كاتب: صالح أبو عزة

ظهرَ قانون القومية اليهودي لأولِ مرة على جدول أعمال الكنيست الصهيوني في الدورة البرلمانية الثامنة عشر عام 2011، وكان قد تقدّم به "آفي ديختر" رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق، وعضو الكنيست عن حزب "كديما" في حينه، وعن حزب "الليكود" في دورته الحالية. ومنذُ تلك اللحظة وخلالِ سبع سنوات، خضعَ للعديد من النقاشات والحوارات داخل أروقة الحكومة والكنيست والأحزاب الصهيونية، وأُجريت عليه العديد من التعديلات، حتى تم إقراره بصيغته النهائية بتاريخ 19 تموز من عام 2018.

صدرَ تشريع القومية اليهودي تحت اسم "قانون أساس: إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي" وهذا يعني أنه ليس قانوناً عادياً، وإنما هو قانوناً أساسياً، والقوانين الأساسية تشريعات تعلو على القوانين العادية، وهي بمثابة دستور ووثيقة مبادئ عليا، لا يجوز لأي تشريع عادي أو حكم قضائي أو قرار إداري أنْ يخالف ما جاء فيها أو يناقضها تحت أي ظرف، وقد تم تحصينه بالفعل من التعديلات بالنص في المادة الحادية عشر والأخيرة منه على أنَّ "أي تغيير في هذا القانون يستلزم أغلبية مطلقة من أعضاء الكنيست".

جاء في هذا القانون اعتبار كامل الأرض الفلسطينية أرضاً لدولة إسرائيل ووطناً تاريخياً للشعب اليهودي، ودولة إسرائيل هي الدولة القومية لليهود يمارسون فيها حقهم الطبيعي والثقافي والديني والتاريخي، وللشعب اليهودي حصراً حق تقرير المصير في دولة إسرائيل دون غيرهم، وأنَّ الإستيطان قيمة وطنية عليا!! فأول ما يستهدفه هذا التشريع هو أرض فلسطين التاريخية وهويتها وتاريخها وثقافتها وسُكّانها، تحقيقاً للحلم الصهيوني باقتلاع الفلسطيني من أرضه واستبداله بكل يهودي مهما كانت جنسيته، واعترافاً باستمرار النهج الصهيوني في القضم التدريجي لما تبقى من فلسطين، والطرد الممنهج للفلسطينيين على حساب يهود العالم، حيث يُمثّل هذا التشريع نهجاً استعمارياً احتلالياً إحلالياً بكتابة قانونية، ويمثّل قمة العنصرية التي لم تشهدها حتى جنوب إفريقيا في ظل "الأبارتهايد" والولايات المتحدة في ظل "اللون الأسود".

وتجاوز هذا القانون رسالته القومية ليُعبّر عن ثقافة وحشية صدامية إلغائية في معاملة الآخر، حتى في داخل ما يُطلق عليها زوراً وبهتاناً "دولة إسرائيل"، حينما يسلبه لغته باعتبار اللغة العبرية وحدها هي اللغة الرسمية للدولة، وحينما يسلبه صوته بحصر تقرير المصير بالديانة اليهودية، وحينما يسلبه رموزه بتعزيز رموز الصهيونية من نجمة داود والشمعدان السباعي والأعياد اليهودية والتقويم العبري. وقد طفح القانون بكل حروف العنصرية وتقسيم المواطنين داخل الدولة الواحدة، بين يهودي يمتلك كل شيء، وآخر من درجة ثانية يُتَفضّل عليه ببعض فُتات الحقوق.

كما وعَمَدَ هذا القانون وبشكلٍ واضحٍ وصريحٍ إلى إلغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم، واعتباره حقاً حصرياً لليهود أينما وُجدوا، وعلى أيِّ أرضٍ أقاموا، وفي أيِّ دولةٍ سكنوا. ويجب على الدولة اليهودية أنْ تفتح أبوابها لكلِّ مُهاجرٍ يهودي، وأنْ تبني علاقاتها المتميزة مع كل أفراد الشعب اليهودي، وتدافع عن حقوقهم ومكتسباتهم، ولمِّ شملهم في أرض الميعاد!! وأما بالنسبة لعاصمة دولة اليهود فإنها القدس الكبرى الكاملة المُوحَّدة، لا شرقية ولا غربية، لا فوق المسجد ولا أسفله، لا البلدة القديمة ولا المستوطنات الجديدة!! كلُّ شبرٍ في القدس هي عاصمة أبدية لدولة إسرائيل.

 
هذا ما جاء في قانون القومية لدولة إسرائيل، أخطر القوانين العنصرية بحق القضية الفلسطينية وأرض الشعب الفلسطيني وتاريخه. سرقة علنية للأرض، وتزوير حقيقي للتاريخ، هو ليس جديداً، فمنذ النكبة الفلسطينية والكيان يمارس أبشع الجرائم الإرهابية بحق الشعب الفلسطيني، إلا أنّ الكيان يُعبّر عن تدشينه لمرحلة جديدة في صراعه مع أهل الأرض، ويصرّح نتنياهو تأكيداً على أنها "لحظة حاسمة، وتحديد لمبادئ دولة إسرائيل العليا، وتثبيت للوجود اليهودي الأساسي، بعد 122 عاماً من إعلان هيرتزل حلم صهيون في بازل".

مما لا شك فيه أنَّ توقيت صدور هذا التشريع لا يمكن فصله أبداً عن ترتيبات صفقة القرن الأمريكية برعاية ترامب، وبمباركة دول عربية على رأسها السعودية والإمارات ومحور "الإعتدال" العربي، والتي نراها أنها قد بدأت فعلياً على الأرض، قبل الإعلان الأمريكي الرسمي عنها. ففي ديسمبر من عام 2017 اعترف ترامب بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وفي مايو من عام 2018 تم نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس المحتلة، وفي تموز 2018 إعلان الكنيست يهودية الدولة، وما بينهما وقبلهما وبعدهما خطوات عربية وخليجية مشبوهة نحو التطبيع والتعاون مع الكيان الصهيوني، لتصفية القضية الفلسطينية بشكل كامل، دون أي حقوق تُذكر للشعب الفلسطيني، وحرف البوصلة العربية عن الكيان الصهيوني العدو المركزي للأمة العربية والإسلامية، وتوجيهها نحو الجمهورية الإسلامية في إيران، ومحور المقاومة والممانعة بكافة دوله وأحزابه وتكتلاته.

يأتي اليوم قانون القومية لُيعزز مكانة الدولة الصهيونية المدعومة من قوى الإستكبار والرجعية، ولِيفرض بالقوة رؤيته لكيان البقرة المقدسة شرقاً وغرباً، ولِيقضي على أحلام ربائب زيف ووَهم السلام الموبوء، في لحظة قمة الخنوع العربي، ومصادرة قراره لصالح المشاريع الصهيوأمريكية في المنطقة. الكيان يمضي نحو تأسيس حلمه الأكبر "إسرائيل من النيل إلى الفرات"، والعربي بين تيه التقسيم والتفتيت والتكفير والدم والخراب والدمار، والحُر ما زال يقاوم هذين المشروعين لصالح نهضةٍ عربية وإسلامية لا إسرائيل فيها، ويردد الأحرار وراء الإمام الخامنئي قوله "سوف ينتصر الشعب الفلسطيني بتوفيق من الله على أعدائه لا محالة، وسيتصدّى الشعب الفلسطيني، وسيقف خلفه الشعوب المسلمة قاطبةً، وستسقط السياسة الشيطانية الخبيثة التي رسمتها أمريكا لفلسطين وأطلقت عليها صفقة القرن، وسوف يشهد ذلك اليوم الذي تُقتَلع فيه جذور الكيان الصهيوني الزائف".

لا أعلم لماذا تذكرت الآن وأنا أكتب هذا المقال، الأكاديمي الإماراتي "عبد الخالق عبد الله"، وهو يُهدي كتابه الجديد "لحظة الخليج في التاريخ العربي المعاصر" أينما حلَّ وارتحل، يتحدث فيه عن دور دول الخليج في تصدّر القرار العربي واختطافه من عواصم بغداد ودمشق وبيروت والقاهرة!! لكن، هل سأجدُ فيه أنّ لحظة الخليج هي ذاتها لحظة الخنوع العربي للمشروع الصهيوني، وتقديم القدس وكامل فلسطين على طبقٍ من ذهب لوحوش الإستعمار؟!

 

  • إنَّ الآراء الواردة في هذا المقال، لا تعبّر بالضّرورة عن رأي موقع arabic.khamenei.ir