عيد الأضحى هو العيد الذي كرّم فيه الله عزّوجل إيثار خليله إبراهيم عليه السّلام الذي كان مستعدّاً للتضحية بما يفوق التضحية بالذات، التضحية بالأعزّاء. وتضحية نبي الله إبراهيم كانت تفوق مستوى التضحية بأيّ عزيز لأنّه كان على وشك أن يضحّي بنجله الوحيد وفلذة كبده الذي وهبه الله إيّاه بعد أعوام وفي سنّ الشيخوخة. يقول الإمام السيّد علي الخامنئي في هذا الصّدد: هذا الإيثار وهذا التجاوز هو رمز للمؤمنين الذين يرومون السير في طريق الحقيقة والتعالي والعروج إلى المدارج العليا. الأمر غير ممكن من دون تضحية. هذه هي في الواقع النقطة الرئيسة في كل الامتحانات التي نمرّ بها. القضية قضية إيثار وتضحية، والتضحية تكون أحياناً بالروح وأحياناً بالمال وقد تكون أحياناً تراجعاً عن كلام تفوّه به شخص ويريد أن يبقى عليه بكل إصرار ولجاجة، والتضحية في بعض الأحيان هي تضحية بالأعزاء والأحبة والأبناء والأقارب. الامتحان معناه اجتياز وادي المحنة. تعرض محنة أو شدة أمام الإنسان أو الشعب ويكون اجتيازها وعبورها هو الامتحان. إذا استطاع ذلك الممتحَن عبورها فسيصل إلى هدفه ومقصده. وإن لم يستطع - إي لم يستطع تفجير المواهب الكامنة في وجوده والتغلب على هوى نفسه - فسوف يبقى يراوح مكانه، هذا هو الامتحان. ليس الامتحان الإلهي من أجل أن يعرفنا الله ويرى ما هي أوزاننا وحدود قدراتنا، إنما الامتحان نفسه خطوة نحو الهدف والغاية. (١)
وفي كلمة أخرى يلفت قائد الثورة الإسلاميّة إلى أنّ ما قام به نبي الله إبراهيم كان تجلّياً من تجلّيات التوحيد حيث يوضح قائلاً: لقد خلّف إبراهيم الخليل عليه السلام ورائه للموحّدين على مدى التاريخ في أقطار العالم تجلّياً من تجلّيات التوحيد بإحضاره فلذة كبده إلى المذبح وتغلّبه على نفسه وتسليمه للمشيئة الإلهيّة. (٢)
ما تقدّم أعلاه يوضح لنا أهميّة اهتمام الإنسان الذي يسعى للتكامل بمحاربة كافّة أنواع أهواء النّفس والشيطان، في هذا الشّأن يقول الإمام الخامنئي: الطريق الإلهي يقع في مقابل طريق هوى النّفس. إذا ما سار المرء في الطريق الإلهي فقد وصل إلى الغاية العليا والنهائية؛ أي أداء حق العبوديّة. لكنّه لو لحق هوى النّفس وسعى في إرضائها، فإنّه سيتأخّر عن طيّ الطريق الإلهي بقدر نسبة الطاقة التي صرفها لأجل هوى نفسه و “ذاته الماديّة”. (٣) كما يلفت قائد الثورة الإسلامية في كلمة أخرى إلى ضرورة إساءة الظن بالنّفس والحذر من خداعها حيث يقول سماحته: علينا أن نسيئ الظنّ ونحذر خداع هوى النّفس لنا. يجب أن ندقّق أين تقع نفسنا وأهوائها؛ وأين لا تكون. (٤) وفي مكان آخر ينتقد الإمام الخامنئي ما هو رائج بين فئة من النّاس من حيث التشبّه بشخصيّات سياسية وفنيّة و… انشغلت في حياتها بعبادة النّفس وأهوائها ويوصي سماحته باختيار القدوة الأصحّ أي أولياء الله حيث يقول سماحته في هذا الصّدد: أذكى النّاس هم الّذين يتّخذون أولياء الله قدوة لهم؛ لأنّ أعظم خاصيّة يحوزها أولياء الله هي أنّهم كانوا شجعان وأقوياء إلى الحدّ الذي خوّلهم أن يكون أمراء لأنفسهم بدل أن يكونوا أذلّاء لها. (٥) وإذا ما أمعنّا النظر في شخصيّة أولياء الله، يبرز لنا أنّهم كانوا يعملون بشكل كبير على التحلّي بالفضائل الأخلاقية، وهذا ما كان سبيلهم لبلوغ الكمال. في هذا الباب يقول الإمام الخامنئي: إنّني أدعو التعبويّين الأعزّاء إلى الأخلاق، ماذا نعني بالأخلاق؟ نعني الحلم والتحمّل، الصبر والمقاومة، الصدق والصفاء، الشجاعة والتضحية، الطهارة والعفّة. فالتعبويّون بحاجة إلى هذا كي تبقى أجزاء هذا البنيان الراسخ قويّة. إن أردتم بقاء هذا البنيان الرفيع مستحكماً كقلعة راسخة وثابتة في مقابل العدوّ، عليكم أن تراعوا هذه الأمور، عليكم أن تظهروا التحمّل والصبر والأخلاق، والطهارة، أن تستحضروا النماذج العظيمة في صدر الإسلام. علينا أن نبتعد عن التكبّر، والتفرعن. فمالك الأشتر، مع ذلك المنصب الذي كان مخصوصاً به، والشجاعة التي كان يتمتّع بها، والمنزلة التي كان يحظى بها عند أمير المؤمنين، كان يوماً يسير في أحد الأزقّة. فراح أحد الفتيان يسخر منه، ولم يكن يعرفه، ولربّما رماه بحصاة، رأى شخصاً مارّاً، وأراد أن يهزأ منه فرماه، وبعد أن عبر مالك الأشتر الزقاق، جاء من رأوا هذا المنظر إلى الولد وقالوا له: أتعرف ما فعلت، وبمن هزئت، فقال الولد لا، كونه لم يكن يعرف مالك الأشتر. فقالوا: هذا مالك الأشتر، ارتبك الولد، ولعلّه أسرع وحده أو برفقة والده، أو أصدقائه إلى مالك ليعتذر بطريقة من الطرق، وذلك لكي يتجنّبوا المشاكل، ذهبوا خلف مالك الأشتر فرأوه قد دخل المسجد وراح يصلّي، تقدّموا منه ليعتذروا، فقال مالك: لقد أتيت إلى المسجد لكي أصلّي وأدعو الله ليصفح عن خطأ ذلك الشابّ! أنظروا هذه الشفقة، هذا الإحساس بالمسؤوليّة، هذا الحلم، هذه العظمة، وهذه الأخلاق. يجب علينا - أنا وأنتم - أن نتعلّم هذه الأمور. (٦)
 
 
 
————————————-
(1) كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه أهالي إصفهان بمناسبة عيد الأضحى المبارك ١٧/١١/٢٠١٠
(2) نداء الإمام الخامنئي لحجاج بيت الله الحرام ١٨/١٢/٢٠٠٧
(3) كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه قادة حرس الثورة الإسلامية ٢٠/٩/١٩٩٤
(4) كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه قرّاء القرآن الكريم ٢٥/٧/٢٠٠٩
(5) كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه حشداً من أفراد حرس الثورة الإسلاميّة ١٤/١٢/١٩٩٦
(6) كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه جمعاً كبيراً من قادة وعناصر التعبئة من مختلف أنحاء البلاد ٢٧/١١/٢٠١٤