تمتاز سيدة نساء العالمين الصديقة الكبرى (سلام الله عليها) من حيث المعايير الظاهرية والعقلانية بأبعاد وأحجام لا يمكننا تصورها. لو اتضحت لنا ظروف المدينة المنورة بعد رحيل الرسول الأكرم (ص) والوضع الذي كان آنذاك وتصورنا القضية بصورة صحيحة، عندها سنستطيع أن ندرك أي عمل عظيم قامت به فاطمة الزهراء. كانت ظروفاً صعبة جداً ولا يمكن إيضاحها حتى للخواص. ولم يقم من كل أصحاب الرسول الأكرم (ص) سوى عشرة أشخاص أو إثني عشر شخصاً في المسجد ليدافعوا عن الإمام علي بن أبي طالب وعن حقه.. كل أولئك الأصحاب، وكل أولئك الأجلاء، وكل أولئك التالين للقرآن، وكل أولئك الذين سجّل التاريخ أسماءهم، وقد كان الزبير طبعاً من ضمنهم، فتذكّروا ذلك. هكذا كانت الظروف. في مثل هذه الظروف تأتي ابنة الرسول الأكرم (ص) إلى المسجد وتلقي تلك الخطبة الغراء بذلك البيان العجيب والأداء الرائع وتبيّن الحقائق. أو تلك الخطبة التي ألقتها على نساء المدينة وهي على فراش المرض وهي مثبتة وموجودة. هذه ليست أبعاداً معنوية بل هي الأبعاد التي بوسعنا فهمها. يمكن فهمها بهذه النظرة العادية العقلائية، بيد أنها من العظمة والجلال بحيث لا يمكن حصر حجمها وقياس أبعادها، بمعنى أنها لا تقبل المقارنة بأية تضحية أخرى. كما لو يقال مثلاً كم هو طول المجرات وعرضها؟ نعم، يمكن قياسها وتعيين أمتارها وسانتيمتراتها، ولكن من الذي يستطيع ذلك؟ من الذي يفهم ذلك؟ من الذي يقدر عليه؟ هذه ليست جوانب إلهية ومعنوية وملكوتية وعرشية، بل هي جوانب أرضية ولكنها من العظمة بحيث لا يستطيع الناس العاديون حصرها. نحن نتحدث ونتلو مراثيها وعزاءها، وتتحرق قلوبنا ونبكي، لكننا لا نستطيع تصور ما حدث حق تصوره وكم هو عظيم ما قامت به السيدة فاطمة الزهراء (سلام الله عليها).

~الإمام الخامنئي ٢٠١٧/٣/١٩