بسم‏ الله‏ الرّحمن ‏الرّحیم

والحمد لله ربّ العالمین والصّلاة والسّلام علی سیّدنا ونبیّنا أبي القاسم المصطفیٰ محمّد (صلّی اللّه علیه وآله) وعلی أهل بیته الطّیّبین الطّاهرین المعصومین سیّما بقیّة الله في الأرضین. اللّهمّ صلّ علی عليّ إبن موسی الرّضا ولیّك عدد ما في علمك صلاة دائمة بدوام ملکك وسلطانك. اللّهمّ سلّم علی ولیّك عليّ إبن موسی الرّضا عدد ما في علمك سلاماً دائماً بدوام ملکك وسلطانك وجبروتك.

جرت العادة في كلّ عام أن نقيم مراسم رأس السنة في حرم الإمام علي إبن موسى الرضا (سلام الله عليه) وفي خدمة أهلنا الأعزاء في مشهد والزوار الأعزاء القادمين إلى مشهد من كل أنحاء البلاد؛ كان نوروزنا يتزين بهذا اللقاء، وهذه السنة حرمنا من ذلك.

رغم بعدنا لكننا نأنس بذكرك    فالبعد ليس منزلاً خلال سفرنا الروحي (1)

برأيي من الأفضل أن نتلو الصلوات الخاصة بزيارة الإمام الرضا (ع) من بعيد وفي أي مكان كنا: اَللَّهُمَّ‏ صَلِّ‏ عَلىٰ‏ عَلیِّ‏ إبنِ‏ موسَى‏ الرِّضَا المُرتَضَى الاِمامِ التَّقي النَّقيّ وَحُجَّتِكَ عَلىٰ مَن فَوقَ الأرضِ وَمَن تَحتَ الثَّرَى الصِّدّيقِ الشَّهيدِ صَلاةً كَثيرَةً ناميَةً زاكيَةً مُتَواصِلَةً مُتَواتِرَةً مُتَرادِفَةً كأفضلِ ما صلّيتَ عَلىٰ أحدٍ مِن أولِيائِك. (2)

أبارك عيد المبعث السعيد، فاليوم هو من أكبر أعيادنا الإسلامية. كما أبارك ثانية عيد النيروز وحلول الربيع لكل شعبنا العزيز. 
المبعث النبوي يوم عظيم جدا؛ ينبغي علينا أن نعرف وندرك مدى أهمية المبعث النبوي. مبعث رسول الإسلام هو واقعة تاريخية بحيث أخذ الله تعالى من سائر الأنبياء ميثاقا وعهدا في خصوص هذه الواقعة. "واِذ أخَذ اللهُ‌ ميث‍ـاقَ‌ النَّبِيّينَ لما آتَيتُكُم مِن ‌كِتبٍ‌ وَحِكمَةٍ ثُمَّ جاءَكُم رَسولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُـم ‌لَتُؤمِنُنَّ بِه وَلَتَن‍ـصُرُنَّه" (3) إستناداً لهذه الآية المباركة، إن الله تعالى أخذ عهدا من الأنبياء على طول التاريخ بأنه في مثل هذا اليوم سوف يبعث رسول الإسلام وعليهم الإيمان به ونصرته. حسنا، فالإيمان واضح. أما النصرة فهي أن يعرفوه لشعوبهم وأتباعهم ويطلبوا منهم أن يؤمنوا به؛ هذا أقل ما يُمكن إعتباره نصرة من الأنبياء؛ والله أخذ منهم هذا العهد. لذلك تلاحظون من خلال الآية القرآنية: «اَلَّذي يجِدونَه مَكتوبًا عِندَهُم فِي التَّوريٰةِ وَالاِنجيل» (4) أي أن خصائص نبينا كانت موجودة في التوراة والإنجيل الغير محرفين. أو في آية أخرى، يقول تعالى عن لسان النبي عيسى: «وَاِذ قالَ عيسَى ابنُ مَريمَ يٰبَني اِسراءيلَ  اِنّي رَسولُ اللهِ اِلَيكم مُصَدِّقًا لِما بَينَ يدَي مِنَ التَّوريٰةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسولٍ يأتي مِن بَعدِي اسمُه اَحمَد» (5) فالنبي عيسى بيّن إسم ذلك الرسول العظيم. ولذلك فإن هذه الواقعة مهمة لدرجة أن الإمام (ع) أشار لها في نهج البلاغة على هذا النحو أيضا، حيث قال: «اِلى اَن بَعَثَ اللَهُ مُحَمَّداً رَسُولَ اللَهِ صلّى الله عليه وآله لِاِنجازِ عِدَتِه وَ تَمامِ نُبُوَّتِه مَأخُوذاً على النَّبيينَ مِيثاقُه» (6) أي أن الله تعالى أخذ من الأنبياء عهدا وميثاقا وأوصاهم بأن يتصرفوا مع قضيته على هذا الأساس.

حسنا، فقضيّة البعثة تنطوي على مضمون عظيم. سوف أتحدث بإختصار عن هذا المضمون وأربط هذه المسألة بوضعنا الحالي اليوم حيث أن المسألة لها تأثير من الناحية العملية أيضا وليست مجرد مسألة عقيدة.

المبعث والوحي الإلهي يوضحان الحقائق للناس والبشرية، وهذه الحقائق إذا ما آمن وعمل بها الناس والمجتعات البشرية المتنوعة فإنها سوف تفيض عليهم بحياة طيبة. ما معنى الحياة الطيبة؟ يعني الحياة الرغيدة والمفيدة والحسنة، الحياة النقية، نقاوتها تأتي من كونها حسنة ورغيدة، وأن تساعد الإنسان في الحركة نحو صراط الكمال ولنيل كل تلك الأمور الجميلة والحسنة، في الدنيا والآخرة. هذه هي الحياة الطيبة. فإذا تعرفت القلوب إلى هذه المعارف والتفت حولها وتمسكت بمستلزماتها فإن الحياة الطيبة ستكون من نصيبها بشكل قاطع.

حسنا، فجزء من هذه الحقائق هي عبارة عن المنظومة المعرفية للإسلام، حيث أن المنظومة المعرفية للإسلام تعبّر عن وجهة نظر الإسلام حول الكون وحول الإنسان. وحول دور الإنسان في العالم، وحول الذات الإلهية المقدسة، وحول الصفات والأسماء الإلهية التي نقرؤها في دعاء كميل: " مَلأت أركانَ كُلِّ شَيء"، أو التي نقرؤها في دعاء شهر رجب: " بِهِم مَلَأتَ سَمائكَ وَأرضَك "، حيث أنها تتحدث عن مسيرة الإنسان في الحياة وبعد الممات، ويوجد حقائق كهذه في غاية الأهمية، وهذه الحقائق هي سلسلة ومنظومة الإسلام المعرفية؛ حيث أنها تعلم البشرية بها وتجعل الناس متحلين بالوعي والصحوة.

قسم آخر من الحقائق وهي المنظومة القيمية الإسلامية، القيم التي قام الإسلام بتثبيتها، أي التي قام بتعريفها بأنها  قيمة؛ والتي ينبغي على الأفراد والمجتمعات التقرب منها والحركة تجاهها، لأن سعادتهم واقعة ضمن هذا النهج. ومثالا على ذلك الأخلاق الفردية التي تنص على تحلي الإنسان بالصبر والحلم، التحلي بالتسامح، وأمثلة عديدة من قبيل هذه الصفات الفردية للإنسان إلى المفاهيم العامة والضرورية لقيام الحياة مثل الحرية والعدالة الإجتماعية، ومثل الكرامة الإنسانية، ومثل نمط العيش؛ هذه أجزاء من السلسلة القيمية الإسلامية والتي بيّنها الإسلام وشرحها لنا. البعض يملك تصورا خاطئا بأن هذه المفاهيم الرائجة كالعدالة الإجتماعية والحرية وما إلى ذلك قد أتت من الغرب إلى العالم الإسلامي، أو بأن المتفكرين الإسلاميين قد تعلموها من الغربيين؛ وهذا غير صحيح إطلاقا. الغرب تعرف إلى هذه المفاهيم منذ ثلاثة أو أربعة قرون فقط؛ فهم تعرفوا عليها من بعد عصر النهضة، في حين أن الإسلام قد بينّ هذه المفاهيم بوضوح في القرآن قبل 1400 سنة، والفرق يكمن بأن الغرب قد طرحها ولكنه لم يعمل بها بصدق أبدا - لم يعمل بالحرية ولا بالعدالة الإجتماعية - هم تحدثوا عنها ولم يعملوا بها؛ وهذه المفاهيم كانت في الإسلام وكان يعمل بها في زمن الرسول (ص). فعبارة «اُمِرتُ لِاَعدِلَ بَينَكم» (7) هي عبارة القرآن؛ فالنبي (ص) يأمر بإقامة العدالة، وهذه هي العدالة الإجتماعية والعدالة الشاملة. أو عندما قال: «اِنّا اَرسَلنا رُسُلَنا بِالبَينٰتِ وَاَنزَلنا مَعَهُمُ الكـِتٰبَ وَالميزانَ  لِيقومَ النّاسُ بِالقِسط» (8) "؛ يعني بأن أساس بعثة جميع الأنبياء والرسل والكتب كان من أجل إقامة هذا القسط بين الناس - أي هذا العدل الإجتماعي، والعدل الإقتصادي -؛ وبناء عليه فهذه المفاهيم هي المفاهيم الإسلامية العريقة.

أو بالنسبة لموضوع الحرية؛ فهذا التعبير لأمير المؤمنين (ع) في نهج البلاغة جاء قبل ألف سنة من طرح قضية الحرية في الدول الغربية كفرنسا مثلا أو غيرها حيث قال (ع): «لا تَكن‌ عَبدَ غَيرِك‌ وَقَد جَعَلَك اللهُ حُرّا» (9)، وهل يوجد أوضح من هذا؟ أي أن الناس أحرار؛ والحرية تشمل جميع أنواع الحريّات. أو تلك العبارة الشهيرة: " إستعبدتم الناس وقد خلقكم الله أحراراً "، وهذا الخطاب كان موجهاً لبعض الحكام في ذلك العصر حيث قال " إستعبدتم الناس "؛ تريدون أن تعاملوا الناس كالعبيد والله تعالى قد خلقهم أحراراً؟ هذه هي المعارف الإسلامية. ويوجد الكثير من هذا القبيل في المعارف الإسلامية؛ وهناك العديد من هذه العبارات في نهج البلاغة وفي بقية المصادر الإسلامية. وبناءً عليه فإن سلسلة القيم وسلسلة المعارف والمنظومة المعرفية والمنظومة القيمية هي على هذا النحو. وتأتي الأحكام من بعدها، أي الواجبات والممنوعات والأوامر والمنهيات؛ كلها أحكام - الفردية منها والإجتماعية - مستوحاة من المعارف الإسلامية ومتطابقة مع تلك القيم الإسلامية، أي أن الأمور التي كلّف الله تعالى بها الفرد المسلم نابعة من تلك المفاهيم الأساسية والمعرفية ومتطابقة مع المفاهيم القيمية والمساعدة للتقدم في هذا المسير. حسناً، في الواقعهذه هي الباقة التي تم إهداؤها للناس في المبعث النبوي الشريف.

والآن إذا كنا نريد تحقيق تلك الأمور، إذا أردنا تحقيق هذه المعارف في عقيدة المجتمع بشكل حقيقي، وأن نشاهد أثر هذه القيم في تصرفات الناس وسلوكهم، وإذا أردنا أن تكون هذا الأحكام وسيلة التقدم والتطور؛ فإننا نحتاج إلى القوة السياسية؛ فإذا عدمت القوة السياسية فإن المتغطرسين لن يستجيبوا لها، والكسالى لن ينفذوها وسوف يمشي وراءهم كل أتباعهم وبذلك فلن تتحقق الغاية من نبوة الأنبياء، ولهذا فإن الله يقول في القرآن: «ماِّ اَرسَلنا مِن رَسولٍ اِلّا لِيطاعَ بِاِذنِ الله» (10) وهذا ينطبق على جميع الرسل وليس فقط على رسولنا الكريم، فيجب على الناس إطاعة هؤلاء الرسل في البلاد. لذلك فإن الرسول (ص) طلب البيعة من أولئك الذين أتوا من يثرب وأصروا عليه في دعوتهم له من أجل الهجرة إلى المدينة.
البيعة يعني أنكم تحت أمرنا، ونحن نأتي إليكم بهذا الشرط؛ وعندما دخل النبي الأكرم (ص) إلى المدينة أول ما قام به كان إنشاء القوة السياسية والإجتماعية؛ يعني إنشاء الحكومة، وهذا الأمر كان من مستلزمات عمل النبوة. طبعاً الأنبياء لديهم أعداء كثر: «وَكذٰلِك جَعَلنا لِكلِّ نَبِي عَدُوًّا شَيٰطينَ الاِنسِ وَالجِنّ» (11)، وعندما يؤسسون الحكومة سوف يضاف إليهم العدو الخارجي؛ وهذا واضح، فإذا كان ليس عالماً بالسياسة ولم تكن لديه القوة السياسية فهذا لن يجلب إهتمام العدو الخارجي ولن يلفت إنتباهه لكل ما يحكى؛ ولكن عندما يصل إلى القوة السياسية فحينئذ سوف يشهد مخالفة العدو الخارجي له، ذلك العدو الذي يرفض العدالة ويرفض الحرية ويرفض حق كل إنسان بالحياة الجيدة والمستقلة.

حسنا، هذا هو قولنا اليوم: أنا أريد القول بأن هذا الوصفة هي ذاتها الوصفة التي عمل بها الإمام الخميني رضوان الله تعالى عليه، لقد طبّق وصفة الرّسول الأكرم بحذافيرها، والمعارف التي جاء بها هي نفسها المعارف التي أبلغ الرسول (ص) الناس بها من جانب الله تعالى؛ والقيم هي نفس تلك القيم؛ والأحكام نفسها تلك الأحكام؛ والحركة من أجل تحقيق هذا الأحكام تحتاج إلى الإيمان القوي، والمثابرة، والقلب المتوكل على الله، كل هذه الصفات إجتمعت في الإمام وهو أقدم على هذا الأمر، والله ساعده ونجحت هذه الحركة. طبعا الإمام كان يعلم بأن الإيمان الإسلامي راسخ في أعماق وروح الشعب الإيراني، فكان شعبا مؤمنا؛ وهذا وحده يحتاج إلى حديث طويل ومنفصل، فالشعب الإيراني في الأمس والحاضر وبالرغم من بعض المظاهر أثبت وجود قوة الإيمان ورسوخه الكبير في قلبه، والحمدلله هذه من إحدى ميزات شعبنا.

والإمام كان يعرف هذا، ولذلك طرح قضيّة الإسلام والدولة الإسلامية والنظام الإسلامي، وقد كانت الأرضية مهيئة لذلك والإمام قد عرف تلك الأرضية؛ حيث كانت الأرضية عبارة عن الظلم المتفشي والفساد اللامتناهي للنظام البهلوي، حيث أنهم كانوا تابعين وفاسدين وظالمين، ولم يكن لديهم المعرفة الإنسانية الحقيقية أيضا، وكان هذا يسري إلى الناس، وكان الجميع يشاهد ذلك الوضع الفاسد والظالم في ذلك النظام؛ وهذه كانت أرضية جيدة والإمام إستفاد من هذه الأرضية وحصلت معجزة الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية. وحقيقةً فإن تحقيق الثورة الإسلامية والجمهورية الإسلامية كان كالمعجزة التي تحققت بفضل هذه الحركة العظيمة.

المجتمع الإسلامي الأول - أي المجتمع الذي أسسه الرسول (ص) ببضعة آلاف نسمة من الناس في المدينة؛ فالناس الذين كانوا يعيشون في المدينة لم يتجاوزا السبعة أو الثمانية أو العشرة آلاف نسمة منذ بداية تأسيس المدينة - ولقد تم إرشادهم ببركة النبي (ص)، وببركة أحكام النبي (ص) والمعارف التي أهداهم إياها النبي (ص)، وبالرغم من حصول بعض الإشكالات الأساسية بعد رحيل النبي (ص) ولكن هذه الحركة كانت حركة متجذرة وقوية بحيث ظلت تسير نحو القوة وأصبحت قوية يوما بعد يوم. بحيث أنها كانت في القرن الرابع الهجري - وهذه من المسلّمات في التاريخ - تملك من ناحية العلم والثقافة أكثر المستويات العلمية والثقافية تطوراً في كل العالم؛ أي بعد ثلاثة قرون من البعثة النبوية، سار هذا المجتمع الإسلامي في حركة بحيث كان السبّاق من الناحية العسكرية والسياسية والعلمية والثقافية ووصل إلى كل تلك المراتب. وهذا كله حصل في عصر الخلفاء السيئين والفاسدين كبني أمية وبني العباس؛ ولو أنه كان بدلاً من هؤلاء أئمةً مهديين أو أشخاصاً مكلفين من طرفهم لكان التطور مضاعفاً عشرات المرات من الذي حصل. هذه هي الحركة الإسلامية، والتي تتصف بميزة التطوير والتقوية.

والنموذج اليوم هو كذلك أيضاً. فلو بقينا نسير بصدق ونعمل بصدق ولا نتكاسل ولا نكون ذوي قصر نظر أو سطحية فإننا نستطيع إيصال إيران إلى تلك القمة. طبعاً إيصال إيران إلى القمة العلمية والثقافية والصناعية والعسكرية والسياسية وما إلى ذلك هو هدفنا للمدى القريب؛ أما هدفنا للمدى البعيد فهو الحضارة الإسلامية وهذا موضوع آخر.

يجب أن لا نتعجب من وجود العداوات، حسنا فنحن لدينا الكثير من الأعداء ولا عجب في ذلك. فقد قلت لكم بأن الله يقول في القرآن: «وَكذٰلِك جَعَلنا لِكلِّ نَبِي عَدُوًّا شَيٰطينَ الاِنسِ وَ الجِنِّ يوحي بَعضُهُم اِلىٰ بَعضٍ زُخرُفَ القَولِ غُرورا» (12) وكذلك جعلنا لكل نبي عدواً شيطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ". يوجد أعداء من الجن وأعداء من الإنس أيضاً وهؤلاء يساعدون بعضهم؛ فالأنظمة الإستخباراتية للعديد من الدول تتعاون ضدنا؛ " يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غروراً ". لذلك  في بداية الإسلام في حرب الأحزاب حين إتحدت جميع قوى أعداء النبي (ص) مع بعضها؛ وكانوا من مختلف قبائل العرب من مكة والطائف ومناطق أخرى وقد ضموا إليهم اليهود المجاورين للمدينة أيضاً، وهذه كانت واقعة عجيبة بالنسبة إلى المسلمين ولكن المسلمين لم يتعجبوا من ذلك. فورد في القرآن: «ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله  وصدق الله ورسوله»، يعني عندما شاهدوا كيف يتحرك الأعداء نحوهم قالوا هذا ما وعدنا الله بأن سيكون لكم هذا الكم من الأعداء يأتون إليكم ويحملون عليكم، وها هم الآن قد أتوا وهذه الحركة للعدو زادت من إيماننا لأن " صدق الله ورسوله «فقد تحققت هذه النبوءة من الله تعالى ورسوله»  «وَما زادَهُم ‌اِلّاٰ ايمانًا وَتَسليما». (13)

طبعاً أمريكا اليوم هي أخبث عدو لنا وللجمهورية الأسلامية. طبعاً أعداؤنا ليسوا بقلة ولكن أمريكا تعتبر أخبثهم وأعندهم. المسؤولون الأمريكيّون كاذبون وغدارون ووقحون وجشعون ومتعجرفون، أنظروا إلى تصرفاتهم واسمعوا تصريحاتهم فسوف ترون كيف يتحدثون بتعجرف، يعني إنهم يملكون جميع الصفات الأخلاقية الرذيلة - طبعاً إلى جانب ذلك فإنهم يتصفون أيضاً بأنهم ظالمون وبأنهم قساة القلوب وعديمي الرحمة إلى درجة كبيرة وإرهابيون؛ فهؤلاء يمتازون عن غيرهم بأنهم يملكون جميع هذه الصفات لوحدهم دفعة واحدة! واليوم يقف أمامنا هكذا نوع من الأعداء.
الله تعالى أعطى خطة عمل من أجل المواجهة مع أعداء الرسول (ص)؛ في بداية البعثة أمر الله تعالى رسوله بالصبر. فقال تعالى في سورة المدثر وهي من أولى سور البعثة النبوية: «وَلِرَبِّك فَاصبِر».(14) "؛ إصبر من أجل ربك. وقال في سورة المزمل وهي من أولى سور القرآن أيضاً: «وَاصبِر عَلىٰ ما يقولون».(15)"؛ "؛ إصبر من أجل ربك. وقال في سورة المزمل وهي من أولى سور القرآن أيضاً: «وَاستَقِم كماٰ اُمِرت» (16) في سورة هود وفي سورة الشورى. إستقم. ولذلك فإن خطة العمل قد وردت.
والآن ما هو معنى الصبر؟ الصبر لا يعني وضع الكف على الكف والجلوس بإنتظار النتائج والأحداث؛ الصبر يعني الصمود والمقاومة، الصبر يعني عدم تغيير حساباتنا الدقيقة مع خدعات العدو، الصبر يعني متابعة الأهداف التي رسمناها لأنفسنا، الصبرهو السير والمواصلة بمعنويات عالية، هذا هو معنى الصبر. إذا إتفق هذا الصمود والمقاومة مع العقل والتدبير والمشورة - كما قال في القرآن: «اَمرُهُم شورى بَينَهُم»(17) - فإن النصر سيكون من نصيبنا حتماً. وأنا طبعا أقولها لكم -بكلّ حزم وثقة- بأن الشعب الإيراني شعب صبور؛ ولقد أظهروا أنهم يتحلون بالصبر. طبعاً نحن المسؤولون قد نفذ صبرنا في بعض الأحيان، ولكن الشعب لا؛ فالشعب كان صبوراً بشكل كامل؛ وهذا ما رأيناه بوضوح خلال هذه الأربعين سنة.

لقد اظهر البعض ممن يدعون التنوير نفاذ الصبر، والبعض منهم أوصله نفاذ الصبر إلى حد التعامل والتناغم مع العدو، طبعاً البعض كان هكذا. وفي المقابل يوجد شبّان مؤمنون والحمدلله إنهم كثر ويزدادون عدداً يوماً بعد يوم؛ موجودون في مجال الثقافة والعلم والتكنولوجيا والسياسة، وفي الفهم الدولي للقضايا - أي أنهم يدركون ويفهمون القضايا الدولية بشكل سليم - هذا النوع من الشباب موجود في النقطة المقابلة وكما قلت الحمدلله إنهم يزدادون يوماً بعد يوم. فالصبر يعني عدم الإستسلام، وعدم الضعف والتردد، وأن يواجهوا العدو بالشجاعة والعقل ويغلبوه، حيث قال تعالى في القرآن في ذلك الحين: «اِن يكن‌ مِنكم‌ عِشرونَ‌ صٰبِرونَ‌ يغلِبوا مِائَتَين» (18). هذه في ظروف ما قد تواجهونها، ففي بعض الظروف عشرة أضعاف وفي ظروف أخرى ضعفين.

لقد قلتها مراراً في تصريحاتي الأخيرة أنه ينبغي على البلد أن يصبح أقوى (19)  وهذا جزء من أهدافنا. وهذه من الخطوط العريضة من نموذج البعثة النبوية؛ ولقد إستوحيت من البعثة؛ ولقد إستوحيت من القرآن أيضاً. القرآن يقول: «وَاَعِدّوا لَهُم مَااستَطَعتُم مِن قُوَّة»(20) وهذه القوة قد تفهم القوة العسكرية من النظرة الأولى وللوهلة الأولى، ولكنها تبدو أوسع أكثر من مجال القوة العسكرية. فأبعاد القوة أبعاد واسعة، فيها أبعاد إقتصادية، ومنها القوة الإقتصادية والقوة العلمية والقوة الثقافية والقوة السياسية - حيث أن الممهد للقوة السياسية هو الإستقلال السياسي - والقوة الدعائية والتبليغية. مع مرور الزمن، سوف يكون هناك مجالات أخرى من أجل تقوية البلاد. لنفترض أن المحافظة اليوم على شريحة الشباب في البلد هي إحدى وسائل القوة؛ ولهذا السبب إنني أتأمل كثيراً بالمواليد الجدد. بلدنا اليوم بلد شاب؛ ولكن إذا لم يتم إنجاب المواليد الجدد بالقدر الكافي واللازم في البلد - والتي ليست بالقدرالكافي الآن - فبعد مدة و بعد بضعة أعوام سوف يصبح جيل الشباب نادراً. والدولة التي يقل فيها الشباب سوف يقل فيها التطور. فإحدى وسائل القوة هي الحفاظ على الأكثرية الشابة في المجتمع. أو اليوم مثلاً فإن القوة في العالم الإفتراضي هي مسألة ضرورية جداً؛ فالعالم الإفتراضي اليوم يسيطر على حياة الناس حول العالم؛ والبعض يقوم بأعماله من خلال العالم الإفتراضي؛ لذلك فإن القوة في هذا المجال ضرورية جداً. أو مثلاً القوة في مجال الصحة والعلاج ضرورية جداً؛ والحمدلله فإن الباحثين والأطباء والخبراء في هذا المجال قد أنجزوا الكثير.
 
وموضوع الطفرة في الإنتاج الذي طرحته لهذا العام، هو في الحقيقة من وسائل القوة. يجب أن تحدث طفرة في الإنتاج، ليس فقط إزدهار الإنتاج الذي تحدثنا عنه العام الماضي. فإزدهار الإنتاج هو أن تحدث حركة بالإنتاج وهذا ما حصل ولكنه ليس كافياً. نحن بحاجة إلى أكثر من ذلك؛ نحن بحاجة إلى الطفرة في الإنتاج. طبعا الطفرة في الإنتاج لديها مستلزماتها؛ والمسألة ليست بأن يقدم المستمثر أو صاحب المصنع على زيادة إنتاجه فقط، بل الأمر بحاجة إلى قيام جميع الأجهزة المرتبطة بوظائفها، بأن يضعوا حداً لتهريب البضائع، وأن يضعوا حداً للإستيراد الزائد، وأن يعطوا محفزات للمنتجين، وأن يقوموا بالإجراءات القضائية الجادة مع كل أولئك الذين يسيؤون الإستفادة من الدعم المالي الحكومي. ويوجد الكثير من هذا القبيل من الأعمال التي إذا ما تم القيام بها - والتي سوف يتم القيام بها في هذه السنة إن شاء الله - فإن الطفرة في الإنتاج سوف تتحقق.

طبعا في هذه الأيام نحن نواجه مشكلة مرض واسع العدوى والإنتشار على الصعيد الدولي؛ وهذا الفيروس يحصد الضحايا في جميع الدول تقريبا وهو قيد التطور أيضاً. والبعض يصرح بما يحدث في بلادهم والبعض الآخر يخفي ذلك؛ والإنسان يعرف من بعض التصريحات أن بعض هذه التصريحات غير مطابق للواقع؛ فهذا الفيروس يقوم بعمله. وهذا المرض هو مصداق هذه الآية المباركة: «ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات»؛ فإنه يجلب معه الخوف وفي الحقيقة البعض يخاف، وهذا أيضاً يتسبب بحدوث أزمة الإقتصادية، ويكون سبباً للنقص في الأموال والأنفس والثمرات، ولكن الله يقول بعدها: «وَبَشِّرِ الصٰبِرين»(21) فهنا أيضاً يجب الصبر. وهنا يعني يجب القيام بالعمل الصحيح والمتعقل؛ طبعاً الأشخاص المسؤولون المحترمون المتولون لهذا الأمر قد أصدروا تعليمات وإن شاء الله هذه التعليمات يجب العمل بها من قبل الجميع؛ فهي من أجل الحفاظ على حياتهم وعلى حياة الناس في البلد، والسيطرة على هذا المرض أمر خطير فلذلك يجب على الجميع الإلتزام.

ومن ضمن المواضيع المرتبطة بكورونا ومن الجيد أن أذكرها هنا، هي بأن القيادة الأمريكية قالت عدة مرات لحد الآن بأننا جاهزون  لمساعدتكم من ناحية العلاج والدواء؛ ولقد كرروا ذلك عدة مرات بأنه ينبغي عليكم فقط أن تطلبوا منا. وهذا جزء من تلك الأقوال العجيبة التي يقولونها لنا بأن نطلب منهم العلاج والدواء.

أولاً، أنتم لديكم نقص في ذلك؛ فالأخبار التي تصل من أمريكا؛ أي التي يقولها الأمريكيون أنفسهم، مثل رئيس بلدية المدينة الفلانية، ورئيس صحة المنطقة الفلانية، ورئيس مستشفى الولاية الفلانية، هم يقولون بصريح العبارة بأن لديهم نقص مخيف في وسائل الوقاية وتشخيص الإصابة بالمرض، والأدوية وما شاكل ذلك. إذا كان لديكم شيئاً وهو كافٍ فلتصرفوه على أنفسكم.

ثانياً، أنتم أيها الأمريكيّون متهمون بإنتاج هذا الفيروس، لا أدري إلى أي حد هذا الإتهام حقيقي، ولكن عندما يوجد هكذا إتهام فأي عاقل سيثق بكم ليطلب منكم أن ترسلوا له الأدوية؛ فيمكن أن تكون أدويتكم وسيلة لزيادة إنتشار هذا المرض. لا توجد أي مصداقية لديكم ولا ثقة بكم. الدواء الذي ستصفونه لنا أو تدخلونه إلى بلدنا من الممكن أن يكون مثبتاً للفيروس ويمنع القضاء عليه؛ فإذا كانت هذه التهمة صحيحة وأنكم أنتم من صنع هذا الفيروس فهذا يعني أنكم تستطيعون القيام بتلك الأفعال أيضاً. أو من الممكن أن يكون الشخص الذي ستوفدونه إلينا تحت عنوان الطبيب المعالج،قد يكون في الحقيقة يريد الحضور لمشاهدة تلك التأثيرات السمية التي صنعتموها؛ لأنه يقال بأنكم صنعتم شيئاً خاصاً بإيران وذلك من خلال حصولكم على الخصائص الجينية الإيرانية من طرق متعددة وتريدون أن تروا تأثيرها عن قرب لكي تكملوا معلوماتكم وتزيدوا من عدوانكم، ولهذا السبب ليس هناك حديث عن القبول بذلك عند أحد من الشعب الإيراني.

وآخر حديثي مع الشعب الإيراني العزيز هو: أعزائي! إن الخبرة الحاصلة من أربعين سنة تثبت لنا بأن بلدنا لديه القابلية لمواجهة القضايا والتحديات على كل المستويات؛ أي أن البلد لديه قابليات ممتازة لمواجهة جميع القضايا والمشاكل والتحديات الحاصلة -التي يمكن أن تحصل- والتغلب عليها. قدرات البلد كبيرة جداً، والمهم أن تتمّ معرفة هذه القدرات من قبل المسؤولين وأن يتم توظيفها من قبل جميع الأشخاص المؤمنين والشباب الطموحين، العناصر الشابة والمؤمنة والمتدينة، لأن احتمال أن يرتكب الشخص المتدين الخيانة قليل جداً مقابل الشخص الذي لا يؤمن بالدين. وهذا هو الشيء الذي يقربنا من هدفنا.

وأوصيكم مجدداً بأن تعملوا إن شاء الله بهذه التعليمات التي أعلنها وعممها المسؤولون في الهيئة الوطنية لمحاربة الكورونا، حتى أنهم عطلوا التجمعات الدينية والتي هي حالة لم يسبق حدوثها لدينا على مر التاريخ بأن تقفل المراقد المقدّسة وأن تعطل صلاة الجمعة والجماعة مثلاً؛ إلتزموا بهذه التعليمات حتى يرفع الله تعالى هذا البلاء عن شعب إيران وعن جميع الشعوب المسلمة وكل البشرية في القريب العاجل إن شاء الله.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الهوامش:
1 – بيت شعر لحافظ الشيرازي. 
2 – كامل الزيارات، ص 309 .
3 – سورة آل عمران، شطر من الآية 81 . 
4 – سورة الأعراف، شطر من الآية 157 . 
5 – سورة الصف، شطر من الآية 6 . 
6 – نهج البلاغة، الخطبة رقم 1 . 
7 – سورة الشورى، شطر من الآية 15 . 
8 – سورة الحديد، شطر من الآية 25 . 
9 – نهج البلاغة، الكتاب رقم 31 . 
10 – سورة النساء، شطر من الآية 64 . 
11 – سورة الأنعام، شطر من الآية 112 . 
12 – سورة الأنعام، شطر من الآية 112 . 
13 – سورة الأحزاب، شطر من الآية 22 . 
14 – سورة المدثر، الآية 7 . 
15 – سورة المزمل، شطر من الآية 10 . 
16 – سورة الشورى، شطر من الآية 15 . 
17 – م ن، شطر من الآية 38 .
18 – سورة الأنفال، شطر من الآية 65 . 
19 – من ذلك كلمته في لقائه بأهالي محافظة آذربيجان الشرقية بتاريخ 18/02/2020 م . 
20 – سورة الأنفال، شطر من الآية 60 . 
21 – سورة البقرة، الآية 155 .