في ما يلي النص الكامل لكلمة الإمام الخامنئي:

 

بسم الله الرحمن الرحيم (١)

 

بدايةً أتقدّم من السّادة الأفاضل بالشكر الجزيل لأجل تفكيركم بهذه القضيّة ومواصلتكم العمل في سبيلها بهذا الدافع.

السيّدة خديجة (سلام الله عليها) مظلومة في الحقيقة؛ لأنّ تشرّفها بالزّواج من الرسول الأكرم كان له قيمة مضاعفة فيما يخصّها؛ لقد تشرّفت الأخريات بالزّواج من النّبي (ص) لكنهنّ لم يعايشن الآلام التي ابتلي بها النّبي في المرحلة الأساسيّة من رسالته. عاش صلوات الله عليه عشرة أعوام في المدينة، كانت فترة عزّة، احترام، وحياة هانئة نسبيّاً مقارنة مع تلك المرحلة؛ لقد عايشت السّيدة خديجة (سلام الله عليها) مرحلة آلام وعذابات النّبي (ص) ومرحلة الصّعوبات وصبرت وتحمّلت.

بدايةً فإنّ نفس الإيمان بالرّسول الأكرم -حيث كان أوّل من آمن به أميرالمؤمنين (عليه السّلام) والسيّدة خديجة (سلام الله عليها)- يُعدّ ميزة كبرى، قيمة عالية جدّاً؛ فاجتياز وتجاهل الإنسان لمعتقدات عاش معها على مدى أعوام ليس بالعمل السّهل، لم يحدث أن عايشنا هكذا شيء لندرك كم هو صعب ومصيري. لقد أدركت عليها السّلام بتلك الفطرة النقيّة والطّاهرة صدق القضيّة وحقانيّتها؛ ما إن رأت النّبي (ص) على تلك الحالة -الحالة المعروفة والمذكورة في الكتب- عندما عاد صلوات الله عليه من غار حراء، أدركت أنّ حدثاً هامّاً قد حصل وانجذب قلبها المبارك وآمنت.

لهذه السيّدة العظيمة ميزة هي أنّها تخلّت عن جميع أموالها وأنفقتها في سبيل التّرويج للإسلام ودعم الرّسول الأكرم (ص) ثمّ ثبتت على هذا الإيمان؛ تتحدّثون حول الثروة،(٢) هذه كلمة من السّهل التحدّث بها؛ حسناً قد يكون من الهيّن على أصحاب الثروات إنفاق بعض المال؛ لكن أن يتخلّى الإنسان عن حياة الرّخاء بشكل كامل -أي أن ينفق كلّ ماله، كلّ ثروته- ليس بعمل سهل وعابر؛ على سبيل المثال يتحدّثون حول الإمام الحسن المجتبى (عليه السّلام) فيقولون أنّه تخلّى عدّة مرّات عن كلّ ماله أو أنّه عليه السّلام أنفق نصف أمواله مرّات عديدة؛ هذه من أعظم الميّزات. لهذه السيّدة العظيمة ميزة هي أنّها تخلّت عن جميع أموالها وأنفقتها في سبيل التّرويج للإسلام ودعم الرّسول الأكرم (ص). ثمّ عايشت تلك الصّعوبات والمشاكل الشّديدة والتي إحداها قضية شعب أبي طالب والأعوام الثلاثة التي مكثوها هناك والصعوبات التي تحمّلتها تلك العظيمة وحفاظها على إيمانها.

حسناً، يتحدّث القرآن الكريم حول الذين ينفقون قبل الفتح وبعده قائلاً "لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ"؛(٣) هذا كان في مرحلة "قبل الفتح"، أي قبل فتح المدينة؛ أي قبل أن يكون للرسول الأكرم (ص) مدينة وحياة رخاء، حكومة وقدرة؛ لقد أنفقت سلام الله عليها في قمّة الشدّة؛ أنفقت مالها، بذلت روحها، ضحّت براحتها، حسناً هذه في الحقيقة فضائل هامّة؛ هذه الفضائل بقيت مُغفلة؛ السيّدة مظلومة؛ هذه السيّدة العظيمة مظلومة بالفعل. لقد عبّر سماحة الشيخ الأعرافي قائلاً بأنّها غريبة؛ الحقّ هو أنّها كذلك؛ السيّدة خديجة (سلام الله عليها) غريبة. حسناً أنتم(٤) تقولون بأنّها أمٌّ لأحد عشر إماماً، لكنّها في الحقيقة أمّ لاثني عشر إماماً؛ لأنّها أمّ أمير المؤمنين أيضاً. لقد ربّت عليها السّلام أميرالمؤمنين في كنفها، في حضنها طوال حياتها حتّى بلغ عدداً من الأعوام. على كلّ حال هذا عمل مميّز جدّاً وعمل في غاية الأهميّة وسيكون له بركات كثيرة إن شاء الله.

للسيدة خديجة سلام الله عليها فضائل هامّة؛ هذه الفضائل بقيت مُغفلة؛ السيّدة مظلومة؛ هذه السيّدة العظيمة مظلومة بالفعل.

على كلّ حال نشكر سماحة الشيخ الأعرافي، سماحة الشيخ رفيعي وسائر السادة المتعاونين في هذا الشأن ونأمل أن ينالوا أجرهم من الرّسول الأكرم (ص) إن شاء الله؛ ومن المحتّم أنّ هذا العمل يقع موضع رضا رسول الله (صلّى‌ الله عليه وآله وسلَّم)

والسّلام عليكم ورحمة الله

 

الهوامش:

1- مؤتمر "صدفة الكوثر" الوطني الهادف إلى شرح شخصية السيدة خديجة (سلام الله عليها) الذي عقد بجهود جامعة المصطفى العالميّة وبالتعاون مع مؤسسات كجامعة الزهراء (س) في شهر كانون الثاني من العام ٢٠١٧. في بداية هذا اللقاء -الذي عقد في إطار اللقاءات الجماعيّة- تحدّث حجة الإسلام والمسلمين الشيخ عليرضا الأعرافي (رئيس جامعة المصطفى العالميّة) وحجّة الإسلام والمسلمين الشيخ ناصر رفيعي محمّدي (عضو اللجنة العلميّة في جامعة المصطفى العالميّة) وقدّما تقاريرهما.

2- إشارة حجّة الإسلام والمسلمين الشيخ ناصر رفيعي إلى أن السيّدة خديجة (سلام الله عليها) بذلت كلّ مالها في سبيل الإسلام.

3- سورة الحديد، مقطع من الآية ١٠

4- حجة الإسلام والمسلمين الشيخ ناصر رفيعي.