هناك ثلاثة أنواع من الصفات في الإمام أمير المؤمنين: أحدها تلك الصفات المعنوية الإلهية التي لا يمكن قياسها وفحصها بأيّ معيار من قبلنا. إيمانه إيمان سام عميق. وسبقه إلى الإسلام وتضحيته في سبيل الإسلام. وهناك إخلاصه حيث لا تشوب عمله حتى ذرة من نيّة غير إلهية. فهل نفهم هذا أصلاً؟ هل يمكن إدراك مثل هذه الحالة من قبل أمثالي؟ كل أعماله لله ولرضا الله ولتطبيق الأمر الإلهي، أي إنه الإخلاص. هذه أصلاً أشياء لا يمكن وزنها وقياسها من قبلنا، كما لا يمكن إيضاحها بشكل صحيح من قبلنا. العلم والمعرفة بالله. المعرفة بالله. ما الذي نفهمه عن الله؟ عندما نقول «سُبحانَ رَبِّي العَظيمِ وَبِحَمدِه» ما الذي نفهمه من هذه العظمة، وما الذي يفهمه أمير المؤمنين منها؟ المعرفة بالله. هذه سلسلة من صفات الإمام أمير المؤمنين لا يمكن توصيفها وفهمها من قبلنا. إذا أوضحوها لنا فلن نفهمها فهماً عميقاً، من شدة عظمتها وعمقها. هذه مجموعة من صفات الإمام أمير المؤمنين.

مجموعة أخرى هي صفاته الإنسانية المميزة. وتلك هي الصفات التي ينجذب نحوها الإنسان المسلم وغير المسلم والمسيحي وغير المسيحي وصاحب الدين وعديم الدين: الشجاعة والرحمة. ذلك الإنسان الذي يقاتل في ساحة المعركة على ذلك النحو عندما يتعامل مع عائلة يتيمة يتلطف بهم كل ذلك التلطف وينحني لهم ويرأف بهم ويلعب مع الأطفال اليتامى ويحملهم على أكتافه. هذه هي الأمور التي لا علاقة لها أصلاً بأن نكون متدينين وبأي دين نؤمن حتى نحترمها. أي إنسان عندما يقف أمام هذه العظمة يشعر بالخضوع والإجلال. وهناك الإيثار. الإيثار بمعنى ترجيح الآخر على نفسك، بمعنى التجاوز والتضحية، بمعنى عندما يكون الحق معك تغض الطرف عن حقك من أجل الله ولأجل مصلحة - الحق الشخصي طبعاً - سواء الحق المالي أو الحق في السمعة وماء الوجه أو أي حق آخر من حقوقك. هذا هو معنى الإيثار. هذه أيضاً مجموعة من صفات الإمام أمير المؤمنين التي لو أراد المرء تعدادها في كتاب لكان كتاباً ضخماً جداً.

الفئة الثالثة من خصوصيات الإمام أمير المؤمنين هي خصوصياته الحكومية الناتجة عن قضية الإمامة. الإمامة معناها الحكم بهذه الطريقة. وبالطبع هناك درجات في تطبيق هذه الطريقة والالتزام بها، وقد كان مثلها الأعلى متجسداً في شخصية الإمام أمير المؤمنين. ما هي أمثلة الخصوصيات الحكومية؟ من أمثلتها العدالة والإنصاف والمساواة بين كل الناس، وحتى الذين يعيشون في مجتمعكم لكنهم ليسوا على دينكم. عندما سمع الإمام أمير المؤمنين أن بسر بن أرطأة (1) قد سار بجنوده ودخل مدينة وانتهك حرمات العوائل، خطب خطبة مؤلمة: «بَلَغَني اَنَّ الرَّجُلَ مِنهُم لِيدخُلُ المَرأَةَ المُسلِمَةِ وَالأخرى المُعاهَدَةِ فَينتَزِعُ حِجلَها» (2). يقول سمعتُ أن هذه القوات الظالمة الجائرة الوقحة دخلت على بيوت النساء المسلمات و النساء غير المسلمات - المعاهدون هم اليهود والنصارى الذين كانوا يعيشون في المجتمع الإسلامي - وانتزعوا ثيابهن و حجولهن (3) و أساورهن و حجول أرجلهن و نهبوها. ثم يقول لو إن إنسان مات كمداً لمثل هذه الأحداث فلا ينبغي ملامته. لاحظوا، هذه هي الشخصية، رحمته بالناس وحرصه عليهم، وعلى كل الناس، وقد كان يعيش في المجتمع الإسلامي يهود ونصارى وسواهم، وهم المعاهدون. هذه هي خصوصياته الحكومية: العدل والإنصاف والمساواة.

كلمة الإمام الخامنئي في عيد الغدير، 2016/09/20

الهوامش:

1 - أحد قادة جيش معاوية، و كان حاكم البصرة لفترة من الزمن.

2 - نهج البلاغة، الخطبة رقم 27 .

3 - مصرع شعري لسعدي الشيرازي، ديوان الأشعار «إرفع الحجب والأستار فالغريب لن يرى هذا الوجه، كبيرٌ أنت ولا يمكن ظهورك في مرآة صغيرة».