بسم الله الرحمن الرحيم (1)
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الأطيبين الأطهرين المنتجبين، سيّما بقيّة الله في الأرضين.
مرحباً بكم كثيراً أيّها السادة المحترمون، الإخوة الأعزّاء، حضرة السيّد صدر، السادة الأساتذة، والسادة الطلبة، والسيدات، الذين تفضّلتم بالحضور هنا. هذه الجلسة جلسة جد حسنة ومفعمة بالنشاط والحيويّة. وقد كانت كلمة السيد صدر كلمة مفيدة ووازنة ومدروسة، وكذلك الكلمة التي ألقاها أخونا وابننا العزيز هذا، هذا الطالب المحترم بالنيابة عن باقي طلبة العلوم الدينية، فقد كانت كلمة جيّدة جداً. بالطبع، لا أرى من الضروري أن أجيب عن الأسئلة، فهذه أسئلة يجب أن تطرحوها على السادة المسؤولين في المؤسسة أنفسهم. ليجتمعوا ويعقدوا جلسة ويجيبوا على الأسئلة ويوضحوا الأمور. نعم، طلبتم الدعاء، فحتماً سأدعو لكم، وسأفعل ذلك يقيناً إن شاء الله.
بالنسبة لقضية العوائل ـ التي أشار إليها السيد صدر في كلمته وألمح لها هذا الشاب العزيز أيضاً ـ نعم، فأنا أيضاً ملتفت إلى هذه المسألة، وهي أنّ دور الزوجات والعوائل في نجاحات الرجال كبير جداً. وهذا ما لمسناه بالتجربة، فإذا كانت زوجة الإنسان مرافقة ومواكبة له، وتشاركه الهدف والخندق ذاتيهما فإنّه سيتطوّر بسرعة عالية. هذا الدور موجود، بيد أن قضايا الأسرة والحياة الأسريّة ليست كلّها عقلانية حتّى يقنع الكلّ بهذا الاستدلال ويقبلوه. فجزء منها قضايا عاطفية وجزء منها قضايا واقعية وقضايا حياتيّة. حين يقول السيد صدر إنّ «طالب العلوم الدينية يخرج من البيت في الساعة السادسة صباحاً ويعود عند الساعة التاسعة مساء» فأنا أعارض مثل هذا الشيء تماماً. لماذا في السادسة صباحاً؟ لقد خصّصتم عشر ساعات للطالب أو الأستاذ ليعملا وهو بالطبع وقت كثير. هذا هو بالتالي برنامجكم، وأنا بالطبع لا أتدخّل في تفاصيل البرنامج، ولكن من الساعة السادسة صباحاً إلى التاسعة مساءً هناك خمس عشرة ساعة وليس عشر ساعات! لماذا؟ يأتي السادة فيدرسون دروسهم، ويقومون بأعمالهم، وقد يأخذون بعض الوقت للاستراحة والترفيه، ثم هناك مجلس عزاء يذهبون إليه؛ لا ضرورة لذلك أبداً. عليكم أن تهتمّوا بأُسَرِكم. زوجاتكم يحتجن إلى حضوركم في المنزل، وهذا شيء مهمّ. وبالطبع، الحضور لا يعني أن تذهبوا وتجلسوا في البيت كلّ الوقت، فهذا أيضاً لا يرضي زوجاتكم بالتأكيد وسوف يشعرن بالملل والانزعاج، ويقلن لماذا لا تذهبون إلى العمل. أمّا أن تكونوا غائبين عن المنزل دائماً، فهذا ليس بالعمل الجيّد ولا المناسب. بالطبع، لقد انقضت فترة من حياتي أنا الذي أقول لكم هذا الكلام، بالنحو الذي أتكلّم عنه الآن وأقول، إنّني أخالفه! هكذا كان الوضع. في بداية الثورة كنت أخرج من البيت صباحاً حينما يكون جميع الأولاد نائمين وأعود ليلاً والأولاد كلّهم نيام. هكذا كان الوضع واقعاً، ولم يكن بالإمكان في تلك الفترة غير ذلك، لم يكن بالإمكان على الإطلاق. وحقّاً، وعلى حدّ التعبير المعروف، لم يكن لدينا الوقت حتّى لحكّ رؤوسنا. أمّا أنتم فتعيشون والحمد لله وضعاً عادياً ومستقراً فاهتمّوا بأسركم وعوائلكم. والسيدات أيضاً يجب أن تكون لهن مشاغلهن، وأفضل المشاغل هي المشاغل العلمية. سمعت أن بعض السيدات والبنات يشاركن في مجاميع طلبة العلوم الدينية الخاصّة بالسيدات. من الجيد أن ينشغلن بالتالي بالعمل والعلم والبحث وما إلى ذلك، وإنّه لأمر جيّد جداً.
امّا فيما يتعلّق بالمؤسسة العليا للفقه هذه، فنحن لا ندعي بالطبع أنّها المركز الوحيد الذي ينشط في قم، لا، فالحمد لله وكما أشرتم هناك مراكز كثيرة متنوعة تنشط كلّها وتعمل، وقد كان البدء بهذا العمل ناجماً عن شعور بالمسؤولية. والحمد لله أنّ سماحة السيد صدر قد شمّر عن ساعديه بكل جدارة للنهوض بأعباء هذا العمل وهو يعمل بجد في هذا المجال. كان الحافز على هذا المشروع النظر والتنبّه لأهميّة الحوزة والطاقات الجمّة العديدة غير المستثمرة فيها، وما يقتضيه نظام الجمهورية الإسلامية بوجوب الاستفادة من هذه الطاقات.
أحد أطراف القضية نظام إسلامي فيه اقتصاد ـ وقد ضربوا الاقتصاد مثالاً ـ وفيه حكومة، وثقافة، وعلم حديث، وتقنيات جديدة عالمية، وعلاقات اجتماعية متنوعة، وهناك أسلوب حياة، وهناك دوماً أفكار وآراء جديدة تؤثر في الحياة، تظهر وتنبثق في العالم وتُصدّر إلى هنا وهناك. هذا كلّه موجود. لدينا نظام بهذه الظواهر وبهذه الأحداث التي تقع حوله وفي داخله. هذا النظام يجب أن يدار بالإسلام وبالفكر الإسلامي. الفكر الإسلامي في جانبه العملي هو هذا الفقه الإسلامي. أنا بالطبع لست فقط لا أعارض دراسة الفلسفة، بل أؤكّد على دراستها كلّ التأكيد، فالفلسفة ضرورية أيضاً. أما كيف تدرج ضمن برامجكم فهذا يعود لبرمجة المدراء المحترمين هناك، لكن الفلسفة جيّدة ولازمة، لا أنها جيدة فقط بل لازمة أيضاً، وهذا ممّا لا شكّ فيه، إلّا أنّ ما يدير الحياة عملياً هو الفقه. والسبب هو أن الفلسفة الإسلامية لم يكن لها على مرّ الزمان امتداد عملي، بمعنى أن حكمتنا النظرية هذه لم تمتد وتتوسّع إلى الحكمة العملية؛ هذا والحال أنّ الفلسفات الغربية التي هي من حيث كونها فلسفات أقلّ محتوى وأضعف بكثير من الفلسفة الإسلامية، لها امتداداتها العملية. أي إنّكم إذا اعتقدتم مثلاً بفلسفة كانط أو هيغل أو ماركس فسيكون لكم رؤيتكم حول نظام الحكم، وحول الفرد، وحول العلاقات الاجتماعية. أمّا ما هي مقتضيات فلسفة الملا صدرا أو فلسفة ابن سينا أو غيره في نظام الحكم أو القضية الفلانية فهذا ما لم يتّضح لنا منه شيء. لا أنّها لا تحتوي شيئاً، [بل] تحتوي بالتأكيد؛ وتوصيتي للمتفلسفة والمشتغلين بالفلسفة كانت دوماً أن يجدوا هذه الامتدادات، لأنّني أعتقد أنّ لها آثاراً. هذا الامتداد موجود لكنّه لم ينل نصيبه من الاهتمام والجهد. وعليه فما يمكنه أن يدير المجتمع حاليّاً هو فقهنا. حسنٌ، إذاً هذه هي المقتضيات الخارجية والحاجات الداخلية، وهذه هي الحوزة.
قلنا إن للحوزة العلمية طاقات عديدة كثيرة، وإنّ لها حقّاً إمكانيات وطاقات لا تحصى. هذه التدقيقات التي يشاهدها المرء بين الفقهاء في البحوث الفقهية وفي المسائل قليلة الأهمية ـ وهي من حيث مكانتها العملية ومن حيث موقعها في مجموعة الأحكام الإسلامية ليست بالشيء البالغ الأهمّيّة ـ هي حقّاً شيء مذهل، أي إنّ هناك مثل هذه التدقيقات العميقة والفاحصة والممحّصة في أعمالنا الفقهية وبين علمائنا، وهذه طاقة مهمّة جداً وهي شيء بالغ الأهمية. في فترة من الفترات كنت أناقش مبحث القصاص وكان الأصدقاء الذين يتعاونون معنا والخبراء في هذا المجال، يأتوننا بآراء الحقوقيين الغربيين، وكنت أحياناً أنظر في آرائهم في المسائل والقضايا المختلفة، فأجد تعمّقاً جيّداً في أعمالهم، لكنّها تبقى أقلّ بكثير، والحق يقال، من الدقّة التي نجدها في هذا المجال لدى صاحب الجواهر مثلاً، أو لدى المرحوم السيد الخوئي مثلاً وهو فقيه معاصر لنا أو غيرهما، فهؤلاء أكثر عمقاً ودقّة ويهتمّون اهتماماً بالغاً بلوازم فتاواهم وآرائهم. حسنٌ، هذه هي طاقات الحوزة.
بمقدور هذه الحوزة أن تلبّي كلّ احتياجات نظام إسلامي ما ومجتمع إسلامي ما، وكما قال السيد صدر، إذا ما عرضت لأصحاب المؤسّسات ومدرائها ـ من قبيل البنك المركزي مثلاً فهو مؤسّسة من المؤسّسات، أو الجامعة وهي أيضاً إحدى المؤسّسات ـ أسئلة في إدارتهم الإسلامية [لهذه المؤسّسات] فإلى من يرجعون فيها؟ عليهم أن يرجعوا إلى الحوزة. وهذا ما لا يحصل الآن. أي لا وجود لهذا الأمر في الوقت الحاضر. وكمثال على ذلك الآن والذي قلّما تجدون شبهاً له، وهو نادراً جدّاً، افترضوا مثلاً أن الباكستانيين أرادوا ذات يوم أن يؤسّسوا بنكاً إسلامياً، فوجّهوا نداء إلى فقهاء الاسلام وعلمائهم، فكتب المرحوم الشهيد الصدر «البنك اللاربوي» (2) وأرسله إليهم. هذا نموذج. أما كم يمكن لهذا «البنك اللاربوي» أن يستجيب ويلبي احتياجات المؤسسة المصرفية في العالم المعاصر فهذا بحث آخر، وقد تكون فيه نواقص، لكنّه بالنهاية، استجاب وأعطى جواباً. وأنتم، كم من هذه النماذج تبحثون عن إجابات عنها؟ قليل جداً، قليل جداً، وإن كان لديكم مثيل ثان وثالث لهذا النموذج، فلا شكّ أن العاشر غير موجود، هذا والحال أنّ الحوزة بمقدورها ذلك، فلقد كان أسلوب العمل في الحوزة وأسلوب البحث والتحقيق فيها بنحو أنّ الدقّة والتعمّق والتمحيص والتفحّص من طبيعة عمل الحوزة، وهذا من مميزاتنا والحوزة قادرة على القيام بهذا الشيء. واليوم في ظلّ هذه الاحتياجات ازداد هذا الحافز، وعلى الحوزة تحقيق هذا الطموح. ولهذا فكرنا في أن نبدأ هذا المشروع من مكان ومن نقطة ما. وقلت بالطبع، إنّنا لا ندّعي عدم وجود مثل هذا العمل سوى في هذه المؤسّسة، فالآخرون أيضاً يعملون في المؤسسات الجيدة والمفيدة الموجودة في الحوزة والحمد لله، إنّهم يقومون بأعمال، لكن، هذه أيضاً مؤسسة من المؤسسات.
أعتقد أنّ السيّد صدر وزملاءه قاموا بالتخطيط والبرمجة بشكل جيد، ومعاونوه خطّطوا بشكل جيد، وهذه البرمجة برمجة جيدة. وكلمة «تحت إشراف» هذه التي تُقال، لا تعني أنّني أنظر وأدقّق وأبدي رأيي في البرامج، لا، فأنا لا أجد المجال لذلك ولا الفرصة. السادة أنفسهم هم من يقومون بهذا العمل، والأمر منسوب إلينا بشكل من الأشكال بالتالي، لكنّه من فعل السادة الذين يعملون.
ما أقوله هو: هذا الأسلوب الذي ذكرتموه في التدريس والدراسة حيث يشارك الطلبة في صياغة الإجابات، هو أسلوب جيّد ومفيد، لكن لا ينبغي لخبرة الأستاذ وإحاطته ودوره ونفوذه أن تهمش، فالأستاذ هو الذي يرشد ويوجه ويعمل وينظم الأمور، وإلا إذا أحيلت الفكرة إلى أذهان عشرة أشخاص أو عشرين من الطلبة الموجودين في هذا الصف، فمن غير المعلوم أن يصل الأمر إلى نظام ونتيجة صحيحة. إذاً الأستاذ هو الذي يرشد ويوجّه، وإذا ما ساعده هؤلاء وواكبوه فهذا جيد.
فيما يتعلّق بالأصول حيث تمّت الإشارة إلى أنّ متوسط دورة الأصول في الحوزة خمسة عشر عاماً، فهذا مبعث استغراب شديد بالنسبة إلي، وهذا ليس بالخبر الجيّد أبداً من وجهة نظري. الأصول جيدة ولازمة وضرورية للتفقّه، وهي لازمة بلا شك. لقد كان المرحوم السيد الخوئي (رضوان الله عليه) فقيهاً أصولياً، ومن هو الأكثر أصولية منه؟ والأصول في فقهه واضحة وجلية تماماً، وقد سمعت أن دورة أصوله تستمر خمسة أعوام، فما الذي كان يفعله يا ترى؟ ما الذي كان يختزله من الأصول حتى تكون الدورة خمسة أعوام؟ وعليه، يمكن طرح الأصول في خمسة أعوام أو ستة أعوام. إذا كان المتوسط خمسة عشر عاماً فقد تمتدّ إلى العشرين عاماً على سبيل المثال! فكم سيدرسون؟ ولماذا يدرسون؟ وبماذا سينفعهم؟ وما هي المواضع التي يستفيد منها الفقه من هذه الأصول؟ لا، أعتقد أنّه ينبغي السير في خصوص الأصول بشكل أكثر تلخيصاً وكما في المصطلح بشكل مضيّق، والالتفات بأنّ الأصول غير الفقه، فالفقه مفتوح، فاعملوا ما استطعتم في مجالات الفقه، فهذا برأيي حسن.
هذه الأسئلة التي طرحها أخونا العزيز وهذا الشاب العزيز أسئلة لافتة، ورجائي أن يوضّح سماحة السيد صدر وباقي الإخوة هذه الأمور للطلبة، لكنّني أريد التوصية بأن يهتم الشباب بمرحلة شبابهم، بمعنى أن ليس كلّ ما تريدونه وتشعرون به هو موضع احتياجكم ومفيد لكم. لا تنتظروا مضيّ ثلاثين عاماً حتّى تشيخوا وتفهموا ذلك بعدها. نحن الآن أمضينا الثلاثين أو الأربعين عاماً التي ستمضونها لاحقاً ونعلم بعض الأشياء، فاستفيدوا من تجارب أصحاب التجربة. ليست كلّ هذه الأشياء والأمور ضرورية. كيف يجب أن يعمل الإنسان في التحليل السياسي مثلاً ومن آراء أي شخص يستفيد ومن تضارب أيّ الآراء؟ لا، فمن غير المعلوم أنّ هذه الأمور تمتاز بالطابع العامّ الكليّ. قد تكون بعض الأمور لازمة، قد تكون بعض الأشياء لازمة، لكن ما أريد قوله أنّ على طلبة هذه المجموعة أن يسيروا خلف أساتذتهم، أي ليهتمّوا لآراء أساتذتهم وتشخيصهم ولمدراء هذه المجموعة، وليسيروا طبقاً لها وليعملوا حتّى تكون الأعمال منظمة، ولتبقى هذه المجموعة مجموعة منتظمة ولكي تتقدم إلى الأمام إن شاء الله، فإذا لم تكن منتظمة لن تتقدّم إلى الأمام.
ومن ناحية الكمية فقد اُطلقت دعوة، ولأنّكم لم تبيّنوا ذلك، فلا أدري كم تريدون أن تستقطبوا من الطلبة على المستويات المختلفة. ليس لي رأي في هذا الخصوص، فبالتالي كلّما أُنجز العمل بدقة وتمحيص، وكلّما علمنا في كلّ خطوة نريد أن نخطوها أين نضع أقدامنا، وكان موضع أقدامنا مكيناً صلباً، كان أفضل؛ قد يترافق هذا الأمر بشيء من البطء ولكن لا ضير في ذلك. فالعمل البطئ والمحكم أفضل من العمل السريع المتزلزل غير المحكم.
وثمة نقطة أخرى في بالي ـ وبالطبع هذا ما أؤمن به بالنسبة للحوزة كلّها ولم تتحقّق إلى الآن، وقد طرحت الأمر مراراً على مسؤولي الحوزة وخاصّة في حوزة قم، لكن على ما يبدو أنّ الأمر صعب عليهم ـ أي أنّ من يدرس درساً ما ويصل إلى مرحلة ما يحتاج إلى وثيقة وشهادة. وقد كان الخطأ الكبير أنّهم جاءوا وخلطوا هذه الشهادة بالشهادات الجامعية. بل إنّهم في البداية أرادوا حتّى أن يسموها دكتوراه وما شابه وهذا خطأ، ثم جعلوها معادلة للدكتوراه. لا ضرورة لهذا الأمر على الإطلاق. تعالوا وشخّصوا أنتم ما هي الصفة التي ستطلقونها على هذا الشخص الذي يدرس مثلاً هذه السنوات الثلاثة الأولى العامة ـ لديكم ثلاث سنوات عامة بالتالي ـ وما العنوان الذي سيُطلق على هذا الطالب الذي يدرس في هذه المؤسسة لثلاث سنوات ـ وليس بالضرورة أن تتطابق هذه مع الدراسة لثلاث سنوات في الحوزة الحرّة ـ ويتمتّع بخصائص ومميّزات إضافيّة؟ اختاروا له اسماً وعنواناً. ثم لديكم ثلاث سنوات أخرى للدراسة التخصّصية. حدّدوا لهذا الشخص الذي يمضي هذه السنوات الثلاث ويكتسب مجموعة من المؤهلات، هو الآخر اسماً وعنواناً، ولتمنحه المؤسسة شهادة تشهد له فيها بأنّه بلغ هذه الدرجة.
ثم لديكم سنة أو سنتان مخصّصتان للتحقيق والبحث العلمي وما شاكل. وحينما يمضي الطالب هاتين السنتين يكتسب مؤهّلات وقابليات جديدة، وكما هو الحال في نظامنا الجامعي الغربي المقتبس من الغرب، افترضوا مثلاً في تلك الأزمنة القديمة، في زمن شبابنا، كانت هناك الدورة الأولى والدورة الثانية وما شابه، أي كانت هذه المرحلة المتوسّطة على قسمين جعلوا اسمها الدورة الأولى والدورة الثانية، ثم السنة الثانويّة الأخيرة، ثم الليسانس، ثم الماجستير، ثم الدكتوراه، هناك درجات ومراتب، أي إنهم يطلقون اسماً ويمنحون شهادة حسب المؤهلات الموجودة. ومن دون أن تقلّدوهم ومن دون أن تعملوا على التطابق معهم ـ وهذه العملية غير جائزة على الإطلاق بأن نأتي ونطابق عملنا معهم ونقول مثلاً إنّ هذه الشهادة تعادل الدكتوراه وهذه الشهادة تعادل الماجستير، وهذه الشهادة تعادل الليسانس، هذه العملية لا معنى لها على الإطلاق، لأن طبيعة عملهم تختلف عن طبيعة عملنا ـ عليكم تشخيص شهاداتكم. عندما تنتهون من تلك السنتين الأخيرتين من الأعوام الثمانية سوف تكتسبون مؤهلات وقدرات فشخصوا هذه المؤهلات وامنحوا شهادة. أعتقد أن هذه عملية جيدة جداً. وبالطبع كان لنا منذ القدم مثل هذا الشيء، فإجازات الاجتهاد التي كانت شائعة هي من هذا القبيل بالتالي. أي إنّ الطالب يصل إلى مرحلة يجتهد فيها. وفي الماضي كان من الدارج أن يُمنح إجازة اجتهاد. أو الذي يتقدّم في مجال الحديث ويكون من أهل الحديث، فيمنح مثلاً إجازة في الحديث وفي روايته. كانت هذه العملية شائعة، لكنها غير موجودة حالياً للأسف، وهذا مؤسف حقاً، ومن الجيد جدّاً لو كان هذا الأمر لا يزال موجوداً. السادة يراعون بعض المسائل، ولا يمنحون إجازة اجتهاد لئلا تترتّب على ذلك تبعات، والحال أنّه يمكن العمل بطريقة لا تترتب عليها تبعات. ولكن قوموا أنتم الآن بهذا الشيء، أي اجعلوا شهادة للمرحلة الفلانية من الدراسة. هذه أيضاً نقطة.
النقطة الأخرى، هي السؤال الذي طُرح حول ما أقترحه للخوض في مجال الحديث والقرآن أي الأنس بالقرآن والأنس بالحديث. أنا بالطبع لا أدري فيما يتعلّق بالبرامج الدراسية ـ فهذا ما تحمّل السادة أعباءه حيث جلسوا واجتمعوا وخططوا وبرمجوا، ولا يمكنني أن أخوض في الأمر من وسطه وأقول إن التفسير كذا وكذا ـ لكنّني أعتقد بأنّه لا ينبغي لكم ترك التفسير. قد لا يكون التفسير من ضمن برامجكم الدراسية، وقد لا تحتاجون أن يكون من ضمن برامجكم وموادكم الدراسية، لكنّه ضروري بالتأكيد. كأن تكون لكم دورة من تفسير مجمع البيان مثلاً، فهو تفسير جيّد جداً، مجمع البيان تفسير علمي جداً، أي إنّ المرحوم الطبرسي في بعض المواضع وتعقيباً على بعض الآيات يبدي علميّته وتبحّره في الاستدلال والاستنباط. هكذا هو حاله في بعض المواطن، أمّا في المواطن التي لا يرى فيها حاجة لذلك فلا. مجمع البيان [هذا] على سبيل المثال. أرى من اللازم أن يكون هناك أنس بالقرآن على حدة وأنس بالتفسير على حدة. وكذا الحال بالنسبة للحديث الذي تحتاجونه. أي إنّكم تحتاجون حتماً إلى علم الرجال والحديث وعلم الحديث وما شاكل من أجل تفقّهكم ومن باب حاجتكم للمصادر الحديثية، لذلك يفترض أن يكون ضمن برامجكم، وضمن موادكم الدراسية، وهذا هو السبيل إلى التفقّه ويجب أن يحصل.
والنقطتان الأخيرتان اللتان أريد طرحهما: حاذروا أن لا يتراجع التوجه الثوري أمام أيّ من هذه المؤشرات ومقتضيات العمل في هذه المؤسسة. التوجه الثوري. إذا كان طلبتنا وأساتذتنا وفضلاؤنا وعلماؤنا ومراجعنا يؤمنون بهذا التحول العظيم الذي يُسمّى الثورة فسوف يعود هذا بالنفع على البلد. وإذا لم يكونوا مؤمنين به فلن ينتفع البلد ولا الجمهورية الإسلامية. يجب أن يكونوا مؤمنين بذلك. حين أقول الحوزة الثورية فليس معنى ذلك أن ترفع الشعارات حتماً في المكان الفلاني. وإذا كان الأمر ضرورياً فيجب عليها أن ترفع الشعارات. أنا أيضاً عندما تقتضي الضرورة أرفع الشعارات، لكنّ المهم أن تكون [الحوزة] مؤمنة إيماناً راسخاً بأن هذا التحول الذي حصل في هذا البلد يجب أن يستمر. والتحوّل ليس بالشيء الذي يتوقّف. التحوّل معناه تغيير يتكامل كلّ يوم ويؤول إلى الأفضل والأقوى والأعمق. هذا ما يجب أن يستمر وينبغي أن نؤمن بذلك. يجب أن نعرف أعداءنا، وأعداء هذا النظام، وأعداء هذه المسيرة التحوّلية. وإلا فسيُصاب البلد بالركود وسينهزم أمام سياسات أعداء هذا الشعب وأعداء الإسلام وإرادتهم. إن نظرة الإسلام اليوم مسمّرة على الجمهورية الإسلامية.. أقولها لكم.. إنّ الميول اليوم نحو إحياء الإسلام والحياة الإسلامية في العالم الإسلامي كبيرة جداً بالمعنى الحقيقي للكلمة. فالشعوب والأمم التي يئست من هذه الحضارات المادية الغربية والشرقية تميل نحو الإسلام لكنّها لا تمتلك ملجأ ومرجعاً ودعامة وعماداً تعتمد عليه وشخصاً ترجع إليه، لذلك فأعينها مسمّرة على الجمهورية الإسلامية، هذه حقيقة واقعة وموجودة. بالطبع، الأعداء لا يسمحون ولا يريدون لهذه الحقيقة أن تتجلّى وتظهر لكنّها واقعة وقائمة. وكل واحد من هذه البلدان الإسلامية العربية التي يتعّطّش ساستها لدمائنا، لو دخل إليه شيء أو علامة أو أثر أو ورقة من الجمهورية الإسلامية، أو ذهب شخص منها إلى هناك، أو أفراد، أو صُدّر كتاب، ولم يُمنع دخوله من قبل ساستهم، فإنّ الناس هناك ستقبل عليه. كلّ هذه البلدان الإسلامية الآن تقريباً، من الشرق إلى الغرب هي على هذا النحو. من أندونيسيا وماليزيا وما شاكل إلى أفريقيا. أعين الشعوب تتطلّع إلينا، والعالم الإسلامي اليوم بحاجة إلى حركتنا الثورية هذه. وهؤلاء الذين يتحدّثون في الداخل ويعملون ويصرّحون بما يغاير الميول الثورية، حتّى لو لم يكن كلامهم متعارضاً مع الميول الثورية ومضادّاً لها، هؤلاء بمقدار ما يكون عملهم مغايراً للميول الثورية، فهم يوجهون ضربة لأمل الأمة الإسلامية.. هذه ضربة لهم، وخيانة. فلتكن حركتكم حركة ثورية وعملاً ثورياً.
وهناك الاهتمام بالجانب المعنوي. فلا يمكن التقدّم إلى الأمام من دون التوجّه المعنوي ومن دون التوسّل والدعاء وصلاة الليل ومن دون الرجوع إلى الصحيفة السجادية وقراءتها. لا يمكن للعمل أن يتقدّم إذا لم يحافظ الإنسان على علاقته القلبية وارتباطه المعنوي بالله ومراقبته لهذه العلاقة. رحم الله المرحوم الحاج السيد أحمد [الخميني] كان يقول إن الإمام الخميني عندما كان يقوم الليل ويبكي ـ وقد كان الإمام الخميني شيخاً في الثمانين ونيف أو ما يقارب التسعين عندما كان يحدّثنا نجله بذلك ـ لم تكن المناديل الورقية العادية تكفيه لمسح دموعه، إنّما كان يضع منشفة اليدين والوجه إلى جانبه ليجفّف بها دموعه. وقد وفّقه الله تعالى وساعده بسبب هذه الروح المعنوية، وبسبب هذه الاستغاثة بالله تعالى والتوكّل عليه والطلب منه. وأنتم شباب قلوبكم طاهرة نقية ومشكلاتكم أقلّ وتستطيعون جيداً أن توجهوا هذه القلوب نحو الله وتؤدوا الصلاة بطريقة حسنة وتستأنسوا بالدعاء والتوسّل وذكر الأئمة (عليهم السلام). وأوصيكم على وجه الخصوص بصلاة الليل قدر المستطاع، وإن فاتتكم في ليلة ما فصلّوها قضاءً، ولا تتركوها؛ أي تابعوا هذه الأعمال فهي مؤثرة جداً وتضفي عليكم النورانية، وهذه النورانية سوف تعينكم في تشخيص الطريق. ثمّة أمور مهما سألها الإنسان من ذا وذاك لما أجداه ذلك نفعاً، أي إنّه يسمع أحياناً شيئاً من شخص لكنّه لا يؤثر فيه. أمّا إذا تحقّقت تلك النورانية فسوف تفتح القلوب وتمطر صاحبها بالبهجة المعنوية. أنتم شباب ومتقدّمون علينا في هذا الجانب وأفضل منّا، والأمر أسهل عليكم منا.
وفّقكم الله إن شاء الله، ونحن ندعو لكم فادعوا لنا أنتم أيضاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش:
1 ـ في بداية هذا اللقاء تحدّث حجة الإسلام والمسلمين السيّد علي رضا صدر حسيني (مدير المؤسسة العليا للفقه والعلوم الإسلامية) وأحد الحضور.
2 ـ كتاب «البنك اللاربوي في الإسلام» للشهيد السيّد محمّد باقر الصدر.