جاء النص الكامل للكلمة التي ألقاها سماحته على الشكل التالي:

 

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين.

مرحباً بكم كثيراً، لقد كانت جلسة هذا اليوم جلسةً مفيدةً حقاً وفيها كثيرٌ من الدروس، ودلت على أن التعبئة ـ وهي ظاهرة نادرة من ظواهر الثورة الإسلامية ومن ابتكارات الإمام الخميني الجليل ـ لها قابليات وقدرات يمكن أن يكون لها مساهمتها الفاعلة في كل القطاعات والمجالات التي يحتاجها البلد، وبوسعها أن تفتح وتحلّ العقد الصعبة. الجماعة الذين تحدثوا اليوم وألقوا كلماتهم غطّوا في الواقع غالبية الجوانب التي تحتاجها البلاد، وقدّموا حولها اقتراحاتهم المفيدة، والتي يُعتبر الكثير منها ممكن التنفيذ. طبعاً يجب إن شاء الله أن نخصّص جماعة لدراسة هذه الآراء والمقترحات التي قدّمها الأصدقاء وتمحيص جوانبها المختلفة وملاحظتها وتقريبها من التطبيق العملي. أشكر من الصميم جميع هؤلاء الإخوة والأخوات المحترمين الذي تحدثوا وألقوا كلماتهم.

كما قيل فإن قضية التعبئة على جانب كبير من الأهمية، إنها قضية عميقة. التعبئة معناها جمع الإمكانيات واصطفاف الطاقات للوصول إلى الهدف المقصود في قضية يجري الاهتمام بها. هذا هو معنى التعبئة. لو كان للثورة الإسلامية كل ما لها اليوم ما عدا التعبئة الشعبية العامة لكان هناك نقصٌ مهمٌ في أمورها وأعمالها. إن منظمة تعبئة المقاومة، التي هي اليوم والحمد لله مجموعة كفوءة، رمزٌ للتعبئة الشعبية العامة، وهي الجانب المنظم من التعبئة الشعبية العامة. تتحمل هذه المنظمة ـ منظمة التعبئة ـ واجبات مهمة على عاتقها، وهي واجبات كبيرة وحساسة ومهمة تتوزع على مختلف المجالات والقطاعات. وليس الشباب وحدهم هم المعنيون بهذه الحركة والأعمال، ولا الرجال فقط، وإنما الشباب والناشئة والكهول والشيوخ والرجال والنساء والكل هم معنيون بهذا التنظيم والتمركز الحساس في منظمة تعبئة المقاومة. الطاقات البشرية هي العنصر الذي بيده الكلمة النهائية والقرار النهائي في أي نظام وفي أي بلد. البلدان المادية المتقدمة في العالم بطاقاتها الإنسانية المثابرة والنشطة التي تركت الكسل جانباً وسعت إلى العمل ـ وإن كان ذلك طلباً للدنيا وفي سبيل الدنيا ومن أجل المال ـ وصلت إلى نقاط الذروة في نفس تلك الأهداف المادية بسبب متابعة طاقاتها البشرية وقدراتها، وهذا هو الوعد الإلهي نفسه. الوعد الإلهي يقول أنه لو كانت هناك مجموعة أو مجتمع يسعى وراء الدنيا ويجدّ ويجتهد فسوف يصل إلى مقصده، وإذا كان يسعى وراء القيم المعنوية والتسامي الحقيقي ويجدّ ويجتهد من أجل ذلك فسوف يصل أيضاً: «كلًّا نُمِدُّ هٰؤُلآءِ وهٰؤُلآءِ مِن عَطآءِ رَبِّك» ‌(2). إن الله تعالى يعين طلاب الدنيا ويعين كذلك طلاب القيم والتسامي المعنوي، ولكن الذين يركزون هممهم على المكاسب المادية فقط، سوف لن يصلوا لغير المكاسب المادية، فهم لن يفهموا معنى الحياة الحقيقية ولن يذوقوا طعم المعنويات.

الذين يركزون هممهم على المكاسب المادية فقط، سوف لن يصلوا لغير المكاسب المادية، فهم لن يفهموا معنى الحياة الحقيقية ولن يذوقوا طعم المعنويات

الثورة الإسلامية اقتراحٌ جديد وكلمةٌ جديدة لحياة البشر. العالم الأسير بيد الغطرسة والذي أضحى لعبة لقوة الأقوياء الذين يسوقون الناس إلى المهالك الأخلاقية والمهالك الفكرية المختلفة من أجل الحفاظ على سلطتهم، كان بحاجة إلى كلام جديد، والثورة الإسلامية هي التي أنتجت هذا الكلام الجديد وأوجدته وعرضته. وقد كان هذا الكلام الجديد عبارة عن أن البشرية بوسعها التوصل إلى حالات من التقدم المادي والعلمي المتلائم مع القيم الإنسانية إلى جانب كسب رضا الخالق وإلى جانب الحفاظ على القيم الإلهية، وإنقاذ العالم من الجحيم الذي خلقه عتاة العالم والساسة البعيدون عن المعنوية، وتوفير جنة للبشرية في هذه النشأة ، جنة الطمأنينة، وجنة السكينة، وجنة الشعور بالواجب، وجنّة الارتباط بالله تعالى. كانت هذه هي رسالة الثورة الإسلامية.

طبعاً لتحقيق هذه الرسالة وتطبيقها ثمة ما يجب وما لا يجب. إذا أريد تحقيق مثل هذا العالم فيجب أن لا يكون هناك انعدام للعدالة، ولا يكون هناك استبداد، ولا يكون هناك تفاوت وفوارق طبقية، ولا يكون هناك غرق في الشهوات، ولا يكون هناك فساد عملي وفساد فكري. هذه هي الأمور التي ينبغي أن لا تكون من أجل تحقيق مثل هذا المجتمع. وهناك أمور ينبغي أن تتوفر وتكون موجودة، فيجب أن يكون هناك إخلاص، وينبغي أن يكون هناك شعور بالمسؤولية، ويجب أن يكون هناك سعي ومجاهدة وعمل، ويجب أن يكون الهدف تحقيق رضا الله تعالى. هذه هي الأمور التي ينبغي أن تتوفر.

القالب الذي استطاع جمع هذه المجموعة من الأمور الواجبة والأمور الواجب عدم وجودها والقيم والآمال والمطامح والأهداف في داخله، هو كلمة «الجمهورية الإسلامية». لذلك يقول الإمام الخميني: «الجمهورية الإسلامية، لا كلمة أقل ولا كلمة أكثر». «الجمهورية» بمعنى قوّة الشعب وقدرته وإرادته وإيمانه وإبداعاته، أي الطاقات الإنسانية، وهو أهم عامل من عوامل التقدم، و«الإسلامية» بمعنى أنها من أجل الله وفي سبيل الله وموجهة لتحصيل رضا الله وضمن إطار القيم الإلهية والإسلامية. هذا هو معنى الجمهورية الإسلامية. كان هذا كلاماً جديداً في العالم. الذين ينادون بالإسلام كانوا موجودين في العالم ولا يزالون، وهم كثر وقد كانوا على أنحاء وأنواع متعددة، ولكن ثمة فرق بين ذلك الإسلام الذي يتحقق في إطار نظام سياسي في بلد والإسلام الذي ينشر ويقال ويتكرر على شكل مقالات وكتابات ومحاضرات وحوارات متنوعة داخل نظام جاهلي طاغوتي، بينما تبقى الحياة الواقعية حياة طاغوتية. هذان مختلفان أحدهما عن الآخر اختلافاً كبيراً. لقد حققت الجمهورية الإسلامية الإسلام الذي يطمح إليه المسلمون داخل مجموعة جغرافية وحدود جغرافية ـ أي في إيران ـ ضمن إطار نظام سياسي. وقد تحقق هذا بعون الله وهدايته ويقظة ووعي الإمام الخميني الجليل وجهاد وتضحيات الشعب، وتم إرساؤه وتأسيس تصميمه الأوّليّ.

التعبئة معناها أن يشعر كل واحد من أفراد القوى البشرية بأن عليه واجباً في تحقيق الأهداف العليا.

طبعاً كان ولا يزال هناك بونٌ شاسعٌ حتى الوصول إلى ذلك الهدف الأساسي والأصلي، ولا إشكال في ذلك، ويجب أن نقطع هذا البون الشاسع ونجتازه. وكذا كان الحال في أصل ظهور الإسلام. يوم أسس رسول الإسلام الكريم الحكومة الإسلامية في المدينة المنورة لم تتحقق في ذلك الحين كل الأهداف الإسلامية في ذلك الزمان، وبقي هذا هو الحال حتى نهاية العمر المبارك للرسول الأكرم (ص). يجب أن تتحقق هذه الأمور تدريجياً وكانت تتحقق تدريجياً، والأمر منوط بوجود أو عدم وجود تلك الطاقات الإنسانية اللازمة وصاحبة الإرادة والعزيمة. التعبئة هي ذلك الشيء الذي يسدّ هذا النقص. التعبئة معناها أن يشعر كل واحد من أفراد القوى البشرية بأن عليه واجباً في تحقيق الأهداف العليا. كل العاملين في القطاعات المختلفة، القطاعات العسكرية وغير العسكرية والجيش والحرس وقوات الشرطة وقطاعات البلاد المختلفة، مساع متنوعة وسعاة على تنوعهم في ميادين وساحات مختلفة، عندما يشعرون بالواجب ويجعلون هذا الحراك وهذا الهدف وهذا الأسلوب نهجاً لهم فهم تعبويون. طبعاً قلنا إن الكلام عن منظمة التعبئة كلام آخر، فهذا رمز وهو قسم فعّال محدد، لكن كلمة التعبئة وعنوان التعبئة يعتمد على كل أبناء الشعب الناشطين.

أما منظمة تعبئة المقاومة وهي من أركان حرس الثورة الإسلامية، فهي مجموعة مهمة ومؤثرة ولازمة جداً. كل واحد منكم أنتم الحضور هنا مجموعة من أفكار وإرادة ومطامح وإيمان وروح ابتكار. ومئات أضعاف بل ربما ألف ضعف هذه الجماعة الحاضرة هنا هم أبناء الشعب وغالبيتهم شباب، لأولئك أيضاً نفس هذه الخصوصيات، أي إن كل واحد منهم فكر وعزيمة وإيمان وإرادة وقدرة إنتاج وقدرة على الحركة. المهم هو أن تتعاضد وتتآزر كل هذه القوى والعزائم والإرادات لتعين بعضها. وهذا ما تتولاه منظمة تعبئة المقاومة في الحرس، إنها تتحمل واجب التنسيق بين هذه القوى والطاقات والعزائم ضمن شبكة متحركة فاعلة.

لاحظتم أننا في مجال الصناعة وفي مجال الزراعة وفي مجال الفن وفي مجال البناء وفي المجالات المختلفة، في كل المجالات، لدينا ما نقدمه ولدينا إنجازاتنا، وقد أوضح الأصدقاء الذين تحدثوا هنا جانباً من هذه الإنجازات. ولدينا كذلك احتياجاتنا ونواقصنا، لدينا احتياجنا للحركة والتفكير واتخاذ القرارات والعزيمة الراسخة لنستطيع إيصال أنفسنا وبلادنا إلى تلك المقاصد الحقيقية السامية التي تنشدها الجمهورية الإسلامية. هذا كله يحتاج إلى حركة وتحرك. وهذه الحركة تتحقق بتنظيم قوى تعبئة المقاومة وشمولية نظرة هذه القوى. وإذا بكم تشاهدون فجأة أن حركة عظيمة من البناء والإنتاج والتقدم في مختلف القطاعات قد انطلقت من قبل عدة ملايين من أبناء الشعب مصحوبة بالإيمان والبصيرة والإخلاص. هذا شيء مهم ومبارك جداً! هذه هي قوى تعبئة المقاومة، وهذا واجب جسيم يجب أن يتم وينجز.

أعزائي، عداء أعداء الحق وأعداء الله لا ينتهي، فالعداوات موجودة. ممارسة العداء من قبل أعداء الله منوط بملاحظتهم كم يستطيعون ممارسة العداء والخصام. إذا شاهدوا ضعفاً في الطرف المقابل ووجدوا أنهم قادرون على ممارسة عدائهم فسوف يمارسون هذا العداء من دون أية اعتبارات أو ملاحظات أو تريث. الذين يُزعجهم ذكر كلمة العدو ويقولون «لماذا تكررون العدو العدو هكذا» هؤلاء غافلون عن هذه القضية، غافلون عن أن العدو إذا سنحت له الفرصة والمجال فلن يتردد في توجيه ضرباته أبداً. يجب أن لا نمنح العدو مثل هذا المجال. مقابل العدو يجب أن لا يشاهد منا عملاً أو كلاماً أو حالة تشجعه على توجيه ضرباته وممارسة عدائه وخصومته. هذا مبدأ، مبدأ دائم، وهو مبدأ عقلائي.

تقول هذه الآيات الكريمة التي تليت في مستهل هذه الجلسة: «رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ» (3) إن أولئك الذين وقفوا وقاوموا، الجنود والأبطال والبسلاء في ساحات المقاومة، الذين وقفوا إلى جانب الأنبياء والرسل وطلبوا العون من الله تعالى وساروا وتحركوا فإن الله يثيب وقوفهم وصمودهم «فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآخِرَةِ» (4). ليس الأمر بحيث أن الله تعالى سيمنحكم الجنة فقط إذا جاهدتم في سبيله، لا، ليس الثواب ثواب الآخرة فقط، بل هو ثواب الدنيا أيضاً. فما هو ثواب الدنيا؟ ثواب الدنيا هو العزة والاقتدار والتقدم وشموخ الشعب ورفعة البلد. ثواب الدنيا هو أن الجمهورية الإسلامية واجهت طوال هذه الأعوام الثمانية والثلاثين في كل يوم مؤامرة من مؤامرات العدو ـ كنا منذ أن انتصرت الثورة وإلى اليوم وبشكل مستمر نواجه حالات متنوعة من عداء الأعداء، أي الاستكبار العالمي والصهيونية والرجعية وما إلى ذلك ـ ومع ذلك تقدمنا اليوم بمئات الأضعاف وربما جاز القول آلاف الأضعاف عما كنا عليه في بداية الثورة وعلى مختلف الصعد والأبعاد وازدادت قدراتنا وقوانا. لتُحلل قضايا البلاد بصورة صحيحة، فالبعض يحلل الأمور بصورة مغلوطة معوجّة.

إنهم ينظرون ويبحثون فيجدون مثلاً حالات من عدم الإيمان واللامبالاة عند البعض في قطاع من القطاعات، فيتخذون ذلك دليلاً على أن الثورة ونظام الجمهورية الإسلامية قد ضعفا في البلاد. ليس الأمر كذلك، لقد كان هناك أعداء ومعارضون في بداية الثورة أيضاً. لقد شدّد العدو اليوم هجماته من كل الأطراف، ومع ذلك لاحظوا كيف أن حركة الشباب المؤمن في بلادنا حركة مباركة وجميلة وجارية. أنْ يكون الشباب الذين لم يشهدوا الإمام الخميني ولا فترة الدفاع المقدس ولا الثورة متواجدين في الساحة هكذا بعد ثمانية وثلاثين عاماً ويستطيعون التأثير في المنطقة فهذا حقاً معجزةٌ من معجزات الثورة. لقد استطاعت الجمهورية الإسلامية، أي استطعتم أنتم الشباب، تركيع أمريكا المستكبرة وهزيمتها. كل المساعي التي بذلوها والمخططات التي رسموها كانت من أجل إبعاد هذه المنطقة عن التفكير الثوري والإسلامي. الهدف من كل هذا هو في الواقع القضاء على هذا الفكر الثوري وفكر المقاومة الذي انتشر في المنطقة، ودفنه، ولكن حصل العكس.

لقد استطاعت الجمهورية الإسلامية، أي استطعتم أنتم الشباب، تركيع أمريكا المستكبرة وهزيمتها

الأحداث التي وقعت في سوريا والعراق، الغدة السرطانية التي أوجدوها ليستطيعوا خلق أحداث ضد سياق المقاومة في هذه المنطقة، استطعتم دفع هذه الغدة والقضاء عليها، لقد استطاع الشباب ذلك، هؤلاء الشباب المؤمن أنفسهم. والواقع أن الذين نزلوا بشوق ورغبة عظيمة إلى ساحة الجهاد وفرضوا الركوع على العدو كانوا يتحلون بمشاعر التعبئة وقوى التعبئة.

وكذا الحال في كل المجالات والقطاعات. لدينا في الجانب العلمي وفي مجال التقنية والصناعة والزراعة والخدمات وبناء البلد وفي المجالات المعنوية والثقافية وفي القضايا الفنية ساحات عمل واسعة جداً وأعمال كثيرة يجب إنجازها من قبلكم أنتم الإخوة والأخوات التعبويين باعتباركم روّادَ هذه الساحة. هناك الملايين من الأفراد في البلاد ليسوا في منظمة التعبئة لكنهم تعبويون بالإمكانية والاستعداد، ولهم القدرة على التواجد في هذه الساحات، رغم أنهم لا يعتبرون من ضمن منظمة التعبئة. إنها إمكانية استثنائية توجد في البلاد اليوم. نشكر الله، نشكر الله على أن منحنا هذه الإمكانية والرصيد الهائل.

حافظوا على التعبئة. وحافظوا على الخصوصيات والسمات اللازمة والمعتبرة في التعبئة والتي هي متوفرة فيها والحمد لله. من هذه الخصوصيات البصيرة، ومعرفة العدو، وسبل مواجهة العدو، وفهم أحابيله ومخادعاته. على شبابنا المؤمن أن يعلموا أن من أساليب العدو أن يجعلهم لامبالين حيال القيم العملية الإسلامية وعلى مستوى القضايا الشخصية في الحياة وقضايا الأسرة والشؤون المختلفة.  

من أساليب العدو بث اليأس في نفوس شبابنا وجعلهم قانطين، وإقناعهم بأننا لا نستطيع وغير قادرين ولا يمكن الوقوف بوجه الأعداء، وترون أن البعض للأسف تحولوا إلى مكبّرات صوت للعدو ينشرون مثل هذه الأشياء في أجواء المجتمع ويقولون: لا يمكن الوقوف بوجههم. لماذا لا يمكن؟ لقد وقفت الجمهورية الإسلامية بوجه جشع الأعداء وانتصرت عليه في كل الحالات والمواطن. فكيف تقولون: لا يمكن؟! استطاع شعب إيران استئصال النظام الملكي الذي كان شجرة خبيثة قديمة في هذا البلد ورميها بعيداً، والحال أن أمريكا كانت سنداً له، وأوربا كانت سنداً له، والرجعيون في المنطقة هؤلاء كانوا سنداً له. في العالم الذي يضجّ فيه الكفر والإلحاد واللاعقيدة واللامبالاة، استطاع شعب إيران إيجاد وتأسيس حكومة قائمة على القيم واستطاع الحفاظ على هذه الحكومة. استطاع حراسة نظام الجمهورية الإسلامية هذا بكل أبعاده في هذا البلد والحفاظ عليه وصيانته وتطويره وتنميته يوماً بعد يوم. واستطاع إيجاد عوامل وعناصر القوة والاقتدار لهذا النظام. من عناصر الاقتدار العلم، ومن عناصر الاقتدار القوى العسكرية، ومن عناصر الاقتدار القدرة على النفوذ إلى أفكار الشعوب الأخرى، استطاع إيجاد هذه العناصر لنفسه، فكيف تقولون أنه غير قادر؟ وسيكون الأمر بعد الآن أيضاً على نفس الشاكلة، وسوف تستطيع الثورة الإسلامية بعد الآن أيضاً وبتوفيق من الله الوصول إلى جميع الأهداف السامية التي رسمتها، بواسطتكم أنتم الشباب، وبواسطة الجيل المؤمن المنتشر والموجود اليوم في البلاد والحمد لله. نحن قادرون، لقد جرّبنا أننا قادرون. وليست القدرة بمجرد عقيدة، وليست مجرد اعتقاد بالغيب، إنما شاهدنا بأعيينا أننا قادرون. البعض يتشاءم وييأس ويقول يجب أن نعير انتباهاً للقوى المقتدرة، ولديه مجاملاته وتردده حيال هذه القوى، لا، لقد لاحظتم هذه المؤامرات المتتابعة في هذه المنطقة التي أوجدتها أمريكا والصهيونية والرجعية العربية وآخرون، انهدمت وانهارت كلها باقتدار الجمهورية الإسلامية. ومن هذه المؤامرات قضية جماعة داعش التكفيرية اللاإنسانية التي انهارت وزالت والحمد لله بهمّة الشباب وهمّة الرجال المؤمنين وهمّة الذين يؤمنون بقوى المقاومة. هذا ليس بالعمل الصغير بل هو عمل كبير جداً. حتى في بعض هذه البلدان المجاورة لنا لم يكن البعض يصدق أحياناً أن بالمستطاع القيام بهذا العمل والحركة، لكنهم اضطروا ودخلوا الساحة ونجحوا وصدّقوا. هكذا تصل رسالة الجمهورية الإسلامية ورسالة الثورة إلى أسماع الشعوب وتنتشر عملياً على مستوى الشعوب.

لا بدّ من البصيرة ـ البصيرة من الشروط اللازمة ـ والمجاهدة لازمة والثبات لازم.

لا بدّ من البصيرة ـ البصيرة من الشروط اللازمة ـ والمجاهدة لازمة والثبات لازم. أعزائي، الثبات في هذا الطريق والاستقامة في هذا الدرب من أوجب وأهم عوامل التقدم. حاولوا أن تجعلوا الأجواء المحيطة بكم والعناصر المرتبطة بكم، وقبل كل ذلك حاولوا أن تجعلوا أنفسكم وداخلكم وقلوبكم وفية وثابتة حيال هذه المبادئ والدرب والأهداف السامية، وسوف تنتصرون بالتأكيد، وسيكون النصر حليفكم يقيناً. وأنا أرى اليوم الذي ستتحدثون فيه أيها الشباب الأعزاء، إن شاء الله وبتوفيق من الله، عن الأعمال والأمور التي نقول اليوم إنها يجب أن تنجز وسوف تنجز، تقولون عنها أنها أنجزت وتمّت. على الصعيد الاقتصادي توجد اليوم أعمال كثيرة يجب أن ننجزها، وعلى صعيد الإنتاج وفرص العمل وما إلى ذلك ـ وهي من نقاط ضعفنا ـ هناك الكثير من الأعمال يجب إنجازها، وتوجد على المستوى الثقافي أيضاً أعمال كثيرة يجب أن ننجزها، وهذه الأعمال والأمور هي اليوم في طور التخطيط والمبادرة والشروع والتقدم، ولكن سيأتي اليوم الذي تنجز فيه كل هذه الأعمال إن شاء الله على أحسن وجه. إنه اليوم الذي لن يكون بعيداً كثيراً إن شاء الله، وسوف تستطيع القوى الشابة والمؤمنة فيه حلّ المعضلات الاقتصادية في البلاد، ومضاعفة التقدم العلمي، ومن الناحية الثقافية تغليب المضامين الثقافية البارزة للثورة والمفاهيم القرآنية والمعارف الإسلامية في كل أنحاء البلاد وفي كل أرجاء هذا البلد إن شاء الله. هذه أعمال وأمور سوف تنجز إن شاء الله وتتحقق على الرغم من أنوف الأعداء. طبعاً سوف يطلق الأعداء في كل يوم مؤامرة جديدة وحيلة جديدة. وينبغي أن تستطيع قوانا المبدعة المؤمنة الجاهزة للعمل وقبل أن ينفذ العدو أحابيله ويستخدم أسلوباً جديداً، يجب أن تكون جاهزة لتردّ عليه وتتوقى ما يمكن أن يقوم به.

حفظكم الله وسوف يريكم بمشيئته انتصارات كبيرة إن شاء الله. وحشر الله تعالى أرواح شهدائنا الأبرار الطيبة ـ سواء الذين استشهدوا في ساحات الحرب في سوريا أو العراق، ومن أهالي تلك البلدان أو البلدان الأخرى، الشباب الذين خاضوا غمار الساحة بإيمان، أو الذين بذلوا جهودهم داخل البلاد واستشهدوا ـ مع أوليائه، وزاد يوماً بعد يوم من عزة الشعب الإيراني وتوفيقه ورفعته وشموخه. ورفع إن شاء الله من مقام إمامنا الخميني الجليل ـ الذي فتح لنا هذا الدرب ـ في أعلى عليين من المقامات الأخروية، ووفقنا نحن أيضاً لنقترب بأنفسنا من قافلة الشهداء السعيدة هذه.

والسّلام عليكم ورحمة‌ الله وبركاته.

 

الهوامش:

1 ـ في بداية هذا اللقاء الذي أقيم بمناسبة أسبوع التعبئة تحدث اللواء محمد علي جعفري القائد العام لحرس الثورة الإسلامية، والعميد غلام حسين غيب برور رئيس منظمة تعبئة المستضعفين، وعدد من التعبويين.

2 ـ سورة الإسراء، الآية 20.

3 ـ سورة آل عمران، شطر من الآية 147.

4 ـ سورة آل عمران، شطر من الآية 148.