بسم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين، سيما بقية الله في الأرضين.

مرحباً بكم كثيراً، لقد كان هذا الاجتماع اجتماعاً جد محبب ومستساغ، وطالما كانت أمثال هذه الاجتماعات كذلك بالنسبة لي. ومن وجهة نظري فإن هذا الاجتماع قد انتهى الآن، بمعنى أنني أصبت نصيبي وأحرزت منفعتي من هذا الاجتماع. أولاً التقيتكم وسمعت كلماتكم، وهذه الهمم والحوافز والروح التي يشاهدها المرء لحسن الحظ بين الشباب شعرتُ بها عندكم، واستفدت من الكلمات التي ألقيتموها. لقد انتفعتُ منها حقاً. إذن، أصبت أنا حظي ومنفعتي من هذا الاجتماع، وسوف أشير أيضاً إلى عدة نقاط وأمور.

ولا أنسى أن أذكر الذين لم يحضروا اجتماعنا هذا في هذا العام. عدد كبير من الإخوة والأخوات الأعزاء من النخبة كان ينبغي بنحو طبيعي أن يكونوا حاضرين في اجتماعنا هذا لكن ذلك لم يتهيّأ بسبب وضعنا والظروف. أبعث لهم السلام. إنني دائماً حين أكون بين الشباب وخصوصاً الشباب النخبة أشعر بمشاعر الشكر بالدرجة الأولى، الشكر لله تعالى: «ما بِكم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللّه» (2). إنكم نِعَمُ الله علينا، وتعدون عطايا إلهية للمخلصين للنظام الإسلامي. بالنسبة لنا نحن الذين أمضينا عمراً طويلاً تعتبرون أنتم بحق لطفاً إلهياً ونعمة إلهية. فالشكر لله. 

ثانياً الأمل. إننا نهتم لمستقبل البلاد. نهتم للأفق الذي يتراءى أمام أنظارنا. عندما يراكم الإنسان ينبعث فيه الأمل بأن يتحقق المستقبل الذي كنا نأمله ونرجوه إن شاء الله. الطاقات الإنسانية في بلادنا كما قال السيد ستاري طاقات منقطعة النظير في العالم. ونخبة البلاد هم باب هذه الطاقات وخيرتها وأبرز قطاعاتها. هؤلاء بوسعهم أن يُحيوا الشعور بالالتزام لدى أي إنسان. عندما يسير هؤلاء في الصراط المستقيم وتكون وجهتهم وجهة حسنة فسوف يُحيون الشعور بالالتزام لدى كل الذين يعرفونهم ويرونهم.

لذلك فأنا من المؤمنين بالنخبة إيماناً عميقاً راسخاً. بمعنى أنني أؤمن بكم أنتم النخبة. أملي ورجائي هو أن تحاول مؤسسة النخبة والسيد ستاري نفسه الذي هو في الحكومة وهو معاون رئيس الجمهورية، أرجو أن يحاول المسؤولون كلهم أن يكونوا من المؤمنين بالنخبة بالمعنى الحقيقي للكلمة. هذه إحدى توقعاتنا. أن يؤمنوا بالنخبة. أولاً أن يؤمنوا بأن لدينا نخبة، وثانياً أن يؤمنوا أن هذه النخبة قادرة على تغيير مصير البلاد بالنحو الذي يرضي الجميع ويكون قرة عين للجميع. بعض مسؤولينا يعانون من غفلة في هذا المجال، وينبغي إخراجهم من غفلتهم هذه.

حسنٌ، أشير إلى جملة من النقاط حول قضية مؤسسة النخبة وقضايا النخبة وما إلى ذلك، وأشير إلى قضية سياسية في ختام كلمتي.

النقطة أو الفكرة الأولى هي أن التقدم العلمي يزيد من اقتدار البلاد. قرأ مقدم البرنامج العزيز (3) اليوم حديثاً يقول: «العلم سلطان». ومعنى السلطان هو الاقتدار، فالعلم اقتدار. وكل من يمتلك هذا السلطان «صَالَ». ومعنى صال أنه ستكون له اليد القوية الفاعلة. وكل من لم يمتلك هذا السلطان «صِيلَ عليه» (4). ومعنى صيل عليه أي إن يداً قوية سوف تسيطر عليه، أي إنه سيكون خاضعاً للآخرين. هذا هو العلم. وأنتم تشاهدون هذا اليوم. استطاعت أمريكا وبريطانيا وفرنسا والكثير من البلدان الأوروبية، وحتى البلدان الصغيرة منها، طوال سنين متمادية وبعضها لقرون من الزمن أن تحتل بلداناً وتعبث بمقدراتها ووجودها وتقضي عليها. اكتسبوا اقتداراً على الشعوب وسيطروا عليهم بسبب العلم لأنهم ساروا وراء العلم وطلبوه. أما نحن فغفلنا عن العلم ولذلك تأخرنا رغم كل سوابقنا التاريخية ومواهبنا المتألقة، إلّا أن الآخرين تقدموا.

علينا تلافي هذا التأخر. كان هناك عدد من التغريبيين يروّجون منذ مائة عام بأنكم إذا أردتم لبلادكم أن تتقدم وإذا أردتم لإيران أن تتقدم فيجب أن تكونوا تابعين للغرب. التغريب هو التعبير الذي طرحه المرحوم آل أحمد وكتب عنه. كانت هذه فكرة خاطئة، وبعض الذين كانوا يُروّجون لهذه الفكرة كانوا يفعلون ذلك بدوافع خيانية، لكن دوافع بعضهم الآخر لم تكن خيانية بل كانت عن جهل وغفلة. ولا يزال اليوم أيضاً بعض أتباعهم، ويجب القول أذنابهم، يروّجون لهذه الأفكار وهي أننا يجب أن نتقدم على هامش الغرب وتبعاً له. لا، عاشت البلاد خمسين عاماً خلال العهد البهلوي تابعةً للغرب، خمسين عاماً. كانت لمدة من الزمن تابعةً لبريطانيا، وكانت لمدة من الزمن في أواسط عهد رضا خان تابعةً لألمانيا، وبعد ذلك صارت تابعةً لأمريكا إلى النهاية، فأيّ تقدم حققته البلاد؟ ما الذي جنته البلاد سوى التعاسة والتخلف وتبدد أرصدتها الأساسية؟ لا، لا يمكن التقدم تبعاً للغرب. الذي يقول إن البلد يمكن أن يتقدم تبعاً للغرب فإنه يخون البلد لو كان يعلم ما الذي يقوله. وقد يكون جاهلاً. حسنٌ، إذن ما الذي ينبغي فعله؟ يجب أن نقضي على التبعية. والتبعية طبعاً قد تكون تبعية سياسية، وتبعية اقتصادية، وتبعية ثقافية، وكافة أشكال التبعية. وأساسها هي التبعية السياسية. التبعيات السياسية هي التي تستتبع بالدرجة الأولى باقي أنواع التبعية.

التبعية السياسية تؤدي طبعاً إلى التغلغل والنفوذ الثقافي أيضاً، وإلى النفوذ الاقتصادي أيضاً، ويمكن أن تستتبع التبعية في كل القطاعات والجوانب بما في ذلك الجانب الأمني. وقد كان هذا هو الحال خلال فترة الطاغوت. لقد كنا تابعين حتى في الجانب الأمني، وفي القطاع الاقتصادي من باب أولى، وكذا الحال بالنسبة للجانب الثقافي. وقد زالت التبعية السياسية بفضل الثورة. أما باقي أنواع التبعية فهي صعبة وعسيرة وتحتاج إلى مساع وجهود. وهذه ليست كلمة أقولها اليوم. لقد قلتُ هذا في خطبة صلاة الجمعة في زمن رئاسة الجمهورية وهو أن تبعيتنا السياسية قد زالت ونجونا والحمد لله، لكننا لا نزال تابعين، نحن تابعون من الناحية الاقتصادية، وتابعون من الناحية الثقافية، ويجب أن نفكر في هذا الموضوع. فالتبعية تستدعي التعاسة والبؤس. أقول لكم إنه عندما ينظر الإنسان في المذكرات المتبقية عن أصدقاء محمد رضا بهلوي، وقد قرأت الكثير من هذه الكتب، يجد أن محمد رضا هذا الملك الطاغية نفسه يعتريه الغضب بشدة أحياناً من الأمريكيين، ويكيل لهم السُباب أحياناً، ويشتمهم، طبعاً في الغرف الخاصة ومع أصدقائه المقربين. كالذي صعد على سطح منزلهم وراح يشتم شرطي المدينة البعيد، هكذا كان هو أيضاً. يذكرهم بسوء في الغرف الخاصة المغلقة. ولكن في الوقت نفسه إذا وجّه سفير بريطانيا أو سفير أمريكا رسالة أو تحدث بالهاتف وأمر بأمر ما فكان هذا مطيعاً منحنياً ويده على صدره جاهزاً لتنفيذ ذلك الأمر. ولم تكن لديه حيلة أو مهرب فقد كان مضطراً. هذه هي التبعية. هذا ما يجب أن يزول. من الناحية السياسية زالت هذه التبعية واستؤصلت بالكامل في بلادنا لحسن الحظ. ولكن ينبغي أن تُبذل جهود كثيرة لاستئصالها في المجالات الأخرى، والتقدم العلمي الذي يحصل على أيديكم هو واحدٌ من أهم العناصر الأساسية للخلاص من هذه التبعية. وإذن، ينبغي أن لا يكون هناك أي مانع أو عقبة على طريق التقدم العلمي والتقني. الأجهزة الحكومية والأجهزة العامة والناشطون في القطاعات الثقافية المختلفة وما إلى ذلك يجب أن لا يوجدوا أية عقبات على طريق التقدم العلمي، وهناك والحمد لله إمكانيات وطاقات عظيمة، وثمة نماذج منها شاهدتموها في هذه الجلسة، وقد شاهدتُ الكثير من هذه النماذج في مراحل مختلفة أو اطلعت عليها أو تلقيت تقارير عنها، أو التقيتهم مباشرة، وأشعر أن الإمكانيات والطاقات كبيرة جداً ونستطيع أن نتقدم. هذه هي النقطة الأولى.

 

ينبغي أن لا يكون هناك أي مانع أو عقبة على طريق التقدم العلمي والتقني

 

النقطة الثانية تتعلق بوضعية مؤسسة النخبة والمعاونية العلمية. والحمد لله على أنها تقدمت وتطورت كثيراً. حدثت خلال هذه الأعوام الكثير من الأمور حسّنت وضعية المعاونية العلمية وكذلك معاونية مؤسسة النخبة. وقد شهدت الشركات العلمية نمواً على شكل قفزات واسعة. في سنة اثنين وتسعين أو ثلاثة وتسعين [2013 ـ 2014 م] لا أذكر على وجه التحديد، أكدتُ على الشركات العلمية المحور في مثل هذا الاجتماع. ولحسن الحظ فإن الشركات العلمية المحور شهدت قفزة جيدة ونمواً كبيراً. حصلت استثمارات جيدة. وتكوّنت هيئات علمية وخلايا علمية في الجامعات والحمد لله، وقد كان هذا الشيء موضع تأكيدنا أيضاً. وتصححت الاتجاهات الفكرية في إعداد النخبة وتخريجهم. الكثير من الآراء التي طرحتموها هنا أيها الأصدقاء حاضرة في أذهان المسؤولين في مؤسسة النخبة والمعاونية العلمية، وقد طرحوها عليّ. وثمة نهج ومسار مصحح ومستكمل من المقرر أن يحصل ويُتبع. هذا شيء موجود.

ومع ذلك فأنا غير قانع بهذا القدر. لا أنني غير قانع الآن، لا يمكن الاكتفاء بهذا القدر، فأمامنا طريق طويل والمسافة طويلة حتى نصل إلى المحطة المنشودة. هذا شيء أؤكده على السيد الدكتور ستاري وعلى المسؤولين وعليكم أيضاً أيها النخبة الأعزاء. في مجال التقدم العلمي يجب أن لا نكتفي بحركة في الجامعة الفلانية أو المركز العلمي الفلاني وما شاكل، إنما ينبغي إيجاد سياق وتيار ومنهج. يجب إطلاق تيار في البلاد في خصوص العلم والتقدم العلمي. يجب أن يتحول هذا الأمر إلى تيار وسياق لا يمكن أن يتوقف. فلا يكون الأمر بحيث إذا جاءت هذه الحكومة وكان لها ذوقها الخاص فسيكون بوسعها التأثير على التقدم العلمي للبلاد فتخلق حالة نكوص أو تراجع مثلاً. أو إذا جاء المسؤول الحكومي الفلاني وكانت له عقيدة مختلفة فيمكنه أن يسبب مثل هذا التراجع أو المراوحة. يجب أن لا تستطيع الأذواق والأساليب الإدارية أن تؤثر في تقدم البلاد العلمي. وهذا سيحصل عندما يتحول التقدم العلمي إلى سياق وتيار. وفيما يتعلق بالشركات العلمية المحور ينبغي عدم التقليل من ضوابطها. دققوا في أن تكون ضوابط الشركات العلمية المحور ذات مستوى عال. فلا يكون الأمر بحيث نحاول زيادة العدد فقط. ويجب عدم خفض ميزانية العلم والتقنية، بل ينبغي زيادتها. طبعاً قال لي الأصدقاء إن صندوق الإبداع هذا يعاني من مشكلة، وسوف أوصي إن شاء الله وأؤكد على رفع هذه المشكلة، وطبعاً ينبغي إدارة المصادر المالية بشكل صحيح.

ونقطة أخرى حول المقالات والدراسات والبحوث العلمية، ولحسن الحظ فإن لدينا، من حيث العدد، دراسات جيدة بمستويات جيدة، بيد أن هذا لا يكفي، بل ينبغي القول إن هذا لا يحظى بأهمية كبيرة، فالمهم هو الجودة العالية للدراسات. وكما سمعت ورفعوا لي من تقارير فإن وضعنا من الناحية النوعية ليس جيداً جداً على صعيد الدراسات العلمية. ينبغي رفع مستوى الجودة والنوعية، ويجب رفع مؤشرات الجودة. وينبغي بدلاً من زيادة عدد الدراسات الاهتمام بصلة هذه الدراسات بشؤون البلاد واحتياجاتها. وهذا ما ذكره بعض طلبة الجامعات الأعزاء لي، وهذه هي عقيدتنا نحن أيضاً. ينبغي أن تصب الدراسات العلمية والبحثية في خدمة احتياجات البلاد ويجب تبيين هذه الاحتياجات للنخبة. وقد يكون الكثير من النخبة غير عارفين باحتياجات البلاد كما هي.

ونقطة أخرى في هذا المضمار تتعلق بقضية سبق أن نبّهت لها السيد ستاري. على المعاونية العلمية ومؤسسة النخبة أن تهتم لعمل اللجان. أي لتكن هناك ما يشبه اللجنة تستفيد من كل الأجهزة المتنوعة في البلاد والتي يمكنها أن تمارس دوراً في مجال العلم والتقانة. ليستفيدوا من الوزارتين المعنيتين بشؤون التعليم العالي، ومن الجامعة الحرة، ومن الوزارات المتعلقة بالصناعة والنفط. فلهذه المؤسسات إمكانيات كبيرة يمكنها أن تصب لصالح خدمة التقدم العلمي والتقني، ويمكن للمعاونية العلمية بالاعتماد على مكانتها الإدارية أن تقوم بهذه المهمة. كما ينبغي مطالبة النخبة بالعمل. يجب أن تشعر النخبة بأن وجودها نافع، أي يجب أن تشعر أنها نافعة مفيدة. هذا هو ما يرضي النخبة ويفرحها ويثبّت أقدامها ويجعلها مستقرة في البلاد. يجب أن تفهم أنها مفيدة للبلاد ونافعة. يجب مطالبتهم بعمل، وهذا ما يمكن أن يتحقق بهذا العمل اللجاني الذي تحدثنا عنه.

 

ونقطة أخرى هي أننا يجب أن نجد حلاً وفكرة للصناعة في البلاد. وقد لاحظت في الكلمات التي ألقاها الأعزاء أن جانباً مهماً منها يتعلق بهذه المشكلة. صناعة البلاد تعاني من آفة المونتاج (التجميع) وهي آفة قديمة. عندما تكون الصناعة صناعة مونتاج وتجميع فلن يكون للإبداع من معنى. وعندما لا يكون هناك إبداع فلن يكون هناك حراك علمي وعمل علمي، وعندما لا يكون هناك عمل علمي فلن تتحقق حالة التواصل بين الصناعة والجامعة التي نتكلم ونصرخ كل هذا الصراخ من أجل تحققها. إذا تواصلت الصناعة مع الجامعة فسوف تتقدم الجامعة وسوف تتقدم الصناعة على حد سواء. وهذا شيء واضح. وأنا طبعاً طرحت قضية الارتباط بين الصناعة والجامعة هذه على الحكومات منذ وقت طويل، إلى أن تشكلت هذه المعاونية العلمية أخيراً نتيجة ضغوطنا وإصرارنا والهدف منها هو تحقيق هذا التواصل والارتباط بين الصناعة والجامعة. لكن ارتباط الصناعة بالجامعة سيتحقق بالمعنى الواقعي للكلمة عندما تشعر الصناعة بالحاجة للجامعة. وفي عملية التجميع والمونتاج لا يوجد مثل هذا الشعور بالحاجة. يجب الطلب من الصناعة، كما قال أحد الأصدقاء الأعزاء، يجب الطلب من الصناعة. حسنٌ، الطلب من الصناعة شيء وشعور الصناعة في البلاد بالحاجة شيء آخر. يجب أن يكون هناك شعور بالحاجة. وهذا يحصل عندما تعالج هذه المشكلة القديمة. يجب علاجها خلال فترة زمنية تمتد مثلاً لعشرة أعوام، ولا نريد الاستعجال كثيراً. خلال عشرة أعوام يجب أن تتحول النظرة من التجميع والمونتاج إلى الإبداع في الصناعة، وينبغي أن تسود هذه النظرة والمنهج في البلاد.

والنقطة التالية المتعلقة بالنخبة وتخريجهم وإعدادهم هي الاهتمام بالنشاطات الثقافية في مؤسسة النخبة، فهذه القضية على جانب كبير من الأهمية. يجب أن نتفطن إلى أن التقنية تجلب معها ثقافة معينة، التقانة تحمل ثقافة، وهذا ما لا يمكن تجاهله. عندما نستعير التقانة من الآخرين نكون قد استوردنا في الحقيقة ثقافتهم أيضاً. صحيح أننا ننشد الاستقلال في التقنية، فهذا مما لا شك فيه ويجب أن يتحقق، لكن هذا الأمر بالتالي كالأواني المستطرقة (5)، وفي القضية تبادلٌ وتعاط في كل الجوانب والمجالات. إذن، ينبغي الاهتمام بقضية الثقافة. نحتاج في مؤسسة النخبة والمعاونية العلمية إلى الاهتمام بقضية الثقافة، وينبغي القيام بالعمل الثقافي بشكل صحيح وبذكاء ووعي.

ونقطة أخرى ولتكن الأخيرة في هذا الموضوع هي أن على النخبة الأعزاء أن يرعوا أنفسهم بأنفسهم. ارعوا أنفسكم. أشار أحد الأعزاء إلى أن هناك حرباً، وفي الحرب يجب أن نقدم شهداء ومعاقين. هذا صحيح، إنها حرب. فالأخطر من الاغتيال الجسماني هو اغتيال العقول والأفكار. أحياناً اغتالوا علماءنا وقد شاهدتم ذلك وكيف اغتالوهم وقتلوهم، لكن الأسوء والأكثر مرارة من ذلك هو أن يأسروا علماءنا. يجب أن لا يقع علماؤنا في الأسر. وهذا الشيء يقع بالدرجة الأولى على عاتق النخبة أنفسهم، وعلى النخبة أنفسهم أن يراقبوا أنفسهم ويرعوها. عنوان التقوى الذي تكرر كل هذا التكرار في القرآن الكريم منذ بدايته إلى آخره: «هدى للمتقين» (6) في أول القرآن، وإلى آخر القرآن تكرر عنوان التقوى مراراً وتكراراً. هذا هو معنى التقوى، معنى التقوى مراقبة الذات وصيانتها والحفاظ عليها. هكذا هي التقوى في كل المجالات. فتابعوا ودققوا في هذه القضية.

 

التبعية السياسية حالة خطيرة تؤدي إلى أن يكون الإنسان ذليلاً خانعاً

أما الجانب السياسي الذي قلنا إننا سوف نشير إلى نقطة سياسية فيجب القول إن التبعية السياسية كما سلف القول حالة خطيرة. التبعية السياسية تؤدي إلى أن يكون الإنسان ذليلاً خانعاً. «صيل عليه» التي قيلت بخصوص العلم توجد بشكلها الأصعب في التبعية السياسية. الواقع أن «صيل عليه» بمعنى أن يكون الإنسان ذليلاً خانعاً. الشعب التابع لغيره من الناحية السياسية يضطر للخنوع والرضا بالخنوع، وسوف يكون خانعاً. حسنٌ، قلنا إن التقدم العلمي على الضد من هذه التبعية. والآن نروم القول إن عدونا غاضب جداً لاقتدارنا وحراكنا وهذه الحوافز التي تحملونها للتقدم العلمي وتطور البلاد. إنكم تُغضبون العدو. العدو يرصد وضع البلاد بدقة من بعيد وقريب كيفما يستطيع، وهو قلق جداً من زيادة اقتدار البلاد. ومن الواضح جداً بالنسبة لكل المراقبين الدوليين أن إيران اليوم تختلف عن إيران ما قبل أربعين سنة كالاختلاف بين السماء والأرض. كنا بلداً وشعباً في ترتيب متأخر ومتخلفين ومحكومين بأوامر هذا وذاك، وها نحن اليوم بلد مؤثر ذو نفوذ يسير على جادة الاقتدار، الاقتدار العلمي، والاقتدار السياسي، نحن سائرون على هذا الدرب، وهذا شيء ملموس تماماً والعدو منزعج وغاضب لهذا. وبالطبع فإن العدو الأصلي الذي يتواجد ويظهر في الساحة أكثر من غيره ضد إيران والإيرانيين هو أمريكا والنظام الأمريكي، وليست القضية قضية الشعب الأمريكي بل القضية قضية النظام الأمريكي الحاكم. والسبب هو ما جرت الإشارة له، فقد كانوا لسنين طويلة أصحاب هذا البلد وتخضع كل مقدراته وشؤونه لسيطرتهم، فانتزعت الثورة الإسلامية ونظام الجمهورية الإسلامية هذا الشيء من أيديهم، لذلك فهم غاضبون منذ اليوم الأول ومنزعجون، وقد فرضوا الحظر وتآمروا ووجّهوا كلاماً عنيفاً، وهذه الحالة ليست وليدة اليوم بل شرعوا بها منذ اليوم الأول، ولم تكن في ذلك الحين لا قضية الطاقة النووية ولا قضية الصواريخ ولا قضية النفوذ في منطقة غرب آسيا والشرق الأوسط، لم تكن كل هذه الأمور لكنهم شرعوا بعدائهم، لذا فالسبب واضح. 

حسنٌ، لقد استطعنا إقصاء الهيمنة الأمريكية، أي إننا قطعنا هيمنة أمريكا على هذا البلد بالكامل، الهيمنة السياسية والهيمنة الأمنية والهيمنة الاقتصادية، قطعناها. قطعنا يد أمريكا. بالإضافة إلى هذا فقد استطعنا أن نكون أقوياء مقتدرين على الرغم من خصومات أمريكا، وهذا شيء على جانب كبير من الأهمية، هذا شيء مهم جداً في العالم أن ترى الشعوب أن بإمكان شعب أن ينمو ويتحرك من دون أن يكون في ظل القوى (الاستكبارية). بل ويستطيع أن ينمو ويتحرك ويقف على قدميه ويتقدم إلى الأمام على الرغم من خصومات هذه القوى. هذا ما دللنا عليه وأثبتناه عملياً، وهو ما يغضبهم.

أمريكا والنظام الأمريكي هما العدو الأصلي الذي يتواجد ويظهر في الساحة أكثر من غيره ضد إيران والإيرانيين

التحول إلى نموذج، لقد تحول شعب إيران إلى نموذج للبلدان والشعوب ليدل على أن بالمستطاع الوقوف مقابل هذه القوى وعدم الخوف منها والتقدم مع ذلك إلى الأمام. تعلمون أن كل هذا التقدم العسكري وهذه الصواريخ والأمور التي ينزعجون منها الآن كل هذا الانزعاج تحققت خلال فترة الحظر، تحققت كلها في فترة الحظر، أي إننا كنا في حالة حظر تام وحدث كل ما حدث في هذه الفترة، وهذا ما يثير دهشتهم وعجبهم وانزعاجهم. رفعوا لي تقريراً قبل عدة سنين من الآن بأن جنرالاً إسرائيلياً صهيونياً من هذا الكيان الصهيوني كتب في مقال له بعد أن اختبرنا صاروخاً، وكنا حينها قد اختبرنا لتوّنا صاروخاً، وقد كان هذا الشخص خبيراً ويفهم هذه الأمور، وهم يستطيعون عن طريق الأقمار الصناعية وما شابه ذلك أن يفهموا ويقيموا بشكل صحيح، قال إنني متحير حقاً، كان مضمون كلامه: إنني أتعجب وأحتار حقاً كيف استطاعت إيران  القيام بهذا العمل، فأنا عدو لإيران لكنها تثير إعجابي لأنها استطاعت القيام بهذا الإنجاز. على الرغم من هذا الحظر الثقيل المفروض عليها استطاعت القيام بمثل هذا العمل. وهذا شيء يراه العدو على كل حال.

أنا طبعاً لا أروم إتلاف الوقت في الردّ على أباطيل ولغو الرئيس الأمريكي (7) الشقيّ المنفلت اللسان (8). هذا شيء لا داعي له حقاً. وقد تحدث المسؤولون في البلاد وردوا عليه، وقد تحدثوا بطريقة جيدة وصحيحة. ولا أريد الرد. والواقع إن التعليق على كلامه هو إتلاف للوقت! لكنني أروم أن أقول لكم ولكل من سيسمع هذا الكلام: اعرفوا العدو، اعرفوا العدو. من الأخطار التي تهدد أي شعب أن لا يعرف عدوه، وأن لا يعتبر عدوه عدواً، فيعتبره إما صديقاً أو محايداً. هذا خطر كبير جداً. هذا ركون إلى النوم. اعرفوا العدو واعرفوا أساليبه في العداء، دققوا كيف يمارس عداءه. يجب أن لا نصاب بالغفلة. إذا غفلنا فسوف نُنهب ويُغار علينا. إذا غفلنا سوف يهجمون ويغيرون علينا. لا نغفل. قال الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة: «وَاللَّهِ لَا اَكونُ كالضَّبُعِ تَنامُ عَلَى طولِ اللَّدم»‌ (9) لن أكون كذلك الحيوان الذي عادة ما يغنّون لحناً معيناً لكي ينام. سوف لن أنام، بل أبقى يقظاً وأدرك ما الذي يجري حولي. وهذا ما طلبه منا أيضاً، يجب أن لا ننام ولا نغفل.

وأقولها لكم طبعاً إن عدونا يعاني من تخلف ذهني، وسوف أفصّل القول في هذا أكثر. لا رئيسهم فقط بل جهازهم الحاكم أيضاً يعاني حقاً من تخلف ذهني. يريدون أن يعيدوا إيران الشابة المؤمنة الثورية النشطة إلى الوراء، إلى ما قبل خمسين سنة، هذا غير ممكن بالتالي، واضح أنه غير ممكن! بمعنى أنهم يريدون أن يفرضوا على هذا البلد حسب ظنهم نفس ذلك الوضع الذي فرضوه قبل خمسين سنة على هذا الشعب، أليس هذا تخلف ذهني؟ يفكرون كما كانوا قبل خمسين سنة، ولا يستطيعون أن يدركوا ما الذي حدث هنا. لقد حدثت في هذه المنطقة أحداث مهمة، وأهمها بالطبع الثورة الإسلامية وظهور نظام الجمهورية الإسلامية، ولكن وقعت أيضاً أحداث مهمة أخرى حولنا، وهم عاجزون عن إدراك هذه الأحداث بشكل صحيح. ولأنهم لا يستطيعون إدراكها لذلك يُكتب لهم الانكسار والهزيمة. لا ريب في أن الحسابات الخاطئة تؤدي إلى أن يخسروا وينهزموا. في العراق كانت حساباتهم خاطئة فانهزموا، وفي سوريا كانت حساباتهم خاطئة أيضاً فهُزموا، وكذلك الحال في المنطقة التي على الشرق منا ـ ولا أريد الخوض في التفاصيل ـ كانت حساباتهم خاطئة فهُزموا لحد الآن. وكذا الحال بالنسبة لبلادنا. إنهم يمارسون العداء ضدنا منذ أربعين سنة، وكانوا يتلقون الضربات على أفواههم وينهزمون، لماذا؟ لأن حساباتهم خاطئة، ولأن إدراكهم للواقع خاطئ. ليس لهم إدراك صحيح.

أمريكا ـ أي النظام السياسي الأمريكي ـ شيء شرير وسيء جداً ..وهي جذر انعدام الأمن في المنطقة

طبعاً أمريكا ـ أي النظام الأمريكي، النظام السياسي الأمريكي ـ شيء شرير وسيء جداً، وكما قال عنه الإمام الخميني فهو الشيطان الأكبر، والحق أنه الشيطان الأكبر. أمريكا هي جذر انعدام الأمن في المنطقة. حالات انعدام الأمن هذه التي ترونها جذرها وسببها الأصلي أمريكا. أمريكا عاملة وموظفة لدى الصهيونية العالمية. ثمة في العالم شبكة خطيرة خبيثة اسمها الصهيونية العالمية، وأمريكا موظفة لدى هذه الشبكة. أمريكا عدوّة الشعوب المستقلة، وهي التي تقف وراء معظم الشرور وإشعال الحروب والمذابح في منطقتنا وفي الكثير من مناطق العالم الأخرى. أمريكا مثل الديدان العلقية تريد امتصاص كل ما تملكه الشعوب. هذه هي أمريكا، هذا هو النظام السياسي الأمريكي اليوم. أما هل كان الأشخاص الذين أوجدوا هذا النظام السياسي يعلمون أنه سوف ينتهي إلى هذه المحطات أم لا؟ فهذا بحث آخر، المهم هو أن هذه هي أمريكا اليوم. هذا هو وضع الحكومة والنظام الأمريكي في السنين الأخيرة. أمريكا شريكة أصلية في جرائم الصهاينة، سواء في فلسطين أو في لبنان أو في سوريا أو في مناطق أخرى من العالم. أمريكا هي التي أوجدت داعش وهذا التيار التكفيري الناشط المسلح. هذا ما قاله هذا الشخص نفسه بصراحة خلال فترة معركته الانتخابية. من مؤاخذاته واعتراضاته التي كان يسجلها على الديمقراطيين هي أنكم أنتم من أوجد داعش! اعترف هو نفسه! حسنٌ، فهل تتوقعون أن لا تكون القوة التي استطاعت الوقوف بوجه داعش وصدتها مبغوضة من قبلهم؟ لقد أوجدوا داعش لهدف معين. وترون الآن أنهم يلقون الخطابات ويعربدون ويصرخون ضد الحرس الثوري الذي استطاع صد داعش ومنعها، وهذا شيء طبيعي على كل حال. عندما تعرفون الطرف المقابل فسوف يبدو هذا الشيء طبيعياً جداً في أنظاركم.

حسنٌ، إذن فهم غاضبون منا. والسبب في غضبهم هو، أحد الأسباب تقصير أيديهم، والسبب الآخر هو أن الجمهورية الإسلامية استطاعت اليوم إفشال المخططات الأمريكية في الشرق الأوسط، أي في منطقة غرب آسيا هذه والتي لديهم الكثير من الشؤون والمخططات فيها. استطاعت الجمهورية الإسلامية إفشال مخططاتهم في لبنان وفي سوريا وفي العراق. وكذا الحال بالنسبة لهزيمة الصهاينة على يد حزب الله لبنان، ولقد كانوا بالتالي وراء القضية، وقد قالت وزيرة خارجية أمريكا في حينها إن الشرق الأوسط في حال مخاض وولادة (10)، وقد تصوروا أن أمراً كبيراً سوف يحدث.

ليتيقن الجميع أن أمريكا سوف تتلقى هذه المرة أيضاً صفعة على فمها وسوف يفرض شعبُ إيران الثوري الهزيمة عليها

والآن أوصي الناشطين السياسيين والصحفيين والثقافيين ومسؤولي البلاد بعدة توصيات بمناسبة هذه القضايا الأخيرة وهذه الأعمال التي قاموا بها. أولاً ليتيقن الجميع أن أمريكا سوف تتلقى هذه المرة أيضاً صفعة على فمها وسوف يفرض شعبُ إيران الثوري الهزيمة عليها. كونوا متأكدين من أن هذا ما سيحصل. وهذا ما كان في الأحداث والقضايا التي حصلت خلال العقود الأخيرة دائماً حيث واجهوا الجمهورية الإسلامية وانهزموا. هذه نقطة.

وثانياً يبدي الرئيس الأمريكي عن نفسه البلاهة، لكن هذا يجب أن لا يؤدي إلى أن نغفل عن مكر العدو وحيله ومؤامراته. لا يصح افتراض العدو تافهاً مسكيناً (11). حينما نقول إن فلاناً أبله مثلاً أو أحمق ـ وهو كلام يُقال وقد يكون صحيحاً ـ ينبغي أن لا يجعلنا هذا في الوقت نفسه نغفل عن كيد العدو. يجب أن يكونوا في كل الساحات بتدبير، وينبغي على الجميع أن يكونوا يقظين واعين متواجدين في الساحة بكامل جاهزيتهم. لن تحصل حرب عسكرية لكن هناك أموراً لا تقل أهميتها عن الحرب العسكرية. يجب أن نكون حذرين ونرى ما الذي يفعله العدو وما الذي يريد أن يفعله، ونخمّن ذلك.

النقطة الثالثة هي أن العدو يعارض اقتدار الجمهورية الإسلامية. العدو يعارض أي عامل أو رصيد من أرصدة اقتدار الجمهورية الإسلامية. ويجب علينا أن نسعى على الرغم من إرادة العدو لزيادة عوامل الاقتدار داخل الجمهورية الإسلامية. ومن هذه العوامل العلم الذي تعملون أنتم في سياقه وفي إطاره. العلم حقاً ساحة قتال وهو مبعث اقتدار البلاد. إنه قوة دفاعية، ونفس قضية الصواريخ وهذه الأصوات والضجيج الذي يثيرونه، يجب أن تزداد هذه القوة الدفاعية يوماً بعد يوم، وهي تزداد طبعاً على الرغم من أنوف الأعداء سوف تزداد هذه القوة وتتضاعف يوماً بعد يوم. وثالثاً هناك القدرة الاقتصادية، اهتموا للاقتدار الاقتصادي، والاقتدار الاقتصادي لا يحصل بالتبعية لهذا وذاك. لقد قلت منذ السابق وليس الآن، قلت مراراً إنني أوافق على استثمار الأجانب في البلاد، لا أعارض هذا أبداً، سواء كان المستثمرون غربيون أو أوربيون، ولكن يجب أن لا يكون اعتماد اقتصاد البلاد على ركن قد يتزعزع بعربدة شخص مثل ترامب. يجب أن لا يكون الأمر كذلك. ذلك الركن الذي يجب الاعتماد عليه في اقتصاد البلاد يجب أن أن يكون في داخل البلاد، أي إن اقتصادنا ينبغي أن يكون متدفقاً داخلياً، وهذا هو الاقتصاد المقاوم الذي أعلنتْ سياساته ويجب متابعته. إذن، هذه أيضاً نقطة وهي أن يُصار إلى تعزيز كل عوامل وعناصر الاقتدار في الداخل، القوة الدفاعية، والقوة الإقليمية وما شاكل.

رابعاً ينبغي عدم الاهتمام لإيحاءات العدو وأقواله. إنه يوحي بأشياء ويبثها. في قضية الاتفاق النووي يبث أننا إذا اتفقنا ستزول حالة العداء وإذا لم نتفق فسوف يعادوننا، حسنٌ، ها قد اتفقنا لكن حالات العداء لا لم تزل وحسب بل ازدادت. لقد كانت هذه إيحاءات العدو أننا إذا لم نتفق أو إذا تأخرنا فسوف يحصل كذا وكذا. وهم يطرحون اليوم أموراً أخرى بأننا إذا لم نتفق بخصوص القضية الفلانية ـ على سبيل المثال إذا لم نتفق بخصوص تواجد البلد في المنطقة الفلانية ـ فقد يحدث كذا وكذا، لا، هذه إيحاءات العدو. يجب أن نقيس مصلحتنا بأنفسنا، ونجدها بأنفسنا، ونفهم بأنفسنا ما هي مصلحتنا، ولا نسمعها من العدو.

خامساً حين نشدد على قدراتنا الدفاعية فهذا ناجم عن تجاربنا، إن لنا تجاربنا. ذات يوم كانت هذه البلاد ـ طهران هذه نفسها التي تسيرون فيها بكل أمن وبكل راحة بال والحمد لله ـ تحت رحمة صواريخ صدام. وربما لم يكن الكثيرون منكم قد ولدوا في ذلك الحين. لم تكن لدينا أية وسيلة دفاعية، بينما كان الجميع يساعدون صداماً. كانت أمريكا تساعد صداماً من خلال هذه الصواريخ ومن خلال هذه الأدوات الدفاعية وحتى في خرائط ساحة الحرب. كانت تساعده بأقمارها الصناعية وغير ذلك. وكانت فرنسا أيضاً تساعده، كانت فرنسا تمنحه الصواريخ والطائرات. وألمانيا أيضاً كانت تساعده وتعطيه مواداً كيميائية. وتعلمون أن جيش صدام استخدم المواد الكيميائية في حالات كثيرة. ولدينا الكثير من المعاقين بالأسلحة الكيميائية، وقد استشهد الكثير منهم. كانت ألمانيا هي التي تعطيه المواد الكيميائية. كانت ألمانيا تزوّده بالمواد الكيميائية ليصنع منها قنابل كيميائية. وربما منحوه في بعض الأحيان القنابل الكيميائية مباشرة. ساعده الجميع، وكانت أيدينا فارغة ولم تتوفر لدينا الوسائل اللازمة. لذلك فكرنا في ضرورة أن نصنع وسائلنا الدفاعية، وبدأنا، وقد بدأنا في الواقع من الصفر. لو رويت لكم وصورت لكم ـ ولم يبق متسع من الوقت للأسف ـ ما الشيء الذي أطلقناه لأول مرة وكان مداه حوالي عشرين كيلومتراً لضحكتم ربما! كانوا قد صنعوا شيئاً يشبه الميزاب لنستطيع إطلاق قذائف الـ «آر. بي. جي» من هذا الشيء الذي يشبه الميزاب بشكل من الأشكال، ليصل إلى حوالي خمسة عشر كيلومتراً أو عشرين كيلومتراً. هكذا بدأنا. ثم استطعنا زيادة القدرات. وعندما ازدادت قدراتنا وشاهد العدو أننا نستطيع الرد بالمثل توقف. هذه هي تجربتنا. إذا لم نزد من قدراتنا الدفاعية فسوف يتجرأ الأعداء ويزدادون وقاحة ويتشجعون على مهاجمتنا. يجب أن تكون قدراتنا الدفاعية بحيث لا يتشجع العدو على المبادرة وارتكاب أخطاء وحماقات.

إذا لم نزد من قدراتنا الدفاعية فسوف يتجرأ الأعداء ويزدادون وقاحة ويتشجعون على مهاجمتنا

سادساً الحكومات الأوربية تشدد على الاتفاق النووي. وقد قال إنه سيمزق هذا الاتفاق ويفعل كذا وكذا ـ كان قد قال بعض الترهات ـ فأدانوه وقالوا: لا، يجب أن لا تمزقه وما إلى ذلك. جيد جداً، جيد، أي إننا نرحّب بهذا القدر وهو جيد، بيد أن هذا لا يكفي بأن يقولوا فقط لا تمزق الاتفاق! إن هذا الاتفاق لصالحهم، لصالح الأوربيين ولصالح أمريكا أيضاً، ومن الطبيعي أن لا يريدوا تمزيقه. ونحن بدورنا قلنا إنه طالما لم يُمزقه الطرف الآخر فلن نمزقه، لكنه إذا مزقه فإننا سوف نمزقه قطعاً صغيرة (12)، وسبق أن قلتُ شيئاً آخر (13). حسنٌ، إذن هذا المقدار جيد، لكنه لا يكفي.

أولاً يجب على الأوربيين أن يقفوا بوجه الخطوات العملية لأمريكا. حتى ولو لم تمزق أمريكا المعاهدة لكنها نقضتها ـ هذه الحالات من الحظر مثلاً أو هذه الأعمال التي يتوقعون الآن أن تخرج عن كونغرسهم ـ فيجب على الأوربيين أن يقفوا بوجه ذلك، فرنسا وألمانيا، ولا يمكن توقع الكثير من بريطانيا (14). يجب أن يقفوا بوجه مثل هذه الممارسات ولا يكفي أن يقولوا إننا نعارض ذلك.

ثانياً يجب أن يتحاشوا التدخل في قضايانا الأساسية ـ مثل القدرات الدفاعية وما شاكل ـ وأن لا يتناغموا مع أمريكا. أن تأتي الحكومات الأوروبية وتطلق الكلام نفسه الذي تطلقه أمريكا من قبيل لماذا تتواجد إيران في المنطقة ـ ولماذا لا يكون لإيران تواجدها؟ لها تواجدها على الرغم من أنوفكم! ـ أو عندما تُشكِل أمريكا: لماذا لديكم صواريخ يصل مداها إلى ألفي كيلومتر أو ثلاثة آلاف كيلومتر مثلاً، أن يأتي هؤلاء ويكرروا الكلام نفسه، فهذا لا معنى له! وما شأنكم أنتم؟ أنتم أنفسكم لماذا لديكم صواريخ؟ لماذا لديكم صواريخ نووية؟ لماذا لديكم أسلحة نووية؟ أن يريدوا التدخل والكلام في القدرة الدفاعية للجمهورية الإسلامية، فلا، هذا أيضاً لا نقبله أبداً من الأوربيين، ويجب أن لا يتناغموا ولا يضموا صوتهم لصوت أمريكا في كلامهم التعسفي الذي تطلقه في أية سخافة تصدر عنها. كانت هذه النقطة السادسة.

سابعاً على المسؤولين الاقتصاديين أن يحملوا قضية الاقتصاد المقاوم محمل الجد. ومن أولويات الاقتصاد المقاوم الإنتاج الداخلي ومنع الاستيراد والحيلولة دون تهريب البضائع. هذه السنة سنة فُرص العمل. ونحن الآن في النصف الثاني من شهر مهر (15) ، أي إن أكثر من نصف السنة قد انقضى. ويجب زيادة النشاطات في مجال فرص العمل والإنتاج الداخلي الوطني، يجب مضاعفة العمل وتلافي حالات التأخر. في فترة ما كنا مشغولين بقضايا الانتخابات والكلام الانتخاباتي وما شاكل، ومضى الوقت، ويجب عليهم التعويض لنستطيع الوصول إلى مكان ما في هذا المضمار. قلتُ إننا نرحب بالمستثمر الأجنبي لكننا لا نعقد قلوبنا على عمل المستثمر الأجنبي لأنه لا يمكن الوثوق به. يأتي المستثمر الخارجي اليوم، وغداً يخلق لنا مشكلة بسبب حادثة ما. ليأت المستثمرون الأجانب وليستثمروا، ولكن اعتماد اقتصاد البلاد يجب أن يكون على الوضع الداخلي. والإمكانيات الداخلية ليست بقليلة بل هي كثيرة، والأعمال التمهيدية الأولى التي يجب أن تتم هي أعمالٌ واضحة وجيدة، وقد أشار لها الدكتور السيد ستاري. وهذا المنطق منطق صحيح أن اقتصادنا اقتصاد نفطي أي إنه اقتصاد مصادري ـ بمعنى أن عليك أن تبيع رؤوس أموالك باستمرار وتأكل منها، إنها رؤوس أموال بالتالي ـ وهذا شيء يجب أن يتغير، ويجب أن يقوم الاقتصاد على أساس القيمة المضافة. بل حتى بعض الأحجار الثمينة التي نمتلكها ـ الأحجار الثمينة التي يمتلكها البلد وتنفع في مجال البناء ـ يُصدَّر الكثير منها إلى الخارج من دون جهوزية ومعالجة وبطريقة بدائية، وهذا شيء عجيب جداً، وبعض وزرائنا قصّروا حقاً في هذه المجالات. حسنٌ، كانت هذه عدة نقاط حول القضايا السياسية.

والنقطة الأخيرة أخاطبكم بها أيها الشباب الأعزاء وقد سجلتها هنا. اغتنموا الفرصة. ثمة اليوم فرصة متاحة لكم لتصنعوا مستقبل بلادكم. زمانكم يختلف عن زمن شبابنا. لقد كان زمن شبابنا زمناً صعباً عديم الأمن. في مثل أعماركم كنا إما في السجن أو تحت الضغوط أو تحت التعذيب أو في المنفى. ثم عندما انتصرت الثورة ـ في السنين الأولى من الثورة ـ كان العمل والجهد متواصلاً ليل نهار، ولم تكن هناك فرصة للاستراحة، كان العمل متواصلاً. وبعد سنة أو سنتين صرتُ رئيساً للجمهورية، وبعض الذين كانوا معنا لم يصيروا رؤساء جمهورية وكانوا عاكفين على العمل. وأنا الذي صرتُ رئيساً للجمهورية كنتُ أعمل وأجدّ بطريقة أخرى. أي إننا تحملنا المشاق حقاً في الفترة التي كنا فيها بمثل أعماركم وما بعد ذلك بقليل. أما أنتم فلا، أنتم تعيشون الأمن والهدوء والاستقرار وتتوفر لكم فرصة علمية، ولكم قدراتكم، ويجري تشجيعكم وتكريمكم. فاعرفوا قدر هذا الشيء واستفيدوا من هذه الفرصة. جوهرة الشباب الثمينة متاحة لكم، وهذه هي الجوهرة الثمينة التي سيسألنا الله تعالى عنها يوم القيامة: كيف قضيتم شبابكم؟ من الأمور التي نُسأل عنها هي: كيف قضيتم شبابكم؟ ويجب أن نجيب، فلا تنسوا الواجب الإلهي والواجب الوجداني، وابذلوا مساعيكم ما استطعتم، وستكون مساعيكم هذه مفيدة، أي إن بمستطاعكم إذا كانت مسيرة البلاد خاطئة أن تعيدوها إلى الطريق الصحيح. في المواطن التي فيها إشكال يمكن أن تعيدوها إلى الطريق الصحيح. ولحسن الحظ فإن الاتجاه الذي يسير عليه البلد اتجاه صحيح، وطبعاً توجد إشكالات ونواقص كثيرة هنا وهناك، لكن الاتجاه اتجاه صحيح، لذلك تستطيعون رفع الإشكالات، تستطيعون المساعدة لكي لا يتغير الاتجاه الصحيح ولا يصاب بالانحراف. هذا شيء تستطيعون أنتم الشباب ـ الشباب العلماء ـ أن تقوموا به. فاغتنموا هذه الفرصة واعلموا أن الله تعالى سوف يعينكم إن شاء الله «وَالَّذينَ جٰاهَدوا فينا لَنَهدِينَهُم سُبُلَنا» (16). عندما تجاهدون في سبيل الله فإن الله تعالى نفسه سوف يهديكم للاتجاه الصحيح. «وَمَن يؤمِن بِاللّهِ يهدِ قَلبَه» (17) الله يهدي قلوبكم نحو الشيء الذي يجب أن تقوموا به. اجعلوا نواياكم نوايا الشعور بالواجب وأداء الواجب واجعلوها نوايا إلهية، وسوف يعينكم الله إن شاء الله، وأنا واثق من أنكم بعد عشرات السنين عندما تصبحون الكل بالكل في البلاد إن شاء الله ستكون لكم إيران أفضل بكثير وأكثر تقدماً ونظاماً وترتيباً من الحاضر، وسوف تديرونها إن شاء الله.

والسّلام‌ ‌عليكم ‌ورحمة اللّه ‌وبركاته.

 

الهوامش:

1 ـ في بداية هذا اللقاء الذي أقيم بمناسبة ملتقى «نخبة الغد» الوطني الحادي عشر، تحدث الدكتور سورنا ستاري المعاون العلمي والتقني لرئيس الجمهورية ورئيس المؤسسة الوطنية للنخبة، كما ألقى خمسة من الحاضرين كلماتهم.

2 ـ سورة النحل، شطر من الآية 53 .

3 ـ السيد عيسى زارع پور.

4 ـ ابن أبي الحديد المعتزلي، شرح نهج البلاغة، ج 20 ، ص 319 .

5- نظرية الأواني المستطرقة: نظرية فيزيائية تنص على امتلاء عدة أواني ذات أحجام مختلفة متصلة مع بعضها البعض بسائل ما بنفس المستوى والمنسوب بغض النظر عن حجم وشكل هذه الأواني، وعند إضافة كمية ما لأحد هذه الأواني فإن مستوى السائل في جميع الأواني يزداد بنفس المقدار.

6- سورة البقرة، شطر من الآية 2 .

7 ـ إشارة إلى كلمة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتاريخ 13/10/2017 م.

8 ـ ضحك الحضور.

9 ـ نهج البلاغة، الخطبة رقم 6 .

10 ـ كوندليزا رايس وزيرة خارجية أمريكا الأسبق.

11 ـ سعدي الشيرازي، ديوان جلستان، الباب الأول، شطر من بيت شعري ترجمته: «أتدري ما الذي قاله زال لرستم، لا يصح افتراض العدو تافهاً  مسكيناً».

12 ـ ضحك الإمام الخامنئي والحضور.

13 ـ كلمته في لقائه بمسؤولي الدولة بتاريخ 14/06/2016 م.

14 ـ ضحك الإمام الخامنئي والحضور.

15- شهر مهر: الشهر السابع من أشهر السنة الهجرية الشمسية يتوافق مع الفترة من 23 أيلول حتى 22 تشرين الأول من السنة الميلادية.

16 ـ سورة العنكبوت، شطر من الآية 69 .

17 ـ سورة التغابن، شطر من الآية 11 .