في المسجد الذي ينشده الإسلام يمتزج وجد العبادة الخالصة وبهجتها مع توثب الحياة الطاهرة والعقلانية و السليمة، ويقترب الفرد والمجتمع من الطراز الإسلامي لهذه الحياة. المسجد مظهر امتزاج الدنيا والآخرة وتواصل الفرد والمجتمع في رؤية المدرسة الإسلامية وأفكارها.
بهذه النظرة تخفق قلوبنا للمسجد وتفيض بشوق المسؤولية والشعور بها. ليست قليلة بين المساجد اليوم تلك التي بمقدورها تقديم نموذج لهذه الصورة الجميلة المشوّقة. تواجد جيلنا الشاب الطاهر ورجال الدين والأساتذة الواعين المخلصين جعل بعض المساجد بحق أقطاباً للذكر والعبادة والفكر والمعرفة، وأثار في قلوبنا ذكريات عزيزة قيمة. ولكن ما لم يؤدَّ هذا الواجب بتمامه وكماله يجب أن لا يغفل بل لا يستطيع أن يغفل أيّ منا عن الخطر الذي يهدد المجتمع والشباب والعوائل والأجيال القادمة بسبب قلة المساجد أو ضعفها، أو أن نحرم أنفسنا من البركات العظيمة التي يهديها المسجد بطرازه الإسلامي لبلادنا ونظامنا وشعبنا.
~الإمام الخامنئي ٢٠١٠/١٠/١٠
يجب أن تكون المساجد قاعات للتفسير والحديث ومنابر للمعارف الاجتماعية والسياسية ومراكز للموعظة وتربية الأخلاق. على ترانيم سدنة المساجد و مدرائها و أمنائها أن تجذب قلوب الشباب الطاهرة وتبعث فيها الشوق. تواجد الشباب والروح التعبوية ينبغي أن تجعل أجواء المساجد حية زاخرة بالنشاط والتطلع إلى المستقبل وطافحة بالأمل. يجب إطلاق تعاون وأواصر مدونة ومناسبة بين المسجد والمراكز التعليمية في كل حيّ. ما أجمل أن يشجَّع التلاميذ المميزون البارزون في كل حي في المسجد من قبل إمام الجماعة وأمام أنظار الناس. يجب على المسجد أن يقيم علاقات متينة مع الشباب الذين يتزوجون، والذين يحرزون نجاحات علمية واجتماعية وفنية ورياضية، ومع أصحاب الهمم الذين يجعلون مساعدة الآخرين همّهم الأوّل، وأصحاب الهموم الذين يبحثون عمّن يروِّح عنهم همومهم، وحتى مع الأطفال الذين يولدون للتّو. يجب أن يكون المسجد في أيّة منطقة أو حي مأمناً وسبباً للخير والبركة، وأن لا يكون من باب أولى سبباً في إيذاء جيرانه وإزعاجهم.
بث الأصوات المزعجة خصوصاً في الليل وعند أوقات راحة الناس عملٌ غير صحيح وفي بعض الأحيان بخلاف الشرع. الصوت الوحيد الذي يجب أن يفشى في الأجواء من المسجد هو صوت الأذان بصوت عذب محبب.
~الإمام الخامنئي ٢٠١٠/١٠/١٠
القضية الأولى تتعلق بأهمية المسجد نفسه، وهذا الإبداع الذي اختاره الإسلام في بداية نشأته. وجعله محلاً لاجتماع الناس حول محور ذكر الله والدعاء له والتوجه إليه تعالى. تجمعات الناس لها تأثيراتها بشكل طبيعي. يجتمع عدد من الناس حول بعضهم ويتحدثون ويستمعون ويتخذون القرارات ويتواصلون فكرياً، ويكون ثمة تعاط وتبادل فكري فيما بينهم. أين يحدث هذا؟ يحدث مثلاً في الأندية الأرستقراطية لأجل أعمال مختلفة، وهذا ما هو دارج في الغرب. أو يحدث في المقاهي. أو في روما القديمة مثلاً كانت تعقد مثل هذه التجمعات في الحمامات، حيث يجتمع عدد من الناس حول بعضهم، وكان الذهاب إلى الحمام ذريعة لكي يتحدثوا ويستمعوا. أو تقام هذه التجمعات في أماكن محورها إقامة الصلاة. هذا شيء مختلف جداً. عندما يعقد الاجتماع حول محور الصلاة وذكر الله، فسوف يكون له معنى آخر واتجاه آخر، ويأخذ القلوب نحو جهة مختلفة. كان هذا إبداع الإسلام.
نعم، المعبد شيء موجود في كل الديانات - يجتمعون هناك ويمارسون عباداتهم - لكن المسجد يختلف عن المعابد المسيحية واليهودية و البوذية وبعض الأماكن الأخرى التي شاهدناها أو سمعنا بها. لم يكن الرسول الأكرم (ص) يذهب إلى المسجد لأداء الصلاة فقط ثم يخرج. حين كان يحدث حدث مهم يجب أن يجتمع له الناس، كانوا ينادون: الصلاة جامعة. توجّهوا إلى مكان الصلاة، لماذا؟ لأجل أن نتشاور في قضية الحرب، أو نخبر بشيء، أو نتعاون، أو نعبّئ الإمكانيات وسائر الأمور. وأنتم تلاحظون في تاريخ الإسلام أن المساجد كانت مراكز للتعليم. نسمع ونقرأ في الروايات أن المسجد الحرام أو مسجد النبي كان يشهد حلقات دروس زيد وعمرو وبكر من مختلف النحل الفكرية والمذهبية. معنى هذا مختلف جداً عن الكنيسة أو الكنيست اليهودي حيث يذهبون إلى هناك ليعبدوا فقط ثم ينصرفوا. المسجد مقر، وهو مقرّ قائم حول محور الصلاة وذكر الله.
~الإمام الخامنئي ٢٠١٦/٨/٢١
المسجد، ليس في زماننا فقط وليس في بلدنا الإسلامي العزيز فقط، بل في مختلف نقاط العالم وعلى مدى التاريخ تحوّل إلى منطلق لمشاهد عظيمة ونهضات وحركات إسلاميّة كبيرة. فنهضة شعوب بلاد شمال أفريقيا المسلمة على سبيل المثال -مثل الجزائر وسائر البلدان التي رزحت لأعوام تحت سلطة استعمار الفرنسيّين العسكريّة- انطلقت من المساجد، وقد حقّقت النّصر ونالت تلك البلاد استقلالها. وقد اتجهت الثورة في هذه البلاد أيضاً نحو الهزيمة وفقدت الشعوب استقلالها عندما قطعت علاقتها بالمساجد ودين وإيمان المساجد.
في مرحلة صدر الإسلام أيضاً، وفي زمن نبيّ الإسلام (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأيضاً في مرحلة حكم أمير المؤمنين (عليه الصلاة والسلام)، كان المسجد مقرّاً لكافّة القرارات المصيريّة والأعمال الكبيرة. لا نودّ أن نشبّه المسجد اليوم بمسجد الكوفة في زمن أمير المؤمنين من حيث الظروف الزّمانيّة؛ لأنّ مقتضيات كلّ زمان تختلف. بشكل عامّ ينبغي أن يكون المسجد مقرّاً للدين، والعبوديّة والمعرفة، وبالإمكان أن يكون أيضاً منطلقاً وبداية للحركات العظيمة والبركات الخالدة في المجتمعات الإسلاميّة.
~الإمام الخامنئي ١٩٩٧/١/٨