جاءت كلمة الإمام الخامنئي خلال هذا اللقاء على الشكل التالي:
بسم الله الرحمن الرحيم (1)
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين (أرواحنا فداه وعجّل الله فرجه وصلوات الله عليه). 
مرحباً بكم كثيراً أيها السادة المحترمون. أشكركم لأنكم تحمَّلتم المشقة وتلطفتم اليوم وشرَّفتم هنا بعد هذا الاجتماع المزدحم بالأعمال الذي كان لكم خلال هذين اليومين. 
هذه الأيام أيامٌ مهمة، هذه العشرة الأخيرة من ذي الحجة بل النصف الثاني من ذي الحجة. إنها أيام مهمة من حيث تاريخ الإسلام والأحداث التاريخية الإسلامية. بالأمس ـ يوم الرابع والعشرين ـ حسب المشهور كان يوم المباهلة، وكذلك يوم نزول آية الولاية في حق أمير المؤمنين (سلام الله عليه) «إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ» (2). واليوم هو يوم نزول سورة هل أتى (3)، وهو يوم المباهلة على قول من الأقوال. إنها أيام مهمة. وفي النصف الثاني من ذي الحجة لدينا يوم الغدير وهو العيد الأكبر والحادثة المهمة في تاريخ الإسلام. إنَّ المباهلة ـ والتي ينبغي إحياء ذكراها [حادثة] مهمة جداً ـ هي في الواقع مظهر الطمأنينة والاقتدار الإيماني والاعتماد على الأحقية، وهذا هو ما نحتاجه دوماً. اليوم أيضاً نحن بحاجةٍ إلى هذا الاقتدار الإيماني وهذا الاعتماد على الأحقية، لأننا نسير في طريق الحق، لذلك ينبغي أن نستند ونعتمد على هذا الشيء مقابل عداء الأعداء وعداء الاستكبار، والحمد لله على أننا نعتمد فعلاً. من هذه الجهة فإن الشعب الإيراني والرأي العام ومجمل ميول [توجه] الشعب هو هذا؛ كونهم على حق وكونهم يسيرون في الطريق الصحيح فإنَّ لديهم طمأنينة عامة ولله الحمد. وسورة هل أتى بدورها مظهرٌ لبركة عمل مُخلَص. إنه إيثار مُخلَص والله تعالى لأجل هذا الإيثار الذي قام به أهل البيت (عليهم السلام)، أنزل سورة في حقهم ـ سورة هل أتى ـ وهي -إلى جانب كونها حادثة تاريخية مهمة جداً وعزيزة ومبعث فخر- درسٌ [يعلمنا أنّ] للإيثار عند الله حينما يكون مصحوباً بالإخلاص أجراً دنيوياً وأخروياً. 
حسنٌ، في جلسات اجتماعكم هذا طرحتم ـ كما ورد في تقارير حضرة السيد جنتي وحضرة السيد موحدي، وقد رُفع إليَّ مسبقاً تقرير عن تصريحات السادة في الكلمات التي يلقونها ـ طرحتم أموراً ونقاطاً مهمة، تطرقتم إلى قضايا مهمة، وقد كان التصنيف الذي قدَّمه حضرة السيد موحدي والتقرير الذي عرضه حضرة السيد جنتي عن الهيئات المفكرة، كان كل ذلك جيداً جداً وقد بدأتم أنتم بهذا العمل. كلما تقدَّم هذا العمل إلى الأمام وكلما جرى الاهتمام به وكلما جرى الاستثمار فيه فكرياً وإنسانياً فإن بركاته وخيراته ستظهر أكثر. تفكير أهل العلم وأهل الفكر وخبراء الشعب مهم جداً، طبعاً بشروطه، وسوف يحظى بالاهتمام إن شاء الله. 
ولا أنسى، بل أذكر هذين الأخوين الجليلين الذين فارقا الدنيا، حضرة السيد إيماني (4) وحضرة السيد مهمان نواز (5) وهما إماما جمعة ناجحان ومحترمان، أنزل الله شآبيب رحمته عليهما إن شاء الله، ومَنّ بالشفاء العاجل الكامل على أخينا العزيز حضرة السيد شاهرودي (6) إن شاء الله. 
أروم اليوم التحدث عن مسألة معينة لدينا حولها بعض النقاش والكلام وسوف أشير إلى بعض النقاط، هذه المسألة هي مسألة الوحدة والانسجام الوطني والاصطفاف العام للرأي العام ـ الرأي العام للشعب ـ باتجاه هذه الوحدة. هذا هو موضوع كلامي اليوم، وثمة في ذهني نقاط سوف أطرحها على السادة. 

جميع الأعداء الذين يُكنون العداء للجمهورية الإسلامية اليوم كانوا كذلك منذ اليوم الأول للثورة ولم يُضف إليهم أحد.

إننا في فترة حساسة. هذه الفترة التي نمرُّ بها الآن هي فترة حساسة، ليس بمعنى أنَّ لها أعداء أكثر أو لدينا أعداء أقوى، لا، الأعداء اليوم كانوا كلهم منذ اليوم الأول للثورة ولم يُضف إليهم أحد، كما أنَّ الذين كانوا قبل هؤلاء كانوا أقوى من هؤلاء، ولا تشكُّوا في هذا الأمر. هذا هو الحال في الكيان الصهيوني وأيضاً في النظام الأمريكي، وأيضاً بالنسبة لبعض الرجعيين في المنطقة، السابقون منهم كانوا أقوى وأكثر تمرساً من الحاليين منهم، ولم يستطيعوا فعل أي شيء للثورة، والحال أن الثورة كانت في ذلك الحين غرسة ضعيفة وشتلة جديدة، استئصالها من الأرض يختلف كثيراً عن اقتلاع هذه الشجرة الطيبة الموجودة اليوم والتي انتشرت وكبرت و «أصلُها ثابِتٌ وَفَرعُها فِي السَّماء» (7). وعليه حينما نقول «فترة حساسة» لا نقصد هذه الأسباب. وقد قاموا في تلك الآونة بأعمال شديدة عنيفة، فقصفوا الطائرة المدنية، وهجموا على منطقة طبس، وفرضوا علينا حرب الأعوام الثمانية بواسطة مجنونٍ في المنطقة، وفرضوا حظراً اقتصادياً، فعلوا أشياء كثيرة، قاموا بكل هذا الأفعال في ذلك الحين، والكثير من هذه الأفعال التي قاموا بها في ذلك الحين لا يمكن القيام بها حالياً؛ أي إنهم غير قادرين على القيام بها. إذن، من هذه الناحية لا نريد القول أنَّ هذه الفترة الحالية أخطر من تلك الفترة، إنما من حيث أن المجتمع والنظام عندما يضع قدمه في طريق جديد ويطرح ادعاءً [نظريةً ومنطقاً] غير مألوف ومختلف، ويدخل بهذا المنطق المختلف والطريق الجديد هذه الغابة الكثيفة من التعارضات الدولية، بهذه الخصوصيات سوف يواجه في الفترات المختلفة طبعاً أوضاعاً متنوعة ينبغي عليه أن يُؤقلم نفسه طبقاً لها ويتقدم إلى الأمام وفقاً لها. وكذا كان الحال في صدر الإسلام أيضاً، وكذا الحال الآن أيضاً. ثمة تعارضات عالمية. عالم السياسة الدولية هذا غابة كثيفة متراكمة ونحن نسير بعكس التيار. التيار العام في العالم هو تيار الاستكبار وتيار نظام الهيمنة؛ أي إنَّ البعض مهيمنون والبعض خاضعون لهذه الهيمنة، أي إنهم متقبلون للهيمنة، ونحن نسير بخلاف هذا التيار. هذا سرنا وتحركنا طوال الأربعين سنة [الماضية]. طبعاً تعرض لنا [أحياناً] أوضاع وأحوال نضطر معها أن نكون نبهين حيالها وأن نزيد من دقتنا وأن نرصد بشكل دائم الجوانب المتنوعة للقضية ونقدرها ونراها. 
قلت إن القضية كانت كذلك في صدر الإسلام أيضاً. هناك أيضاً كانت المقتضيات متنوعة والظروف متعددة والواجبات على أشكال عدة. مرة يقول الله تعالى «إن يكن‌ مِنكم‌ عِشرونَ‌ صابِرونَ‌ يغلِبوا مِائَتَين» (8)، ويقول في يوم آخر: «فَإن ‌يكن مِنكم مِائَةٌ صابِرَةٌ يغلِبوا مِائَتَين» (9)، أي في يوم يجب أن تقاتلوا من هم عشرة أضعافكم وفي يوم آخر يجب أن تحاربوا من هم أكثر منكم بضعفين. لا شكَّ أنه لا يوجد أي قصور [خلل] في الحكمة الإلهية، وواضح أن هذا الأمر يعود إلى الظروف. في بعض الظروف الوضع بالشكل الذي يقول الله تعالى إنَّ كل واحد منكم يجب أن يقاتل عشرة أشخاص، وتأتي ظروف أخرى ويكون الوضع بحيث يقول الله تعالى إن كل واحد منكم يجب أن يقاتل شخصين. اختلاف الظروف هذا يستتبع اختلاف الأحكام واختلاف التكاليف والواجبات. في يوم من الأيام هناك بدر أو التحرك الفلاني وفتح مكة وما إلى ذلك، وفي يوم آخر «إذ أعجَبَتكم كثرَتُكم» في يوم حنين. «وَيومَ حُنَينٍ إذ أعجَبَتكم كثرَتُكم فَلَم تُغنِ عَنكم شَيئًا» (10)، هكذا هو الحال. في كل موضع هناك ظروف وينبغي العمل وفق تلك الظروف. وإذا حصلت غفلة عن الظروف فسوف نتضرر، سواء لم يعلم الناس بهذه الظروف أو لم يتنبه النخبة لها. خصوصاً إذا غفل النخبة عن الأوضاع والظروف والوضع الموجود والمكانة التي يتبؤها النظام، فسوف نتضرر. 
حسنٌ ما أريد قوله بعد هذه المقدمة هو: أين هي حربنا اليوم؟ يقال الحرب الاقتصادية، وهذا صحيح. يشنُّ العدو ضدنا حرباً اقتصادية شاملة. ولديهم غرفة عمليات وهم يدرسون الأمور بدقة ويتحركون باستمرار. هذا مما لا شكَّ فيه، لدينا مثل هذه الحرب، ولكن ثمة حرب أخرى نغفل عنها في كثير من الأحيان. وأهمية تلك الحرب ليست بأقل من الحرب الاقتصادية، بل هي في بعض الأحيان الممهدة لتأثيرات الحرب الاقتصادية. فما هي تلك الحرب؟ إنها الحرب الإعلامية وحرب صناعة مناخ عام وأجواء عامة، وحرب الدعايات. هذه مهمة جداً. نعم، لقد كان هذا في السابق أيضاً، وقد كان الإعلام والدعاية ضدنا مكثفة وكبيرة دائماً، لكن الأوضاع تشتد وتزداد في الوقت الحاضر. والأمر يشبه الحرب الاقتصادية فقد كان هناك في السابق حظر لكنه اشتد الآن. 

يشنُّ الأعداء اليوم حرباً اقتصادية شاملة ضدنا، لديهم غرفة عمليات وهم يدرسون الأمور بدقة ويتحركون باستمرار.

 

في هذه الحرب الثانية وفي هذا المضمار الثاني ازدادت شدة نشاط العدو وتحركه، ازدادت عدة أضعاف، ويجب أن لا نغفل عن هذه الحرب. أخبارنا ومعلوماتنا تشير ـ وهذه معلومات وليست تحليلات ـ أن هناك تشكيلات وتنظيمات تم تشكيلها من قبل جهاز مخابرات الكيان الصهيوني وجهاز المخابرات الأمريكي، لقد شكلوا تنظيماً ومجموعة، ويتلقون الدعم من قبل أشباهِ قارون في المنطقة، ويجتمعون في أطراف البلاد وفي بعض هذه البلدان القريبة منا ويخططون ويعملون بشكل جاد. البعض منهم يجب أن يتعلموا اللغة فيتعلمون اللغة، والبعض منهم لا بُدَّ لهم من التعرف على ظروف البلاد فيبذلون الأموال ليفعلوا ذلك، من أجل أن يستطيعوا تلويث الأجواء الفكرية والإعلامية للبلاد. وهذه القضية قضية مهمة. إنها قضية حساسة جداً. أن تكون الأجواء الإعلامية في البلاد أجواء تتسبب للناس إما بالاضطراب أو اليأس والقنوط أو سوء النظر والتشاؤم ـ تجاه بعضهم البعض وتجاه الأجهزة المسؤولة ـ فهذا يوحي للناس بأن الطريق مسدود، أو حتى أنه يزيد من المشكلات الاقتصادية. وقد أشرتم إلى قضية المسكوكات الذهبية والعملة الصعبة وانخفاض قيمة العملة الوطنية وارتفاع قيمة العملات الأجنبية، نعم، هذا صحيح. جزء مهم من هذه الحال يحصل بواسطة هذه الدعايات، أي إن هذه الدعايات وهذه الوسائل الإعلامية هي التي تمهد الأرضية وتشاهدون فجأة أن السعر ارتفع ضعفين. أي إن قيمة العملة الوطنية نزلت إلى النصف خلال فترة وجيزة، ونزلت إلى النصف قدرة الشراء بالعملة الوطنية خلال برهة قصيرة. وسائل الإعلام هي التي تقوم بهذا الشيء. 
طبعاً لا نتوقع شيئاً من العدو، لا نتوقع من العدو سوى الرذالة، فالعدو عدوٌّ طبعاً. المهم هو أن لا نساعد [في صناعة] هذه الأجواء. هذا ما أروم قوله، وهذه هي النقطة الرئيسية في كلامي. ينبغي أن لا نعمل على مساعدة هذه الأجواء، ولا نترك آثاراً في تسميم وتلويث الأجواء العامة لأذهان الناس. أي إننا يجب أن نتحرك بالاتجاه المعاكس. أحياناً لا نتفطن فيحدث هذا. وأحياناً نبالغ في طرح وبيان بعض المشكلات، وأحياناً نبالغ في نقدنا لجهاز من الأجهزة أو لشخص من الأشخاص. هذه المبالغات ضارة وسوف تُستخدم في تلويث الأجواء أكثر وفي مزيد من اضطراب الرأي العام. هذه عملية يجب أن نتنبه لها. يجب عدم نشر فايروس التشاؤم. لاحظوا، إنني أنا نفسي من أهل النقد، وقد كان لي في حالات متعددة اعتراضي ونقدي لكل هذه الحكومات التي تولَّت زمام الأمور منذ بداية مسؤوليتي، وأحياناً كانت الانتقادات حادة وشديدة، وجهنا هذه الانتقادات والاعتراضات. أنا لست من أهل التهاون والمسامحة في مواجهة مشكلات وعيوب الأجهزة المسؤولة، لكن نوع الكلام ونوع التصرف ونوع التعامل يجب أن لا يكون بالشكل الذي يقع الناس من خلاله أسرى لمرض التشاؤم ويصابون به، فلن يمكن إصلاح هذا التشاؤم. يجب أن لا يكون الوضع بحيث كلما حصل إعلام إيجابي باتجاه معين لم يصدقه الناس، بينما بمجرد أن تصدر كلمة كاذبة عن العدو يصدقها الناس. هذا شيء خطير جداً، وينبغي عدم السماح بحدوث مثل هذه الحالة. ويمكننا أن نكون مؤثرين في هذا المجال. فايروس التشاؤم هذا شيء سيّئ، التشاؤم تجاه حرس الثورة، والتشاؤم تجاه الحكومة، والتشاؤم تجاه مجلس الشورى، والتشاؤم تجاه السلطة القضائية، والتشاؤم تجاه المؤسسات الثورية، التشاؤم تجاه هذه الأطراف. 
نعم، لا إشكال في النقد، بل النقد ضروري، النقد ضروري من أجل الإصلاح. النقد عملية صديقة وليست عملية خصامية. عندما تنتقدون فإن عملكم هذا عمل صديق، إنه «اَلمُؤمِنُ مِرآةُ المُؤمِن» (11)، أي العيوب الموجودة في الطرف المقابل والتي تنتقدونها تستخرجونها وتخبرونه بها، هذه عملية حسنة جداً، ويجب ممارسة النقد. وفي بعض الأحيان ينبغي أن يكون النقد عاماً، ينبغي أن لا نخالُ أن النقد يجب أن يكون دائماً خفياً سرياً هامساً، لا، في بعض الأحيان يجب أن يكون عاماً. ولكن يجب أن لا ننتقد بحيث نلقي مستمع النقد في هوّة اليأس فيقول «لقد خسرنا كل شيء وحلَّ بنا الويل والثبور»، ينبغي أن لا ننقد بهذا الشكل. أحياناً نقع في أخطاء في طريقة نقدنا ونتصرف بهذه الطريقة. هذه الأجهزة والمؤسسات التي تتعرض للنقد لها أعمال وإنجازات جيدة، وينبغي ذكر هذه الإنجازات. قبل أيام وفي الجلسات التي كانت لي مع السادة (12) قلت لأعضاء الحكومة إنه ينبغي مشاهدة الأعمال الإيجابية وينبغي أيضاً مشاهدة الأعمال السلبية، ينبغي أن لا يكون الأمر بحيث لا نشاهد سوى الأعمال السلبية والسلبيات فقط. للحكومة أعمال إيجابية ولها مشكلاتها أيضاً، وكذا الحال بالنسبة لمجلس الشورى، وكذلك هو الأمر بالنسبة للسلطة القضائية، والأمر كذلك بالنسبة لكل الأجهزة المختلفة. كلنا هكذا فلدينا إيجابيات «خَلَطوا عَمَلًا صالِحًا وآخَرَ سَيـئًا عَسَى اللهُ أن يتوبَ عَلَيهِم» (13). هذا الخلط بين العمل الصالح والسيئات حالة موجودة لدى الجميع وفي كل مكان. ولكن إذا كنا نشير إلى العمل السيئ فيجب أن نشير إلى العمل الصالح أيضاً. هذا ما يؤدي إلى أن يعلم الناس أنه يوجد هنا إشكال ولا يؤدي في الوقت نفسه إلى أن ييأسوا بشكل مطلق ويقولوا: «لقد خسرنا كل شيء وذهب كل شيء». ينبغي عدم حصول هذا. هناك ممارسات إيجابية وهناك ممارسات سلبية، وعلى المرء أن يشاهد هذا كله ويذكره. تقول الآية الشريفة: «يا أيهَا الَّذينَ آمَنُوا اِتَّقُوا اللهَ وَقولوا قَولًا سَديدًا * يُصلِح لَكم أعمالَكم وَيغفِر لَكم ذُنوبَكم» (14)، وإذا أردنا أن يكون لنا قولنا السديد ـ والقول السديد هو القول الذي له أدلة وبراهين ـ فيجب أن نتحرك بهذه الطريقة ونعمل على هذه الشاكلة. «لَولا ينهاهُمُ الرَّبانِيونَ وَالأحبارُ عَن قَولِهِمُ الإثمَ وَأكلِهِمُ السُّحت» (15). هناك نقطتان مهمتان في هذه الآية حيث يصرخ القرآن لماذا لم يمنعهم الأحبار والرهبان عن هذين الشيئين، وأحد هذين الشيئين هو «قَولِهِمُ الإثم» أي الكلام الكاذب والخاطئ وغير المدروس والكلام بغير علم، والشيء الثاني هو «أكلِهِمُ السُّحت»، وهو ما يعادل هذه القضايا الاقتصادية والعلاقات الاقتصادية غير السليمة، والفساد والمفسدين وما إلى ذلك. كلا هذين الشيئين يجب علاجه بشكل جذري. 
 

ينبغي أن لا يكون الأمر بحيث لا نشاهد سوى الأعمال السلبية والسلبيات فقط؛ للحكومة أعمال إيجابية ولها مشكلاتها أيضاً.

حسنٌ، حين أقول إن الثورة والبلاد في حال تقدم، فليس هذا شيئاً أقوله أنا من باب الارتجاز والتفاخر، إنما أقوله عن اطلاع بأن البلد في حال تقدم، والثورة وأسس الثورة في حال تقدم. نعم، هناك كلام مناهض للثورة يخرج من الأفواه، وهناك أشياء تطرح، لكن الموجود في الواقع هو أنَّ البلاد تسير نحو مفاهيم الثورة ومبادئها وحقائقها. وقد لا تكون هذه المسيرة بالسرعة والاندفاع اللازم لكنها موجودة، هذه المسيرة وهذه الحركة موجودة. البلد في حال تقدم، ونحن نسجل تقدماً في المجالات المختلفة: لدينا تقدم في المجال العلمي، وهناك تقدم في المجال الصناعي، ولدينا تقدم على صعيد العزة السياسية، وعندنا تطور في مضمار النمو الفكري، ولدينا تقدم في المجالات المعنوية. وسوف أشير إلى نموذج في آخر كلامي. وليست النماذج من هذا القبيل قليلة، فلدينا تقدم. هناك كلُّ هذا العدد من الشباب الصالحين في البلاد، لاحظوا ما الذي يجري الآن في الفضاء الافتراضي! كم يوجد من «مُضِلّاتِ الفِتَن» (16) في هذا الفضاء الافتراضي وفي القنوات الفضائية وفي هذه التشكيلات والأمور، والشاب معرَّض لكل هذه العوامل ومع ذلك لاحظوا كيف هي مسيرات الأربعين، وكيف هو الاعتكاف، وكيف هي صلوات الجمعة في الجامعات. هذا شيء على جانب كبير من الأهمية. لماذا يجب أن لا نرى هذه الأشياء؟ هذا مؤشر على أنه حتى المعنوية التي هي أصعب جزء ـ المعنوية أصعب أجزاء الثقافة ـ في حال تقدم وتطور. لاحظوا جلسات شهر رمضان، وأنا استفسر [أتابع] هذا الأمر في شهر رمضان وشهري محرم وصفر بشكل خاص، وأطلب من أشخاص أن يذهبوا ويتحققوا ويعملوا ويروا كيف هو حال جلسات شهر رمضان بالمقارنة مع السنة الماضية، فيذهبون ويقدمون تقارير، والمرء ليتحيّر حقاً من هذا التقدم، ومن هذا الحراك والتقدم نحو الأمام. لماذا يجب أن لا نرى هذه الأشياء ولا نلاحظها؟ فلتلاحظ هذه الأمور وتحلل وتقال. يجب على الذين لديهم منابر كثيرة المستمعين والجمهور بيان هذه الأمور وذكرها. 
نقطة مهمة [أخرى] هي الانسجام بين الشعب وأجهزة البلاد الإدارية. على الناس أن يتواصلوا مع الأجهزة التي تدير البلاد، سواء الجهاز القضائي أو الجهاز التنفيذي أو باقي الأجهزة. طبعاً جزء مهم من بناء الثقة هذا يقع على عاتق الأجهزة نفسها، أي الحكومة نفسها والسلطة القضائية نفسها وباقي المؤسسات والأجهزة يجب أن يكون سلوكهم وأداؤهم بالشكل الذي يبني الثقة ويحققها. هذا الجزء يقع على عاتقهم ولكن ثمة جزء آخر يقع على عاتقي أنا وأنتم، وهناك جزء يقع على عاتق من لديهم متلقوهم ومستمعوهم؛ الأشخاص الذين لديهم منابرهم ومكبرات صوتهم ويجب أن يقال بعض الكلام في مكبرات الصوت الرسمية وغير الرسمية هذه. وما من حكومة تستطيع العمل من دون مساعدة ودعم الناس، لا حكومتنا ولا أية حكومة في العالم. يجب أن لا نفعل ما من شأنه سلب هذا الدعم وهذه الثقة بالمؤسسات والأجهزة الحكومية والمؤسسات التنفيذية في البلاد، سواء في القطاع القضائي أو في قطاع السلطة التنفيذية أو باقي القطاعات مثل القوات المسلحة. علاج المشكلات لا يكمن في أن نتنكّر للحكومة ونترك إسنادها، وليس علاج المشكلات في أن نتبرّأ مما تقدمه الأجهزة المسؤولة، لا، العلاج هو أن ننتقد ونقول كلمتنا ونساعد ونقدم مساعدة فكرية وعملية. هذا هو العلاج. 

علاج المشكلات يكون في أن ننتقد ونقول كلمتنا ونساعد ونقدم مساعدة فكرية وعملية.

طبعاً على مسؤولي الحكومة ـ ولحسن الحظ فإن بعض السادة الرؤساء حاضرون اليوم هنا ـ أن يستفيدوا من آراء الناس ومن خبرات الخبراء. هذه النقاط التي قيلت هنا وهذه اللائحة الطويلة التي قرئت، بعض نقاط هذه اللائحة مهمة جداً. قضية قيمة العملة الوطنية على جانب كبير من الأهمية. ليضعوا حقاً فِرقاً تجتمع وتفكر بصورة صحيحة. ليس الفِرق الحكومية فقط بل فرق خارج الحكومة، فهناك علماء الاقتصاد والمتخصصون في قضايا النقد في البلاد، ولهم آراؤهم وهم يكتبون لنا ويتحدثون معنا، ويكتبون أحياناً في الصحف ويقولون إن هذا كله له علاجه وطرقه ونحن نعرف طرقه، لا بأس، اطلبوهم وتحدثوا معهم واعثروا على الطرق وعالجوا هذه المشكلة. أو على سبيل المثال تلك القضية التي طرحناها على السادة في الحكومة بأن يوجهوا السيولة النقدية في البلاد نحو أعمال البناء والتنمية والإنتاج، هذه تحتاج إلى فريق عمل وأشخاص يجتمعون ويفكرون. هذا شيء يحتاج إلى عمل وتحرك. يجب أن يقوموا بهذا الشيء. هذا واجب أعضاء الحكومة الذي ينبغي أن ينهضوا به. علينا أن نوجه شخصيات الحكومة بهذا الاتجاه ونساعدم ونعمل ما من شأنه أن يكون الناس متفائلين بالجهود التي تبذلها الحكومة، لاحظوا نعم هناك جهود تبذل. هذا هو ما يحلُّ العقدة الفكرية لدى الرأي العام. البعض قلقون من وجود مشكلات في الرأي العام وهو قلق في محله وليس قلقاً في غير محله. والشيء الذي يحلُّ هذه العقدة ويفتحها هو أن نستطيع خلق صلة صحيحة وسليمة بين الرأي العام للناس وبين الأجهزة المسؤولة، وليس بمعنى التفاؤل المطلق. 
ويقال لي أحياناً لماذا لا تزجر الحكومة، وأفترض أنَّ مرادهم هو زجرها في العلن، وإلا فهم غير مطلعين على جلساتنا واجتماعاتنا الخاصة! لدينا على الأقل عشرة أضعاف هذا المقدار من الجلسات والاجتماعات التي تعكسها وسائل الإعلام، ثمة جلسات أخرى مع مختلف المسؤولين ـ من عسكريين وغير عسكريين وحكوميين وقضائيين وغيرهم ـ إنهم غير مطلعين على هذه الاجتماعات ويطيب لهم أن أزجرهم في العلن. وما فائدة هذا الزجر؟ فائدة هذا الزجر أن قلوبكم تتشفى، هذا فقط! ليست له فائدة أكثر من هذا، لكن له أضراراً كبيرة، وينبغي قياس هذه الأضرار ومشاهدتها. ليس العراك سبيل الإصلاح كما أن إيجاد تشكيلات موازية للحكومة ليس سبيل الإصلاح. أن يتحدث السيد جنتي عن العمل الجهادي فهذا كلام صائب تماماً، ينبغي العمل بطريقة جهادية، ولكن من قِبَل من؟ من قِبَل المسؤولين أنفسهم، ينبغي القيام بهذا العمل عبر قنواته القانونية. نعم، قد تكون هناك حالة لا ينفع معها القانونُ المسؤولَ في الجهاز الحكومي، ويحتاج المسؤول إلى القيام بعمل خارج القانون، وهذا يحتاج إلى أن يأخذ إذننا ونحن سوف نساعده ونعاضده بالتأكيد. لا إشكال في هذا ـ كالعمل الذي قام به رئيس السلطة القضائية المحترم ـ (17) لكن العمل يجب أن يقوم به المسؤولون المعنيون أنفسهم. العمل الموازي إلى جوار المؤسسة الحكومية لن يكون ناجحاً، هذه تجربتي الأكيدة طوال هذه السنين. نعم، ينبغي القيام بالأعمال والمهام بطريقة جهادية مكثفة، ولكن من الذي يجب عليه القيام بهذا الجهاد؟ المسؤولون المعنيون يجب عليهم القيام بهذا [الجهاد]. هذه أيضاً نقطة.  
قلت إنَّ العدو يقوم بتحرك وسوف نهزمه قطعاً في هذه المرحلة وفي كل المراحل اللاحقة بتوفيق من الله. «وَلَو قاتَلَكمُ الَّذينَ كفَروا لَوَلَّوُا الأدبارَ ثُمَّ لا يجِدونَ وَلِياً وَلا نَصيرًا * سُنَّةَ اللهِ الَّتي قَد خَلَت مِن قَبلُ وَلَن تَجِـدَ لِسُنَّةِ اللهِ تَبديلًا» (18). إذا واجهكم العدو الكافر فسوف يضطر حتمياً إلى التراجع، هذا طبعاً عندما تقاتلون وتكافحون، أما عندما تقعدون وتعطلون العمل فلا، أما عندما نتحرك ونعمل فإن العدو سوف ينهزم بالتأكيد. وهذا ما شاهدناه على طول الزمن والحمد لله. وكما قلت فإن هذا مشهود حتى على الصعد المعنوية. 
ولأذكر الآن نموذجاً. قرأت في الآونة الأخيرة كتاباً (19) كان لافتاً جداً بالنسبة لي. فتاة وشاب ـ زوجة وزوجها ـ من مواليد عقد السبعينيات [التسعينيات من القرن العشرين للميلاد] من أجل أن لا يحصل إثم ومعصية في حفل زفافهم ينذران أن يصوما ثلاثة أيام. أعتقد أن هذا شيء يجب تسجيله في التاريخ أن فتاة وفتى شابين ومن أجل عدم حدوث معصية في حفلة عرسهما توسلا إلى الله تعالى أن يصوما ثلاثة أيام. يتوجه الشاب للدفاع عن حرم السيدة زينب (سلام الله عليها)، لكن البكاء العفوي التلقائي للفتاة يزلزل قلبه، فيقول لهذه الفتاة ـ لزوجته ـ إن بكاءك يزلزل فؤادي لكنه لا يزلزل إيماني! فتقول له الفتاة إنني لن أمانع ذهابك، ولا أريد أن أكون من تلك النساء اللواتي يبقين منكسات الرؤوس يوم القيامة أمام فاطمة الزهراء! لاحظوا، هذه ليست أحداث ما قبل مائة سنة ومائتي سنة، بل هي أحداث سنة 94 و 95 [2015 و 2016م] ومن أحداث سنواتنا هذه والأيام التي بين أيدينا. هذا هو الوضع اليوم. ثمة بين جيلنا الشاب مثل هذه العناصر والأفراد، فيهم مثل هذه الحقائق المتألقة. ينبغي تسجيل هذه الوقائع ومشاهدتها وفهمها. والأمر لا يتعلق بهذا النموذج الواحد فقط لتقولوا «إن زهرة واحدة لا تصنع الربيع»، لا، القضية ليست قضية زهرة واحدة، فالنماذج من هذا القبيل كثيرة. لقد كان هذان ـ الزوجة والزوج اللذان تحدثت عنهما ـ طالبين جامعيين، وذهب الشاب بعدها ونال الشهادة ليكون من الشهداء الأجلاء في الدفاع عن حرم السيدة زينب (سلام الله عليها). هكذا هو الوضع. 
إننا نتقدم. إننا نتقدم في الماديات وفي المعنويات على حدٍّ سواء. إننا نهزم الاستكبار في الماديات وفي المعنويات بتوفيق من الله، ونفرض عليه الركوع ونثبت أن الإسلام إذا كان له أتباع مستعدون جاهزون للجهاد والدفع، فإنه سوف ينتصر حتماً في كل مكان وفي أية منطقة من العالم، وسيكون هذا نموذجاً لكل المسلمين. 
اللهم اجعل ما قلناه وما نفعله وما فعلناه وما سمعناه لك وفي سبيلك. وبارك لنا فيما قلناه وما نريد أن نفعله. أحينا على درب الإسلام وأمتنا على درب الإسلام. 
والسّلام عليكم و رحمة الله وبركاته. 

 
الهوامش:
1-    في بداية هذا اللقاء ـ الذي انعقد في نهاية الاجتماع الخامس من الدورة الخامسة لمجلس خبراء القيادة المُقام على مدى يومين بتاريخ الرابع والخامس من أيلول 2018 م ـ قدَّم آية الله أحمد جنتي (رئيس مجلس خبراء القيادة) وآية الله محمد علي موحدي كرماني (النائب الثاني لرئيس مجلس خبراء القيادة) تقريريهما. 
2-    سورة المائدة، الآية 55. 
3-    سورة الإنسان. 
4-    آية الله أسد الله إيماني (إمام جمعة شيراز السابق وعضو سابق في مجلس خبراء القيادة). 
5-    آية الله حبيب الله مهمان نواز (إمام جمعة بجنورد وعضو مجلس خبراء القيادة سابقاً). 
6-    آية الله محمود الهاشمي الشاهرودي (النائب الأول لرئيس مجلس خبراء القيادة وعضو مجلس صيانة الدستور). 
7-    سورة إبراهيم، شطر من الآية 24. 
8-    سورة الأنفال، شطر من الآية 65. 
9-    سورة الأنفال، شطر من الآية 66. 
10-    سورة التوبة، شطر من الآية 25. 
11-    تحف العقول، ص 173. 
12-    كلمة الإمام الخامنئي في لقائه رئيس الجمهورية وأعضاء هيئة الوزراء بتاريخ 29/08/2018م.
13-    سورة التوبة، شطر من الآية 102. 
14-    سورة الأحزاب، شطر من الآية 70 و الآية 71. 
15-    سورة المائدة، شطر من الآية 63. 
16-    نهج البلاغة، الموعظة رقم 93. 
17-    إشارة إلى جواب الإمام الخامنئي على رسالة رئيس السلطة القضائية بتاريخ 11/08/2018م.
18-    سورة الفتح، الآيتان 22 و 23. 
19-    كتاب «يادت باشد» (لا تنس) سيرة قصصية للشهيد المدافع عن المراقد المقدسة حميد سياهكالي مرادي.