جاءت كلمة الإمام الخامنئي على الشكل التالي:
بسم الله الرحمن الرحيم(1)
تكريم ذكرى الشهداء الأبرار وتضحياتهم من الحسنات التي شاعت والحمد لله في هذه الفترة من الزمن. أنْ يُذكر شهداء كل محافظة بعظمة وإجلال وأنْ تُكرَّم ذكراهم في المحافظات المختلفة فهذا عملٌ جد مفيد ولازم. ولكن ثمة خصوصية في بعض مراكز البلاد ومحافظاتها يجعل هذا العمل الحسن الصالح وكأنه حسنة مضاعفة. ومن هذه المراكز والمناطق محافظة سيستان وبلوشستان. إنه لجذاب جداً بالنسبة لي أن أشاهد جماعة من الشخصيات البارزة من الشرائح المختلفة من محافظة سيستان وبلوشستان والمسؤولين المحترمين في هذه المحافظة يجتمعون حول بعضهم البعض ليقيموا مراسم تكريمية لشهداء هذه المحافظة ـ وهي محافظة مظلومة ـ ويذكرونهم ويُجلّون قدرهم. هذا لافت ومحبب جداً بالنسبة لي.
جاذبية هذا الأمر بالنسبة لي ناجمة عن عدة عوامل. أحد العوامل محبتي شخصياً لهذه المحافظة. لقد مكثنا لفترة من الزمن في محافظة سيستان وبلوشستان ولم تكن بالفترة الطويلة. لكن الله تعالى هيّأ الظروف بحيث يكون أنسنا بهذه المحافظة وبأهاليها وكأنه أنسٌ يمتد لسنين عديدة. لقد كان هذا من فعل الله، وإلّا لم نمكث هناك فترة طويلة. لقد كانت مدينة إيرانشهر جذابة بالنسبة لي في تلك الفترة إلى درجة أنني أوصيت وقلت بأنني إذا متُّ في هذه السفرة وخلال هذه المدة فأؤكد على أن أدفن في مدينة إيرانشهر نفسها، فلا تخرجوني من إيرانشهر. وذهبت وشاهدت المقبرة هناك ـ مقبرة مدينة إيرانشهر ـ ولكن لم يكن مقسوماً لنا. الأهالي البلوش أناسٌ عظيمو المحبّة والودّ، أناسٌ حميميون أنقياء وموهوبون طبعاً. والمواهب في تلك المحافظة كثيرة جداً. ولكن على مرّ التاريخ ـ سواء في العهد القاجاري أو في العهد البهلوي ـ على مرّ هذه الأعوام الطويلة حصل جفاءٌ وإهمالٌ لهذه المنطقة وأهاليها.
في الفترة التي كنا فيها هناك كنا مستأنسين مع الأهالي ونعاشرهم ونتحدث معهم، ولكن لم يدخل حتى مأمور حكومي بسيط لمدينة مثل إيرانشهر التي كانت في الواقع مركزاً سياسياً وجغرافياً لبلوشستان، أو إلى سراوان التي هي مركز علمي ومعنوي لبلوشستان. لم يدخلها حتى مأمور واحد كأن يكون محافظاً مثلاً. وبعد الثورة ذهب رؤساء الجمهورية والمسؤولون والكل ذهبوا، ذهبوا لكل هذه المدن، وذهبوا حتى إلى القرى، والمسافات بعيدة. في تلك الفترة أُهمل الناس وأُهملت قضايا بلوشستان، ولم تتبد مواهب هؤلاء الأهالي ولم يُفسح المجال أمامها، وكذا كان الحال بالنسبة لسيستان. أهالي سيستان نادرو النظير بين كل الأقوام الإيرانية من حيث الماضي التاريخي. ماضي سيستان ماض استثنائي ومشرق ومميز للغاية. هناك أيضاً كان هذا هو الحال. هناك أيضاً عانت المنطقة من عدم الاهتمام وعدم الاكتراث. وقد رافقت عدم الاهتمام هذا حوادث طبيعية.
ما كان يشعر به المرء عند تعامله مع أهالي سيستان وبلوشستان هو أنهم بحاجة إلى المحبة، وقد أودع الله تعالى محبتهم في قلوبنا، وأودعها في قلوب المسؤولين أيضاً.
ما كان يشعر به المرء عند تعامله مع هؤلاء الأهالي هو أنهم بحاجة إلى المحبة، وقد أودع الله تعالى محبتهم في قلوبنا، وأودعها في قلوب المسؤولين أيضاً، وقد تم إنجاز الكثير من الأعمال لسيستان وبلوشستان. وكل هذه الأعمال التي ذكرها السيد المحافظ (2) الآن هي أعمالٌ ضرورية، لكنني أوصيه بأن لا يكتفي بأن يقول لي في هذه الجلسة "ليس من صلاحيتي القيام بهذه الأعمال، من لديه صلاحية إنجاز هذه الأعمال هم المسؤولون الحكوميون، سواء سكك الحديد، أو تحلية المياه، أو الكثير من الأمور الأخرى"، اذهبوا وتابعوا، اذهبوا واطلبوا في الحكومة من المسؤولين الأعلى منكم بجدّ أن يتابعوا الأمور، وهم يعرفون السُّبل إلى ذلك. إذا كان هناك حقاً سبيل ـ ويوجد سبيل ـ فهم يعرفونه. لاحظوا الأعمال الواجبة على مستوى المحافظة. في مدينة إيرانشهر مثلاً، وقد كنت على اطلاع أكثر قليلاً بقضاياها من الأماكن الأخرى في المحافظة، لماذا يجب أن يُعطَّل [معمل] «بافت بلوش» (3) وينتهي؟ لماذا؟ شيء تابعته منذ البداية وانطلق وصار حسناً ثم تعرض لحالة من الإهمال. اذهبوا وعالجوا هذه الأمور، اذهبوا وجدوا الأشخاص، اعثروا على القطاع الخاص ليأتوا ويتكفلوا بهذه الأمور وينجزوا هذه الأعمال. ثم لينتفعوا من صندوق التنمية ـ صندوق التنمية خاص بالقطاع الخاص ـ ليذهبوا ولينتفعوا منه، فلا إشكال في ذلك أبداً. أي اذهبوا وتابعوا هذه القضايا. إذن، من أسباب فرحتي وارتياحي لاجتماعكم هذا من أجل الشهداء هو محبتي لتلك المحافظة وأهاليها. وهذه المحبة ليست من دون منطق، بل هي محبة قائمة على المنطق والدليل، لا أنه مجرد أنسٌ بسيط كان لنا بالأهالي، لا، إنما من الجدير أن يحبهم الإنسان حقاً.
ثانياً هذه المحافظة مظهرٌ لشعار الوحدة الإسلامية الذي نرفعه. هناك عدة مناطق في البلاد ـ هناك محافظة كردستان، وهناك منطقة تركمن صحرا في محافظة گلستان، ومحافظة سيستان وبلوشستان ـ يعيش فيها السنة والشيعة جنباً إلى جنب. إننا نريد أن نُعلِّم العالم هذا الأمر ونقول ليأت الإخوة المسلمون ويتعاونوا فيما بينهم ويعيشوا إلى جانب بعضهم البعض. ونموذج ذلك موجود هنا في محافظة سيستان وبلوشستان. بل إن العدو يشدد على هذه النقطة بالتحديد. إنه يضع يده على هذه النقطة ويريد إيجاد التفرقة. وعندما تقولون إن طفلاً سنياً في الحادية عشرة أو الثانية عشرة من عمره استشهد في شلمجه دفاعاً عن الجمهورية الإسلامية (4) فهذا أكبر خبر عن الوحدة والتعاطف بين الشيعة والسنة في سيستان وبلوشستان. ليس هذا بالشيء الصغير، إنها قضية مهمة جداً! وعندما يتعرض المولوي السني الفلاني لهجوم الأعداء في دفاعه عن الجمهورية الإسلامية ويستشهد على يد أعداء الثورة (5) فيجب أن تسلطوا الأضواء على ذلك بشكل كبير وتبرّزوه وتظهروه. كانت لدينا مثل هذه النماذج في سيستان وبلوشستان.
من المهم جداً أن تعرضوا هذه الوحدة الحقيقية الواقعية في هذه المحافظة، أن نعرضها على الناس. والسبيل إلى ذلك هو ما قاله هذا القائد المحترم (6)، هذه الأعمال الثقافية المتنوعة من إنتاج الكتب والذكريات والبضائع الثقافية سواء المتعلق منها بالفنون التصويرية أو المتعلق منها بالفنون الصوتية، وما إلى ذلك. استفيدوا من كل ذلك وجسّدوا هذه الحقيقة وأوضحوها ليرى الجميع أن الإخوة الشيعة والسنة يتواجدون في الجمهورية الإسلامية إلى جانب بعضهم في أصعب الساحات. ذهبت إلى بلوشستان عدة مرات وزرتُ وسرتُ هناك في زاهدان وإيرانشهر وخاش وسراوان وتشابهار وفي زابل نفسها وفي أماكن مختلفة من المحافظة. عندما يدخل المرء هذه المدن يشعر أن الناس يمتلكون وداً ومحبةً للجمهورية الإسلامية بالمعنى الحقيقي للكلمة. هذا ما يشعر به الإنسان بوضوح هناك. حسنٌ، هذا ما يعبر عن نفسه في ساحة الحرب وفي ساحة التضحية أكثر من المواطن الأخرى.
الجمهورية الإسلامية نظامٌ وقف وقاوم على مرّ هذه السنين الطويلة بوجه نظام الجاهلية الحديثة.
ينبغي إحياء ذكرى الشهداء. لا يزال هذا البلد وهذا النظام بحاجة لذكر شهدائنا الأبرار وذكراهم. كلنا بحاجة لهذا. باسم الشهداء وذكراهم تُعبِّر الأمجاد التي حققتها الجمهورية الإسلامية عن نفسها. الجمهورية الإسلامية نظامٌ وقف وقاوم على مرّ هذه السنين الطويلة بوجه نظام الجاهلية الحديثة؛ لذلك تقوم الجاهلية الحديثة بمعاداته بكل أدواتها؛ بأدوات الأسلحة العسكرية، وبالأسلحة الثقافية، وبالأدوات الجديدة حديثة الظهور، وبأدوات الحظر الاقتصادي. هذه الجاهلية الحديثة نفسها ـ هذا الباطل المستقر والعام الموجود في العالم للأسف ـ استخدم مختلف أنواع الأدوات ضد الجمهورية الإسلامية. قام الجميع ضد الجمهورية الإسلامية ولم يستطيعوا هزيمتها، ولم يستطيعوا أن يفرضوا عليها التراجع، ولم يستطيعوا إعادتها عن كلامها فتقول مثلاً «إنني تراجعت عن كلامي هذا، وتراجعت عن إرادتي هذه». لم يستطيعوا.
لماذا لم يستطيعوا؟ لأن الجمهورية الإسلامية قوية جداً. ما هو سبب قوتها؟ إنها قوة الإيمان والصمود. عندما نصل إلى هنا، ترون أن آخر هذه السلسلة بالغة الأهمية ينتهي إلى الشهداء والمعاقين والمضحين. تنتهي السلسلة إلى هؤلاء. الشيء الذي أدى إلى أن تحافظ هذه الجمهورية الإسلامية - والحمد لله - على هيبتها وأبّهتها في العالم، بل وتتجلى أكثر في العالم يوماً بعد يوم، فلا تستطيع كل هذه المؤامرات أن تؤثر عليها هو تضحيات الناس. والسبب هو هذا الإيمان الراسخ الذي يتجلى مظهره الكامل الرفيع في الشهداء. وأنتم تعملون على تعظيم الشهداء وإحياء وتكريم ذكراهم وأسمائهم. نحن بحاجة لهذا، الجمهورية الإسلامية بحاجة لتعظيم الشهداء وتكريمهم هذا. إذن، عملكم عملٌ حسنٌ جداً، عملٌ صحيحٌ ولازمٌ تماماً.
وليتعاون الجميع، فليس في الأمر شيعةٌ وسنةٌ وعالمٌ وجاهلٌ، الشرائح المختلفة، وكل الذين يستطيعون، ليتعاونوا في هذه القضية وليحافظوا على ذكرى هؤلاء الأعزاء الأبرار، وليعظموها وليبرّزوا ذكرى هؤلاء الشهداء. أنا طبعاً أعرف بعض الشهداء المعروفين من سيستان وبلوشستان عن قرب، وقرأتُ عن سير بعضهم في الذكريات والكتب والكتابات. ولكن مع ذلك عرّفوا كل هؤلاء الشهداء وكل تلك الشخصيات البارزة وخصوصاً حديثي السنّ منهم ـ نحن لا نعرف شيئاً عن اليافع ذي الثانية عشرة من العمر، واليافع ذي الرابعة عشرة من العمر ـ ليتعرف الجميع عليهم وليعلموا بهم. وفقكم الله جميعاً إن شاء الله.
والسّلام عليكم ورحمة اللّه.
الهوامش:
1 ـ في بداية هذا اللقاء ـ الذي أقيم ضمن اللقاءات الجماعية ـ تحدث حجة الإسلام والمسلمين عباس علي سليماني (ممثل الولي الفقيه في محافظة سيستان وبلوشستان وإمام جمعة زاهدان) والسيد دانيال محبّي (محافظ سيستان وبلوشستان) والقائد اللواء ثاني في الحرس الثوري حسين معروفي (قائد الحرس الثوري في سيستان وبلوشستان). يُذكر أن هذا المؤتمر سيُعقد في تاريخ 13/02/2018 م.
2 ـ ذكر محافظ سيستان وبلوشستان في كلمته في هذا اللقاء أن المشكلات الرئيسية للمحافظة هي: مشكلة شحّة المياه التي يمكن معالجتها بالأخذ من صندوق التنمية الوطنية واعتماد تحلية المياه، وإنشاء خط سكك حديد تشابهار ـ مشهد، وتنمية التربية والتعليم.
3 ـ يقع معمل النسيج هذا في إيرانشهر، وهو عاطل عن العمل الآن بسبب بعض المشكلات.
4 ـ إشارة إلى ما ذكره ممثل الولي الفقيه وكذلك قائد الحرس في المحافظة عن الشهيد حدث السن سبيل أخلاقي.
5 ـ إشارة إلى ما ذكره قائد الحرس الثوري في المحافظة عن الشهيد المولوي مصطفى جنكي زهي.
6 ـ إشارة إلى ما ذكره قائد الحرس الثوري في المحافظة حول الخطوات الثقافية لهذا المؤتمر من قبيل: إنشاء بنك معلومات شامل للمؤتمر، وإنتاج الكتب، وإنتاج الأفلام القصصية والوثائقية والكليبات المصورة وأفلام الرسوم المتحركة، وإنتاج أناشيد باللهجات البلوشية والسيستانية والفارسية، وإصدار مجلات شهرية وخاصة، وبناء نصب تذكارية، وإقامة معارض، وإقامة مراسم تذكارية، وإقامة ملتقيات جانبية، وإقامة مراسم أدعية، وتكريم عوائل المضحين واللقاء بهم، وإقامة أمسيات شعرية وليالي ذكريات، ورواية سير شهداء الدفاع المقدس في الجامعات والمدارس، ودعم أيتام المحافظة بالنيابة عن الشهداء.