حياة الإنسان من دون عدالة، هي نفس الشيء الذي تشاهدونه في أقبح صفحات تاريخ البشرية. اليوم أيضاً يُشاهد هذا الشيء في نواحٍ مختلفة من العالم. جميع أنواع التعاسة التي تشاهدونها في المجتمعات المختلفة وليدة الظلم وانعدام العدالة. لربما لا يوحي ظاهر الأمور بهذا الشيء؛ ولكن جوهر وباطن القضية هو كذلك. إذا كنتم تشاهدون أن في بعض مناطق العالم ثمة أطفالٌ يموتون جوعاً، ظاهر القضية يوحي أنه بسبب عدم هطول الأمطار، حصل جفاف؛ لكن باطن القضية شيءٌ آخر. باطن القضية يكمن في انعدام العدالة. لو كانت العدالة هي الحاكمة في ذاك المجتمع منذ الأجيال السالفة ولو كانت العدالة هي السائدة على حياة البشر، لكان بوسع الإنسان في ظل استقرار العدالة أن يبني وسطه المعيشي بطريقة يكون فيها هذا الوسط قابلاً للعيش ولا يُبتلى ولده بالتعاسة ولا تكون حياته بهذا القدر من القبح والألم. نتيجة غياب العدالة أصيبت الإنسانية بهذه الأمراض والآلام.
إلى جانب ذاك الذِكر كان تأمين العدالة هو الهدف الأول لجميع الأنبياء. كان هذان الهدفان هما الهدفان الأصليان. طبعاً ثمة هدفٌ أكثر أصلية وهو موضوع التذكير. كان ذاك الهدف هو أصل وأساس القضية. إذا حلت الغفلة فإن شيئاً لن يُجنى ولن تتحقق العدالة أيضاً. ولذلك أنتم رأيتم تلك الأنظمة وأولئك الذين كانوا يدّعون العدالة الاجتماعية لم يتمكنوا أن يُعطوا مجتمعاتهم شيئاً من ماهية العدالة. لماذا؛ لقد أعطوهم أشياء أخرى! أعطوهم الصعود إلى الفضاء، صنعوا لهم الصواريخ العابرة للقارات؛ أما العدالة الاجتماعية فلم يستطيعوا إرساء دعائمها. العدالة الاجتماعية تتحقق في ظل إصلاح الإنسان وإصلاح النفوس والبواطن وفي ظل الالتفات إلى الله جلّ وعلا وذكره. كان هذان هما هدفا النبي (ص) واستطاع في إطار محدود تحقيقهما.
إنه بنى مجتمعاً ذاكراً، مطلعاً ومشتملاً على الحد الأعلى للعدالة الاجتماعية. لربما كان من الممكن أن يظلم أحدٌ الآخر في مكان ما من هذا المجتمع؛ ولكن هذا لا يعني الافتقاد للعدالة الاجتماعية. إن معيار وجود العدالة الاجتماعية وعدم وجودها هو ترسيخ أركان الحكم المنادي بالعدالة الاجتماعية. في المجتمع الذي يكون قانونه وتسيير الحكم فيه عادلاً، ويكون حاكمه عادلاً والنية نية العدالة، سوف تكون الحركة العامة باتجاه تحقيق العدالة الاجتماعية. من الممكن أن يُسلك هذا الطريق بسرعة أو ببطء ويستغرق الأمر وقتاً ما؛ لكنه سيصل إلى العدالة الاجتماعية في النهاية. هذا ما أوجده النبي الأكرم (ص). لم يتحمل ذاك العظيم وجود أقل قدر من انعدام العدالة ولم يقبل به. قدّم نموذجاً، وطبعاً لقد شاهدنا عقب حياة النبي الأكرم المباركة آثار تلك التربية في المجتمعات الإسلامية لفترات طويلة، وكذلك في مرحلة أمير المؤمنين عليه الصلاة والسلام، شاهدنا العدالة المطلقة في شخصية حاكم العالم الإسلامي المطهرة والعظيمة في ذاك الوقت.
~الإمام الخامنئي ١٩٩٥/١٢/٢٠