في الليالي بمثل هذه الأحوال، وفي الأيام كالأسد الزءّآر في ساحات الوغى يهزم القوى الكبرى و يرفع نقاط الضعف لدى الشعب، و يعزز إرادات كل الناس و إراداتنا جميعاً، و كل ذلك ببركة تلك الأرصدة المعنوية.
يستطيع كل واحد منكم يا أبناء الشعب الأعزاء - و خصوصاً الشباب و خصوصاً الشباب - أن يتصل بمصدر و معدن القدرة العظيم عن طريق التوكل و الإرادة، و ينتهل و يستفيض و يتنوّر و يمارس دوره المطلوب. الرهبانية التي قيل عنها في الإسلام «رهبان الليل» تختلف عن الرهبانية التي أوجدها النصارى.. «و رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم». (4) فقد كانت رهبانية النصارى و اتباع الأديان الأخرى بمعنى العزلة و ترك الدنيا و الانقطاع عنها، و رهبانية الإسلام بمعنى المشاركة في كل ساحات الحياة - «سياحة أمّتي الجهاد في سبيل الله» (5) - كانت كل حركاتهم و سكناتهم في سبيل الله: صلحهم و تحركاتهم و صمتهم و سكونهم و عملهم و كل شيء كان في سبيل الله. و عندها «من كان لله كان لله له»، و «إن تنصروا الله ينصركم»، (6) و «لينصرنّ الله من ينصره» (7).. حين تسيرون في سبيل الله فسيكون اللطف الإلهي و المدد الإلهي و الدعم الإلهي معكم و لكم. أعزائي.. هذا هو سرّ تقدّم الشعب الإيراني إلى الأمام. حين تلاحظون شعباً رغم كل هذه العداوات التي تحاك ضده و مع كل هذا الخبث و الرذائل التي تستخدم ضده من قبل أعدائه على شتى المستويات و الصعد و من كل النواحي و الجهات، لكنهم لم يستطيعوا إيقافه، و قد فرض الشعب الإيراني بعزيمته و تقدمه و حركته المستمرة و الجهادية التراجع عليهم جميعاً، فهذا بفعل تلك الخصوصيات و بفضل هذا الإسناد الإلهي، و هذا ما سوف يستمر. سوف يواصل الشعب الإيراني هذا الدرب بتوفيق من الله عزّ و جلّ.
كان البعض يأملون أن يفصلوا شبابنا عن الدين، و كانوا يطمعون بإشغال شبابنا بشهوات الحياة و الماديات و ما إلى ذلك، لكنهم أخطأوا. إن شبابنا و أحوالهم من الناحية الكمية و الكيفية إذا لم تكن أفضل من الشيوخ و الكهول فهي ليست دونهم. شبابنا المؤمن المتدين اليوم و الذين انعقدت قلوبهم على الثورة الإسلامية من دون أن يكونوا قد شاهدوا الإمام الخميني، و من دون أن يكونوا قد أدركوا أيام الثورة، و لا أيام الدفاع المقدس، إذا لم تكن محفزاتهم و هممهم أعلى من شباب فترة الدفاع المقدس، فإنها ليست بأدنى منها. و هذا ما أقوله عن علم و اطلاع، و ليس كتحليل و تخمين و حدس. الأعمال الكبرى التي يقوم بها شبابنا في الوقت الراهن على الصعيد الوطني و في شتى القطاعات، أحياناً نجد أن جهودها و ضغوطها و حتى أخطارها أكثر مما كان يقوم به الشباب - أو يجب أن يقوموا به - في فترة الدفاع المقدس. ينبغي الحفاظ على هذه الروح و مواصلتها.
الأمر الذي يحتل الأهمية بالدرجة الأولى حالياً بين قضايا البلاد السياسية هو قضية الانتخابات. الانتخابات حدث يقع ليوم واحد، أي إنه ينجز في يوم واحد، لكنه من الأحداث التي تستمر تأثيراته لفترة طويلة. إنكم تقومون بالعمل الانتخابي في انتخابات رئاسة الجمهورية خلال يوم واحد، لكنكم أولاً تسوّدون شخصاً أو أشخاصاً لفترة أربعة أعوام على مصير البلاد و الأمور الكبرى في البلاد، و ثانياً لا تقتصر تأثيرات هذا الأمر على أربعة سنوات فقط، فأحياناً تفعل الحكومات أعمالاً تبقى تأثيراتها لسنين طويلة، سواء كانت تلك الأعمال إيجابية حسنة أو لا سمح الله سلبية غير جيدة، تأثيراتها لا تنحصر بتلك الأعوام الأربعة، بل تستمر كتيار متواصل. إذن، أنتم في يوم واحد تقومون بشيء و تنتخبون انتخاباً و تقطعون خطوة تبقى تأثيراتها على المدى القصير، و لمدة أربع سنين، و على المدى البعيد، و أحياناً تستمر تأثيراتها لأربعين سنة. الانتخابات مهمّة إلى هذا الحد.
و لانتخابات هذا العام أهمية مضاعفة. و أقولها لكم أيها الإخوة الأعزاء و الأخوات العزيزات، و لكل شعب إيران.. إن انتخاباتكم اليوم - و التي ستقام بعد نحو شهر من الآن - تحوّلت إلى موضوع دولي عالمي.. اعلموا ذلك.. أجهزة التفكير و الرصد التي للأعداء - غرف العمليات على حد تعبيرهم - ترصد مقدمات هذه الانتخابات و إرهاصاتها باعتبارها حدثاً كبيراً، فهم ينظرون و لهم مخططاتهم و أهدافهم. و هدف جبهة أعدائكم على الضدّ من هدفكم. إنكم حين تشاركون في الانتخابات تبحثون عن فرد أصلح يتقدم ببلادكم بنفس هذه السرعة بل بسرعة أكبر، سواء على الصعيد المادي أو على المستوى المعنوي. إنكم تنتخبون من أجل أن يستطيع شخص أو أشخاص أو حكومة أو رئيس جمهورية رفع درجة عزتكم، و تعميق استقلالكم، و تحسين وضع حياتكم و رفاهيتكم، و حلّ العقد، و إفشاء الأمل و الحماس و التشوّق في البلاد. أما أعداؤكم فعلى العكس تماماً يرغبون في انتخابات لا تكون لها هذه النتائج الإيجابية و الحسنات - إن كان و لا بدّ من إقامة الانتخابات، و بالطبع لو استطاعوا الحيلولة دون إقامة الانتخابات لفعلوا ذلك، و لكن لا سبيل أمامهم إلى ذلك، و الانتخابات سوف تقام - بل تسير بالبلاد نحو التبعية و الضعف و التخلف في مختلف الساحات و المجالات. هذا هو هدفهم. إذن، ثمة هدفان على الضدّ من بعضهما: هدف الشعب الإيراني، و هدف جبهة الأعداء.
كيف يمكن تأمين هدف الشعب الإيراني؟ يمكن تأمين هذا الهدف بعاملين: أحد العاملين هو أن تكون الانتخابات حماسية و ملحمية و حافلة و يشارك فيها الكثيرون و يندفع الناس للمساهمة فيها عند صناديق الاقتراع بحرارة و شوق. و العامل الثاني هو أن تفضي هذه الانتخابات إلى انتخاب إنسان جدير ورع ذي عزيمة و مؤمن و متديّن و ثوري و ذي همّة جهادية. هدف الشعب الإيراني يتحقق بهذين العاملين.
و كيف يتحقق هدف العدو؟ يتحقق هدف العدو أولاً بأن تكون الانتخابات باردة و باهتة و لا يندفع الناس للمشاركة، فلا يشارك فيها إلّا عدد قليل منهم، و أن يقول البعض: لماذا نشارك؟ و ما الفائدة من المشاركة؟ و نحن لا نريد المشاركة. هذا ما يفرح الأعداء. و ثانياً أن تكون النتيجة التي تخرج من صناديق الاقتراع نتيجة تأخذ الحكومة و الشعب تبعاً للحكومة إلى مزيد من التبعية و السير على خطى سياسات الأعداء.. هذا ما يريده الأعداء.
إذن، لاحظوا.. الساحة معالمها واضحة. و من البيّن ماذا تريدون أنتم و ماذا يريد العدو. أما الموضوع الثاني و هو كيفية العثور على الأصلح و ما هي مميزات الإنسان الأصلح عن غيره، فتوجد في إطاره نقاط إذا كتب الله لنا من العمر شيئاً فسوف أذكرها في المستقبل إلى ما قبل يوم الانتخابات.
ما أريد أن أقوله اليوم هو أن النقطة الأولى - أي الحماس و الملحمية في الانتخابات و الحركة و الاندفاع العام نحو الانتخابات - أول عمل كبير يمكن للشعب القيام به، و العدو لا يريد حصول ذلك. فماذا يفعل من أجل أن يثبّط الجماهير و يحبط تحركها و هياجها و اندفاعها؟ يحاولون بث اليأس بين الناس من المشاركة في الانتخابات، فيقولون: و ما الفائدة من المشاركة؟ نذهب و نصوّت ليحصل ماذا؟ يريدون بث مثل هذه الحالة بين الناس و تلقينهم بها. لذلك إذا استمعتم اليوم للإذاعات الأجنبية و وكالات الأنباء الصهيونية - و كل الأخبار في العالم اليوم توجّهها في العالم شبكة صهيونية كبيرة واحدة في حقيقة الأمر، و على حد تعبيرهم تفلترها و تنشر الأخبار التي تحلوا لهم - لوجدتم أنهم يحاولون تصوير أوضاع البلاد على أنها مأزومة. ثمة مشكلات في البلاد بالتالي، و لكن في أي بلد لا توجد مشكلات؟ ثمة غلاء و ثمة مشكلة بطالة، و لكن أي مكان في العالم لا توجد في حالياً مثل هذه المشاكل؟ نفس تلك البلدان الغربية التي تدير هذا الإعلام ضد الجمهورية الإسلامية غارقة في المشكلات إلى هاماتها. في كل بضعة أيام يخرج الناس في أحد هذه البلدان أو في عدة بلدان إلى الشوارع و يصرخون عن يأس و جزع، و تهاجمهم القوات الأمنية في تلك البلدان. و هم طبعاً يخفون هذه الأمور ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً.
نحن أيضاً لدينا مشكلات. يجب أن نقارن المشكلات بالنقاط الإيجابية التي نتمتع بها الآن. أي بلد لديه مثل بلدنا شعب متحد منسجم؟ أقوام البلاد و مذاهبها و مدنها و مناطقها المختلفة تسير كلها و تعيش باتجاه واحد و لأجل هدف واحد و بعواطف و مشاعر واحدة و أمل واحد. و أي بلد لديه كل هؤلاء الشباب الحيويين المتوثبين؟ شبابنا في الوقت الراهن يفتحون الميادين العلمية العظيمة، و يشاركون في المسابقات العلمية المتنوعة، و يكسبون مراتب في أعلى الجداول، فهل هذا بالشيء القليل؟ أي شعب مثل شعبنا رغم كل هذه العداوات التي تلاحقه، حقق كل هذه العظمة و كل هذه الأهمية و كل هذا التأثير في القضايا العالمية و قضايا المنطقة؟ البعض أعداؤنا، و البعض مرتزقة أعدائنا، يفعلون كل ما يستطيعونه من عراقيل و معاكسات، لكن الشعب الإيراني لا يزال شامخاً مرفوع الرأس وسط الساحة بوجه بشوش و ملامح متفائلة و من دون أحقاد على هذا و ذاك، يواصل دربه و مسيرته. اعلموا أن الشعوب - الواعون من الشعوب طبعاً و المثقفون و العارفون بالقضايا و الأمور المختلفة - يؤشرون عليكم بأصابعهم و يقولون: انظروا للشعب الإيراني في أية ميادين تقدّم و نحن نتخلفنا. هكذا هي مسيرة الشعب الإيراني و حركته.
يحاول الأعداء في إعلامهم و دعاياتهم مدّ ظلال اليأس و القنوط و التأزيم على أحداث البلاد و مضاعفة المشكلات الصغيرة عدة أضعاف. و المشكلات غير الموجودة يختلقونها كذباً و يتهمون الشعب و البلاد بها، فيصوّرون المستقبل على أنه حالك، و يبثون اليأس في نفوس الشعب.. هذا هو هدف العدو. هذا اليأس من وجهة نظرهم مقدمة لتبهيت الانتخابات و إفشالها. و عليكم العمل بعكس ذلك. أيها الأعزاء.. أيها الشباب.. أيها المسؤولون.. أيها الإعلاميون و المبلغون.. و يا من تنفتح أمامكم ميادين التحدث مع الناس و مخاطبتهم.. عليكم العمل بعكس ذلك، و بث الأمل في نفوس الناس. و هذا الأمل ليس بالأمل الواهي، بل هو أمل واقعي.
على جميع أبناء الشعب أن يتفطنوا و يعلموا أن مشاركتهم الحماسية و الحاشدة في الانتخابات من شأنها صيانة البلاد، و تقليل أطماع العدو في التطاول و التعرّض و العداء و الخبث تجاه هذا البلد. مشاركة الشعب لها مثل هذه التأثيرات. و الأعداء يحاولون أن لا يحصل ذلك. و أقولها لكم طبعاً: حسب ما تجرّبنا شعبنا و حسب ما خبرنا الألطاف و الفضل الإلهي مراراً، فإن هذا الشعب سيوجّه في هذه المرة أيضاً و كما في المرات السابقة، صفعة قوية لأفواه الأعداء. الشعب سيكون له بتوفيق من الله في هذه الانتخابات اختبار مجيد آخر و مفخرة يضيفها إلى مفاخره. هذا من لطف الله و سوف يتحقق إن شاء الله.
المهم في هذه المدة الفاصلة و في هذه الفرصة هو أن يكون للناس فضلاً عن همّة المشاركة همّة الانتخاب الجيد أيضاً. فكما قلنا، الانتخاب الجيد و الصحيح لا يؤثر لمدة أربعة أعوام و حسب، بل يترك أحياناً تأثيراته على البلاد لعشرات السنين. و من أجل الانتخاب الجيد يجب التفكير و معرفة المعايير. و سوف أذكر بعض النقاط و الأمور في المستقبل إن شاء الله، لكن المعيار الأصلي على الإجمال هو أن يتولى الأمور أشخاص تنصبّ هممهم على صيانة عزة البلاد و حركتها باتجاه أهداف الثورة. ما حققناه طوال هذه السنين المتمادية من خيرات و بركات، كان بفضل أهداف الثورة، و أين ما فشلنا و تأخّرنا و هزمنا كان ذلك بسبب الغفلة عن أهداف الثورة الإسلامية و الأهداف الإسلامية. ليمسك بزمام الأمور أشخاص يكونوا مصداقاً لـ: «إن الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا» (8).. أي يكونوا من أهل الاستقامة و الصمود و الثبات، و من يرتدون على أبدانهم درعاً فولاذياً من ذكر الله و التوكل عليه و ينزلون به إلى الساحة. انظروا للشعارات، و لاحظوا ما هي الشعارات التي يختارونها. البعض أحياناً - و هم على خطأ طبعاً - يرفعون من أجل إحراز الأصوات شعارات خارج حدود قدراتهم و صلاحياتهم. و بوسع أبناء شعبنا الفطنين الواعين أن يشخّصوا هؤلاء و يدققوا و يراقبوا. ليرفعوا في شعاراتهم ما هو ضروري لشعبنا، و ما يمتاز بالفورية و الأولوية، و ما ينسجم مع واقع البلد و إمكانياته، و ما يضاعف من قدرات الشعب الذاتية.. هذا أحد المعايير.
دخل ساحة الترشيح أفراد متعددون. و سوف يعرّف مجلس صيانة الدستور المحترم للشعب طبقاً لواجباته القانونية من يتحلون بالأهلية. و الكل يجب أن يتبعوا القانون. تحدث الإشكالات حينما تكون هناك مخالفة للقانون. في سنة 88 حدثت إشكالات و تحمّل البلد خسائر، و لم يسمحوا للبلد و الشعب بأن يذوق طعم أصواته التي بلغت أربعين مليوناً كما ينبغي، و ذلك بسبب مخالفة القانون. البعض بسبب أغراضهم النفسية أو أهدافهم السياسية غير السليمة، أو لأي سبب آخر - و لا نريد إصدار حكم في هذا الموضوع - خالفوا القانون و أخطأوا و ساروا في الطرق غير القانونية، فأضرّوا بأنفسهم و أضرّوا بالشعب و أضرّوا بالبلاد. الطريق الصحيح هو طريق القانون. يجب أن يكونوا تابعين للقانون و مسلّمين أمامه. قد يكون القانون أحياناً غير صحيح مائة بالمائة، لكنه أفضل من اللاقانون. و أحياناً قد يصدر في موقع معين خطأ من منفذ القانون و ندرك أنا و أنتم أنه أخطأ هذا الخطأ في تنفيذ القانون، و لكن إذا لم نستطع إصلاح ذلك عن طريق القانون فتحمّل ذلك أفضل من أن نقوم بممارسات غير قانونية، و أن نريد بالسبل غير القانونية تصحيح ما نتصوّره خطأ. القانون معيار جيد جداً، و هو وسيلة لسكينة البلاد و هدوئها و حفظ الوحدة الوطنية و مواصلة الطريق العام.
مجلس صيانة الدستور المحترم أشخاص ورعون متقون واعون، و يشخّصون طبقاً للقانون و يعرّفون أفراداً باعتبارهم مؤهلين صالحين. و أنا و أنتم يجب أن ننظر و نرى من هو الأصلح بين هؤلاء الصالحين، و أيّهم ينفع الناس أكثر، و من هو الذي بوسعه حمل هذه الأعباء الثقيلة أفضل و يواصل هذا الطريق بمنتهى الأمانة و يتقدّم بالأمانة إلى الأمام. هذا ما يجب أن ننظر فيه أنا و أنتم و نعرفه، و أن نطلب العون من الأشخاص الذين بمستطاعهم توجيهنا و هدايتنا و إرشادنا، لنصل أخيراً إلى الحجّة الشرعية. إذا عمل الإنسان طبقاً للحجّة الشرعية، حتى لو تبين لاحقاً أن قراره و عمله كان خاطئاً، فسيبقى شامخاً مرفوع الرأس، و يقول لقد عملتُ بتكليفي. و لكن إذا لم نعمل حسب الحجّة الشرعية و تبيّن لاحقاً أننا أخطأنا فسوف نلوم أنفسنا و لا عذر لنا و لا حجّة.
و أنا طبعاً متفائل، فأملي بالله سبحانه و تعالى كبير جداً. نشكر الله على أنه لم يغلق منافذ الأمل في قلوبنا أبداً. حين ينظر المرء لأوضاع البلاد يزداد يوماً بعد يوم تفاؤلاً بمستقبل هذا الطريق و بمستقبل هذا الشعب و بمستقبل هذا البلد. هذا الشعب المؤمن المتديّن و صاحب الهمّة العالية و هؤلاء الشباب النشطون الحيويون المتحمّسون العاملون في المجالات المتنوعة، كلّ هذا مما يزيد آمال الإنسان بالمستقبل.
نتمنى إن شاء الله أن يشملنا الفضل الإلهي، و أن تشملكم جميعاً أيها الشعب العزيز أدعية سيدنا الإمام الحجّة المنتظر المهدي (أرواحنا فداه)، و خصوصاً في هذا الاختبار المهم المقبل سيستنزل دعاءُ هذا الإمام الهمام إن شاء الله الهداية الإلهية على قلوبنا جميعاً، و يتقرّر على أيديكم أيها الشعب إن شاء الله ما هو خير و صلاح لهذا البلد.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - مصباح المتهجّد، ج 1 ، ص 305 .
2 - سورة الجاثية، الآية 29 .
3 - وسائل الشيعة، ج 15 ، ص 188 ، «إن من أخلاق المؤمنين.. رهبان الليل أسد بالنهار».
4 - سورة الحديد، الآية 27 .
5 - مستدرك الوسائل، ج 11 ، ص 14 .
6 - سورة محمد، الآية 7 .
7 - سورة الحج، الآية 40 .
8 - سورة فصلت، الآية 30 .