وفي ما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها قائد الثورة الإسلامية في محفل الأنس بالقرآن الكريم :

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الشكر الجزيل للإخوة الأعزّاء، القرّاء والتالين والذّاكرين الأعزّاء الذين عطّروا لقاءنا هذا اليوم ونوّروه بكلمات القرآن الشريفة والآيات والذكر الإلهيّ وذكر ومدح النبي وأهل بيته.  لقد كان لقاؤنا اليوم ممتازاً ومن أوّله إلى آخره، كان لقاءً جذّاباً ومفيداً ومليئاً بالفكر والفنّ، وخاصة بعض فصوله التي كانت حقيقةً مميزة. 
نشكر الله تعالى أن جعلنا نأنس بالقرآن.  إنّ مجتمعنا المسلم في سنوات ما قبل انتصار الثّورة وبالرغم من أنّه كان محبّاً للقرآن وعاشقاً له، لكنّه لم يكن يأنس به. وإنّ هذا من بركات الثّورة حيث أنّ شبابنا من أصحاب الصوت والذوق وفنّ التلاوة والاستعداد والجهوزيّة للتعلّم قد وردوا هذا الميدان بحمد الله وتطوّروا. ولكنّ هذه الأمور كلّها مقدّمة، مقدّمة لفهم القرآن والتخلّق بأخلاقه. هناك قضيّة هي قضيّة الاحترام الظاهريّ وحفظ حرمة القرآن، معاني ألفاظ القرآن والأصوات القرآنية، فمثل هذا أمرٌ محترمٌ ومهمٌّ بحدّ ذاته. المسألة الأهم هي التخلّق بالأخلاق القرآنية، وجعل نمط الحياة متطابقاً مع القرآن.

إنّ من عيوبنا وعيوب مجتمعاتنا على مدى الأزمنة أنّها كانت تتأثّر بالثقافات الأجنبية. هناك أشخاصٌ كانوا يروّجون لهذه الأمور عمداً في مجتمعنا وبلدنا، لقد ساقونا نحو حياة أشخاصٍ قلوبهم وأرواحهم فارغة من نور المعنويّات، في نمط حياتهم، وكيفيّة لباسهم، ومسلكهم، ونوعيّة معاشراتهم وروابطهم الاجتماعيّة. وإذا اعترض عليهم أحدٌ قالوا: هكذا هي الحياة اليوم. في حين أنّ القرآن يعلّمنا "وَإِن  تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ  إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ" (1)، إنّ ما يجدر بالإنسان تعلّمه وإن اقتضى الأمر أن يقلّده، هو طريق الهداية "صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ" (2) حيث نسأل الله تعالى أن يهدينا إلى طريق أولئك الذين وصلوا إلى النعمة الإلهية ونالوها. هؤلاء هم الذين ينبغي أن نتّبعهم. وليس أن أكثر أهل الدنيا يتحدّثون هكذا ويتحرّكون هكذا. علينا أن نجعل عقولنا وديننا والهداية الإلهية معياراً للرفض والقبول. الأمّة المؤمنة والمسلمة هي تلك الأمّة التي تتخذ القرآن الكريم والهداية الإلهية معياراً لها، هذا ما يعدّ معياراً. 
 

الأمّة المؤمنة والمسلمة هي تلك الأمّة التي تتخذ القرآن الكريم والهداية الإلهية معياراً لها

 

إنّ من الأشياء التي يعلّمنا إياها القرآن والهداية الإلهيّة هي اتّباع حكم العقل الإنسانيّ، وهذا أمرٌ قرآنيّ. أي اتّباع ما يحكم به العقل السليم ويقضي به. وهذا أمرٌ قرآنيٌّ أيضاً وهو أمرٌ دينيّ، وهو مايعد معياراً. ما علّمنا إيّاه عباد الله المنتجبين والمعصومون عند الله هو معيار. وهذا هو معيارهم. أمّا أن يكون أهل البلدان الغربيّة والنّاس الماديّين وأهل تلك المنطقة من العالم في مسلكهم وأعمالهم وشؤون حياتهم وعلاقاتهم وتأسيس أسرتهم، يعملون هكذا، وعلينا نحن أن نعمل مثلهم! فهذا خطأٌ. 
يجب أن تكون الهداية القرآنية حاكمةً في حياتنا. ونحن بحمد الله لدينا القرآن وكلمات أهل البيت) عليهم السّلام)، "إني تاركٌ فيكم الثِقْلين"(3) ، لقد تركنا فيكم أمرين نفيسين. فكلاهما بحمد الله بين أيدينا وعلينا أن  نستفيد منهما وأن نشكّل المجتمع على أساسهما. إنّ هذا اللقاء القرآنيّ، تعليم القرآن وتجويد القرآن وحسن تلاوة القرآن بالألحان الجميلة والأصوات العذبة كلّها  مقدّمة لأجل هذا، فلا ننظر إليها على أنها صلب الموضوع، بل هي المقدّمة، وعلينا أن  نرد من خلالها لنصل إلى الأنس بالقرآن. 
بحمد الله إنّ مجتمعنا اليوم يأنس بالقرآن، بالطبع نحن لسنا قانعين بهذا فنحن نؤمن بأنّ على جميع أفراد المجتمع أن يرتبطوا بالقرآن ويتمكّنوا من قراءته وفهمه وتدبّره. إنّ ما يوصلنا إلى الحقائق النورانيّة هو تدبّر القرآن، وحفظ القرآن الذي راج بحمد الله بينكم أيها الشباب وبين شباب بلدنا وفي سائر أنحاء البلاد هو مقدّمة جيّدة  للتدبّر، أي حفظ وتكرار الآيات القرآنية الكريمة والأنس بها والاعتناء المستمرّ  بالآيات الإلهية يؤدّي إلى أن يتدبّر المرء بالقرآن. 
 

حفظ القرآن الذي راج بحمد الله في سائر أنحاء البلاد هو مقدّمة جيّدة  ليتدبّر المرء بالقرآن

نسأل الله تعالى أن يتقدّم بالمجتمع القرآنيّ في هذا البلد يوماً بعد يوم، وأن  يزيده توفيقاً ويوفّق أساتذة القرآن الأعزّاء إن شاء الله ليتمكّنوا من تربية المزيد من الشباب وأن يحيي بلدنا وشعبنا بالقرآن. اللهمّ اجعل حياتنا حياةً قرآنية ومماتنا مماتاً على طريق القرآن، واحشرنا يوم القيامة مع القرآن. اللهمّ أنزل لطفك وفضلك على بلدنا وشعبنا وعلى جميع البلدان المسلمة والشعوب الإسلاميّة. 

والسلام عليكم  ورحمة الله وبركاته.

 

الهوامش:

  1. سورة الأنعام، الآية 116
  2. سورة الحمد، الآية 7
  3. بحار الأنوار، ج 2 ، ص 226