وفيما يلي النص الكامل للكلمة التي ألقاها الإمام الخامنئي في ختام هذا المحفل:

 

بسم الله الرحمن الرحيم (1)

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

نحمد الله تعالى أنْ مَنَّ علينا بالعمر و[وهبنا] الفرصة لنشارك في شهر رمضان آخر ومرة أخرى في هذه الجلسة النورانية، وننتهل من فيض القرآن [الكريم] بقدر استيعابنا. أشكر من الصميم كلَّ الذين قدَّموا تلاواتهم وبرامجهم وساهموا في إضفاء الجمال المعنوي على هذه الجلسة المنوّرة. نشكر الله على أن نشر القرآن ومفاهيمه والشوق إليه وتعلُّمه وحفظه والتدبر فيه في هذه البلاد أكثر يوماً بعد يوم، وهذه من بركات الثورة الإسلامية. ولكن مع ذلك نحن بعيدون عن القرآن كثيراً، نحن بعيدون عن القرآن، فقبل هذا يجب أن نجعل القرآن هادياً وملجأ وإماماً لنا في كل شؤون حياتنا وفي كل ذهنياتنا وأعمالنا وأفكارنا وعزائمنا وسلوكياتنا، وهذا شيء غير متحقق في الوقت الحاضر للأسف. يجب أن نقترب من القرآن.

يجب أن نجعل القرآن الكريم هادياً وإماماً لنا في كل شؤون حياتنا وفي كل أعمالنا وأفكارنا وسلوكياتنا.

أنتم الشباب زيدوا يوماً بعد يوم من الأنس بالقرآن والتدبّر فيه. لا تنسوا تلاوة القرآن والتدبر فيه. في هذه الخطبة التي قُرئت هنا للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «ما جالَسَ أحَدٌ هذَا القُرآنَ إلّا قامَ عَنهُ بِزيادَةٍ أو نُقصانٍ؛ زيادَةٍ في هُدًى ونُقصانٍ من عَمًى» (2). عندما نجالس القرآن ونقوم من عنده بعد أن ننتفع منه فيجب أن تكون هدايتنا قد ازدادت، وعمى قلوبنا قد قلَّ، ومعرفتنا قد تضاعفت، وأنسنا بالمعارف الحقة قد ازداد، وقربنا من الله تعالى قد ازداد، وشوقنا للعبادة قد تضاعف.

البلاء الذي حلّ بالعالم الإسلامي اليوم هو بُعده عن القرآن. نكبة بعض المجتمعات الإسلامية سببها البُعد عن القرآن. لاحظوا وضع فلسطين! شعبٌ يُبعد عن دياره، والذين بقوا في هذه الديار يتعرضون لمختلف أنواع الضغوط، وقد شاهدنا نموذجاً لذلك قبل أيام قليلة، شهداء كُثر، وعدة آلافٍ من الجرحى والمصابين، على يد كيانٍ غاصبٍ خبيثٍ زائفٍ كاذبٍ، والمسلمون ينظرون هكذا ويتفرجون. يُعاتب البعض أنْ «لماذا لم تتخذ أمريكا موقفاً»، وهل يجب أن تتخذ أمريكا موقفاً؟ أمريكا هي نفسها شريكة في هذه الجريمة، والكثير من الحكومات الغربية شريكة في الجريمة، فهل تتوقعون أن يتخذوا موقفاً؟ المسلمون هم الذين يجب أن يتخذوا موقفاً، والأمة الإسلامية هي من ينبغي أن تتخذ موقفاً، الأمة الإسلامية والحكومات والدول الإسلامية هي التي يجب أن تقف [ولكنها] لا تقف. لماذا؟ لأنها بعيدةٌ عن القرآن، لأنها لا تؤمن بالقرآن [ولا تعتقد به]. تلوا الآية الشريفة من سورة إنا فتحنا: «أشِدّاءُ على الكفّارِ رُحَماءُ بَينَهُم» (3). ينبغي أن يكون المرء صلباً شديداً مقابل الكفار، ويجب أن نكون رحماء فيما بيننا. لكنهم يعملون بعكس ذلك. يُطلق الأعداء فيما بيننا حروباً وخلافات ومعارك وشيعة وسنة وعرباً وعجماً وأموراً أخرى، وينخدع الحُكام البعيدون عن القرآن والبعيدون عن التعقل والبعيدون عن العقل بلعبة الكفار ويستسلمون لهم. إننا بعيدون عن القرآن فقد حدّد القرآن واجبنا، وقد عرّفهم القرآن لنا: «قَد بَدَتِ البَغضاءُ مِن أفواهِهِم وما تُخفي صُدورُهُم أكـبَر» (4). لقد تلوا هذه الآيات اليوم وهي آيات قرآنية. عداؤهم للإسلام والمسلمين لا ينتهي «وَما نَقَموا مِنهُم إلّا أن يؤمِنوا بِاللهِ العَزيزِ الحَميد» (5). سبب عدائهم هو ميل المسلمين للإسلام. نحن بعيدون عن القرآن، والأمة الإسلامية بعيدة عن القرآن. لو قرّبنا أنفسنا من القرآن فسوف ننتصر على العدو بلا شك أياً كان هذا العدو «وَلَو قاتَلَكمُ الَّذينَ كفَروا لَوَلَّوُا الأدبارَ ثُمَّ لا يجِدونَ وَلِيًا وَلا نَصيرًا سُنَّةَ اللهِ الَّتي قَد خَلَت مِن قَبلُ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبديلاً» (6). هذا وعدٌ إلهي ووعدٌ قرآني «وَلَينصُرَنَّ‌ اللهُ مَن ينصُرُه» (7). هذه أشياء يجب أن نتعلمها من القرآن، يجب أن نتعلمها، يجب أن نعمل، وهذه الجلسات مُقدمة، وهذه البرامج والاجتماعات والتعليم مقدمة، وهذه القراءات والتلاوات مقدمة، [إنها] مقدمةٌ للتدبر والفهم والوعي والعمل.

أمريكا والكثير من الحكومات الغربية شريكةٌ في جريمة غزة، فهل تتوقعون منهم أن يتخذوا موقفاً؟!

لنواصل مسيرتنا نحو القرآن. أعزائي، أيها الشباب الإيراني، أيها الشباب المؤمن، أيها الشباب الثوري! زيدوا يوماً بعد يوم من معرفتكم بالقرآن وأنسكم به واغترافكم منه. فهذا ما سيزيدكم قوة واقتداراً وعزة. نتمنى أن نصحو جميعاً إن شاء الله، ويصحو العالم الإسلامي، ونستطيع القيام بهذه الأعمال. على كل حال سوف تتخلص فلسطين بإذن الله تعالى وتوفيقه من أيدي [قيود] الأعداء، وبيت المقدس هو عاصمة فلسطين، ولن تستطيع أمريكا ومَن هو أكبر مِن أمريكا ومَن هو أصغر منها وأذناب أمريكا لن يستطيعون ارتكاب أية حماقة حِيال هذه الحقيقة والسنّة الإلهية المتعلقة بفلسطين. نسأل الله تعالى المغفرة لكل شهداء الإسلام ولشهداء فلسطين، وخصوصاً شهداء الأيام القليلة الماضية، ونسأل الله تعالى لمجاهدي طريق الحق والمجاهدين في سبيل الله مزيداً من الاستقامة والثبات على هذا الدرب.

والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 

الهوامش:

  1. في بداية هذه الجلسة التي أقيمت في اليوم الأول من شهر رمضان المبارك، قدَّم عددٌ من قراء القرآن الكريم ومجموعات التلاوة الجماعية تلاواتهم وتواشيحهم.
  2. نهج البلاغة، الخطبة رقم 176 بقليل من الاختلاف.
  3. سورة الفتح، شطر من الآية 29.
  4. سورة آل عمران، شطر من الآية 118.
  5. سورة البروج، الآية 8.
  6. سورة الفتح، الآيتان 22 و 23.
  7. سورة الحج، شطر من الآية 40.