وفيما يلي النص الكامل لكلمة السيد الخامنئي التي ألقاها خلال اللقاء:

 

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

الحمد لله على أن جلستنا هذه معطرة بأريج الشهادة. أنتم الإخوة الحاضرين من محافظتي كهگيلويه وبويرأحمد وخراسان الشمالية، عقدتم العزم والهمم باسم الشهداء وذكرى الشهداء ولخدمة الشهداء، وتلطفتم اليوم وتفضلتم بالمجيئ إلى هنا، آجركم الله وجعل نواياكم وعزائمكم الراسخة مستمرة دائمة، وتقبل منكم هذه الخدمات وهذه الجهود، وأعاد منافع هذه الخدمات الثقافية القيمة على شعبنا إن شاء الله، وهو اليوم بحاجة شديدة لها.

لأن الجماعتين اللتين تفضلتا بالحضور هنا من سنخ واحد، فقد جعلنا الكلام مع الجماعتين كلاماً واحداً، فهو ذكر الشهداء وذكرى الشهداء، وستغمر بركة الشهداء إن شاء الله هذه الجماعة وهذا الكلام. مع أن قرابة ثلاثين سنة - 28 سنة - مضت على انتهاء الدفاع المقدس، لكن ذكرى الشهداء وأسمائهم لا تخلق ولا تضيع. والسبب هو أن الله تعالى قال: «اَحيآءٌ عِندَ رَبِّهِم» (2)، فهم بالتالي أحياء. وهكذا هو الحال بالنسبة لشهداء التاريخ. توفي طوال التاريخ كل هؤلاء العلماء الكبار والشخصيات الكبيرة والسياسيين الكبار وفارقوا الدنيا، وقلّ ما بقي منهم أحد في ذاكرة المجتمع، لكن الشهداء الذين عرفوا بأنهم شهداء ذكراهم حية وستبقى حية. وكذا هو الحال بالنسبة لشهدائنا. ذكرى الشهداء حية، ويجب أن نتابع إبقاء أسماء الشهداء وذكراهم حية كأمرٍ مهم. فالشهداء حملة بشارة: «وَيستَبشِرونَ بِالَّذينَ لَم يلحَقوا بِهِم مِن خَلفِهِم اَلّا خَوفٌ عَلَيهِم ولا هُم يحزَنون» (3). يقول لنا الشهداء لا تخافوا ولا تحزنوا، لا تيأسوا ولا تركنوا للبرود والقنوط. إنهم يقيمون النعمة الإلهية واللطف الإلهي والبركات الإلهية نصب أعيننا، وهذا هو ما نحتاجه اليوم.

يقول لنا الشهداء لا تخافوا ولا تحزنوا، لا تيأسوا ولا تركنوا للبرود والقنوط. إنهم يقيمون النعمة الإلهية واللطف الإلهي والبركات الإلهية نصب أعيننا، وهذا هو ما نحتاجه اليوم

إن هدف الحرب الناعمة والحرب الخفية التي يشنها الأعداء اليوم هو أن يبعدوا أبناء الشعب عن ساحة الجهاد والمقاومة، ويجعلوهم غير مكترثين للمبادئ. هذا هو هدفهم. الإعلام والدعايات الواسعة التي ينفق علىها أصحاب المليارات تحصل بهذا الهدف، وهو أن يبثوا اليأس في قلوب الشعب الإيراني - الذي استطاع بمقاومته وصموده فرض الإخفاق على القوى العالمية والسلطات الكبيرة في الكثير مما يريدونه - وإخراجه من الساحة. هذا هو الهدف. حتى حين يفرضون الضغوط الاقتصادية فهذا هو الهدف. وحين يفرضون الضغوط السياسية فهذا هو الهدف. هذا هو الهدف. وحين يفرضون ضغوطاً أمنية فهذا هو هدفهم. أن نتصور أن العدو يريد شن حرب واحتلال جزء من البلاد فهذه أشياء قديمة وهي غير مطروحة اليوم على بساط البحث، والعدو لا يريدها. عندما يقوم العدو اليوم بعمل عسكري على سبيل المثال فالهدف منه هو ذاك، أي احتلال الأجواء الفكرية والروحية في البلاد. وإذا كانوا يقومون بعمل اقتصادي فبهذه النية، وإذا كانوا يقومون بأعمال أمنية ونفسية ويستخدمون الفضاء الافتراضي والفضائيات والإذاعات والتلفزة والمبلغين المأجورين المرتزقة في أنحاء العالم، فكل هذا لهذا الهدف.

طيب، في مثل هذه الظروف فإن الشيء الذي يمكنه أن يبقي الشعب صامداً واقفاً على قدميه ويبث فيه الشوق والحيوية هو ذكرى الشهداء، أي إن ذكرى الشهداء من العوامل المهمة لذلك. من هنا فإن قضية ذكرى الشهداء وهذه المؤتمرات الكبيرة التي تقام للشهداء مهمة جداً وذات قيمة كبيرة جداً.

هدف الحرب الناعمة والحرب الخفية التي يشنها الأعداء اليوم هو أن يبعدوا أبناء الشعب عن ساحة الجهاد والمقاومة، ويجعلوهم غير مكترثين للمبادئ

التقارير التي قدمتموها أيها السادة، سواء الأخوة الذين تحدثوا عن الأعمال في محافظة كهگيلويه وبويرأحمد، أو الإخوة الذين تحدثوا عن الأعمال والنشاطات في محافظة خراسان الشمالية، هذه النشاطات جيدة. طبعاً ليس لها كلها وزن واحد، بعض النشاطات جيدة وبعضها أحسن، ولبعضها تأثيرات أعمق، وبعضها ليست كذلك. لكن الحفاظ على ذكرى الشهداء هو اليوم واجب على كل حال.

توجد هنا عدة نقاط أساسية ينبغي التنبه لها. من هذه النقاط أن نحاول عند عرض سير الشهداء وحيواتهم شرح خصوصياتهم الحياتية وأسلوب حياتهم وطريقة عيشهم. هذا شيء مهم. هياج الحرب والتوجه إلى ساحة المعركة قضية ذات قيمة، حيث يضع أشخاص أرواحهم على أكفهم ويسيرون للقتال، لكن الروحيات والخصال وخصوصيات الحياة والسوابق والأرصدة الفكرية والعقيدية للشخص قضية أخرى على جانب كبير من الأهمية هي أيضاً. هذا الشهيد الذي تشعرون بالهياج والحماس لذكراه وتضحياته وشهادته في ساحة الحرب، كيف كان يتصرف في حياته العائلية، وكيف كان يتعامل في مناخ حياته العادية. هذا مهم جداً. أو بالنسبة للأمور والقضايا المهمة بالنسبة لنا اليوم، كيف كان يتصرف هؤلاء.

افترضوا مثلاً أننا نبدي اليوم تحسساً من مشكلة الإسراف والتطاول على بيت المال والنزعة الأرستقراطية. أي إن هذه الأمور اليوم قضايا مهمة بالنسبة للفئات المخلصة في مجتمعنا، وهي قضايا مطروحة ومثار جدل. كيف كان يتصرف شهداؤنا الأعزاء هؤلاء عندما كانوا أحياء يعيشون في مدنهم وعوائلهم، وماذا كانت مواقفهم من هذه الأمور.

كان التلفاز بالأمس أو قبل أمس يبث برنامجاً لبعض الشهداء وقد شاهدته صدفة لعدة دقائق. ما كان يقال حول أولئك الشهداء، أو ما أدرج في وصاياهم، يثير الحيرة والذهول حقاً في نفس الإنسان من العظمة الروحية لأولئك الشهداء. يقول إنني درست وأخشى أن تكون دراستي هذه - التي أنفق عليها بعض المال والتكاليف - عبئاً على بيت المال، تبقى تبعته في عنقي. فإذا استشهدت بيعوا دراجتي النارية المتواضعة وخذوا ما في حسابي المصرفي من مال وأعطوا المجموع لبيت المال بدلاً عن دراستي! هذه دروس.. هذه دروس.

كيف كانت الحالة العادية لحياة الشهداء؟ زواجهم على سبيل المثال. في مذكرات الشهداء وسيرهم - بمقدار ما اطلعتُ وقرأت ورأيت - طرح موضوع زواجهم في بعض الأحيان، كيفية زواجهم، وطريقتهم في اختيار الزوجات - أي نوع من الزوجات كانوا يسعون للاقتران بهن - ثم مراسم الزواج، ثم نمط التعامل مع العوائل، هذه كلها قمم في الأخلاق الإسلامية. نحن اليوم مبتلون ونحتاج لمثل هذه الأمور والسلوكيات. كيف يفكر شبابنا اليوم في قضية الزواج وفي اختيار الزوجة أو الزوج، وكيف يجب أن يفكر؟ ينبغي وضع ذلك النموذج أمام الشباب، هؤلاء نماذج وأسوة، شهداؤنا أسوة. أحياناً يشتكي البعض عندنا بأننا لا نعرض نماذج حسنة لشبابنا، طيب، هذه آلاف النماذج، ثلاثة آلاف نموذج في هذه المحافظة، وألف وثمانمائة نموذج في هذه المحافظة، وآلاف النماذج في المحافظات المختلفة، فسلطوا الأضواء على هذه النماذج، واعرضوا ملامحهم المنورة أمام أنظار الشباب. أنا طبعاً لا أعارض الألبومات والصور وما شاكل، لكن العمل الأساسي ليس هذا، بل هو بيان وشرح ما كانوا يفعلونه في حيواتهم وكيف كانوا يتصرفون وكيف كانوا يتعاملون وكيف كانوا ينفقون وكيف كانوا ينظرون للأمور. هذه من المسائل المهمة جداً التي يمكن أن تصنع النماذج الحسنة.

ينبغي وضع ذلك النموذج أمام الشباب، هؤلاء نماذج وأسوة، شهداؤنا أسوة

ليخض فنانونا غمار الساحة، فنون الكتابة، وفنون تصوير النصوص والكتب، هذه أشياء مهمة جداً. لا يكرسوا طاقاتهم على الأفلام فقط. الأفلام جيدة وهي لازمة وضرورية جداً، وقد شددت عليها وأوصيت بها دوماً، والآن أيضاً أوصي بها، لكن يجب أن لا يجعلنا هذا الاعتماد على الأفلام نغفل عن الكتاب. إذا اجتمع من هم من أهل الكتابة والأقلام الحسنة والذوق في هذه المعاني وصوروا الكتب وأنتجوا كتباً قصيرة يطيق الشباب قراءتها، إذا أنتجوا هذه الكتب، ولا ضرورة للمبالغة، ولا يجب أن يقولوا ما هو بخلاف الواقع، إذا بينوا هذا الواقع الموجود بشكل صحيح وبنحو جميل وجزل، فإن هذه الأعمال ستجتذب القلوب وتؤثر في النفوس.

إذن، هذه نقطة تتعلق بأننا يجب أن نصور ونرسم ونعرض حيوات شهدائنا وأسلوب حياتهم لشبابنا وللأجيال القادمة، ليروا ماذا كانوا وماذا فعلوا. فالحرب المفروضة وهي في الواقع دفاع مقدس لم تكن شيئاً صغيراً. إننا بعد مرور سنين لم نستطع لحد الآن شرح الأبعاد المهمة لهذه الحرب للمتلقين بشكل صحيح. لقد كانت حرباً دولية، لقد كانت حرباً دولية ضد الإسلام وضد سيادة الإسلام وضد الإمام الخميني الجليل. كانت حرباً بهذه الصورة والمواصفات. وقد كان في مقدمة الجبهة المعادية ورأس الحربة، كما يقال، ذلك التعيس البعثي عديم العقل صدام، وإلّا فقد كان الآخرون وراءه وسنده، أولئك الذين يساعدونه، والذين يدلونه على الطريق، والذين يوفرون له وسائل العمل، وحينما كان يتضعضع أحياناً يقوونه ولا يسمحون بأن يضعف. لقد واجهنا مثل هذه الحرب. فمن هم الذين استطاعوا إنقاذ البلاد من مثل هذه البلية؟ هذا شيء مهم بالنسبة لشبابنا في الوقت الحاضر. من هم هؤلاء الذين استطاعوا إنقاذ البلد والتواجد في وسط الساحة؟ هذا هو المهم. إذن، هذه نقطة تتعلق بأنه يجب أن تكون سلوكيات هؤلاء الشباب واضحة لمتلقينا اليوم.

الحرب المفروضة كانت حرباً دولية ضد الإسلام وضد سيادة الإسلام وضد الإمام الخميني الجليل

و قضية أخرى هي مبادئ هؤلاء ومثلهم. ماذا كانت مبادئ هؤلاء الشباب؟ هؤلاء الذين ساروا للجبهات وقاتلوا بأية أهداف سامية ذهبوا للقتال؟ هل كانت القضية مجرد حرب و نزاع على الأراضي والحدود وما إلى ذلك، حيث تطاول العدو على حدودنا ونريد أن ندحر العدو ونفرض عليه التراجع إلى الوراء؟ هل كان الأمر هذا فقط؟ ماذا كانت مبادئ الآباء والأمهات؟ هذا الأب وهذه الأم الذان ربّيا هذا الشاب ولم يكونا مستعدين حتى لأن تؤذي شوكة قدم ابنهما الشاب، ولم يكونا على استعداد حتى لأن يجدا ابنهما شاب مريضاً بعض الشيء، يبعثان هذا الشاب إلى الجبهات هكذا، والحال أنهما غير واثقين من أنه سيعود. هذا شيء مهم جداً. بأية مبادئ بعث هؤلاء الآباء والأمهات أبناءهم الشباب إلى الجبهات؟ هذه أمور مهمة. اهتموا بهذه الأمور، والكثيرون يحاولون كتمان هذه الأمور. الإسلام كان مبدأهم، و كان مبدؤهم الله والحكومة الدينية الإسلامية، هذا هو ما يأخذ الشباب إلى الجبهات. والذي لا يصدق فليقرأ وصايا الشهداء. حين يوصي الإمام الخميني الجليل بأنكم عبدتم الله خمسين سنة فتقبل الله أعمالكم، ولكن اذهبوا واقرأوا وصايا الشهداء لمرة واحدة، فالسبب هو أن هذه الوصايا تشير إلى الأسباب التي دفعت هؤلاء الشباب للذهاب إلى جبهات القتال، أية جاذبية، وأي مغناطيس ذاك الذي حرّكهم ودفعهم، شاب يتجاوز عن أهواء الشباب، وعن دراسته، وعن جامعته، وعن بيئته الحياتية المريحة إلى جانب أبيه وأمه، ويأتي إلى برد المنطقة الغربية أو حرّ منطقة خوزستان، ويقاتل العدو هناك ويضع روحه على كفه.

والحرب ضد العدو تبدو من بعيد شيئاً سهلاً. ما لم يذهب الإنسان إلى هناك وما لم ير ويسمع أصوات المدافع والبنادق والانفجارات وما شاكل، فلن يدرك ما القضية على نحو الدقة. يقوم هذا الشاب ويذهب إلى هناك ويضع روحه على كفه، ويعبر الأخطار، لماذا؟ هذا ما جرى تصويره في وصايا الشهداء. فعلوا ذلك في سبيل الله و في سبيل الإمام الخميني و في سبيل الحجاب. لاحظتم كم يوصي الشهداء في وصاياهم بالحجاب. الحجاب حكم ديني، وينبغي عدم نسيان هذا المبدأ من مبادئ الشهداء. لا يكون التصور بأنه كانت هناك فقط حرب مثل باقي الحروب التي خاضها الآخرون في العالم، وكل بلد له أعداؤه بالتالي، وتحدث حرب في بعض الأحيان، ويسير الشباب إلى جبهات القتال فيحاربوا ويقتلوا أو يعودوا أحياء أو جرحى، وهذا مثل ذاك. لم تكن القضية على هذا الغرار، إنما كانت قضية الدين و المبادئ الإلهية و قضية سيادة الإسلام و قضية الثورة، الإسلام الثوري هو الذي أخذ بأيديهم إلى هناك.

حرب الدفاع المقدس كانت قضية الدين و المبادئ الإلهية و قضية سيادة الإسلام و قضية الثورة

و كذا الحال بالنسبة للآباء والأمهات. لو لم يكن الأمر لله، ولو لم يكن هناك أمل بلطف الله وفيضه، فكيف كان الآباء والأمهات ليسمحوا لأبنائهم الشباب بالتوجه إلى ساحات الحرب، ثم يصبروا. لقد قلتُ مراراً لعوائل الشهداء ولآبائهم وأمهاتهم وأقولها مرة أخرى بأن صبركم هو الذي جعل هذه الحركة وهذه الشعلة، شعلة المقاومة والكفاح في درب الحق، لا تخبو ولا تنطفئ. لقد كان صبر الآباء والأمهات السبب، وإلّا لو كان الآباء والأمهات حين يذهب ابنهم الشاب ويستشهد يئنّون ويعولون ويشكون ويتشاجرون ويتململون هنا وهناك، فإن العائلة التالية سوف لن تبعث ابنها لجبهات القتال. عوائل الشهداء وهذه المعنويات هي التي صانت الثورة. روح الإيثار والتجاوز والتضحية.

ربما كنتُ قد رويت هذه الذكرى مراراً - والخواطر طبعاً كثيرة وفي مئات الأماكن، وربما كانت أكثر من هذا بكثير - في إحدى المدن حيث ذهبتُ في زمن رئاسة الجمهورية، وألقيتُ كلمة وأردتُ العودة فاجتمع الناس حولنا وكانوا يبدون مودّتهم ونصرتهم، وتوجّهت صوب السيارة فسمعتُ امرأة من ورائي تنادي وسط حشود الناس وتذكر اسمي. فعلمتُ أن لها أمراً مهماً، فوقفت. وقلت دعوا هذه المرأة تأتي لأرى ماذا تريد حتى راحت تنادي وسط الناس بهذا الصوت العالي. تقدمت المرأة وقالت إن ولدي قد أسر - وأخال أنها قالت ولدي الوحيد، ولا أتذكّر على وجه الدقة. أحتمل أنها قالت ولدي الوحيد - وعلمتُ قبل أيام أنه قد استشهد في الأسر، فقل للإمام الخميني - ربما ما يشبه هذا التعبير، ولا أتذكر التفاصيل الآن، وقد سجلتها طبعاً، ورويتها مراراً - قل له: فداء لك، ولو كان عندي ولد آخر لبعثته هو أيضاً. كانت هذه رسالة قالتها والدة شهيد. لاحظوا هذه الروحية والمعنويات! فجئتُ للإمام الخميني وأخبرته بذلك فبكى وتجمعت الدموع في عينيه لهذا الكلام وهذه المشاعر. لمن كانت هذه المعنويات ولأيّ شيء؟ لا يمكن أن يشاهد المرء مثل هذه الأمور إلا لله وفي سبيل الله أن تأخذ والدة شهيدين جنازتي ابنيها بنفسها إلى داخل القبر ولا تبكي! أو تطلب ممن حولها أن لا يبكوا وتقول إنني قدمت أبنائي في سبيل الله، وتكون فرحة لذلك. هذه هي تلك المبادئ.

إذن يجب أن لا ننسى مبادئ الشهداء وهي الله والإسلام وإسلام الثورة والحكومة الإسلامية وسيادة الدين، ولا نعتبر الأمر عادياً مألوفاً، أو نقول إنها كانت حرباً مثل باقي الحروب، يقتل فيها عدد من الناس، ويجرح ويؤسر فيها عدد منهم، وفي كل الحروب بالتالي يقتل عدد من الشباب! لم يكن الأمر على هذا النحو. هذه أيضاً نقطة أخرى.

يجب أن لا ننسى مبادئ الشهداء وهي الله والإسلام وإسلام الثورة والحكومة الإسلامية وسيادة الدين

و نقطة أخرى - وقد وجدت أنها حاضرة في كلمات السادة وهم يهتمون بها - هي أن تستفيدوا من الفرصة المتبقية للحوار مع الآباء والأمهات. الكثير من الآباء والأمهات فارقوا الدنيا، وقد سلبت هذه الفرصة من أيدينا وأيديكم لنرى ما هي البيئة التي نشأ فيها هذا الشاب. عندما يتحدث الآباء والأمهات فهذا يدل على أن هذا الشاب قد نشأ وتربّى في مثل هذه الأجواء، وهذا شيء على جانب كبير من الأهمية. يتضح الموقع الاجتماعي والطبقة الاجتماعية والميول المختلفة وما هو المناخ الذي تربّى فيه، فضلاً عن أن هذا العمل يمكنه أن يوفر لنا تفاصيل عن حياة الشهيد. وهذه فائدة أخرى، فلا تفوّتوا على أنفسكم هذه الفرصة، وتواصلوا مع الآباء والأمهات. على كل حال، مضت الآن قرابة ثلاثين سنة على نهاية الحرب، وقد توفي الكثير من الآباء والأمهات، وفئة أخرى من الآباء والأمهات على مشارف الوفاة ومفارقة الحياة، فليس لديكم الكثير من الوقت. اعتبروا هذا الشيء من الأولويات والأمور الفورية، واذهبوا بالدرجة الأولى للقاء الآباء والأمهات الموجودين، وزوجات الشهداء - ممن كانت لهم زوجات - أو إخوتهم وأخواتهم، ممن كان لهم إخوان وأخوات، وأسألوهم عن الشهيد وعن أخلاقه وعن طباعه وسجاياه، و ضعوا كل هذا أمام أنظار الجيل الشاب.

تحصل أعمال ونشاطات جيدة حقاً في هذه المؤتمرات والتجمعات. بعض هذه الأعمال أعمال باهرة ومريحة للأنظار وهي جيدة جداً، والأعمال الحسنة بصرياً ضرورية. أسماء الشهداء المباركة، وصورهم وبعض كلماتهم حين يشاهدها المرء في الشوارع فهي مداعبة للأبصار وحسنة ولازمة، لكن الأهم من ذلك هو تلك الأمور المضمونية والمحتوى. حاولوا تقوية المضامين والشؤون التربوية وما يتعلق بالهداية في هذه المؤتمرات والذكريات. كل مؤتمر تذكاري تقيمونه يترك تأثيراً أساسياً في جماعة كثيرة. ولا نقول أنه يؤثر في الجميع، فالأفراد مختلفون بالتالي، والتأثيرات عليهم متنوعة ومختلفة، لكنه يؤثر على الأقل في جماعة منهم، سيترك تأثيراته في مجموعة من الناس. فلتصور ملامح الحرب والجبهات من خلال ألسنتهم. يجب أن يعرف الشاب أو اليافع اليوم أننا حين نقول الدفاع المقدس، فماذا كان هذا الدفاع المقدس؟ ليصار إلى التعبير عن هذا الشيء على ألسنتهم. كما أن بعض الكتب التي دوّنت، وسجلتُ بعض الملاحظات على صفحات منها، هي جيدة جداً من هذه الناحية حيث تشير إلى التفاصيل الموجودة هناك وتلك الابتكارات والتضحيات والغربة والفداء والشجاعات والشهامات التي كان الأفراد يبدونها عند العمليات العسكرية وقبلها، والأعمال التي قاموا بها في تلك اللحظات الصعبة الحرجة، تم تصوير بعض هذه المشاهد في هذه الكتب بنحو بليغ، وجرى تبيينها بصورة مناسبة، فليصار إلى عرض هذه الأمور أيضاً لجيل الشباب.

وفقكم الله جميعاً، ونتمنى أن ينيلنا الله نحن أيضاً هذا الفيض لنستطيع أن نفهم مراتب الشهداء ومنازلهم فهماً حقيقياً، وأن يجعل مجتمعنا إن شاء الله مجتمع شهداء، فإذا كان هذا فاز بلدنا وشعبنا ومجتمعنا في الدنيا والآخرة.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.‌

 

الهوامش:

1 - حضر هذا اللقاء - الذي أقيم في إطار لقاء جمعي - العاملون على إقامة المؤتمر الوطني الأول لـ 1880 شهيداً في محافظة كهگيلويه وبويرأحمد (المقام من الثاني إلى السادس من كانون الأول 2016 م) والعاملون على إقامة المؤتمر الأول لتكريم ذكرى 3000 شهيد من محافظة خراسان الشمالية (المقام من الخامس عشر إلى الثامن عشر من كانون الأول 2016 م). في بداية هذا اللقاء تحدث من أعضاء لجنة إقامة مؤتمر شهداء محافظة كهگيلويه وبويرأحمد، حجة الإسلام والمسلمين السيد شرف الدين ملك حسيني (ممثل الولي الفقيه في المحافظة ورئيس مجلس التخطيط للمؤتمر)، والسيد موسى خادمي (محافظ كهگيلويه وبويرأحمد ونائب رئيس مجلس التخطيط للمؤتمر)، والعميد ثاني حرس يد الله بوعلى (قائد الحرس الثوري في المحافظة والأمين العام للمؤتمر). وتحدث من أعضاء لجنة إقامة مؤتمر شهداء محافظة خراسان الشمالية حجة الإسلام والمسلمين أبو القاسم يعقوبي (ممثل الولي الفقيه في المحافظة ورئيس مجلس التخطيط للمؤتمر) ومحمد رضا صالحي (محافظ خراسان الشمالية ورئيس المؤتمر) والعميد ثاني حرس حسن مرتضوي (قائد الحرس الثوري في المحافظة والأمين العام للمؤتمر).

2 - سورة آل عمران، شطر من الآية 169 .

3 - سورة آل عمران، جزء من الآية 170 .