بسم الله الرحمن الرحيم (1)
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أبي القاسم المصطفى محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين المنتجبين، سيما بقية الله في الأرضين. 
بدايةً أبارك لكم جميعاً أيها الشباب الأعزاء وقرة الأعين، سواء الشباب الذين حصلوا اليوم على رتبهم العسكرية وتخرجوا والتحقوا بمجموعة الضباط الشباب في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية أو الشباب الذين نالوا اليوم شاراتهم الأولية وبدأوا مسارهم نحو أنشطتهم المستقبلية، نتمنى لكم التوفيق جميعاً إن شاء الله. الحائزون على رتبهم اليوم – الذين نلتم اليوم رتبكم – ممن نالوا سابقاً شاراتهم الأولية، لقد أصبحتم اليوم ضباطاً شباباً في جيش الجمهورية الإسلامية، وستصبحون غداً إن شاء الله وبتوفيق من الله وإن شاء الله قادة ومسؤولين ومدراء أقوياء في القوات المسلحة لبلادكم. وقد جهّزتم الساحة بشكل جيد جداً وقدّمتم عرضاً جميلاً في الساحة، وأنا أشكر الذين أعدّوا هذا العرض والذين نفذّوه. 
أشير أولاً إلى نقطة أساسية ثم أذكر جملة من النقاط لكم أيها الشباب الأعزاء. النقطة الأساسية هي أن التواجد في جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية ليس مجرّد مهنة مثل سائر المهن التي يسعى الإنسان وراء ويعمل بها، إنما هي تولي مسؤولية مقدسة. فما هي هذه المسؤولية المقدسة؟ إنها صيانة الأمن. الأمن من أهم العوامل التي يحتاجها المجتمع وأكثرها تأثيراً. إذا لم يتوفر الأمن في مجتمع ما فلن يمكن القيام بأي عمل صحيح وإيجابي في ذلك المجتمع. إذا لم يكن الأمن في مجتمع وكان البلد عرضة لتهديدات الأعداء فلن يمكن القيام بعمل علمي ولا بحثي صحيح سليم في ذلك البلد، ولن يمكن القيام بنشاط اقتصادي، ولا عمل فكري وثقافي. في البيئة منعدمة الأمن لا يفكّر أي إنسان إلا بحفظ نفسه. وأنتم مجموعة القوات المسلحة وجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية حرّاس أمن هذا البلد. هذه مسؤولية مهمة وحساسة ومقدسة وقيّمة إلى أبعد الحدود، ويجب أن تُدركوا قدر هذا الأمر. لذلك إذا بدأتم أنتم الشباب – بقلوبكم الطاهرة النيرة – عملكم هذا من الآن بنيّة القرب إلى الله فسيكون عملكم هذا عبادة. أي إن تدريباتكم هذه وحضوركم في الصفوف ومهامّكم التي تنفّذونها والأعمال الكبيرة التي تقومون بها ستكون هذه كلها عبادات. عندما يكون العمل مقدساً ويؤدّيه الإنسان بقصد القربة إلى الله فسيكون عبادة. إذن، هذا هو الفرق الأساسي. 
قضية الأمن كما أشرت على جانب كبير من الأهمية. أكبر ضربة يمكن أن يوجهها الأعداء لبلد من البلدان هي أن يسلبوا أمن ذلك البلد. الأمر الذي ترون أن الأعداء راحوا يفعلونه في بعض بلدان منطقتنا، بدأوا يقومون به ويسلبون الأمن من شعوب تلك البلدان. ومنفّذو هذه الخبائث معروفون. تعمل القوى الاستكبارية في الوقت الحاضر، وأمريكا أكثر من غيرها، والأجهزة الاستخبارية الغربية بدعم من أموال بعض البلدان الرجعية في المنطقة على إشعال الفوضى والاضطرابات في بلداننا الجارة والقريبة منا وبلدان هذه المنطقة. يزعزعون الأمن، هذا أسوء عداء وأخطر حقد ضد شعب من الشعوب. 
وأنتهز الفرصة هنا لأقول للحريصين في هذه البلدان مثل العراق ولبنان اللذين يعانيان من مشكلات، أقول لهم من هنا إن أولويتهم هي معالجة انعدام الأمن. وعلى شعوبهم أن يعلموا، رغم وجود مطالب لديهم ومطالبهم محقة، لكن هذه المطالب لا يمكن تحقيقها إلا في إطار الهيكليّات القانونية. يريد العدو أن يحطّم الهيكليّات القانونية. عندما لا تتوفر الهيكليّات القانونية في بلد ما فستحدث ثغرات وفراغات، وإذا حصلت ثغرات فلن يمكن فعل أي شيء ولن يتاح القيام بأي خطوة إيجابية. وقد خطّطوا مثل هذه الخطط لبلادنا العزيزة لكن الشعب تواجد في الساحة في الوقت المناسب لحسن الحظ وكان يقظاً وكانت القوات المسلحة أيضاً متواجدة في الساحة وتمّ إحباط المخطّطات. وهذا العلاج هو العلاج لكل البلدان التي تعاني من هذه المشكلة. هذه هي النقطة الأولى، فلتعلموا أنكم حراس الأمن ومن تحافظون على الأمن، أي حراس أهم ما يملكه شعب من الشعوب وهو مفتاح الممتلكات والأمور الأخرى. 
النقطة الثانية هي مقارنة جيش الجمهورية الإسلامية بجيوش القوى الاستكبارية. وليس لي شأن بكل جيوش العالم، فلا أنا أعرفها ولا أريد أن أقول شيئاً عنها، إنما كلامي عن الجيوش الاستكبارية. لنقُم بمقارنة بين جيشنا – وأنتم شبابه وبراعمه وأزهاره حديثة النماء – والجيوش الاستكبارية. ثمة فارق جوهري بين الجانبين، هناك فارق ذاتي عميق بين الطرفين. جيش الجمهورية الإسلامية كما قلنا يعتبر نفسه حارساً لأمن بلاده، هذه هي مسؤوليته الرئيسية. أما المهمة الأولى لجيوش القوى الاستكبارية فهي الغزو والهجوم والاغتصاب والإضرار بالبلدان التي يمكن الإضرار بها لأسباب معينة ولأجل مصالح معينة. هذا هو الفرق. 
إننا في زمن الجمهورية الإسلامية لم نبادر لإطلاق أي حرب، لكننا دافعنا بقوة واقتدار، أما الهجوم والاعتداء فأبداً! لا يوجد اعتداء في فلسفة ومنطق جيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية والقوات المسلحة لنظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ولكن انظروا لجيوش البلدان المستكبرة في هذا القرن الأخير – وحين أقول هذا القرن الأخير فإنني على علم واطلاع بجزء مهم من هذا القرن، وقد شهدته عن قرب، أي إن الأحداث وقعت في زماننا – يمكن ملاحظة آثار وبصمات جرائم الجيوش التابعة للقوى الاستكبارية في كل مكان من العالم خلال هذه المائة عام الأخيرة. 
لقد ارتكب الجيش البريطاني في شبه القارة الهنديّة أي في باكستان والهند وبنغلادش اليوم، وفي بورما وفي البلدان الصغيرة في المحيط الهندي جرائم خلال هذا القرن الأخير - أي القرن العشرين - بحيث يشمئزّ الإنسان حقاً لاستذكارها وكيف هاجموا الشعوب بجيوشهم وقواتهم العسكرية. هنا توجد أرقام وأمثلة عجيبة عن مذابح جماعية. وقد كان هذا مجرد جزء من الأمر. هذا ما فعله الجيش البريطاني في منطقة الشرق. وقد قاموا طوال المئة عام هذه بالأعمال ذاتها في غرب آسيا. وقاموا بالأعمال ذاتها في جزء من شمال أفريقيا. ارتكبوا من الجرائم ضد الشعوب ما لن تنساه الشعوب. طبعاً حاول السياسيون – سواء سياسيو تلك البلدان الضعيفة أنفسهم أو السياسيون البريطانيون – أن يُعتّموا ويتكتّموا على هذه الجرائم والعمل على إنسائها، لكنها لا تقبل النسيان فقد سُجّلت في التاريخ وستبقى مسجلة. 
ومثل هذا الشيء بالضبط يَصدُق على الجيش الفرنسي. الفرنسيون الذين تعلو اليوم أصواتهم بخصوص حقوق الإنسان والديمقراطية وما إلى ذلك إلى عنان السماء، ارتكبوا جرائم مروعة في شمال أفريقيا وفي الجزائر وفي المغرب وتونس وكذلك في شرق آسيا في فيتنام قبل أن يدخل الأمريكيّون إلى فيتنام، وارتكب الفرنسيّون هناك جرائم كثيرة، ذهبوا إلى منطقة شرق آسيا وارتكبوا جرائم. وفي سورية ولبنان ارتكب الجيش الفرنسي جرائم عجيبة ومارسوا شتى صنوف الضغط والعداء ضد الشعوب هناك. هذه أحداث وقعت في المائة عام الأخيرة. وهذه هي خصوصية وسمة الجيوش الاستكبارية. 
وعندما حان الدور لأمريكا فمن المعروف ما الذي فعلته. قتلت في شهر آب 1945 بقنبلة ذرية واحدة في هيروشيما مائة ألف إنسان بشكل فوري آني. عندما سقطت هذه القنبلة في هيروشيما قتل في الساعة الأولى مائة ألف شخص، وبالطبع قتل أو تعوق بعد ذلك عشرات الآلاف أيضاً على مر الزمن بسبب التسمم الناجم عن الأمواج النووية. وبعد ثلاثة أيام قصفوا مدينة ناكازاكي بقنبلة ذرية أخرى فقتلوا هناك خمسين ألف إنسان آخر. وطرح السؤال: إذا كنتم تريدون إنهاء الحرب – فقد قالوا إننا أردنا بعملنا هذا إنهاء الحرب العالمية – فقد كانت القنبلة الأولى كافية فلماذا ألقيتم القنبلة الثانية في ناكازاكي؟ وكان جوابهم: كانت القنبلة الأولى مصنوعة من اليورانيوم، أما القنبلة الثانية فمصنوعة من البلوتونيوم، وأردنا اختبارها! لاحظوا، من أجل اختبار قنبلة يقتلون في الساعة الأولى 150 ألف إنسان. هذه هي طبيعة الجيش الاستكباري؛ الجيش عديم الدين وغير المؤمن بالله والمفتقر للأخلاق. هذا هو الفارق بين الجيوش. هذه طبعاً أمثلة محدودة أضربها لكم. ولو أراد شخص التحدث عن جرائم جيوش القوى الاستكبارية وأن يتجاوز هذا القرن الأخير الذي أتحدث عنه – على مدى مائتي أو ثلاثمائة عام – فسيحتاج الأمر كتابة عدة كتب ويجب كتابتها. 
حسناً، على ماذا تعتمد هذه الجيوش؟ من أين تأتي إمكانيات هذه الجيوش؟ تعتمد هذه الجيوش على الحكومات المستكبرة. أي إن المشكلة لا تنبع من الجيش نفسه، بل من الركيزة التي يعتمد عليها الجيش، أي الأنظمة الاستكبارية. لاحظوا! هذا هو السر في أنني وإيّاكم نُصرّ ونُشدّد ونُكرّر أنّنا نَعتمد على القرآن وأننا نُريد نظاماً إسلامياً. عندما تَقع الإنسانية بيد أنظمة لا أخلاق لها ولا دين لها ولا اتجاه صحيحاً لها فستكون هذه هي النتيجة وستكون هذه هي جيوشها. سند هذه الجيوش التي ارتكبت كل هذه الجرائم هو القوى السياسية التي حكمت تلك البلدان، فتلك القوى والأنظمة هي التي دعمت هذه الجيوش، وهذه الجيوش بدورها حمت تلك الأنظمة وحرستها وحافظت عليها. هذه هي طبيعة العملية. طبعاً في هذا الجانب، أي في جانب النظام الإسلامي، يُثمّن النظام الإسلامي جيشه وقواته المسلحة وحرسه وتعبئته وشرطته ويعرف قيمتها ويهتم بها. فالقوات المسلحة جزء مهم ومؤثر من مجموعة نظام الجمهورية الإسلامية الجميل اللافت المتكون من عناصر متنوعة في هيكليته الكبيرة على امتداد طولها وعرضها وبدايتها ونهايتها. هذه هي النقطة التالية. 
النقطة الثالثة تتعلق بخصائص جيش الجمهورية الإسلامية. لقد عمل جيش الجمهورية الإسلامية طوال هذه الأعوام الأربعين بكل كيانه ووجوده في خدمة الثورة الإسلامية، وقدم كل طاقاته وقدراته في هذه الساحة. كان هناك اختبار تاريخي أمام التشكيلات الموجودة داخل البلاد، وخرجت كل تشكيلة من هذا الاختبار بشكل من الأشكال، وقد خرج جيش الجمهورية الإسلامية من هذا الاختبار مرفوع الرأس. هذا هو الحكم الذي بوسعي أن أدلي به في خصوص جيش الجمهورية الإسلامية. منذ الساعة الأولى لانتصار الثورة بل قبل انتصار الثورة بقليل حيث جاءت التشكيلات الثورية من الجيش وأعلنت عن نفسها وموقفها، وقد كنت في خضم قضايا الجيش إلى يومنا هذا – 41 عاماً – أثبت الجيش نفسه في هذه الساحة بشكل جيد. 
أولاً استطاع عدد كبير من عناصر الجيش في زمن الطاغوت ممن حفظوا دينهم وإيمانهم أن ينزلوا إلى الساحة وأن يشكلوا هم في الواقع جيش الجمهورية الإسلامية. الشهيد صياد والشهيد ستاري والشهيد بابائي وقبلهم بقليل الشهيد فلاحي والشهيد فكوري والمرحوم ظهير نجاد والمرحوم سليمي كانوا من عناصر الجيش في زمن الطاغوت. وتلاحظون أن هذه الوجوه المتألقة استطاعت الترحيب بنظام الجمهورية الإسلامية وأن تأتي بحشود الجيش الهائلة وراءها في هذا الدرب. عندما كان الشهيد بابائي آمراً للقاعدة الجوية في إصفهان ذهبت لزيارة تلك القاعدة. كانت تلك القاعدة التي يرأسها في ذلك الحين الشهيد بابائي وكان عقيداً – كان رجلاً مؤمناً متديناً ثورياً – تُدار وكأنها مجموعة تعبوية، ذهبت وزُرت أماكن متعددة فيها. وكان الشهيد صياد مظهر التحرك الثوري والإيمان والعقيدة الدينية. كانت هذه بعض أعمال وجهود العناصر السابقة وهم كثر وعددهم كبير ممن هبّوا للترحيب بنظام الجمهورية الإسلامية، وقد ذكرت الآن أسماء بعضهم وقد بلغ عدد مهم منهم مرتبة الشهادة الشامخة، وكان بعضهم في مجالات خدماتية يقدمون الخدمة ويعملون ويبذلون الجهود وقد شهدنا مساعيهم وجهودهم. 
ثانياً قدّم الجيش التضحيات والأرواح في كل الساحات. في مواجهة دعاة الانفصال والتجزئة التابعين للقوى الخارجية في بداية الثورة، وفي بعض مرافق البلاد كان الجيش من القوات التي نزلت إلى الساحة وبذلت جهودها، وفي ثمانية أعوام من الدفاع المقدس، كانت مشاركة الجيش مشاركة ملحوظة وبارزة. وكذا الحال في حراسة الحدود خلال الأعوام التي أعقبت الانتصار في الدفاع المقدس. وكذلك في دعم جبهة المقاومة مارس الجيش دوره وهذه حقائق مسجلة وسوف تتضح في وقتها في المستقبل وستعلن وستكتب وتنشر. 
ثالثاً أوجد الجيش تطوراً وتحولاً في قدراته الداخلية، سواء التطور في التنظيم أو التطور في التكتيكات القتالية أو التطور في المعدات والتجهيزات أو التطور في الأفكار والثقافة لدى كل المنتسبين للجيش. هذه الروح الدينية والإيمانية في جامعات الضباط في جيش الجمهورية الإسلامية شيء مميز ومهم للغاية، ولم تُكتسب بسهولة. لقد استطاع القادة المتدينون الجديرون طوال الزمان أن يُكرّسوا هذه التقاليد والأعراف بهذا الشكل العميق المتأصّل. وتغيرت الاتجاهات اللادينيّة في الجيش خلال عهد الطاغوت ١٨٠درجة وبشكل أساسي وتحولت إلى اتجاهات دينية وثقافية وإسلامية. 
النقطة التالية تتعلق بالمستقبل. حسناً، علمنا طبيعة الجيش الإسلامي، وتحدثنا باختصار حول الوضع الحالي لجيش الجمهورية الإسلامية، ولكن ثمّة واجبات تتعلّق بالمستقبل. لاحظوا يا أعزائي، ما معنى الشعب الحر؟ ما هو مناط أن «الحرية إحدى القيم» وما هو معيار حرية شعب من الشعوب؟ من هو الشعب الذي يسمّونه شعباً حراً؟ الشعب الحرّ هو ذلك الشعب الذي له إرادة حرة ويريد ما يريده بصورة حرّة ويعمل بحرية ويُحدّد مصالحه الحقيقية والوطنية ويؤمّن تلك المصالح لنفسه ولبلاده باستقلال في الإرادة واستقلال في العمل. الشعب الحر بحاجة لمثل هذا الشيء، وهذه الخصائص وهذه المؤشرات هي التي تجعلنا نعتبر شعباً من الشعوب حرّاً. إذا استطاع شعب أن يُشخّص هذا التشخيص الصحيح ويتّخذ هذا القرار الصحيح ولا يخضع لتخريب الحسابات الذي يمارسه العدو فسوف يصل إلى نتائج جيدة. تخريب الحسابات! لاحظوا أنه من ممارسات العدو مساعيه لتغيير حسابات مسؤولي البلاد والمؤثرين الفكريين في البلاد وبدرجة لاحقة كل أبناء الشعب في البلاد، والتأثير في حساباتهم. الأمر يشبه أن تدسّوا في حاسوب شخص ما فايروساً دخيلاً بحيث تكون النتائج التي يعطيها هذا الحاسوب لصاحبه كلها مغلوطة وخاطئة، كذلك قد يؤثر العدو أحياناً في الحاسوب العام والكلي لإدارة البلاد وأفكارهم وحساباتهم. الشعب الحر هو ذلك الشعب الذي لا يخضع لهذه التأثيرات ويفكر بحرية بالمعنى الحقيقي للكلمة، يفكر بحرية ويعمل بشجاعة ويسعى لتحقيق مصالحه. حسناً، ما الذي يحتاجه في مثل هذا الدرب؟ يحتاج إلى البصيرة. 
إذا لم تكن لدينا بصيرة ولم تكن لدينا رؤية صحيحة وأعين مفتّحة ويقظة لازمة فسوف لن نحدّد مصالحنا بشكل صحيح ولن نشخّص الطريق لتحقيق تلك المصالح بشكل صحيح، ولن نعرف الشخص الذي يجب أن يحمل على عاتقه هذه الأعباء الثقيلة بشكل صحيح. عندما لا تكون هناك بصيرة فسيكون أمرنا كالإنسان الفاقد للبصر، إنه لن يرى الطريق. البصيرة بالنسبة للبلد وللشعب ولكل الناس في تشكيل معيّن مهمة إلى هذه الدرجة. إذا توفّرت هذه السمات في بلد وفي شعب فسوف يصل ذلك الشعب إلى نتائجه المطلوبة. وبالطبع فهذا يخلق التزامات وضرورات لكل التشكيلات والفئات، ومنها قواتنا المسلحة. لا يمكننا افتراض أن هناك أفراداً يتحلّون بالبصيرة في البلاد فتغمض القوات المسلحة أعينها وتقول: القول ما يقوله أولئك. لا، هذه البصيرة عامة تشمل الجميع. هكذا هو الحال في النظام الإسلامي. في النظام الإسلامي يجب على كل واحد منكم أن يرى وينظر ويفكر ويعرف ويشخص ويعمل ويشعر بالمسؤولية ويحذر من أن يؤثر العدو في حساباته وأفكاره. 
والآن، ما هي النتيجة التي تُستخلص من هذه النقطة الأخيرة التي أشرنا لها: النتيجة الأولى هي أنه ينبغي عدم الثقة بالعدو ويجب أن لا يكون هناك حسن ظنٍّ ساذج. 
ثانياً يجب عدم الغفلة عن تحركات العدو، بل ينبغي مراقبة تحركاته ورصدها دائماً. من الأقسام المهمة في قواتنا المسلحة أقسام الاستخبارات والمعلومات. ينبغي عدم رفع العين عن تحركات العدو، ويجب رصد برامجه ومخططاته وتحركاته دائماً. 
ثالثاً ينبغي عدم الاستهانة بالعدو وافتراضه عاجزاً تافهاً، وعلى حد قول سعدي الشيرازي: يجب عدم اعتبار العدو تافهاً مسكيناً (2). لنعرف العدو بحجمه الحقيقي ونعدّ أنفسنا للدفاع عن أنفسنا مقابل العدو المعتدي. 
والضرورة الأخرى يا أعزائي هي أنه يجب عدم الاغترار بالانتصارات. الانتصارات قيّمة وثمينة وجديرة بالفرح ولكن ينبغي عدم الاغترار بها. هناك كثيرون يحققون في بداية المطاف انتصاراً ولكن بعد أن يتحقق لهم هذا النصر يواجهون مشكلة لسبب ما ولعامل معيّن والمثال المعروف على ذلك في التاريخ هو معركة أحد في زمن الرسول والتي شارك فيها الرسول بنفسه وكان في وسط الساحة وانتصر المسلمون لكن غفلة معينة تسببت في انقلاب هذا الانتصار إلى هزيمة واستشهاد قائد كبير مثل حمزة سيد الشهداء واستشهاد كثيرين وإصابة كثيرين وإلى أن يخرج جيش الإسلام من المعركة مغلوباً. ينبغي الحفاظ على النصر، والحفاظ على النصر يكمن في الحفاظ على عوامل النصر. عوامل النصر هي الإيمان والجهاد الدائم والسعي المستمر والوحدة والتآزر. ينبغي عدم التفريط بهذه الأمور. 
أعزائي، ينبغي كذلك عدم الانشغال باللّهو المادّي التافه. الكثير منا نحن البشر لدينا محفزات ودوافع حسنة وهمم عالية، لكن الشواغل المادية الصغيرة التافهة قد تبدو أحياناً كبيرة في أعيننا، فيشغلنا السعي وراء منصب معين، والسعي وراء المال، والسعي وراء الشهوات. عندما ننشغل فسوف نبتعد عن الهدف، وسوف يزول ويمحى ما قلنا إنه يجب السعي من أجله دوماً وبذلك نخسر النصر الذي حققناه. إذن، ينبغي الحذر والانتباه والحفاظ على عوامل النصر وعدم الانشغال بالشواغل التافهة. 
والشيء الذي تختص به القوات المسلحة وقوات حفظ الأمن في هذا المضمار هو أن تراقب الفتنة وتحذر منها. يقول القرآن الكريم: «اَلفِتنَةُ اَشَدُّ مِنَ القَتل» (3). ويقول في موضع آخر: «اَلفِتنَةُ اَكبَرُ مِنَ القَتل» (4). القتل شيء سيئ وغير محبّذ لكن الفتنة أسوء منه. حسناً، إذا كانت الفتنة أسوء من القتل، إذن ينبغي على قوات حفظ الأمن اتخاذ اصطفافها ونظامها اللازم لمواجهة الفتنة، كما ينبغي أن يحافظوا على جاهزيتهم أمام الفتنة. هذا هو ما يجب على الأجهزة والمؤسسات الاهتمام به. 
والنقطة الأخيرة التي أشير لها هي قضية الأمل بالمستقبل. ما يبدو من كلماتكم وتحركاتكم وما يراه المرء من شباب البلاد في مختلف القطاعات – سواء القوات المسلحة أو الشباب في الكثير من القطاعات الأخرى – هو أن شبابنا بحمد الله طافحين مفعمين بالأمل. الأمل بحمد الله كبير في بلادنا على الرغم من أنف العدو الذي يريد قتل الأمل في القلوب وإطفاء هذا الضياء والنور في القلوب. ينبغي الحفاظ على هذا الأمل ويجب الاطمئنان بأن الله تعالى سيحقق الوعود. 
إننا اليوم نرى أمام أعيننا تحقق الوعود الإلهية. أيها الأعزّاء، من كان يتصوّر أن يُضطرّ الكيان الصهيوني الذي لم تستطع القوات المسلحة لعدة بلدان أن تجابهه – في حرب واحدة استطاعت القوات الإسرائيلية دحر قوات ثلاثة بلدان عربية خلال ستة أيام، وفي حرب أخرى استطاعت دحرها في غضون عشرة أيام أو اثني عشر يوماً – من كان يتصور أن هذه القوات المسلحة المهيمنة التي لم تقوَ عليها جيوش ثلاثة بلدان تضطر أمام الشباب المؤمن في حزب الله للتراجع والانسحاب والهزيمة ورفع الأيدي بعلامة الاستسلام في غضون 33 يوماً! والأهم من ذلك أن تنهزم أمام الشباب الفلسطيني صاحب الهمم العالية في غزة – غزة صغيرة المساحة – في غضون 22 يوماً مرة وفي غضون 7 أيام مرة أخرى، وتطلب وقف إطلاق النار، من كان يتصور هذه الأمور؟ عندما يكون هناك ثبات وصبر وتوكل على الله وإيمان بوعود الله فستكون هذه هي النتيجة. هذا ما شاهدناه مقابل أنظارنا وأعيننا وهو ما سيكون بعد الآن أيضاً. 
نلاحظ اليوم أن الاستكبار رغم التكاليف الجسيمة التي أنفقها في منطقة غرب آسيا – منطقتنا – إلّا أنه أخفق لحد الآن! هذا ما يقولونه هم أنفسهم، يقولون أنفقنا هنا سبعة آلاف مليار دولار ولم نحصل على شيء. هم يعترفون بذلك. وهذا دليل على أنه يمكن الوثوق بالقوة المعنوية للإيمان والاعتماد عليها والأمل بالمستقبل. وأقولها لكم إن مظاهرات العودة هذه التي تَخرُج في غزة هذه الأيام سوف تُؤدّي يوماً ما إلى عودة الفلسطينيين عودة حقيقية إلى أراضيهم، وسيعود أصحاب الأرض إلى تلك الأرض حقاً، إن شاء الله. أسأل الله تعالى التوفيق لكل واحد منكم ولعوائلكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 

 
الهوامش:
1 – في بداية هذه المراسم -التي أقيمت في جامعة خاتم الأنبياء للدفاعات الجوية- تحدث الفريق السيّد الرحيم موسوي القائد العام لجيش الجمهورية الإسلامية الإيرانية. 
2 – گلستان (روضة الورد)، الباب الأول «أتعلم ما الذي قاله زال لرستم / لا يمكن افتراض العدو تافهاً مسكيناً». 
3 – سورة البقرة، شطر من الآية 191 . 
4 – سورة البقرة، شطر من الآية 217 .