وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها سماحته خلال هذا اللقاء:
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين، ولعنة الله على أعدائهم أجمعين.
مرحباً بكم كثيراً أيها الإخوة والأخوات الأعزاء! يوم التاسع والعشرين من بهمن [18 شباط] في كل سنة، من الأيام المفعمة بالحماس والعظمة في هذه الحسينية بفضل تواجدكم فيها. وهو فرصة بالنسبة لي أنا المشتاق للقاء أهالي تبريز وآذربيجان الأعزاء بأن ألتقي بجماعة من شبابهم ومسؤوليهم وعلمائهم الأعلام وشرائحهم المختلفة هنا في هذه الحسينية إنْ لم يكن بوسعنا اللقاء بكل أولئك الأهالي الأعزاء. مرحباً بكم كثيراً! وأبلغوا سلامنا لباقي الأهالي الأعزاء في تبريز وسائر مدن آذربيجان. مندن سلام يتيرون ساير همشهري لره (2).
قضية التاسع والعشرين من بهمن ليست مجرد قضية تاريخية، بل هي درس وعنوان. أقول هذا لكم أيها الشباب: لم يكن أهالي آذربيجان وتبريز في قضية الثورة والتاسع والعشرين من بهمن - حيث كان التاسع والعشرون من بهمن الداينمو المحرك لانتصار الثورة في الثاني والعشرين من بهمن [11 شباط 1979 م] في السنة اللاحقة، وكان الداينمو المحرك الذي أتاح إنجاز هذه العملية - بل كانوا منذ نحو 120 أو 130 سنة سبقت من أهم محاور الكفاح في كل القضايا المهمة للتحوّل الاجتماعي في البلاد والقضايا السياسية المهمة. ليعلم شبابنا الأعزاء هذا الشيء، فهذه هي هوية آذربيجان. سواء في قضية التنباك والمرحوم الحاج ميرزا جواد مجتهد تبريزي أو في قضية الثورة الدستورية - وأحداث الثورة الدستورية في آذربيجان معروفة - أو في قضية النهضة الوطنية وفصل الثروة النفطية عن بريطانيا، كانت آذربيجان أحد المواطن المهمة التي لعبت دوراً، وكذلك في الثورة الإسلامية، وأيضاً في الحرب المفروضة، وكذلك في أحداث ما قبل الحرب في تبريز نفسها وفي آذربيجان نفسها، كان أهالي آذربيجان أصحاب دور مهم.
لقد وقفت آذربيجان دائماً لوحدها مقابل أطماع الذين طمعوا في خلق شقاق قومي في البلاد، واليوم أيضاً يواصلون هذه المسيرة
في بداية الثورة قام البعض بحركة مضادة للثورة من أجل شق عصا الشعب الثوري في إيران، وتوهموا أن تبريز مكان مناسب لهذه العملية - وقد كانت هذه دائماً من السياسات القديمة لبريطانيا والعناصر المعادية لإيران - فذهبوا إلى هناك وأثاروا القلاقل. وقد كنا أعضاء في شورى الثورة، وكانت النقاشات تدور في طهران، وكان البعض قلقين، لكن الإمام الخميني قال لا يقلق أحد أبداً فإن أهالي تبريز أنفسهم سوف يردون على هؤلاء، وهذا ما كان. لم تكن ثمة حاجة لأيّ أحد آخر. هكذا هم أهالي آذربيجان. وخلال فترة الحرب كانت فرقة عاشوراء من الفرق الاقتحامية الأمامية. ولم تكن تلك الفرقة فقط بل كان علماء آذربيجان والشرائح المختلفة من آذربيجان والأجهزة الإسنادية في آذربيجان، والكل، متواجدين في الساحة. هذا هو تاريخ آذربيجان. لقد وقفت آذربيجان دائماً لوحدها مقابل أطماع الذين طمعوا في خلق شقاق قومي في البلاد، واليوم أيضاً يواصلون هذه المسيرة والأعمال.
طيب، بلدنا متكوّن من لغات متعددة وقوميات متنوعة، فهناك التركي، وهناك الفارسي، وهناك العربي، وهناك البلوشي، وهناك اللري، وهناك الكردي. هذا تنوع، وهذا التنوع فرصة. لكن العدو يطمع دوماً في أن يجعل هذا التنوع وسيلة للشقاق. القوميات الإيرانية الكبيرة نفسها، وأفضل الجميع طبعاً أهالي آذربيجان، تقف بصلابة مقابل هذه السياسة الخبيثة التي يمارسها الأعداء. ليتنبّه شبابنا الأعزاء في كل مكان من البلاد لهذا المعنى وهو أن العدو يطمع في أيّ تصدّع يتوهم أنه يستطيع من خلاله إيجاد زلزال. يريد الاستغلال لهدم أساس استقلال هذا البلد وأساس الثورة، يريد استغلال كل الإمكانيات والفرص فيبحث ليجد التصدعات حسب أوهامه، والحال أنه لا توجد تصدعات، فالناس متلاحمون ومتحدون.
القوميات الإيرانية الكبيرة نفسها، تقف بصلابة مقابل السياسة الخبيثة التي يمارسها الأعداء (الرامية لخلق الشقاق والتصدع)
طيب، أنتم أنفسكم من أهل تبريز وآذربيجان وتعرفون مشاعركم جيداً. هذا الشعر الذي أنشدتموه هنا: «بيعتده وفاداروخ، بيز آنداولا قرآنا» (3) هذا شيء نعلمه وهو أمر أكيد ومسلم به. لقد أثبت أهالي آذربيجان هذا الشيء لا باللسان فقط بل بالعمل أيضاً، ودللوا على أنهم صامدون بوجه العدو الموسوس العامل على التفرقة. أعزائي، بقية القوميات الإيرانية أيضاً على هذا النحو لحسن الحظ، فهكذا هم الخراسانيون أيضاً - مع اختلاف المذهب في شرق خراسان - وهكذا هم الكرد أيضاً، وهكذا هم البلوش أيضاً. كان بين البلوش علماء وقفوا بصمود وشجاعة بوجه أعداء الثورة في بداية الثورة. لقد كنتُ هناك لفترات طويلة وأعرف علماءهم. دعونا نذكر الأسماء ليعرفهم الناس: المرحوم مولوي عبد العزيز ساداتي من أهل سراوان كان شيخاً طاعناً في السنّ - مجموعة عظام - وقف مقابل معارضي الثورة وناقديها والمتذرعين ضدها ودافع عنها، وكان بلوشياً سنياً. وفي كردستان كان المرحوم شيخ الإسلام يقف في سنندج ويلقي الخطابات بقوة وصلابة، وكان من أهل السنة من الكرد الشافعيين، لكنه دافع عن الثورة لأنه وجد أنها ترفع راية الإسلام. لكن أعداء الثورة اغتالوا شيخ الإسلام هذا بسبب خطاباته ومواقفه. وفي خوزستان وقف الشباب العرب ضد هجوم نظام صدام. لقد كان أولئك عرباً وهؤلاء أيضاً عرباً، لكن هؤلاء العرب وقفوا وقاوموا. وسوف لن يُنسى اسم الشهيد علي هاشمي القيادي الشاب العربي الخوزستاني من أهل أهواز، وأسماء أمثاله، فقد صمد هؤلاء. لقد كان هو أيضاً يتكلم العربية وأولئك أيضاً يتكلمون العربية لكنه أدرك هذه الحقيقة وعرف مؤامرة العدو ووقف بوجهها. وكذا الحال بالنسبة لباقي القوميات الإيرانية. وفي طليعتهم كلهم وأفضلهم أهالي آذربيجان. والآن يحيكون المؤامرات دوماً ويتحدثون ويجتمعون وينفقون الأموال والدولارات النفطية من جيوب أمثال قارون من أجل خلق تفرقة في البلاد، فلا يستطيعون.
الشعب متحد ومجتمع. إنني أتحدث اليوم عن هذا الموضوع، وسأتحدث أيضاً عن الثاني والعشرين من بهمن، وسأتحدث عن المسؤولين ومسؤولياتهم أيضاً، إذ ينبغي النظر لكل هذه الأمور إلى جانب بعضها. الشعب الإيراني صامد ومجتمع متحد. والآن نرى البعض قد تعلموا أن يقولوا تعبيرات «المصالحة الوطنية، المصالحة الوطنية»، هذا الكلام برأيي لا معنى له، فالشعب مجتمع ومتحد. عندما تكون القضية قضية الإسلام، وعندما تكون القضية قضية إيران، وعندما تكون قضية الاستقلال، وعندما تكون قضية صمود بوجه العدو، فإن الشعب واقف صامد بكل كيانه ووجوده. قد يختلف شخصان في وجهات النظر حول القضية السياسية الفلانية، بيد أن هذا لا يؤثر. فلماذا تقولون مصالحة؟ هل هم متخاصمون حتى يتصالحوا فيما بينهم؟ والصحف تضخّم هذه التعابير وتكبّرها، وهم لا يتفطنون إلى أنها تخلق مشكلة. عندما تقولون مصالحة فكأنما هناك خصومة وزعل، والحال أنه لا يوجد زعل. نعم الشعب زعلان من الذين أهانوا يوم عاشوراء. الشعب زعلان من الذين جردوا الشاب التعبوي من ثيابه في الشارع وانهالوا عليه ضرباً في يوم عاشوراء بقسوة وميوعة وعدم حياء. ولن نتصالح مع هؤلاء ومع الذين يريدون الشرّ لأصل الثورة ويقولون إن هدفنا هو أصل النظام وما الانتخابات إلّا ذريعتنا. وهم بالطبع عدد قليل، وليسوا سوى قطرة مقابل محيط الشعب الإيراني العظيم، إنهم ليسوا بشيء. هذا المحيط منسجم ومتحد بعضه ببعض، وهذا الاتحاد موجود ويجب أن يكون موجوداً وينبغي أن يتعزز يوماً بعد يوم.
لن نتصالح مع الذين يريدون الشرّ لأصل الثورة ويقولون إن هدفنا هو أصل النظام وما الانتخابات إلّا ذريعتنا
والحمد لله على أن النخبة في آذربيجان متفطنون دوماً لهذه النقاط. شباب آذربيجان الغيارى وجماهير آذربيجان من مختلف الشرائح متنبهون دوماً لهذه النقطة وهم صامدون بوجه مؤامرة الأعداء ووساوسهم ونشاطاتهم. لقد دافعوا عن الوحدة الوطنية وبذلوا الأرواح في هذا السبيل. أنتم أنفسكم بالدرجة الأولى، ونحن، وكل المسؤولين، وكل واحد من أبناء الشعب يجب أن نعرف قدر آذربيجان. آذربيجان نقطة قوة للثورة وللنظام الإسلامي. هذه النقطة الأولى.
أما حول الثاني والعشرين من بهمن. أولاً يجب أن أتقدم بالشكر من صميم القلب لكل الشعب الإيراني. لقد حفظ الثاني والعشرون من بهمن هذه السنة ماء وجه الثورة والنظام الإسلامي وإيران الإسلامية. لقد كان رأي المسؤولين الداخليين والأشخاص الذين يخمّنون عادة أعداد الحشود في الشوارع أن أعدادهم كانت في مدن البلاد الكبيرة وفي سبعين بالمائة من مدن البلاد أكثر من السنين الماضية وفي بعض المدن كانت الأعداد أكثر بكثير من السنين الماضية، وكانت أعدادهم في بعض المدن ضعف العدد السابق. هذا ما قاله المختصون الداخليون في التخمين، وليسوا هم وحدهم من قال ذلك، إنما الأجانب أيضاً قالوا ذلك، وقاله أيضاً أعداء الثورة، نفس أولئك الذين يستهينون كل سنة بمظاهرات الثاني والعشرين من بهمن ويقولون إنها ضمت عدة آلاف من الناس في الشوارع، استخدموا هذه السنة تعابير المظاهرات المليونية. نعم، هذا صحيح، فلقد خرج ملايين الناس إلى الشوارع في كل أنحاء البلاد. ولساني قاصر ولست بشخص مهم حتى أروم تقديم الشكر، فالثورة هي ملك الشعب نفسه، وينبغي شكر الله وحمده على أن وجّه قلوب الناس بهذا الاتجاه.
النقطة المهمة هي أن هناك مئات وسائل الإعلام تتحدث طوال السنة ضد الثورة بأموال السي آي أي وبأموال الموساد والأجهزة الاستخبارية والتجسسية البريطانية وبالدولارات النفطية القارونية. إنهم يعملون ليل نهار طوال السنة، ويجدون عشرات السياسيين المفلسين الفارّين من إيران يعطونهم بعض الأجر ليأتوا ويكتبوا التحليلات والأخبار ويعدوا الخطابات ضد الثورة وضد النظام ويوجهوا الإهانات للإمام الخميني وللشعب الإيراني ولنشاطات الثورة المختلفة - وسوف أشير إلى هذا الجانب - ويوجهوا التهم للثورة والنظام ويسعوا في إضعافه. يبذلون مساعيهم لمدة سنة كاملة ثم يأتي يوم الثاني والعشرين من بهمن كأمطار الرحمة الإلهية وتهطل مشاركة الجماهير العظيمة كالمطر لتنظف هذه الأجواء المغبرة الملوثة. يسير كتيار مبارك في الشوارع فيطهر أذهان الشعب من الملوثات. هذا هو الثاني والعشرون من بهمن.
هذا هو الجيل الثالث والرابع من الثورة الذي يحضر ويساهم ويقف بوجه العدو ويقول كلمته الحاسمة. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية
هناك الثاني والعشرون من بهمن، وهناك يوم القدس، ولكل واحد منهما معناه وهدفه. الشعب يدرك هذا المعنى جيداً وينزل إلى الساحة في ضوء هذا المعنى. فمن هم المتواجدون في الساحة؟ هذه نقطة على جانب كبير من الأهمية. أنتم في مدينة تبريز أو في المدن الأخرى أو هنا في طهران، ألقوا نظرة على هذه الحشود الهائلة التي تتحرك، أعمار غالبيتهم لا تصل إلى 37 سنة - وعمر الثورة 37 أو 38 سنة - بمعنى أنهم لم يشهدوا بداية الثورة، ولم يروا الإمام الخميني، ولم يشهدوا فترة الدفاع المقدس، ولم يعيشوا الحقبة المريرة السوداء والقمعية في زمن الطاغوت، لكنهم يحضرون، بنفس ذلك الهياج والمشاعر والمعرفة والاستنارة والبصيرة يشدون القبضات في الشوارع ويرفعون الشعارات ويهتفون، فما معنى هذا؟ معناه أن الثورة حية، ومعناه أن الثورة نامية ومترعرعة، وهذه هي براعمها ونماؤها الجديد. هذا هو الجيل الثالث والرابع من الثورة الذي يحضر ويساهم ويقف بوجه العدو ويقول كلمته الحاسمة. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية.
يحاول العدو - ومحاولاته بمثابة الهواء في الشبك طبعاً - أن يظهر الثورة وكأنها غير كفوءة. لدينا طبعاً بعض النواقص والخلل، وأيّ مكان في العالم أو أي بلد انتهت كل مشاكله وعولجت بالتمام والكمال؟ النواقص موجودة في كل مكان، ولدينا نحن أيضاً نواقصنا - وسوف أشير إلى هذا الموضوع - ولا نغضّ الطرف عنها، هناك نواقص بلا شك لكن العدو يحاول بذريعة هذه النواقص أن يتجاهل حالات التقدم والتطور في الثورة. لقد قامت الثورة والنظام الإسلامي طوال هذه الأعوام الـ 38 بعمل كبير. لديّ قائمة بالعناوين الرئيسية لخطط الثورة طوال هذه الأعوام الـ 38 تصور الجهود التي بذلت في هذا البلد، وهي جهود لا تبذل حتى طوال مائة عام من قبل حكومات قديرة ونشطة.
إذا ما قارنّا الأمور بما قبل الثورة نجد في خصوص البنى التحتية - والبنى التحتية مهمة جداً من أجل مستقبل البلاد وتقدمها - أن حالات التقدم في بعض المجالات تسجل نسبة ألف بالمائة، أي عشرة أضعاف، وفي بعض المجالات ألفين بالمائة إلى ستة آلاف بالمائة، أي ستين ضعفاً. عدد الطلبة الجامعيين، والتقدم العلمي، والبنى التحتية، والقضايا الثقافية العظيمة الكثيرة، والسمعة والعزة الوطنية نقارنها بما قبل الثورة وبفترة الطاغوت وبحقبة الهيمنة الأمريكية وبالفترة التي كانت فيها طهران مكاناً لاستراحة العناصر الصهيونية الذين متى ما تعبوا كانوا يأتون إلى هنا ليقضوا أوقاتاً ممتعة في بساتين شيان التي كانت مكاناً لاستراحتهم، يبقون سبعة أيام أو ثمانية أيام أو عشرة أيام ويعودون. نقارن هذا بذاك. لقد تقدمت البلاد وتحركت وقفزت. كانت البلاد يومذاك تدار من قبل حكومة ضعيفة ذليلة. لقد كانت حكومة الطاغوت حكومة ذليلة، تهان من قبل أمريكا، وتهان من قبل بريطانيا، وتهان من قبل الدول الكبرى. كانوا قد أذلوا الشعب وأهانوه وعطلوا طاقات البلاد بالكامل، ومنحوا بعضها للأعداء، وجاءت الثورة فنشطت الكثير من هذه الطاقات، والبلاد اليوم عزيزة.
لقد كانت حكومة الطاغوت حكومة ذليلة، تهان من قبل أمريكا، وتهان من قبل بريطانيا، وتهان من قبل الدول الكبرى
في الوقت الحاضر وعلى مستوى المنطقة وفي كل قضايا المنطقة، ما لم تشأ إيران، وما لم يكن لإيران دور ومشاركة، وما لم ترد إيران لن يمكن تمرير أمر من الأمور. لقد أثبت الشعب الإيراني أنه شعب مقاوم. وكل هذا هو ما يقوله أعداؤنا في تحليلاتهم، يقولون لا يمكن مواجهة شعب إيران ومجابهته، إنه شعب مقاوم ويصمد ولا يستسلم مقابل العدو. هذه عزة. يقارنون هذه العزة بفترة الذلة التي فرضوها على هذا الشعب وعلى هذا البلد. نعم، واضح أن هذا مبعث سرور وفرح للشباب الذين ينزلون إلى الساحة ويشاركون. هذا هو الثاني والعشرون من بهمن، الثاني والعشرون من بهمن نعمة إلهية، وفرصة إلهية لكي يعبر الشعب عن نفسه ويهتف بإرادته بصوت عال. ما يعتمل في قلوب أبناء الشعب يظهر في شعاراتهم في يوم الثاني والعشرين من بهمن في كل مكان من البلاد. إننا نسعى إلى التقدم ونسعى إلى الإسلام ونريد النظام الإسلامي النابع من الشعب، والذي يستطيع حلّ مشكلات الشعب، هذا هو شعار الثاني والعشرين من بهمن في كل سنة، والشعب واقف بصلابة. وأيّ مسؤول يريد أن لا يكون مع الشعب ولا يصمد فإن الشعب سوف يستبعده بلا تردد. طيب، هذا عن قضية الثاني والعشرين من بهمن.
أما النقطة الأخرى التي أروم ذكرها فالمخاطب بها هم مسؤولو البلاد المحترمون. أقول للمسؤولين أن لا يضعوا هذه المشاركة الشعبية في الثاني والعشرين من بهمن في حساب عدم وجود عتاب وملامة بشأن نشاطاتنا نحن المسؤولين. فالشعب له عتابه، الشعب عاتب بشأن الكثير من الأمور التي تجري في البلاد. الشعب لا يحب التمييز، وأين ما وجد تمييزاً يشعر بالانزعاج والألم. وكذلك أين ما وجد قلة في العمل وانتقاص من العمل، وكذا الحال حيث ما وجد عدم اهتمام بالمشكلات، وكذلك عندما يشاهد عدم تقدم الأعمال وإنجازها. الشعب عاتب. للثاني والعشرين من بهمن حسابه الخاص، وصمود الشعب مقابل العدو المتربّص لابتلاع إيران شيء وهو ما يظهر في الثاني والعشرين من بهمن، وتوقعاتهم منا نحن المسؤولين شيء آخر.
طيب، لقد سمّينا هذه السنة بسنة «الاقتصاد المقاوم، المبادرة والعمل» (4) والسنة على وشك الانتهاء، فالوقت الآن أواخر شهر بهمن، وينبغي إبداء المبادرة والعمل والتأشير عليهما. وقد قلتُ في بداية السنة إن على مسؤولي البلاد - سواء المسؤولون في السلطة التنفيذية والحكومة، أو المسؤولون في السلطة القضائية، أو المسؤولون في مجلس الشورى الإسلامي، الجميع، ولا فرق بينهم في هذا - أن يظهروا في نهاية السنة ما فعلوه طوال السنة من مبادرات وأعمال. ولا يقولوا يجب أن يحصل كذا بل ليقولوا حصل كذا. ينبغي أن يحددوا هذا الشيء.
إننا نسعى إلى التقدم ونسعى إلى الإسلام ونريد النظام الإسلامي النابع من الشعب، والذي يستطيع حلّ مشكلات الشعب
إننا نعاني اليوم من مشكلات ولا يمكن تجاهل مشكلات الشعب وملاماته، إنما على المسؤولين النظر لهذه القضايا بجد. قضية البطالة مهمة، وقضية الركود مهمة، وقضية الغلاء مهمة. هذه قضايا موجودة. طبعاً المسؤولون يبذلون مساعيهم وجهودهم وهذا ما نراه، بيد أن الإمكانيات والطاقات أكثر من هذا. وسوف أقولها في موقعها إن شاء الله، إننا لسنا في طريق مسدود، إننا لا نقف في طريق مسدود من حيث الشؤون الاقتصادية. توجد هناك مشكلات، توجد مشكلات من ناحيتين أو ثلاث أو أربع، بيد أن مواطن الخروج من هذه المشكلات أيضاً واضحة. كيف يمكن الخروج من هذه المشكلات؟ على المسؤولين أن يجدّوا ويسعوا.
قلتُ قبل أربعة أو خمسة أو ستة أعوام من الآن في كلمتي في بداية العام إن عيون أعداء الشعب الإيراني اليوم مسمّرة على القضية الاقتصادية (5)، فهم يحاولون الضغط على اقتصاد البلاد إلى درجة يعاني معها الشعب من مشكلات. وعندما يعاني الشعب من مشكلات سوف ييأس ويصاب بالإحباط. هذا ما يريده العدو. العدو يريد أن يصاب الشعب باليأس والإحباط من ثورتهم ونظامهم وحكومتهم وبلادهم، لذلك يضغط بشدة بالاتجاه الاقتصادي. على المسؤولين التنبه إلى هذه النقطة.
العدو يريد أن يصاب الشعب باليأس والإحباط من ثورتهم ونظامهم وحكومتهم وبلادهم، لذلك يضغط بشدة بالاتجاه الاقتصادي
ولكن ليس الأمر بحيث نقول إن قضيتنا هي القضية الاقتصادية فقط، فالكل يعلم إنني حساس جداً بشأن القضية الثقافية، وحساس جداً بشأن قضية العلم، ولكن عندما ننظر للأولويات خلال مدة محدودة يقف الشأن الاقتصادي للبلاد على رأس الأولويات، لأن العدو يركز على هذا الجانب، وهم يقومون اليوم بنفس تلك الأعمال. ليتفطن الجميع إلى هذه النقطة. سواء في الحكومة الأمريكية السابقة أو في الحكومة الأمريكية الحالية، كان من مكائد العدو أن يهدد دوماً بالحرب وأن الخيار العسكري موجود على الطاولة وما إلى ذلك. ويقول ذلك المسؤول الأوربي لمسؤولينا إنه لو لا الاتفاق النووي لكانت الحرب في إيران حتمية، لوقعت الحرب بالتأكيد. وهذا كذب محض! لماذا يقولون الحرب؟ لكي تنصرف أذهاننا نحو الحرب، بيد أن الحرب الحقيقية شيء آخر، الحرب الحقيقية هي الحرب الاقتصادية، والحرب الحقيقية هي الحظر، الحرب الحقيقية سلب مجالات العمل والنشاط والتقانة في داخل البلاد. هذه هي الحرب الحقيقية. يصرفون أنظارنا إلى الحرب العسكرية لنغفل عن هذه الحرب. الحرب الحقيقية هي الحرب الثقافية. كل هذه القنوات التلفزيونية المتنوعة والشبكات الإنترنتية المختلفة تعمل لتبعد قلوب وأذهان شبابنا عن الدين والمقدسات والعفاف والحياء وما إلى ذلك. إنهم يسعون سعياً جاداً وينفقون الأموال لهذه العملية! هذه هي الحرب الحقيقية.
على المسؤولين أن يتفطنوا ويتنبهوا. لقد قلتُ لرئيس الجمهورية المحترم بأن نبّه مدراءكم لتكون إدارتهم إدارة شفافة مصحوبة بالإشراف. على المدير أن يشرف ويتابع الأعمال. الأعمال لا تتحقق بمجرد أن نقول يجب القيام بالعمل الفلاني ويقول الطرف المقابل سمعاً وطاعة. يجب أن يتبين إنجاز الأعمال في الساحة وعلى الأرض. هذه هي الأمور والأشياء التي نحتاجها وينبغي التنبه لها.
أقول إنه في الآية الشريفة «وَاَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّة» (6) من المحتمل بدرجة كبيرة أن لا تكون القوة هنا القوة العسكرية فقط. طبعاً لا بد من القوة العسكرية أيضاً، ولكن ليس القوة العسكرية فقط. «اَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّة» قوّوا أنفسكم في داخلها ما استطعتم إلى ذلك سبيلاً. ومعنى هذه القوة والمتانة بناء البلاد داخلياً وهو ما أقوله دائماً. قوّوا أنفسكم من الناحية العلمية، قوّوا أنفسكم من حيث التقنية، ومن حيث الإنتاج الداخلي، ومن حيث النفوذ في الأسواق العالمية، ومن حيث اكتشاف الإمكانيات والطاقات الكثيرة الموجودة في هذا البلد والتي لم تستثمر لحد الآن واستفيدوا من هذه الطاقات. أعلنا في السياسات أن البلد يجب أن يصل إلى نمو اقتصادي بنسبة ثمانية بالمائة، وقال البعض إن هذا غير ممكن! ثم جاء المتخصصون والخبراء وقالوا بإننا إذا أخذنا الطاقات بنظر الاعتبار فإن النمو حتى بنسبة تفوق الثمانية بالمائة سيكون ممكن التحقيق في البلاد هو الآخر! وليس النمو بمعنى أن نبيع النفط أكثر - وهذا مفيد بالطبع ولكنه ليس الشيء الذي نطمح إليه - بل بمعنى نمو الإنتاج الداخلي للبلاد وتمتين الاقتصاد الداخلي للبلاد، وهذا هو الاقتصاد المقاوم الذي شددنا عليه مراراً وتكراراً. وإذا بجماعة تأتي وتشدد على النواقص وتبالغ فيها ولا تذكر حالات التقدم، ولا تشير إلى الحلول وسبل العلاج! واللافت هو أن هؤلاء هم أنفسهم الذي بعثوا إشارات للعدو بأن يفرض الحظر على إيران، هؤلاء هم الذين أشاروا على العدو بفرض الحظر. ونفس هؤلاء يشددون على نقاط الضعف أكثر من غيرهم، ويفعلون ذلك في داخل البلاد أقل وفي خارجها أكثر.
أيها الأخوة الأعزاء، أيتها الأخوات العزيزات، يا شباب آذربيجان، يا شجعان الميادين الصعبة الذين خرجتم من الاختبارات مرفوعي الرؤوس! أقول لكم: اعلموا أننا إذا واصلنا المسيرة بنفس هذا الأسلوب وبنفس هذا النهج فسيكون النصر حليف الشعب الإيراني بكل تأكيد. ليفكر الجميع، وليعمل الجميع، وليعقد الجميع الهمم، ولينظر الجميع إلى المستقبل، وليضع الجميع الأهداف والمطامح نصب أعينهم وليسيروا نحوها، وليحافظ الجميع على هذا الأمل المقدس حياً دافئاً في قلوبهم. نشكر الله على أن أبقى مشعل الأمل وضاء في قلوبنا ولم نيأس حتى للحظة واحدة بخصوص مستقبل البلاد، ونحمد الله على أن وصلنا إلى أفضل وأكثر مما كنا نأمله، غير أن هذا ليس هو كل مطامحنا وآمالنا وكل إرادتنا، كما أنه ليس كل ما يريده الله منا. لم نتحرك إلّا خطوة قصيرة واحدة، ويجب أن نقطع خطوات أوسع ونسير نحو ما وعد به النظام الإسلامي وهو تحقيق مجتمع إسلامي عادل رائد مقتدر عزيز، وسنصل يقينا إن شاء الله إلى مثل هذا المجتمع، إن شاء الله وبإذن الله تعالى. حفظكم الله ورعاكم وحرسكم.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش:
1 - تحدث في بداية هذا اللقاء آية الله الشيخ محسن مجتهد شبستري ممثل الولي الفقيه في محافظة آذربيجان الشرقية وإمام جمعة تبريز.
2 - عبارة باللغة التركية الآذربيجانية تعني: أبلغوا سلامي لباقي أبناء مدنكم.
3 - عبارة باللغة التركية الآذربيجانية تعني: أوفياء لبيعتنا قسماً بالقرآن.
4 - إشارة إلى شعار السنة الإيرانية 1395 (توافق تقريباً 2016 م).
5 - كلمته في حشود زوار الإمام الرضا بمدينة مشهد المقدسة بتاريخ 01/01/1390 م (21/03/2011 م).
6 - سورة الأنفال، جزء من الآية 60 .