يجب أن لا ننظر إلى "الحاج قاسم" كمجرّد فرد، فهذه النّظرة تحدّنا وتمنعنا عن استلهام الدروس والنّقاط المهمّة التي ينبغي أن نتعلّمها. " فلننظر لقيادينا الشهيد العزيز كمدرسة وكدرب وكعقيدة زاخرة بالدروس، عندئذ تتبين قيمة وقدر هذه القضية." (17/1/2020) إذا ما نظرنا إلى الحاج قاسم كمدرسة، حينها سيكون بالإمكان الإجابة على أسئلة ومحاور عديدة تتمتّع بالأهميّة للقوات الحزب اللهيّة من الناحية الاستراتيجيّة والعمليّة. ومن بين هذه الأسئلة، كيف يمكن لشاب قرويّ يُدعى قاسم سليماني والذي كان أحد مقاولي مؤسسة المياه في محافظة كرمان قبل انتصار الثورة الإسلامية أن يُعيّن بعد انتصار هذه الثورة قائداً لفيلق ثار الله 41 وممن ثمّ قائداً لقوّة القدس في حرس الثّورة الإسلاميّة؟ كيف يُمكن لقاسم سليماني الذي لم يكن أحد يعرف اسمه سوى من هم حوله قبل انتصار الثورة الإسلاميّة أن يتحوّل بعد انتصارها إلى اللواء أو حسب تعبير الغربيّين "الجنرال سليماني" الذي كان كابوس المسؤولين الأمريكيّين والغربيّين في المنطقة والعالم على مدى 20 عاماً؟ السؤال الآخر هو أيضاً حول خصائص هذه المدرسة وميّزاتها؟
معجزة ثورة الإمام الخميني
يُمكن القول في معرض الرّد على هذا السؤال أن هذه هي "معجزة ثورة الإمام الخميني" دون شكّ، وهي التي جعلت هذه القدرات والمواهب تتجسّد. " ذات مرة قال الإمام الخميني في خصوص الحرب إن فتح الفتوح الذي قامت به هذه الثورة هو تربية الشباب وترشيد هذه الغرسات المتوثبة ... وكان الحق معه ... فكل هذه الفتوح والأعمال والإنجازات المهمة صغيرة مقابل هذا الإنجاز، تربية وإعداد الأفراد المميزين." 8/1/2020
والحاج قاسم هو أحد النّاهلين من معين هذه المدرسة. "لقد كان نموذجاً بارزاً للناهلين من فيض الإسلام ومدرسة الإمام الخميني." 3/1/2020
مؤشّران مهمّان في مدرسة الحاج قاسم
وإذا ما أردنا الإجابة على السّؤال الثاني فإنّنا عندما نقبل بأنّ "مدرسة الحاج قاسم" هي ذاتها "مدرسة الإمام الخميني (قده)" -وهي كذلك- نرى أنّه من الضّروري أن نتعرّف على خصائص وميزات مدرسة الإمام الخميني (قده) من أجل أن نعرف مدرسة الحاج قاسم. وقد تحدّث الإمام الخامنئي بالتفصيل في هذا الشّأن في 6 حزيران منذ 8 أعوام في حرم مفجّر الثورة الإسلامية الكبير الإمام الخميني (قد) بمناسبة الذكرى السنويّة لرحيل ذلك الحكيم الإلهي واعتبر أنّ مدرسة الإمام الخميني تنطوي على بعدين هامّين: "مدرسة الإمام [الخميني] رزمة ومجموعة كاملة لها أبعادها، وينبغي مشاهدة وملاحظة هذه الأبعاد مع بعضها. البعدان الأصليان في مدرسة إمامنا الجليل هما بعد المعنوية والعقلانية. بعد المعنوية معناه أن إمامنا الجليل لم يكن يسير في دربه اعتماداً على العوامل والظواهر المادية فقط، إنما كان من أهل الارتباط بالله وأهل السلوك المعنوي والتوجه إلى الله والالتفات والخشوع والذكر. وكان مؤمناً بالعون والمدد الإلهي، وأمله بالله تعالى كان أملاً لامتناهياً. وفي بعد العقلانية كان الإمام يستخدم العقل والتدبير والتفكير والحسابات ويأخذ هذه العناصر بعين الاعتبار." 4/6/2011
ثمّ ضرب قائد الثورة الإسلاميّة خلال كلمته هذا المثال حول عقلانيّة مدرسة الإمام الخميني: "نموذج آخر لعقلانية الإمام واعتماده على العقل والتدبير هو صلابته وعدم مرونته أمام العدو المهاجم ... وقف بوجهه كالجبل. الذين تصوروا و يتصورون أن مقتضى العقل هو أن يتنازل المرء أحياناً أمام العدو، كان الإمام يسير في الاتجاه المعاكس تماماً لتصوراتهم هذه. عقلانية الإمام و العقل الناضج القويم لهذا الرجل الإلهي كان قد أوصله إلى نتيجة فحواها أن أقل مرونة و تراجع و لين أمام العدو سوف يدفعه إلى التقدم." 4/6/2011
ثمّ واصل الإمام الخامنئي كلمته وتحدّث حول البعد المعنوي في هذه المدرسة قائلاً: " أما مظهر المعنوية لدى الإمام [الخميني] الجليل فهو بالدرجة الأولى إخلاصه. كان الإمام يقوم بالأعمال لله. منذ البداية كان يقوم بكل ما يشعر أنه من التكليف الإلهي. ولم يتوان عن التضحية في هذا السبيل. عمل الإمام بهذه الطريقة منذ بدء الكفاح في سنة 1341 [1962 م] وكان يتقدم إلى الأمام حسب تكاليفه وواجباته. وقد ذكر للناس والمسؤولين مراراً هذا الدرس وهو أن المهم هو التّكليف. فنحن ننهض بالتكليف وتبقى النتائج وحصولها على الله. إذن المظهر المهم للمعنوية في سلوك الإمام هو إخلاصه. لم يقل ولم يفعل شيئاً من أجل أن يثني عليه فلان وفلان. وما قام به من أجل الله بارك اللهُ تعالى فيه وأبقاه. هذه هي خصوصية الإخلاص." 4/6/2011
وكلا هاتين الصّفتين، أي بُعد التدبير والعقلانيّة، وبُعد الإخلاص والمعنويّة تجلّتا في سلوك وحديث الحاج قاسم بكلّ ما للكلمة من معنى. " الشهيد سليماني شجاعاً ومدبراً ولم يقتصر الأمر على الشجاعة، فالبعض لديهم الشجاعة لكنهم لا يمتلكون التدبير والحكمة اللازمة لاستخدام هذه الشجاعة. والبعض من أهل التدبير لكنهم لا يمتلكون القدرة على المبادرة والإقدام والعمل ولا يتحلون بالشجاعة اللازمة للعمل. وشهيدنا العزيز هذا كان يمتلك الشّهامة والشجاعة ... وكان أيضاً صاحب تدبير... وفوق كل هذا إخلاصه فقد كان مخلصاً وكان ينفق أدوات الشجاعة والتدبير هذه في سبيل الله، ولم يكن من أهل التظاهر والرياء وما إلى ذلك. الإخلاص مهم جداً. لندرّب أنفسنا على الإخلاص. " 8/1/2020
إضافة إلى هاتين الصّفتين الهامّتين؛ هناك عنصر أساسي آخر يبرز في السيرة العمليّة لمفجّر الثورة الإسلاميّة سماحة الإمام الخميني (قده). مكافحة الإمام الخميني الصّريحة والشجاعة للاستكبار ودعم المظلومين ومستضعفي العالم صفة أخرى تجلّت وبرزت أيضاً في مدرسة الحاج قاسم.
وقد شرح قائد الثورة الإسلاميّة هذه الرّؤية الثابتة التي تأبى التغيير لدى الإمام الخميني قائلاً: " لقد كان الإمام الخميني يقف بكل صراحة في الجبهة المعارضة للعتاة الدوليين والمستكبرين، ولا تأخذه في ذلك لومة لائم. لذلك كان يقف في جبهة المظلومين عند الصدام بين الجبابرة والمستكبرين والقوى العاتية في العالم من جهة وبين المظلومين من جهة أخرى، وكان يعبر عن ذلك بصراحة ومن دون ملاحظات وبلا تقية. كان مناصراً حقيقياً للمظلومين في العالم. لم يكن الإمام الخميني ممن يتصالح مع المستكبرين. لقد دعم الإمام الخميني شعب لبنان ودعم الفلسطينيين بكلّ مودّة وحب. هذا هو منطق الإمام الخميني في خصوص مواجهة الاستكبار". 4/6/2015
والشهيد الحاج قاسم سليماني الذي كان أيضاً من المتربّين في هذه المدرسة وبذل عمره في سبيل مكافحة مخططات أمريكا الاستكباريّة في منطقة غرب آسيا: "من نماذج تدبيره وشجاعته وهو ما يعلمه الأعداء جيداً – وربما لا يعلمه بعض الأصدقاء – أنه استطاع بمساعدة شعوب المنطقة أو عن طريق المساعدات التي قدمها لشعوب المنطقة إحباط كل المخططات غير المشروعة لأمريكا في منطقة غرب آسيا. استطاع هذا الإنسان أن يقف بوجه كل المخططات التي أعدت بأموال وإعلام الأمريكيّين الواسع وبقدراتهم الدبلوماسية وتعجرفهم وتعسفهم مع ساسة العالم وخصوصاً البلدان الضعيفة وأن يُحبط هذه المخططات في منطقة غرب آسيا. " 8/1/2020
والأمريكيّون لم يكونوا أبداً غير مكترثين لمنطقة غرب آسيا المهمّة والاستراتيجيّة ولطالما سعوا للهيمنة على فلسطين وسوريا والعراق ولبنان وسائر بلدان المنطقة التي تحاول معاداة الاستكبار الأمريكي. وقد تحدّث الإمام الخامنئي حول مخطّطات أمريكا في هذه المنطقة ودور الحاج قاسم سليماني في مكافحة تنفيذ هذه المخططات قائلاً:
"كان مخطط الأمريكيّين لفلسطين هو إيداع قضيّة فلسطين غياهب النّسيان وإبقاء الفلسطينيين في حالة ضعف فلا يتجرأوا أن يفكروا في الكفاح، لكن هذا الرجل بسط أيدي الفلسطينيين وملأها، وعمل ما من شأنه أن تقف منطقة صغيرة جداً مثل شريط غزة بوجه الكيان الصهيوني بكل ادعاءاته وتنزل بهم من الويلات والكوارث ما يجعلهم بعد 48 ساعة يطالبون بوقف إطلاق النار، هذا ما فعله الحاج قاسم سليماني. جعلهم أقوياء مبسوطي الأيدي. فعل ما جعلهم يستطيعون الوقوف والصمود والمقاومة. وهذا ما قاله لي إخوتنا الفلسطينيون مراراً وتكراراً، وبالطبع كنت أعلم ذلك لكنهم هم أيضاً جاءوا وشهدوا بذلك عندنا. في الزيارات العديدة التي قام بها هؤلاء القادة الفلسطينيون صرّحوا كلهم بهذا الأمر. ومع ذلك كان الحاج قاسم في الاجتماعات التي غالباً ما نعقدها مع هؤلاء المسؤولين ممن لهم علاقة بأعماله ومهامه – الاجتماعات الرسمية العادية – كان يجلس في زاوية لا يُرى فيها أصلاً. وفي بعض الأحيان يريد المرء أن يستوضح شيئاً أو يستشهد بشيء فيجب عليه أن يبحث ليعثر عليه، لم يكن يضع نفسه تحت الأضواء وأمام الأنظار ولا يتظاهر بشيء.
أحبطت مخططات أمريكا في العراق وسورية ولبنان بمساعدات ونشاطات هذا الشهيد العزيز. الأمريكيّون يرغبون أن يكون العراق مثل النظام الطاغوتي الإيراني – النظام البهلوي في إيران في زمن الطاغوت – أو النظام السعودي اليوم، منطقة مليئة بالنفط وخاضعة لهم يفعلون فيها ما يشاؤون، وعلى حد تعبير ذلك الشخص «مثل البقرة الحلوب»؛ هكذا يريدون العراق. لكن العناصر العراقية المؤمنة والشجاعة والشباب العراقيين والمرجعية في العراق وقفت بوجه هذه الأمور، وقام الحاج قاسم (رضوان الله تعالى عليه) بمدّ يد العون لهذه الجبهة التعبويّة كمستشار نشط وساعدهم وتصرف هناك كداعم كبير. وهذا ما كان الحال عليه في سورية أيضاً وكذلك في لبنان. في خصوص لبنان يرغب الأمريكيّون أن يُحرم لبنان من أهم عوامل استقلاله – أي قوى المقاومة وحزب الله – ليكون لبنان أعزلاً مقابل إسرائيل حتى تأتي وتستولي على بيروت مثلما فعلت قبل سنين. لكن حزب الله بحمد الله ازداد قوة يوماً بعد يوم، وهو اليوم يد لبنان وعين لبنان، ودور شهيدنا العزيز في هذا الوضع دور مميّز وبارز، دور التدبير والحكمة والشجاعة من مجاهد شجاع وأخ مخلص. " 8/1/2020
تقارن هذه الصّفات والمؤشّرات جعل من الشّهيد الحاج قاسم نموذجاً بارزاً للنّاهلين من فيض الإسلام ومدرسة الإمام الخميني (قده). وكما أنّ مدرسة الإمام الخميني (قده) اليوم تحيي بصيص الأمل وتعلّم مسار ونهج المقاومة؛ فإنّ مدرسة الحاج قاسم هي أيضاً مصداق بارز وكامل وشامل لجميع الأحرار والمكافحين للظّلم حول العالم. هي مدرسة ستحصر النّصر النهائي في الحرب مع الظالمين والمتغطرسين بناء على الوعد الإلهي الذي لا يخلف وسوف تبسط القسط والعدل في أرجاء العالم.