كتب الشيخ شفيق جرادي*
إذا ما أرادت الشعوب المسلمة معرفة ما تقول به الجمهورية الإسلاميّة وما تدعو إليه فعليها أن تعلم أننا ندعو إلى هذا الأمر: نحن لا نصرف الأنظار عن الإسلام؛ نعتبر أن اتّباع كافة الأحكام الإلهيّة والشريعة الإلهيّة التي هي شريعة إسلاميّة واجب علينا في كافة شؤون حياتنا؛ كما أننا نسعى ونعمل على بلوغ هذا الهدف. والإطار الذي نعمل ضمنه للدخول إلى الميدان هو السيادة الشعبية الدينيّة. يجب أن يشارك الناس وينتخبوا. على الشّعب تحديد من يسنّ القوانين بناء على هذه القاعدة. كلّ شيء منوط باختيار الشّعب، بمشاركة الشّعب، بعزّة الشعب وكرامة الشّعب.
الإمام السيد علي الخامنئي، ٨/٥/٢٠١١
يعيد بعض الباحثين أزمة الحكم والتراجع السياسي في العالم العربي، إلى واحد من اثنين:
إما عجز بنية المجتمع العربي عن إقامة أي نظام مجتمعي أو سياسي، والسبب في عجز بنية المجتمع العربي يحيله هؤلاء إلى اتكاء العرب على الإسلام.
أو إن الإسلام من حيث هو دين لا يمتلك خاصية القدرة على إقامة نظام مجتمعي راق فضلًا عن إقامة نظام سياسي.
والعجيب هنا، أن هذا الكلام يتغافل الواقع التاريخي للمجتمع العربي؛ المبني في الجاهلية على فوضى القبيلة والعشيرة، وكيف أن الإسلام حينما وحّد العلاقة بين البناء المعنوي والثقافي الديني في ذاك المجتمع، ومسار النظام السياسي المعتمد على حكم الدين، حوّل القبيلة والقبائل إلى وحدة عقيدية – سياسية هي الأمة، استطاعت أن تحكم قرونًا متمادية من الزمن.
ثم إن تجربة الواقع المعاصر أكدت أن شعبًا بناؤه الثقافي والحضاري هو الإسلام، لمـّا تبنى المسار السياسي الإسلامي استطاع أن يتقدّم للعالم بنموذج خرج فيه من تخلّف العالم الثالث إلى أن يكون دولة إقليمية عظمى هي إيران.
فكيف صحّ الأمر في إيران، ولم يصح في العالم العربي؟
يعيد الإمام الخامنئي السبب إلى اللحاظ التالي:
كلما تقارب المسلمون من توحيد عبادتهم بالسياسة كلما تجانسوا أكثر مع الأصالة الإسلامية وحققوا رقيهم. وكلما فرّقوا بين السياسة والعبادة، كلما تورطوا في منزلقات الانحطاط. وهذا الطرح يفرض علينا إعادة قراءة الركائز البانية للمشروع الإسلامي النهضوي في الحكم والمجتمع. والذي يعيده الإمام الخامنئي إلى ركيزتي المعنوية والعقلانية البانيتان للعدالة المجتمعية. وهذه المنظومة تقضي بالتعامل مع الشرع باعتباره أصل النظام؛ ومع الشعب باعتباره أصل الحكم.
فبالشعب يكون الحكم وتتحقق العقلانية، وبالشرع يكون النظام وتتحقق المعنوية، ومنهما تتمظهر العدالة الاجتماعية والسياسية في الإسلام.
أما التجسّد العملاني لهذه المنظومة من الحكم وتجربة الحكم، فهي التي أطلق عليها الإمام الخامنئي اسم "السيادة الشعبية الدينية"، والتي تبلورت في صناديق الاقتراع على طول مسار الحكم في إيران.
من هنا، فإن تجربة السيادة الشعبية الدينية تقدّم نفسها كبديل إسلامي حضاري لبلدان العالم، والعالم العربي على نحو أخص. ولا يحق لأحد أمام هذه التجربة أن يتذرع بذرائع مذهبية أو قومية؛ لأنها تجربة إنسانية تحتاج إلى المعنوية الإسلامية والعقلانية الشعبية والقيادية في إدارة الشأن العام.
أما تفصيل الشأن الاجتهادي الديني؛ أو التدبيري الشعبي فهو موكول إلى الاعتراف بالآخر، وحق التواصل بين المختلفين على قاعدة التوصّل لكل قاسم مشترك.
*رئيس معهد المعارف الحكمية للدراسات الدينية والفلسفية، بيروت- لبنان.
~إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تُعبّر بالضّرورة عن رأي موقع ARABIC.KHAMENEI.IR