بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الحمد للّه ربّ العالمين، والصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وعلى آله الطّاهرين، ولا سيما بقية اللّه في الأرضين.
السلام على الحسين، وعلى علي بن الحسين، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين.
تعاضد أكاديميات القوّات المسلّحة وكليّاتها وتبادل الخبرات بينها يُشكّلان بُشرى وفُرصة عظيمتين
في البداية، أُبارك لطُلابنا الشّباب، النُّجباء، الأعزاء، خرّيجي الأكاديميّات والكُليّات العسكرية التابعة لقواتنا المسلّحة، كما أبارك للطلاب الشّباب الذين علّقوا رُتبهم والتحقوا بهذه الكليّات، ويستعدّون لطَيّ مراحل الدراسة التي تبعث على الفخر. كذلك، أشكر السيد رئيس هيئة الأركان العامة على كلمته المقتضبة والمفيدة(1)، والتقارير الجيدة التي قدمها، والقادةَ في الأكاديميّات العسكرية التابعة للقوات المسلّحة، وأيضاً مُقدّمَ المراسم على نثره الفصيح. إنّ اجتماع طُلاب الأكاديميّات العسكرية التابعة للقوات المسلّحة جميعاً في زمن واحد ومكان واحد، في هذه المراسم، يحمِل في طيّاته بُشرى عظيمة هي إتاحة الفُرصة لأكاديميات القوّات المسلّحة المختلفة لتلتقي وتتعاون وتتعاضد وتتبادل الخبرات، فبلا شكّ هذا التواصل بين الأكاديميّات سيعود عليها بالنفع. مكان الاجتماع أيضاً هو أكاديمية الإمام علي (ع) التي تحظى بتاريخ عريق. لا أنسى أبداً كيف أن عدداً من طلاب هذه الأكاديمية التحقوا في أوائل الحرب المفروضة عام 1980 بجبهات الأهواز وسوسنكرد، وانخرطوا في القتال، وبدؤوا حياتهم الجهادية منذ أيّام دراستهم.
نعمة الأمن تمثّل قيمة كبيرة جدّاً وأساسيّة وعنصراً حيويّاً للبلاد
أيها الأعزاء: من الأشياء التي تمنح القيمة لعمل ما الهدفُ من هذا العمل. إنْ كنا نريد أن نعرف قيمة الأعمال، فعلينا أن نعرف أهدافها. إنْ كانت هذه المعادلة صحيحة – هي بلا شك صحيحة–، فإنّ الدراسة في الأكاديميّات العسكرية والجامعات التابعة للقوات المسلّحة تُعدّ واحدة من أشرف الأعمال وأكثرها قيمة على الإطلاق. لماذا؟ لأنه بالدراسة في هذه الأكاديميّات، يلتحق شبابنا بالقوّات المسلّحة التي تحفظ أمن البلاد، وأمنُ البلادِ أمرٌ قيّم جدّاً وأساسي وعنصر حيوي. من دون الأمن، ستختلّ جميع القِيَم المُهمّة في البلاد: الرفاه والعدالة والعلم والتعلّم وغيرها. على هذا، إنّ الوجود في هذه الأكاديميّات فُرصة مُهمّة جدّاً وعمل قيّم جدّاً. وإنّ الدراسة في هذه الأكاديميّات والتخرج فيها يهيّئكم، إن شاء الله، للقدرة على أداء عملٍ من أكثر الأعمال قيمةً، وهو الحفاظ على أمن بلادكم وشعبكم.
الخدمات التي تقدمها القوّات المسلّحة إلى الشّعب على مختلف الصعد
طبعاً، إنّ القوّات المسلّحة فضلاً عن حفاظها على الأمن تقوم على أعمال أخرى مُهمة، من أعظمها الخدمات التي تُقدّمها إلى الشّعب. سواء الجيش، أو «حرس الثورة الإسلامية»، أو قوّات الأمن والشرطة، أو قوّات «التعبئة»، جميعهم قدّموا خدمات متنوعة إلى الشّعب الإيراني على مدى السنوات الماضية، ولا سيّما في المدة الأخيرة، سواءً على صعيد البُنى التحتية، مثل بناء السّدود أو إنشاء الطُرقات أو مصافي النّفط وغيرها، أو على صعيد الصحّة والعلاج مثل المشاركة في حملة التّلقيح ضد شلل الأطفال. لقد أدّت القوّات المسلّحة أعمالاً عظيمة! اليوم على صعيد مرض «كورونا» أيضاً نجد القوّات المسلّحة في السّاحات يُقدّمون أنواع الخدمات والأعمال اللازمة. (مثلاً) على صعيد المُساعدات الإغاثية، أنجزت القوّات المسلّحة أعمالاً جيّدة جدّاً. طبعاً هم لا يعلنون أعمالهم ولا يلجؤون إلى الدعاية، لكننا على اطّلاع على ما يفعلونه. كذلك، كان للقُوّات المسلّحة دورٌ خلال الأشهُر الماضية في مبادرة التكافل والعون الايماني. كما أن دورها واضح في حوادث السّيول والزّلازل وأمثالها. حقّاً كان لها دورٌ فعّالٌ في عمليات الإنقاذ خلال السيل الذي وقع في ربيع 1398 [2019]، وقَبلَه في الزلزال الذي ضَرَب محافظة كرمان. بناءً عليه إنّ قواتنا المسلّحة، بحمد الله، عزيزة شريفة عظيمة، وهذا ما يمكن للجميع أن يشعروا به.
القدرات الدّفاعية والاستقرار الاقتصاديّ والقدرة الثّقافية هي الأركان الثلاثة للاقتدار الوطني
أيها الأعزاء: إنّ القدرات الدفاعية واحدةٌ من أركان الاقتدار الوطنيّ. إنْ رأينا أنّ لاقتدارنا الوطني ثلاثة أركان رئيسية على الأقلّ، فسيكون أحد هذه الأركان الاستقرارَ والثّبات الاقتصادي، وهو مهم جدّاً، والآخر هو القدرة والنّضج الثقافي، وهو ركن أساسي جدّاً، ثم الرّكن الثالث وهو القدرات الدفاعية. إنّ القدرة الدفاعية عنصر حيوي لأي دولة أو شعب. إنْ فقدت الشعوب قدرتها الدفاعية، فلنْ يتركها الآخرون من أهل الاعتداء والاستغلال والتدخّل والطّمع بالدول والشعوب الأخرى، وأمثال هؤلاء كثيرون اليوم في العالم، مثل أمريكا وبعض الدول الأخرى. إنْ لم يكن هُناك قُدرات دفاعية لدى دولة ما، فلن يتركها الآخرون ترتاح، وسيتدخلون في كل شؤونها، وترون اليوم كيف تتعرض بعض الدول لطرق الاستباحة كافة.
الأساس العقلاني والمنطقي لحسابات الاقتدار
إنّ الاقتدار في الجمهورية الإسلامية يقوم على أسُس عقلانيّة، أي أننا لا نبني اقتدارنا على أساس الارتباك والمشاعر والعواطف والأوهام وأمثال ذلك. حساباتنا في موضوع الاقتدار الوطني حسابات عقلانيّة، أي حسابات منطقيّة وصحيحة. فحجم قدراتنا الدفاعية، وعديد قواتنا المسلّحة، وكيفية تقسيم المسؤوليّات بين هذه القوّات، وتحديد نوعيّة الوسائل الدفاعية، كلّها على أساس حسابات منطقيّة وصحيحة، أي على أساس العقلانيّة. إنْ أردنا أن نستخدم العقلانية لنعرف مستوى قدراتنا الدفاعية، يجب علينا أن نعرف التّهديد بحجمه الحقيقي. أحياناً يلجأ الأعداء إلى إخفاء التّهديد ليباغتوك، وأحياناً يُظهرون التّهديد مُضخّماً عشرة أضعاف عن حجمه الحقيقي ليبثّوا الخوف والرّعب في نفوس شعوب العالم، وهذا ما تمارسه أكثر القوى الكبرى، فهم يُظهرون قدراتهم أكبر بكثير مما هي عليه في الواقع، ليُجبروا الآخرين على الاستسلام لهم. إنِ استطاع الإنسان أن يرى التّهديد بحجمه الحقيقي، وإنِ استطاع شعب أو بلد، أو قوّاتهما المسلّحة، أو مسؤولو هذه القوّات وقادتها، أن يروا التّهديد بحجمه الحقيقي، وأن ينظروا بواقعيّة إلى قدراتهم وإمكاناتهم ويعملوا على تطويرها وتعبئتها وإعدادها – {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} (الأنفال، 60) – فإنّ هذا بلا ريب سيحمي المصالح الوطنية ويحفظ وجود الوطن وهويته. إذا امتلك شعب قدرات دفاعية مبنية على أساس هذه الحسابات، عندئذ سيشعُر مسؤولوه بالاطمئنان، وينعم شعبه بالراحة وينشغلون بالأعمال الأساسية اللازمة لكل بلد. هذه حال القدرة الدفاعية.
الفرق بين العقلانيّة والحسابات الصّحيحة وبين الخوف من العدوّ وترك السّاحة
قُلنا إنّ العقلانية تعني الحسابات الصحيحة، الحساب الصحيح والدّقيق وأجهزة اتخاذ قرار سليمة؛ العقلانيّة هي بهذا المعنى. البعض عندما يذكر العقلانية والتعقّل يقصد بهما الخوف، وعندما يقولون لك «تعقّل» أي عليك أن تخاف وتكون مرتبكاً، أي «اهرب من المواجهة مع العدو»! هذا الكلام غير صحيح أبداً، لا يحقّ للجُبناء أن يذكروا العقلانية على ألسنتهم. الخوف والهرب وترك الساحة ليست عقلانية، بل هي جبنٌ وفرارٌ وأمثال ذلك. العقلانية هي الحساب الصّحيح للأمور. طبعاً يسعى العدوّ إلى نشر هذا المعنى الخطأ للعقلانية، وأحياناً يكرر البعض كلام العدوّ من غير علم.
عندما ترون كل هذه الحملة الدعائية التي يشنّها الأعداء حول قدراتنا الصاروخية وإمكاناتنا العسكرية وقدراتنا الإقليميّة – هذه القدرات المهمّة لتعزيز قدراتنا الدفاعية – وتلك الترّهات تصدر عن الأمريكيين الأوغاد السخفاء، ويتبجّحون بها بكل صلافة ووقاحة، وأينما ذهبوا يطعنون بالجمهورية الإسلامية... سبب كل هذا هو أن قدراتنا وإمكاناتنا الأساسية مبنية على حسابات دقيقة، وإن شاء الله ستزداد تطوّراً. هذه الدعاية من الأعداء دليل على تراجعهم في الساحة وخوفهم. على هذا المهم هو أن نحافظ على جهاز الحسابات سليماً ولا نعرّضَه للخلل. فهذا الجهاز إنْ تعرّض للخلل، فسنفقد الكثير من قدراتنا وإمكاناتنا، وستتبدّل ظروفنا وأوضاعنا من الحسن إلى السيّئ.
ليست مسائل القوّات المسلّحة والقضايا الدفاعية فقط ما يجب أن تُبنى على العقلانية، بل جميع المسائل المهمّة لإدارة أي بلد، خاصّة الجمهورية الإسلامية، يجب أن تُبنى على العقلانية. الإسلام أكد كثيراً موضوع العقل والتعقّل والتفكّر. وإنْ كُنّا نريد للأمور أن تتقدم بطريقة صحيحة، فعلينا أن نعمل على أساس العقلانية. علينا أن نعتمد العقلانية في مُحاربتنا الظلم، وفي تحقيق العدالة. حتى المواجهات الاجتماعية يجب أن تكون على أساس العقلانية والحسابات الصّحيحة. علينا ألّا نضيع في الأمور الفرعية والهامشية ثمّ نترك الأمور الأساسية والأصلية.
إمكانيّة معالجة المشكلات الاقتصاديّة والمعيشيّة
كُنّا قد ذكرنا أن الاقتدار الوطني يقوم على ثلاثة أركان: الركن الأول هو القدرات الدفاعيّة، والثاني هو المسائل الاقتصادية وموضوع ثبات واستقرار الاقتصاد، والثّالث هو القضايا الثقافية. على صعيد المسائل الثقافية، عندما طُرح موضوع الغزو الثقافي مثلاً، وجدنا أن العدوّ أُصيب بالإرباك، وبدأ يُركّز في حملته الدعائية على شعار «المواجهة مع الغزو الثقافي»، أي إنّ امتلاككم الوعي واليقظة حول موضوع الغزو الثقافي أرعب العدوّ. الأمر نفسه بالنسبة إلى المسائل الاقتصادية. طبعاً هناك ضغوطات اقتصادية، ونحن نواجه مشكلات في هذا المجال، والناس يُعانون من صعوبات في المعيشة، لكن كلّ هذا قابل للعلاج. أنا لا أعتقد بأن الجهات المعنية بالشأن الاقتصادي لا تبذل جُهدها، بل هناك الكثير من الجهود الجيّدة التي بُذلت وتُبذل الآن، ولا سيّما في بعض القطاعات. طبعاً هناك ضعف إداري في بعض القطاعات، ونحن نقرّ بأنّ بعض قطاعاتنا الاقتصادية تُعاني من ضعف في الإدارة. لدينا قرارات جيدة لكن يجب أن تُتابع. تطرّقت إلى هذا الموضوع هنا، وذكرت المسائل الاقتصادية إلى جانب مسألة القدرة الدفاعية التي هي من أهم مسائلنا، كي لا نغفل عن القضايا الاقتصادية، وليكون لدينا رؤية جامعة لهما معاً. يجب أن تكون الإدارة قويّة وفعّالة ولا تعرف التّعب. في كل موطن، كان لدينا إدارة بهذه المواصفات، إدارات لا تعرف التّعب، ونشيطة وفعّالة. كنا نجد التقدّم في العمل، لكن في كل موطن لم يكن فيه هذا الحضور اللازم والدائم، كانت تحدث مشكلات.
التركيز على الإنتاج، والحيلولة دون الانخفاض المتتالي لقيمة العملة الوطنية، وسدّ الثغرات
كرّرنا الحديث في السّنتين أو السّنوات الثّلاث الماضية حول علاج المسائل الاقتصادية، وقُلنا إن العلاج يكون بالاعتماد والتّركيز على الإنتاج، والحيلولة دون الانخفاض المتتالي لقيمة العملة الوطنية، وسدّ الثغرات. هناك ثغرات موجودة تمنع أحياناً الأعمال الجيّدة في البلاد من أن تتحقّق، مثل: التّهريب، الاستيراد غير المدروس، الفساد المالي. هذه جميعها ثغرات تمنع الأعمال التي يجري إنجازها من الوصول إلى نتائجها. لذا علينا أن نسعى ليل نهار، وألّا نعرف الكلل أو الملل، وأن نتابع أعمالنا دائماً؛ عندئذ، إن شاء الله، يحدث التغيير.
الاستقامة مقابل الحظر الاقتصادي الأمريكي الخبيث
طبعاً لا يُمكن تجاهل الدّور الخبيث لأمريكا. هذا الحظر الاقتصادي الأمريكي الخبيث هو جريمة بما للكلمة من معنى. ما علينا إلّا أن نُقاوم، وأن نصمد، وإن شاء الله، لن تجني أمريكا من هذا الحدّ الأقصى من الضغط إلا أقصى درجات الخيبة. هذا ما سنعمل عليه، وبتوفيق من الله، سنجعلها تندم على أفعالها. هم يواصلون جرائمهم ضدنا، ويُظهِر الرئيس الأمريكي الفرَح: نعم، إننا مارسنا الحدّ الأقصى من الضغط الاقتصادي والحظر، وعطّلنا الاقتصاد الإيراني [كما يعبّر ترامب]. أولاً هذا العمل جريمة، والأوغاد من شاكلتكم فقط يفتخرون بمثل هذه الجرائم، وإلّا فإنّ هذا ليس مدعاة للفخر؛ ترتكبون جريمة بحقّ شعب كامل ثم تفتخرون! هذا أولاً. ثانياً أوضاعكم نفسها سيّئة جدّاً، فأمريكا التي تعاني من عجز في الميزانية يبلغ آلاف مليارات الدولارات ولديها عشرات ملايين المشردين والجائعين الذين يعيشون تحت خط الفقر – وفقاً لإحصاءاتهم – لا تنعم بوضع اقتصادي جيّد، بل يزداد وضعها الاقتصادي سوءاً يوماً بعد يوم، وتتفاقم ديونها. ثالثاً، إن شاء الله، سنفقأ عين المسؤولين الأمريكيّين المتبجحين الأوغاد الخونة المجرمين، وسنتمكّن بإيماننا الرّاسخ وعزمنا الوطني من أن نتغلّب على المشكلات والصعوبات كافة، وإن شاء الله، سننهض بالأوضاع من جديد.
استخدام الحظر لصناعة اقتصاد مقاوم في البلاد
سنستفيد من هذا الحظر لنجعل اقتصادنا مقاوماً، أي أن هذا الحظر سيجعل اقتصادنا مقاوماً، إن شاء الله، وسيُمكّننا من إيجاد اقتصاد مقاوم في البلاد، بما للكلمة من معنى.
ذكرت هذا سابقاً وأعيد وأكرّره: ليعلم كل الفاعلين في مختلف القطاعات الاقتصادية وغير الاقتصادية أن علاج المشكلات جميعاً هو في الداخل. الكثير من مشكلاتنا تعود إلى الخارج لكن علاجها في الداخل. لا يُفتّشنَ أحدٌ عن علاج المشكلات في الخارج لأنّنا لن نحصل من الخارج على أيّ فائدة أو خير؛ العلاج موجود في الداخل: حسن الإدارة والتّدبير، والسّعي، والنّظرة الصحيحة، والحسابات الصّحيحة للأمور في البلاد والمنطقة. إن شاء الله سنتمكن بالحكمة وبالعزيمة وبالإرادة الرّاسخة من التغلّب على المشكلات جميعاً، ويجب ألّا نسمح لهذه التُرّهات التي يتبجّح بها هؤلاء الأوغاد المتسلّطون على الشّعب الأمريكي أن تشوّش أذهاننا.
توصيات عدّة للقوّات المسلّحة
1– التّنبؤ بالتّهديدات الجديدة ووضع الخطط لمواجهتها
حسناً، لنعُدْ إلى القوّات المسلّحة. أريد أن أقدّم عدداً من التّوصيات تخصّ الأكاديميّات والكليّات العسكرية. من الأمور المُهمّة التي يجب أن نعلَمها أن التّهديدات الموجّهة إلى أي بلد، ومنها بلدنا، في حالة تغيير دائم. فما يُنظر إليه اليوم على أنه تهديد عسكري ليس بالضّرورة أن يكون كذلك قبل عشرين سنة مثلاً، فهناك اليوم تهديدات جديدة تأخذ شكل التّهديدات العسكرية. ولأنّ التّهديدات في حالة تغيير، يجب على الأكاديميّات والكليّات العسكرية أن تكون لها خططها للتعامل مع هذه التهديدات الجديدة والمتطوّرة. لا بدّ من أن يُلتفت إلى هذا الأمر في أبحاث الكليّات والأكاديميّات وتحقيقاتها، وأن يكون لديهم خطط للمواجهة. فوق ذلك عليهم أساساً أن يملكوا القدرة على التّنبؤ بهذه التّهديدات. مثلاً لدينا اليوم تهديدات تستهدفنا عبر الفضاء الافتراضي لم تكن موجودة قبل عشر سنوات، ومن الممكن بعد سنوات أن تظهر تهديدات جديدة من هذا النّوع، فعلى الأشخاص من أهل الفكر أن يجلسوا ويسعوا إلى التّنبؤ بهذه التّهديدات، بالحكمة والعقل الجماعي والبحوث في الكليّات والأكاديميّات. يجب أن يحتلّ هذا الأمر المُهمّ حيّزاً كبيراً من نشاط أكاديميّاتنا العسكرية وعملها، وأن يكون لديها كلام جدير لتقوله في هذا المضمار.
2 – أهميّة تحويل تجارب «الدّفاع المقدّس» إلى نظريات تُدرّس وأبحاث وتحقيقات
إنّ قواتنا المسلّحة في مرحلة «الدّفاع المقدّس» وحتّى بعدها اكتسبت تجارب وخبرات قيّمة، أي أنّ بعض التكتيكات والأعمال العسكرية التي نفذتها قوّاتنا خلال «الدّفاع المقدّس» لا مثيل لها في العالم، فالكثير من عملياتنا تضمّنت تجارب استثنائية من عمليات «ثامن الأئمة (ع)» إلى «الفتح المبين»، ثم «بيت المقدس» فـ«خيبر» فـ«الفجر 8» إلى «كربلاء 5» وأمثالها؛ نجد أن هناك أعمالاً استثنائية أُنجزت في هذه العمليات المظفّرة. حتى في العمليّات التي لم يُكتب لها النجاح مثل «كربلاء 4» و«رمضان» وأمثالهما توجد تجارب قيّمة أيضاً علينا أن نستفيد منها. طبعاً يجري اليوم الحديث عن هذه التجارب في الكليّات والأكاديميّات، وهذا حسن جدّاً لكنه غير كافٍ. لا بدّ أن تتحوّل هذه التجارب إلى نظريات، نظريات دفاعية، تُدرّس في الكُليّات، ويُجرى حولها أبحاث وتحقيقات، وأن يُعمل على تحديثها كي تكون مطابقة لحاجات العصر، وأن يُستفاد منها، إن شاء لله، فهي ثروات قيّمة جدّاً علينا أن نُحسن استغلالها ونعمل على تطويرها وتكميلها.
الاهتمام بمسائل التّربية الأخلاقية، والجمال المعنويّ للشّباب
من المواضيع الأُخرى مسألة التربية الأخلاقية. وفقاً للتقارير التي قدّمتموها إلينا هنا، والتقارير التي وصلتني سابقاً من أماكن مختلفة، واضحٌ أنه يوجد أعمال جيّدة يتمُّ إنجازُها في كُليّاتنا في الجوانب الدينية والإيمانية والعقديّة والأخلاقية. لكنّني أُولي أهميةً لجانب التربية الأخلاقية أكثر من غيره، فينبغي لكُليّاتنا أن توليه اهتماماً أكبر. يجب علينا أن نصقل نفوس شبابنا الأعزّاء. هؤلاء الشّباب الموجودون هنا هم أبناؤنا الأعزاء، هم الأرواح الطيّبة والنّفوس السّليمة في مجتمعنا. هؤلاء الشّباب هم الفئة الأفضل من شعبنا وفي مجتمعنا. لذا، علينا قدر الإمكان أن نعمل على تهيئة الوسائل اللازمة لصقل نفوسهم. إنّ جمالهم المعنوي يكون بتحلّيهم بالتّقوى والإخلاص والشّجاعة والتّواضع، والوفاء بالعهد، والعمل بالقول الذي قطعوه على أنفسهم تجاه النّظام والإسلام والثّورة، فهذه من أهم الخصال المعنوية التي يجب أن يتحلّوا بها. طبعاً التحلّي بهذه الخصال ليس خاصاً بالقوّات المسلّحة فقط، بل يشمل القوى الشّابة كلَّها في البلاد، ولا سيّما القوى الثّورية التي ترى نفسها في خطّ الثّورة والدّين والتّقوى، وهي كذلك. يجب عليهم جميعاً الاهتمام بهذه الجوانب. ذلك لئلا تغُرّ الدّنيا شبابنا وينشدّوا إلى جمع المال والجاه والمقام، إذا ما استلموا مسؤولية ما. نريد لشبابنا أن يعملوا بإخلاص مثل مرحلة «الدّفاع المقدّس» حين كانوا كذلك بالفعل، وأولئك الذين شاركوا في تلك المرحلة وضحّوا وعملوا بكلّ إخلاص وتفانٍ واستطاعوا بفضل ذلك أن يتقدّموا، ثم تابعوا من بعدها على النهج نفسه في مختلف الساحات. إنّ الرّكض خلف النجاحات الدنيوية يُعرقل العمل. وإنّ وجود أشخاص يُنجزون أعمالهم لأهداف دنيوية، وللوصول إلى المال والجاه والمقام وأمثال ذلك، من شأنه أن يُعيق التقدم، فالعمل يتقدّم بالمجاهدة والإخلاص.
وجود ضوابط ملزمة لمواجهة «كورونا»
آخرُ موضوع أُريد أن أتطرّق إليه هو «كورونا»، فقد ألزمنا أنفسنا الحديثَ عنه في كلماتنا جميعها. في البداية، أتوجّه بالشّكر المُجدّد والحارّ إلى جميع المسؤولين والعاملين المعنيّين بملفّ «كورونا»، من أطبّاء ومُمرّضين وعُمّال ومُوظّفين. في هذه الموجة الثّالثة من المرض التي تُعدّ في الحقيقة خطيرة ومؤلمة لكل إنسان ينظر إلى حجم البلاء والخسائر التي تُخلّفُها، يجب علينا أن نشكر أولئك الذين يعملون ويضحّون في سبيل التّصدي لهذا المرض. ما أريد أن أقوله اليوم هو أنّ الضّوابط الصّحية للتعامل مع هذا المرض يجب أن تأخذ صِفة الإلزام. طبعاً كُنت مُنذ مدّة سابقة قد طلبت من المسؤولين المحترمين، من رئيس الجمهورية المحترم والآخرين، أن تصير الضّوابط إلزامية. هناك بعض أنواع النّشاطات والفعّاليات يجب أن تُعطّل، وبعض الأسفار يجب أن تُمنع. كما لاحظتم، قد تقبّل شعبُنا المُتديّن والمؤمن موضوع منع السفر لزيارة «الأربعين»، وقلنا لهم: لا تذهبوا إلى الحدود، فلم يذهبوا. هذا مُهمّ جدّاً. في مسألة الضوابط التي حدّدتها «الهيئة الوطنية لمكافحة كورونا» بشأن مجالس العزاء، نجد أن النّاس المؤمنين والمتديّنين راعوا هذه الضوابط والتزموها بدقّة. هذا الأمر يجب أن يسري على المجالات جميعاً وأن يأخذ صفة الإجبار والإلزام. لا بدّ من منع بعض الأسفار. أحياناً بعض الأسفار تتسبّب في انتشارٍ واسعٍ للمرض لدرجةٍ لا يُمكن فيها السّيطرة عليه، وهذا يدعو للأسف. لذا، على الجميع أن يتحمّلوا مسؤولياتهم سواء بالقول أو بالعمل، كي نستطيع، إن شاء الله، الخلاص من هذا المرض، وينعم شعبنا بالرّاحة من هذا البلاء العظيم.
أستودعكم الله جميعاً، وأدعو لكم، وأتمنى من الله المتعالي أن يزيدكم جميعاً من توفيقه ولا سيما الإخوة المسؤولين، والشّباب الأعزاء، والطلاب، والخرّيجين.
والسّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
1- في بداية هذه المراسم، قدّم عدداً من التقارير رئيسُ هيئة الأركان العامة للقوات المسلّحة اللواء محمد باقري، وقائد أكاديمية الإمام الحسين (ع)، العميد نعمان غلامي، وقائد أكاديمية الإمام علي (ع)، العميد ثاني علي أوجاقي، وقائد أكاديمية أمين لعلوم الشرطة، العميد ثاني لطف علي بختياري.