بسم الله الرحمن الرحيم (1)

و الحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد و آله الطاهرين.
أرحّب بالإخوة و الأخوات الأعزاء، و أبارك لكل الإخوة و الأخوات أيام شعبان و مجمل هذا الشهر الذي هو شهر الذكر و العبادة و التوجّه إلى الله و الخشوع. هذه الفرص - فرص شهر شعبان و شهر رمضان و شهر رجب - فرص مغتنمة، خصوصاً بالنسبة لنا و لكم من المسؤولين. الجوهر الأساسي للمجتمع الإسلامي في النظام الإسلامي هو التعبد و الإيمان و العمل الصالح لكل واحد من أبناء الشعب. هذا هو أساس القضية كما لاحظتم في هذه الآيات التي تلاها المقرئ الكريم (2). الشيء الذي يجعل ملائكة الله تقول لكل أبناء البشر «نَحنُ اَولِيآؤُكم فِي الحَياةِ الدُّنيا وَ فِي الأخِرَة» (۳) و هو شيء مهم للغاية هو الإيمان و التعبد و العمل الصالح لدى أبناء البشر، بيد أن المسؤولين مخاطبون و معنيون بهذا الكلام على نحو مضاعف. كلما كانت المسؤولية أكبر و أثقل كلما كان هذا الخطاب أشد و أصعب و أثقل تجاه صاحب المسؤولية. علينا إيجاد هذه الحالة في أنفسنا، بمعنى أن نيابة مجلس الشورى الإسلامي، و المسؤولية في الحكومة و المسؤولية في القوات المسلحة و المسؤولية في السلطة القضائية هي أمور يجب أن يكون الشيء الأول الذي تضعه على عواتقنا من واجبات هو إيجاد الصلة و الارتباط الأقوى بالله تعالى، و تحقيق العبودية الأفضل و الأكثر إخلاصاً؛ هذا ما ينبغي أن لا نغفل عنه.
نعم، عندما يضعون على عاتقنا مسؤولية فإن ساحة تلك المسؤولية ستكون ساحة واجبنا الأساسي، و علينا أن نتابع ذلك الواجب، و لكن قبل ذلك و أثناء ذلك و في نهاية ذلك، ما ينبغي أن يكون مهماً بالنسبة لنا و نصب أعيننا هو ما الذي ينبغي أن نفعله لنعمل بواجباتنا الإلهية و يكون تعبدنا و إخلاصنا و عملنا الصالح بمستوى جيد. هذا هو الواجب الذي ينبغي على المسؤولين التنبه له كثيراً.
طيب، هذه الأشهر فرصة كبيرة - شهر شعبان و شهر رمضان - إنها فرص كبيرة. الأدعية الواردة في هذه الأشهر تفتح الطريق أمامنا. أنا و أنتم إذا أردنا أن نتكلم مع ربنا سبحانه و تعالى و نطلب منه شيئاً، الحقيقة أننا لا نجيد ذلك بصورة صحيحة. و هذه الأدعية تعلمنا بأبلغ اللغات ما الذي نطلبه من الله تعالى و كيف نتكلم معه. هذه المناجاة الشعبانية الشريفة و الفقرات المبثوثة في هذا الدعاء من أوله إلى آخره، كل واحدة منها بحر من المعرفة. بالإضافة إلى ذلك فهي تعلمنا كيف نتحدث مع الله و ما الذي نطلبه من الله. «اِلهي هَب لي قَلبًا يدنيهِ مِنك شَوقُهُ وَ لِسانًا يرفَعُ اِلَيك صِدقُهُ وَ نَظَرًا يقَرِّبُهُ مِنك حَقُّه» (4). لاحظوا، هناك ثلاث نقاط مفتاحية أساسية في هذه الفقرة القصيرة من الدعاء. هب لي قلباً يدنيه الشوق منك. ينبغي أن يكون هذا الشوق موجوداً في الفؤاد. تلوثنا بالماديات و المعاصي و الأطماع و الحرص يقتل هذا الشوق في قلوبنا. و الأنس بالقرآن و مصاحبته و الأنس بالأدعية و النوافل و أداء الفرائض بشكل صحيح يثير هذا الشوق في القلوب و يؤججه. يدنيه منك شوقه. هذا الشوق يقرب القلب من الله. و لساناً يرفع إليك صدقه. اللسان الصادق و الكلام الصادق. هذا الكلام الصادق يرتفع إلى الله: «اِلَيهِ يصعَدُ الكلِمُ الطَّيبُ وَ العَمَلُ الصّلِحُ يرفَعُه» (5). الكلام الصحيح و الحديث الصادق و الكلام الصميمي، و الكلام الذي لا تشوبه شوائب الماديات و الأنانية و عبادة الهوى و ما إلى ذلك، كلام يرتفع نحو الله. «وَ نَظَرًا يقَرِّبُهُ مِنك حَقُّه»، النظرة الحقة الحقيقية و النظر للأمور و القضايا بحقية و من دون تحيز و من دون نزوات و أهواء و طمع في الماديات و المكاسب، هب لنا النظر للأمور نظرة حق و بانحياز للحق و باتباع لخطى الحق، اجعلنا ممن ينظرون للأمور بهذه العين؛ عندئذ سيقترب القلب إلى الله. لاحظوا أنها تعلمنا أسلوب التحدث مع الله، و تقول لنا ما الذي نطلبه من الله.
الواجبات جسيمة، و إذا أردنا أداء هذه الواجبات نحتاج إلى تمتين هذه العلاقة. ينبغي تقوية العلاقة و الحفاظ عليها و تعزيزها باستمرار دائماً. و هذا هو مبرر الذكر الدائم، و حين شرعت الصلاة يومياً و بتناوب فمن أجل أن لا نصاب بالغفلة. من أكبر نعم الله إيجاب الصلاة علينا. لو لم يوجبوا علينا الصلاة لغرقنا في الغفلة؛ حين تنهضون صباحاً من النوم تتوجهون إلى ذكر الله، و في وقت الظهيرة و وسط مشاغلكم الحياتية و المعيشية تتذكرون الله، و في الليل أي في نهاية يوم من الجدّ و الجهد و السعي و العمل تتذكرون الله.
يقول الشاعر:
بذكر وجهك أذهب إلى فراشي
و على أملك أرفع رأسي من الفراش (6)
هذا هو الترتيب و البرنامج الذي قرروه لنا. هل نعمل به؟ إذا عملنا به نستطيع أن نكون واثقين بأن «اَخرِجني مِنَ الدُّنيا سالِما» (۷) - و هذا في أدعيتنا - نستطيع الاطمئنان إلى أننا سنخرج من هذه الدار سالمين. ورد في دعاء الصحيفة السجادية: «اللّهمَّ... اَمِتنا مُهتَدينَ غَيرَ ضالّينَ طائِعينَ غَيرَ مُستَكرِهينَ تائِبينَ غَيرَ عاصينَ وَ لا مُصِرّين» (۸)، أمتنا و نحن مهتدون و بحيث تكون فينا رغبة نحو العالم الآخر. الكفار ليسوا كذلك و الفساق ليسوا كذلك، بل تأتيهم الملائكة فوق رؤوسهم و تقول لهم عنوة: «اَخرِجوا اَنفُسَكم» (۹). أما المؤمنين فلا، إنهم مطمئنون إلى الجانب الآخر و ينتقلون إليه عن طوع و رغبة، و يغضون الطرف عن الأشياء الزائلة، و لكن يفتحون أعينهم فجأة على نعم عجيبة تنسيهم الدنيا. عندما تقومون بسفرة طيبة مريحة، قد تقلقون عند باب المرأب لابتعادكم عن أبنائكم و أخوانكم، و لكن عندما تذهبون للسفرة و ترون المناظر الخلابة و الحياة الطيبة و ما فيها من تنوع و ما إلى ذلك ستنسون ذلك القلق أساساً. عندما تدخلون تلك الدار برضوان الله و ثوابه «نُزُلاً مِن غَفورٍ رَحيم» (۱۰) و هي الآيات التي تليت الآن، عندما يواجه الإنسان هذا فسوف ينسى كل ما كان هنا، و هي أمور موقتة كان متعلقاً بها و كنا نقتل أنفسنا من أجلها؛ هكذا يجب أن يخرج الإنسان من الدنيا. هذا واجبنا. طبعاً هذا الكلام أخاطب به نفسي بدرجة الأولى، و أعبائي أثقل منكم و مشكلاتي أكبر، و لكن علينا جميعاً أن نتوجه و ننتبه. هذه أول نقطة جديرة بالنظر.
طيب، انقضت ثلاث سنوات على فترة هذه المسؤولية و الفرصة التي تتولونها، و هذا آخر لقاء لي بمجلسكم - إنه اللقاء الرابع و الأخير - بمعنى أنه لم يبق أمامكم أكثر من سنة واحدة لتقديم الخدمة. كانت هناك فرصة ثلاث سنوات و قد انتهت و حان الآن وقت تحمل المسؤولية و الإجابة عن المحاسبة. عندما يوكلون عملاً لإنسان و ينتهي و يخرج من دائرة ذلك العمل فيجب عليه أن يقول ما الذي فعله. هكذا هي المسؤولية الثقيلة. السؤال ليس سؤال الناس الذي يستطيع المرء أن يتحايل عليه بطريقة من الطرق، بل هو سؤال الملأ الأعلى و الذي «لا يعزُبُ عَنهُ مِثقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ و لا فِي الاَرض» (۱۱)، إنه سؤال الذي يتحكم حتى في قلوبنا و يعلم بها، ناهيك عن أعمالنا. تبدأ فترة المحاسبة و علينا أن نعد أنفسنا للإجابة و تحمل المسؤولية. يجب أن نجدّ و نسعى. و الله تعالى بالتالي «غَفورٌ رَحيم» (۱۲)، غير أن هذا الغفران و الرحمة مستبعدان جداً بالنسبة للكسالى و اللاأباليين و غير المكترثين، لكنهما متوقعان بالتالي للشخص الذي يبذل جهوده و يسعى سعيه.
يقول الشاعر:
السير في الفلوات خير من القعود عاطلاً باطلاً
فإن لم أصِبْ المراد بذلتُ جهدي قدر استطاعتي (13)
اغتنموا هذه السنة، لا تزال هناك سنة واحدة من هذه الفرصة، و لا تعلمون و لا نعلم هل سنوفق مرة أخرى لفرصة مماثلة أم لا. اغتنموا فرصة هذه السنة الآن - هناك فرصة حسب الظاهر و الآجال بيد الله - فاسعوا و اجهدوا و اعملوا. لنعمل و نتحرك بهذه المعايير و الموازين و على أساس مراعاة الحق الإلهي و بلسان صادق و نظر حق و قلب مشتاق.
و الحمد لله على أنه تمّ إنجاز أعمال جيدة خلال هذه الأعوام الثلاثة و قد عرضها رئيس المجلس المحترم في تقريره - في كلمته اليوم - و سبق أن اطلعتُ على التقرير مكتوباً؛ أنجزت أعمال جيدة عسى أن تكون إن شاء الله قد تمت بنية صادقة و صالحة و بنية القربة، و ستكون يقيناً مقبولة في حضرة الله و نتمنى أن تكون الأعمال التي قمتم بها و القرارات التي اتخذتموها و القوانين التي صادقتم عليها لصالح الناس و لصالح البلاد و لصالح الإسلام و المسلمين قوانين باقية يعمل بها و تترك آثارها في المجتمع و يشعر الناس بآثار أعمالكم إن شاء الله. هذا هو ما نأمله. لباب قولنا هو هذا الذي قلناه لكم، أي إنني بلسان النصيحة لكم نصحتُ نفسي، و عسى أن تتأثر قلوبنا إن شاء الله بهذا الكلام و نستطيع القيام بما يجب علينا القيام به. و أذكر بعض التوصيات:
إحدى التوصيات تتعلق بطريقة سلوك الأعزاء - السادة و السيدات - في هذه السنة الأخيرة. احذروا من أن يؤثر عامل انتخابات نهاية السنة على أعمالكم و خطواتكم طوال هذه السنة. هذا شيء مهم لدرجة كبيرة. الأعمال التي تقومون بها و الكلام الذي تقولونه و مواقف التأييد التي تتخذونها، و مواقف المعارضة التي تتخذونها، و الكلمات التي تلقونها، لا تكن بتأثير من انتخابات آخر السنة. لنفترض أنه لا توجد مثل هذه الانتخابات، فاجعلوا الحق معياراً في هذا العام المتبقي. هذه النقطة الأولى.
و التوصية الثانية تتعلق بالخطة الخمسية السادسة (14)، الخطة الخمسية السادسة - التي تمرّ بمراحلها النهائية و سوف تبلغ قريباً لمختلف الأجهزة و المؤسسات إن شاء الله - يجب أن تخضع لمزيد من الدقة. السنة الأخيرة من المسؤولية قد تشهد في بعض أوقاتها آفة التبرم - و هذا شيء لا يختص بكم، فالحكومة أيضاً كذلك - في نهاية العمل تحصل حالة تبرم و ملل لديهم، فلا تؤثر هذه الآفة على الخطة الخمسية السادسة. الخطة السادسة مهمة، و أنتم في هذه الخطة السادسة تضعون القوانين للبلاد لخمسة أعوام قادمة، و عندذاك قد تكونوا نواباً في مجلس الشورى الإسلامي و قد لا تكونوا، لكن قوانينكم ستكون موجودة، و الحكومات من واجبها العمل بتلك القوانين، و الناس تلحقهم آثار تلك القوانين. دوّنوا هذا القانون - قانون الخطة الخمسية السادسة - بهذه النظرة، و في كل القطاعات: القطاعات الاقتصادية و القطاعات الثقافية و القطاعات الخدمية و الصحية و العلاجية و الدفاعية و الأمنية و غيرها. لا يصبكم الملل و البرم في تدوين قانون الخطة الخمسية السادسة.
توصية أخرى هي قضية التواصل و التعاطي؛ التواصل مع السلطتين الأخريين و خصوصاً الحكومة. و الحكومة تتحمل مهام وسط الميدان. و الذين هم من أهل الرياضة التراثية يعلمون جيداً ما نقوله. هناك آخرون يمارسون الرياضة، لكن عيونهم على الذي في وسط الساحة. إذا كان للحكومة سلوك قوي و جيد و ناجح فإن سائر الأجهزة سيكون لها تلقائياً حراكها الجيد. هكذا هو وضع الحكومة. لذا فإن التواصل و التفاهم مع الحكومة أمر لازم برأينا؛ التواصل مع كل السلطات و مع كل المؤسسات و الأجهزة المتنوعة في البلاد و خصوصاً مع السلطة التنفيذية و الحكومة هو المظهر الحقيقي للشيء الذي ذكرناه لكم و لكل الشعب في بداية السنة: التعاطف و وحدة الكلمة. و بالطبع فقد أوصيتُ الحكومة بنفس الشيء، و هذه التوصية ليست لكم فقط، و نحن نوصي رئيس الجمهورية المحترم و الوزراء بنفس الشيء، و لكنكم أيضاً من الضروري بالتأكيد أن يكون لكم مثل هذه التواصل.
و إذا أردنا الآن أن يحصل هذا التواصل، فثمة على هامش هذا التواصل نقطتان أو ثلاث نقاط نذكرها: النقطة الأولى هي أن هذا التعامل منوط بحسن الظن. إذا كنا سيئي الظن بعضنا ببعض فلن يحصل تواصل و ارتباط. إذا أراد شخصان التعاون في ما بينهم، و تصور أحدهما منذ البداية أن الآخر يريد طعنه بالخنجر من الخلف، فلن يكون التواصل ممكناً. التواصل على أساس سوء الظن غير ممكن. ينبغي أن يكون هناك حسن ظن. التواصل ينبغي أن يكون مصحوباً بحسن الظن. من دون حسن الظن بالطرف المقابل لن يمكن التعامل معه. و طبعاً حسن الظن لا يعني السذاجة و التبسيط و الانخداع. ينبغي أن نكون فطنين، و على الإنسان أن يكون فطناً في كل مكان و موضع و في كل الحالات. إنني لا أوصي أحداً بأن يكون ساذجاً، لا، و لكن ينبغي عدم جعل سوء الظن منطلقاً و أساساً. أن نتهم الطرف المقابل منذ البداية بأنه ينطلق من منطلقات سيئة و ينوي شيئاً سيئاً - إما إنه ينوي الاستسلام أو الخيانة أو الاستغلال الشخصي - فهذا غير ممكن. لا يمكن التعامل و التواصل بهذه النظرة. ينبغي التواصل بنظرة موافقة إيجابية. هذه نقطة ترتبط بقضية التواصل.
و النقطة الثانية هي أن التواصل يجب أن لا يعني الابتزاز. لاحظوا أن لهذه القضية حدوداً جدّ دقيقة. تعلمون أنني كنتُ أيضاً في مجلس الشورى الإسلامي، و كنت نائباً و لديّ التجربة التي لديكم، و كنتُ في الحكومة و لديّ تجربة الحكومة. حينما نتحدث عن التواصل فليس معنى ذلك أن يكون هناك نوع من الابتزاز و الارتهان بين الوزير و النائب، كأن يقول «أترك أنت لأترك أنا» (15). لا يكن الأمر من هذا القبيل، على الجانبين - النائب و الوزير - أن تكون نظرتهما مكرسة للواجب القانوني و مصالح البلاد و على أن الله تعالى يراهما. ينبغي التواصل على هذا الأساس. هذه أيضاً نقطة. إذن، ينبغي عدم الخلط بين التواصل و الابتزاز.
النقطة التالية حول التواصل هي عدم توجيه الإهانات للوزراء في مجلس الشورى الإسلامي و خصوصاً في اللجان. بعض الوزراء المحترمين يشكون لي بأننا حين نذهب إلى اللجنة يتحدثون معنا بلهجة مهينة. أنا طبعاً اعتقد أن الجميع إخوة، أي لا ينبغي أن تكون هناك نظرة سلطوية فنقول إننا أعضاء في الحكومة و كذا و كذا و على الجميع أن يخضعوا و يخشعوا لنا. ليس الأمر كذلك بالتأكيد، و لكن في المقابل ينبغي أن لا تكون هناك نظرة إهانة و امتهان و توجيه تهديدات و كأنما يقال «أمرك كله بيدي» و «أستطيع أن أنزل بك الويلات». هذه النظرة أيضاً نظرة غير صحيحة. ينبغي التعامل باحترام و أدب، فالأدب لازم في كل المراحل و الأطوار. هذه بدورها توصية. طيب، إذن التوصية الثالثة تتعلق بحالة التواصل.
التوصية الرابعة حول قضية مهمة هي قضية الاقتصاد المقاوم. حول الاقتصاد المقاوم يوجد لحسن الحظ وحدة كلمة و تفاهم باللسان، بيد أن مشكلتنا تكمن في التعاطف و التفاهم القلبي. يخشى المرء أن يكون هناك تفاهم لساني و لا يكون ثمة تعاطف و تفاهم قلبي.
يقول الشاعر:
ربّ هندي و تركي يتفاهمان و كأن لسانهما واحد
و ربّ تركيين كالأجنبيين أحدهما على الآخر
لغة القلوب و التعاطف لغة أخرى
وحدة القلوب أفضل من وحدة الألسن (16)
طيب، هذا التوافق اللساني و وحدة الكلمة حاصل و يجب حصول التعاطف و وحدة القلوب أيضاً، بمعنى أنه ينبغي الإيمان من الأعماق بقضية الاقتصاد المقاوم، يجب أن نؤمن أن مفتاح حلّ مشكلات البلاد في داخل البلاد، و العمود الفقري لذلك هو تعزيز الإنتاج الداخلي، و هذا العمل الذي قمتم به أي المصادقة على قانون رفع عقبات الإنتاج (17) عمل جيد، و سمعتُ - حسب ما رفعوا لي من تقارير - بأنه عمل يستند إلى رصيد جيد من الخبرة و التخصص العلمي. هذه أمور يجب أن تتابع، و على الجميع الاعتقاد بهذا الشيء. الذي اعتقده أننا إذا استطعنا تعزيز الإنتاج في الداخل و الاستفادة من الإمكانيات الداخلية بالمعنى الحقيقي للكلمة فإن معالجة القضايا الخارجية سيكون سهلاً، و حلّ القضية النووية سيغدو بسيطاً.
القضية النووية تحولت إلى عقدة، و لهذه القضية حلولها، لكن هذه الحلول منوطة بقوتنا الداخلية، و إذا حصلت هذه التقوية و القوة الداخلية فسيكون هذا العمل سهلاً. و ما عدا الملف النووي هناك مسلسلات أخرى تنتظرنا، فليس الأمر بحيث نقول إن الملف النووي هو قضيتنا الوحيدة مع الغرب و أمريكا و الصهيونية و عتاة الاقتصاد في العالم. هذه ليست قضيتنا الوحيدة، فوراءها قضايا عديدة - حقوق الإنسان و ما إلى ذلك - معالجة كل هذه القضايا سيكون سهلاً، و لا نقول إنها ستعالج تلقائياً، لا، إنما لا بدّ من جهود و مساع، غير أن حلها سيكون سهلاً إذا استطعنا حلّ هذه القضية الداخلية. لاحظوا قضية الاقتصاد المقاوم هذه في قانون الخطة الخمسية السادسة تمام الملاحظة، و لاحظوها بقوة أيضاً في قانون ميزانية السنة الإيرانية القادمة 1395 .
طبعاً تم تبليغ السياسات (18) و قد أنجزت الأجهزة الحكومية الكثير من الأعمال. تم إنجاز أعمال، و لكن انظروا أين هو النقص في هذا الجدول. بالتالي عندما يصفون دواء يعتبر علاجاً أكيداً للمرض الفلاني، فإذا كان لهذا الدواء على سبيل المثال خمسة أجزاء، و لم يتوفر جزء واحد من هذه الأجزاء الخمسة فلن يكون هذا بدواء حتى لو توفرت الأجزاء الأربعة الأخرى. ينبغي توفر كل هذه الأجزاء ليستطيع الإنسان توقع الشفاء و النتيجة. لاحظوا و انظروا ما هي الأجزاء الفارغة في هذا الجدول - أو لعبة الپازل على حدّ تعبير المتأثرين بالغرب - ليصار إلى ملئها، ابحثوا عنها. لاحظوا هذا الأمر بشكل كامل في قانون ميزانية العام 95 .
إنني أعلم و إخواننا في الحكومة يكررون بأنكم حين تكررون ذكر هذه الأمور و القضايا، طيب، المشكلة أننا نعاني من قلة المصادر المالية. نعم، إنني أيضاً على علم بأننا نعاني من قلة المصادر و قد كان للحظر تأثيره في قلة المصادر هذه - هذا مما لا نشك فيه - و لكن حينما يعاني المرء من قلة المصادر ما الذي ينبغي عليه فعله، هل يجب أن يضجّ و يبكي و يلطم رأسه؟ لا، اعثروا على سبل الحل. لهذه الأمور سبل حل، و من سبل العلاج الاقتصاد و عدم التبذير؛ اقتصدوا، راعوا الأولويات في تقسيم و توزيع المصادر الداخلية. هذه سبل علاج. لا يوجد طريق مسدود. قلة المصادر مشكلتنا و ليست عقدتنا التي لا تحل. إنها مشكلة و يجب التغلب على هذه المشكلة، و لها طريقة حل. إننا ننفق الآن الأموال في مواضع يجب أن لا ننفقها فيها. نعرف بعض الأجهزة و المؤسسات - إنني أعرف بعض الأجهزة عن قرب - استطاعت مضاعفة خدماتها إلى عدة أضعاف من دون أن يضاف إلى ميزانيتها حتى ريال واحد، و ذلك بفضل الإدارة الصحيحة و النظرة الصحيحة و التقليل من الإنفاقات الزائدة، و هذا بالطبع يشمل الحكومة و يشمل مجلس الشورى أيضاً و يشمل القوات المسلحة أيضاً. لدينا حالات خارج القوات المسلحة، و لكن شاهدنا في أماكن و أقسام من القوات المسلحة بأن قدراتهم و أداؤهم و أعمالهم قد تضاعفت من دون زيادة في ميزانيتهم. أي يمكن القيام بهذا. إذن، قلة المصادر هذه ينبغي أن لا تتخذ من قبلنا ذريعة لنقول لا يمكن العمل، لا، إذا كان هناك انضباط مالي فكل شيء ممكن الحل، و هذه الأمور أيضاً ممكنة الحل. طبعاً أكرر بأن هذا الانضباط المالي لا يختص بالحكومة، بل يشمل أيضاً مجلس الشورى الإسلامي و الأماكن الأخرى. على الجميع أن يتصفوا بالانضباط المالي.
النقطة الأخرى التي أشير لها تتعلق بالمواقف المبدئية لمجلس الشورى الإسلامي. المواقف المبدئية لمجلس الشورى الإسلامي جيدة و الحمد لله. و قد أشار رئيس المجلس المحترم إلى ذلك، و أنا أسمع و أرى و أشاهد أنه عندما تطرح القضايا الأساسية و الأصولية و الأمور التي تعد الركائز الأساسية للنظام و الثورة الإسلامية، تظهر مواقف مجلس الشورى الإسلامي في صورة مقبولة و إيجابية و في بعض الأحيان متقدمة تماماً. هذا ما يجب أن يكون و في كافة دورات مجلس الشورى الإسلامي. نهج مجلس الشورى الإسلامي يجب أن يكون الصرح الرفيع للمواقف المبدئية. و المعيار في ذلك أقوال الإمام الخميني و وصيته و هذه المجلدات العشرون و النيف من كلماته المدونة، هذا هو المعيار. لننظر و نرى ما السلوك و الاتجاه الذي ترسمه كلمات الإمام الخميني للثورة و نظام الجمهورية الإسلامية، و نثبت على هذه المواقف. هذا هو النهج الذي يجب أن ينتهجه مجلس الشورى الإسلامي. إذا كان هذا فلن ننزلق إلى الهاوية المفزعة المتمثلة بنظام الهيمنة، لن نسقط في مثل هذه الهاوية المرعبة، و إذا لم يحصل هذا فستكون الأخطار كبيرة على هذا الصعيد.
و النقطة الأخيرة هي أن مواقفنا بخصوص الملف النووي لا تزال نفسها التي ذكرناها علناً. طبعاً ثمة أمور و أشياء لا يذكرها المرء في العلن، بل يذكرها على نحو خصوصي - هناك أمور من هذا القبيل، لا يمكن ذكر كل شيء علانية «لَيسَ كلُّ ما يعلَم يقال» - لكن الأشياء التي ذُكِرتْ علناً هي بالضبط نفس الأشياء التي ذُكِرتْ للمسؤولين، ذُكرتْ لهم شفهياً و ذكرت لهم تحريرياً، و هي المواقف الأساسية للنظام الإسلامي. و نعتقد أن إخوتنا يعملون و يجدّون و يكدحون بكدّ حقاً و يسعون سعيهم في هذه المجالات، عليهم إن شاء الله و على أمل الله و بالتوكل عليه سبحانه و تعالى أن يصرّوا على هذه المواقف و يستطيعوا تأمين ما فيه مصلحة البلاد و النظام الإسلامي.
نتمنى أن يوفقكم الله تعالى و تستطيعوا الانتفاع من هذه الفرصة الجيدة لكسب رضا الله.
و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

الهوامش:
1 - أقيم هذا اللقاء بمناسبة بدء السنة الرابعة من الدورة التاسعة لمجلس الشورى الإسلامي في إيران، و ألقى رئيس المجلس الدكتور علي لاريجاني كلمة فيه قبيل كلمة الإمام الخامنئي.
2 - الآيات 30 إلى 36 من سورة فصلت بتلاوة السيد قاسم رضيعي.
3 - سورة فصلت، شطر من الآية 31 .
4 - مفاتيح الجنان، جانب من المناجاة الشعبانية.
5 - سورة فاطر، شطر من الآية 10 .
6 - عماد خراساني.
7 - مصباح المتهجّد، ج 1 ، ص 270 .
8 - الصحيفة السجادية، الدعاء رقم 40 .
9 - سورة الأنعام، شطر من الآية 93 .
10 - سورة فصلت، الآية 32 .
11 - سورة سبأ، شطر من الآية 3 .
12 - من ذلك سورة البقرة، شطر من الآية 218 .
13 - سعدي الشيرازي.
14 - الخطة التنموية الاقتصادية الاجتماعية الثقافية الخمسية السادسة للجمهورية الإسلامية الإيرانية من 1395 إلى 1400 هـ ش [2016 - 2021 م].
15 - ارتفاع أصوات الحضور بالضحك.
16 - جلال الدين الرومي المولوي، مثنوي معنوي، الكتاب الأول، بقليل من الاختلاف.
17 - قام مجلس الشورى الإسلامي بالمصادقة على لائحة رفع عقبات إنتاج البضائع الممكن التنافس فيها، و رفع مستوى النظام المالي في البلاد، في الأول من أرديبهشت 1394 هـ ش [21 نيسان 2015 م].
18 - تبليغ السياسات العامة للاقتصاد المقاوم بتاريخ 30/11/1392 هـ ش [19 شباط 2014 م].